عن الكنيسة

كاهن الكنيسة

جمعية الكنيسة

مواقع

C??????E التراث العربي المسيحي

تحية الى كاتب هذا المقال ،ارجو التمعن فيه،

 

تحية الى كاتب هذا المقال ،ارجو التمعن فيه،

تعيش الكنيسة الأرثوذكسيّة الأنطاكيّة أزمة بنيويّة صارخة تتجلى بثقلها على أرض الواقع. ليست الأزمة بتكوينها محض رعائيّة محصورة بهذا الشغور القائم في أبرشيتين وهو ناتج بسبب تقدم مطرانيها في السنّ وعدم قدرتهما على الرعاية والإدارة، بل سببها أنّ ثمّة استهدافًا كبيرًا لجوهرها استخدم عناوين عديدة، وهي تحتشد وتتجمّع ضمن عنوان واحد وهو استهداف الكنيسة بهويتها المشرقيّة تحت كنف الصراع المفتوح على المشرق العربيّ من جهة، ومن جهة أخرى بسبب الموقف من مجمع كريت ناهيك عن ألأزمة المستفحلة مع كرسيّ أورشليم بسبب قطر، وثمّة نخب في الكرسيّ الأنطاكيّ المقدّس تستهجن وترفض قيام بطريرك أورشليم ببيع الأراضي والأوقاف لإسرائيل.

 على رأس كنيسة أنطاكية بطريرك يوحنّائيّ، مولود من الكلمة، ويدمن عشقه، ويعيش في ضيائه. هذا البطريرك عينًا ضنين بهويّة الكنيسة وديمومتها في لحظة حبلى بالتغييرات الجيو-سياسيّة والجيو-استراتيجيّة، وهو عاكف على بناء عمارة متكاملة الأجزاء والأطراف، تتجلّى من فهمه وذوقه لتراث الكنيسة ولاهوتها، ولرؤيتها وفكرها، من دون التنكّر لوثبات نهضويّة مضيئة سطعت في رحابها وقوّمت اعوجاجها وسبلها ليظلّ المسيح فيها ناهضًا بالمؤمنين وفي المؤمنين وفي بنيتها، فالكنيسة هي المسيح والمسيح هو الكنيسة لأنها كيانه الوحيد المتحرّك في التاريخ.

الشيء الجوهريّ والملموس، أن الأزمة الحالية، تتعنون "بنظام الفوضى الخلاّقة"، وقد تداخل في بنية وبيئة تلفظه وتأباه لكون اللاهوت فيها أصيل ومتماسك مع مضمون الهويّة التاريخيّة لهذه الكنيسة وهي الهوية المشرقيّة. فالمسيح فيها وفي تراثها وطقوسها "مشرق المشارق"، وهو المشرق من فضاء المشرق والمتجسّد على أرضه والراسخ في جوفها. بهذا المعنى المسيح هو هويتها، وما ترسّب عنه من استقامة فكر ولاهوت يعنيها ولا ينفصل أو ينفصم عنها. "نظام الفوضى الخلاّقة" يحوي منطقًا سياسيًّا وتنظيميًّا مختلفًا ومتناقضًا بالكليّة مع هذا اللاهوت، فسياقه احترابيّ وتدميريّ بامتياز. وبالتالي فهو تسلّل بمفرداته إلى وسطها مستغلاًّ كلّ اعوجاج فيها في علاقة المطارنة ببعضهم البعض وعلاقة المطارنة بالمؤمنين لإبطال منطق النهضة بأدبياتها وأخذ الأرثوذكس المشارقة إلى مكان قصيّ يرون فيها انفسهم غرباء عن تاريخهم وحاضرهم وفاقدي القدرة على بناء مستقبلهم.

