"المادة
منقولة من النترنت لا ذكر للكاتب}
ما هو التفسير اللاهوتي لقول المسيح علي
الصليب الهي الهي لما تركتني؟
إن
نداء المسيح على الصليب " إِلهِي، إِلهِي، لِمَاذَا تَرَكْتَنِي"، يكمن
تفسيره في نقطتين:
الأولى: هي أن الآب ترك المسيح للصلب
والعذاب لكنه لم يفارقه أو ينفصل عنه أبدًا، لأنه كان دائمًا يسير بحسب إرادة
الآب؛ وتلك الكأس كانت بحسب خطة ومشيئة الآب منذ البدء، كما أكد المسيح:
"42.... لكِنْ لِتَكُنْ لاَ إِرَادَتِي بَلْ إِرَادَتُكَ" لوقا 22.
فكانت إرادة الله الآب أن يترك المسيح للصلب والعذاب. وهذا التفسير المقبول لدى
الكنائس التقليدية، وهو لا غبار عليه كتابيًا.
الثانية: هي إن تفسير قول المسيح لعبارة
"إلهي إلهي لماذا تركتني" أيضًا كان سببه ببساطة أن يستشهد المسيح
بمزمور 22 وهو على الصليب. لكي ينبه جميع اليهود الذين يصلبوه، أنه اليوم قد تم ما
هو مكتوب في المزمور عن آلامه وصلبه. فعلى وقت المسيح، لم يكن هناك ترقيم للنصوص
الكتابية، فكانوا يستشهدون بالنص إمَّا عن طريق ذكر أول عبارة وآخر عبارة فيه، أو
بذكر كلمة أو عبارة جوهرية فيه. فالمسيح ذكر أول عبارة في مزمور 22، وهي:
"إلهي إلهي لماذا تركتني.." وآخر عبارة هي: "..قد فعل"،
حينما صرخ وقال "قد أكمل". فيجب أن ندرك أن الترقيم لم يكن موجودًا
للكتاب المقدس على زمن المسيح، فكان اليهود يسمون المزامير من خلال أول كلمة أو
كلمتين. أيضًا للإصحاحات وضعوا عناوين وهي كلمة أو كلمتين من أوائل النص أو
منتصفه؛ نرى بعض هذه التقاليد لا زالت متبعة في قراءات صلواتهم إلى اليوم. مثلا
تكوين 1 يسمونه "في البدئ" "בראשית" أي بأول كلمة؛ وتكوين 6
يسمونه "نوح" "נוח"؛ وتكوين 12 "إذهب" "לך-לך"؛ وتكوين 23 "حياة سارة" "חיי שרה"؛ وتكوين 25 "مواليد" "תולדות"؛ وتكوين 28
"ويخرج" "וייצא"؛ وتكوين 32 "وصرف" "וישלח"؛ وتكوين 37
"وسكن" "ויישב"؛ وتكوين 41 "من بعد" "מקץ"...إلخ.
فكان المسيح ببساطة يحاول أن يستشهد في
مزمور 22، كإشارة لجميع البشرية أنه في ذلك اليوم قد تم ما هو مكتوب عنه في هذا
المزمور؛ فاستشهد بأول عبارة (إلهي إلهي لماذا تركتني)، وآخر عبارة (قد فعل).
أما عبارة "قد فعل" " τετέλεσται" (يوحنا 19: 20)، فهذه الكلمة تعني بحسب قاموس سترونج (complete, execute, conclude, discharge (a debt): - accomplish, make an
end, expire, fill up, finish, go over, pay, perform)
وهي نفس كلمة " עשׂה " أو " כי עשׂה" "فعل" أو "قد فعل"، التي في
آخر مزمور 22.
فيكون المسيح قد قال: "21 الْيَوْمَ
قَدْ تَمَّ هذَا الْمَكْتُوبُ فِي مَسَامِعِكُمْ"، في بداية خدمته (لوقا 4)؛
وأنهى خدمته بالجسد بما هو مكتوب عنه في مزمور 22. أي بدأ بالمكتوب، وأنهى
بالمكتوب.