 بهذا المعنى الأزمة ليست أزمة شغور في عدد من الأبرشيات، بل هي أزمة استغلال الشغور لتعميم هذا النظام، والأزمة ليست أزمة مشاركة أو شركة بل هي أزمة استغلال غياب الشركة في الكنيسة وفيما بين الأمة المقدّسة للقضاء على وحدة المؤمنين جميعًا مع بطريركهم ومطارنتهم، والأزمة ليست أزمة تهميش الأرثوذكس على صعيد علاقة الكنيسة بالنظام السياسيّ اللبنانيّ، بل هي أزمة استمرار التهميش بغية إقصاء الكنيسة عن حركة ترميم التاريخ الجديد أو العالم الجديد، والأزمة ليست أزمة ضرب الوجود الأرثوذكسيّ والمسيحيّ في سوريا أو المشرق عمومًا بل هي أزمة تقود إلى محاولة إفراغ هذه الأرض الطيبة من مكوّن تاريخيّ أصيل وفعّال، حواريّ وممدود نحو كل الناس بما يملك من أصالة ورؤى، فمتى أفرغت الأرض تلاشى التوازن واحترقت الأرض مع هذا النموّ المتوحّش لهذا النظام على الأصعدة كافة.

أمام هذا المشهد النافر، المليء بمجموعة متغيرات ومتناقضات تفصل الكنيسة عن التاريخ وتجحبها عن المستقبل، المتغيّر بحجمه، لا بدّ من تقويم المسارات كلّها وتصويب البوصلة ليتسنّى للجميع إمكانية ترميم هذه العمارة التي يتوق إليها السيد البطريرك.

 ثمّة شروط فعليّة لا يمكن غضّ الطرف عنها.

أولى تلك الشروط، سدّ الشغور في الأبرشيّات وثانيها تعميم المشاركة بين الإلكيروس والعلمانيين ضمن نظام ما يسمّى بالمجالس المليّة بمقاربات حديثة تلامس الواقع.

-في الشرط الأوّل: معظم المعنيين بهذا الملفّ عالمون بأنّ الشغور في أبرشيتيّ جبل لبنان واللاذقيّة بدأ يطيح بمقوّمات العمل الأبرشيّ والرعائيّ من كلّ جوانبه. كلّ تغاض عن هذه الحقيقة تعام واضح وإنكار لحقّ الله ومسيحه بأن تبقى النهضة مشتعلة وملتهبة. وفي حقيقة الأمر، إنّ أزمة الشغور بحدّ ذاتها قد تقود إلى أزمة المعنى وأزمة في المعنى نفسه. فالمطران جورج خضر جسّد في مسيرته ورعايته ذلك المعنى الملتهب والجذّاب، وقاد الكنيسة إلى فجر مضيء قد نهلنا من ينابيعه ولا نزال عطاشَ إليها. فالمحبّة لهذا الراعي الحبيب والجليل الذي قاد مواجهة ضارية بوجه التصحّر في الكنيسة الأنطاكيّة، وحافظ على نهضتها، تنبذ كل أنواع التخاصم في لحظات الشغور، وترجو أن لا يتفشّى المَيل عند بعضهم فيؤول إلى إفراغ تلك النهضة عينًا من مضمونها والذي أرساه المطران جورج بنفسه. فكاتب هذه المقال واكب النهضة بعمقها وبلاغتها وانتمى إليها وكان مؤسّسًا لحركتها في رعيّة عاش جزءًا كبيرًا من طفولته ومراهقته وشبابه في رحابها، وألّف كتابًا عن المطران جورج خضر تحت عنوان قراءة في فكر المطران جورج خضر، قال فيه محبته لهذا الراعي الذي ولده في المسيح يسوع ببهائه وعرائه. فلا يسوغ ولا يحقّ لأحد كائنًا من كان اعتبار تلك القراءة المبداة هنا تعرّضًا لأب روحيّ وحبيب، وهو يقيم ذكرى ميلاده الرابع والتسعين يملأنا حبّنا له بأن يظلّ يسوع شمس حياته وفجرها الدائم. فالتصدّي ليس لموجوديّة أسقف عظيم، التصدّي هو لاستغلال وضعه كمطران متقدّم في عمره لمآرب ومنافع تطيح بهذا المعنى الذي أسّس له المطران جورج خضر منذ أكثر من خمس وسبعين سنة. من رأى نفسه أمينًا على ديمومة النهضة عليه وبحسب السياق المنطقيّ أن يساعد السيّد البطريرك على إيجاد حلّ مشرّف لهذا الواقع في أبرشيتيّ جبل لبنان واللاذقيّة كما حصل في أبرشيّة بغداد والكويت، ولأبرشيّة زحلة، لتتألّق تلك الأبرشيتان بمطرانين نهضويين ناطقين بالنهضة ومعممين لثقافة المشاركة ولو بالحدّ الأدنى ومتفاعلين مع أبنائهما بحبّ كبير. يكفيّ هذا التلاشي والاستغلال لهذا الشغور، فمنذ أكثر من سنة والجميع ضحاياه.