لكن هذا يقودنا لسؤال آخر:
وحتى لو كان قصد المسيح أن يستشهد بمزمور
22 وقال "إلهي إلهي لماذا تركتني"؛ لا زال هذا الاستخدام يعني أن الله
الآب فارقه عند الصليب!! أليس كذلك؟؟
الرد: إن قول المسيح للعبارة، لا يعني كما
قلنا أن الآب ترك المسيح الإنسان أي انفصل عنه، بل تركه للعذاب؛ لكن أيضًا لا
يعني بالضرورة أن هذه العبارة تنطبق على المسيح أصلا؛ فليس كل المزمور ينطبق على
المسيح؛ فمثلا آية: " 2 إِلَهِي فِي النَّهَارِ أَدْعُو فَلاَ تَسْتَجِيبُ. فِي
اللَّيْلِ أَدْعُو فَلاَ هُدُوءَ لِي"، لا تنطبق على المسيح أبدًا الذي
"سمع له من أجل تقواه" (عبرانيين 5: 7) وأيضًا قال يسوع: "42
وَأَنَا عَلِمْتُ أَنَّكَ فِي كُلِّ حِينٍ تَسْمَعُ لِي.." يوحنا 11؛ لكن
هذه الآية (العدد 2) تنطبق على داود وليس على المسيح. فبعض النصوص النبوية، كانت
تتكلم عن حدث كان في الماضي للنبي الكاتب؛ لكن في نفس الوقت، تتكلم عن حدث سيحدث
في المستقبل. فجزء من مزمور 22، ينطبق على المسيح ولا ينطبق على داود، مثل "16... ثَقَبُوا
يَدَيَّ وَرِجْلَيَّ"...إلخ؛ وجزء من المزمور ينطبق على داود ولا ينطبق على
المسيح. هكذا عبارة "إلهي
إلهي لماذا تركتني"، لا تنطبق على المسيح، بل على داود بحسب رأيي، انما
قالها المسيح ليستشهد فقط بالمزمور. ونرى هذه الحقيقة أيضًا من خلال عظة بطرس يوم
الخمسين، عندما استشهد بمزمور 16، وقال:
"27 لأَنَّكَ لَنْ تَتْرُكَ نَفْسِي فِي
الْهَاوِيَةِ وَلاَ تَدَعَ قُدُّوسَكَ يَرَى فَسَادًا...29 أَيُّهَا الرِّجَالُ
الإِخْوَةُ، يَسُوغُ أَنْ يُقَالَ لَكُمْ جِهَارًا عَنْ رَئِيسِ الآبَاءِ دَاوُدَ
إِنَّهُ مَاتَ وَدُفِنَ، وَقَبْرُهُ عِنْدَنَا حَتَّى هذَا الْيَوْمِ. (أي رآى فسادًا، ولم ينطبق عليه القول الذي قاله في المزمور) 30
فَإِذْ كَانَ نَبِيًّا، وَعَلِمَ أَنَّ اللهَ حَلَفَ لَهُ بِقَسَمٍ أَنَّهُ مِنْ
ثَمَرَةِ صُلْبِهِ يُقِيمُ الْمَسِيحَ حَسَبَ الْجَسَدِ لِيَجْلِسَ عَلَى
كُرْسِيِّهِ 31 سَبَقَ فَرَأَى وَتَكَلَّمَ عَنْ قِيَامَةِ الْمَسِيحِ، أَنَّهُ
لَمْ تُتْرَكْ نَفْسُهُ فِي الْهَاوِيَةِ وَلاَ رَأَى جَسَدُهُ فَسَادًا (بل
انطبق هذا القول على المسيح)" أعمال 16.
فببساطة كما قلنا، قال المسيح " إلهي
إلهي لماذا تركتني"، ليلفت انتباه اليهود أنه اليوم قد تم ما هو مكتوب في
هذا المزمور (كما فعل في لوقا 4: 21)؛ مقدمًا استشهاده به، كما كان معهود آنذاك،
بأول كلمة وآخر كلمة "قد فعل". وهذا يُظهر قلب المسيح المُحب الحنون؛
فكانت ردة فعله للذين يصلبونه؛ أن يبشرهم ويدعوهم للخلاص، عن طريق إبراز تتميم
نبوئة مزمور 22؛ لعلهم يتنبَّهون ويخلصون.
|