-في الشرط الثاني، غالبًا ما يطرح بعضنا سؤالاً شرعيًّا يفترض الحق النقاش بمضمونه والإجابة عليه، لماذا يخاف عدد كبير من الأساقفة من مشاركة المؤمنين لهم في إدارة الكنيسة بمؤسساتها واوقافها وما إليها من شؤون مالية ووقفيّة؟ لا شكّ أن تلك المسألة بالغة التعقيد، وقد حوى إبطال المشاركة آحاديات وأوتقراطيات رسخت منذ سنة 1973، فتشجّع عدد من المطارنة على الاستمتاع بها والانطلاق منها بالعمل على النأي بمن أسموهم علمانيين لتبدو الكنيسة منقسمة إلى قسمين قسم علمانيّ وقسم إكليريكيّأ فالعلمانيون نعتوا بالعوام والمطارنة  أو الإكليريكيون بالسادة فتفشّ نظام إكليريكانيّ مستبدّ احيانًا وقابض على ناصية الأمور بلا نقاش ولا حوار. وإذا رمنا قراءة تأريخيّة فإنّ استفحال الإكليركانية كنظام مغلق في حقيقته هو ردّ فعل على تفشّي نظام الاقطاعيات العائلية في داخل الكنيسة وقاد الكنيسة نحو الفراغ بفعل الامتيازات التي شاءها بعض الوجهاء لأنفسهم على حساب الكنيسة فيقرأون حضور الكاهن والأسقف تبعيًّا وليس حضورًا إماميًّا أو رئاسيًّا، فجذب هذا المسرى إلى أزمات صدامية هنا وثمّة كادت أن تقوّض من حضور الكنيسة ودورها.

لقد تبيّن من هذه الزاوية بأن استقلال النظامين العلماني-الإقطاعيّ في الماضي، والإلكليريكانيّ في الحاضر أبطل الشراكة، وبتحديد لاهوتيّ أدقّ أبطل الحياة الشركويّة في الكنيسة. لقد بطل الفهم بأننا كنيسة واحدة، وأن كل شيء مشترك، العلمانية كمصطح تحوي في طياتها جانبًا سلبيًّا أدّى فيما بعد إلى تفشي الشيوعيّة، فالمؤمن مؤمن، وإذا كان مدنيًّا فهو كاهن بالإيمان، ومحب لله، ومنكبّ على محبة الآخر. الحلّ هنا وباعتقاد عدد من النخب، أن تكون ثمّة مبادرة فعلية تنطلق من:

 1-رفض نظام الامتيازات بصورة مطلقة.

2-رفض نظام الإلكيريكانيات الحاوية للآحادية والتي تؤول إلى استبداد مقيت.

3-تأسيس نمط جديد من الشراكة أو الحالة الشركويّة، على قاعدة ما أوصى به أعمال الرسل: "وكان كلّ شيء مشتركًا فيما بينهم. هذا سمّوه ما شئتم إذا وجدتم بأن صفة "المليّ" تنتسب إلى العصر العثمانيّ، سمّوه بمجالس الأبرشية يتفرّع منه مجلس بطريركيّ عام يرأسه السيد البطريرك ويضمّ إليه مطارنة الكرسيّ الأنطاكيّ المقدّس وأعضاء منتخبين من هذه المجالس، يساعدون الأساقفة على إدارة الأوقاف، وكلّ مجلس أبرشيّ بفترض أن ينبثق من مجالس الرعايا في كلّ الأبرشيّات.

 إنّ أزمة الشغور، الظاهرة أمامنا، لا تنتسب اسبابها إلى بلوغ المطارنة سنًّا متقدّمة تمنعهم من مزاولة نشاطهم الراعائيّ، بل ناتجة من غياب هذه الحياة الشركويّة بين المطارنة وآباء الكنيسة، وهذا هم خطير يفترض أن يجد له حلاًّ سريعًا وناجعًا.

هذا الشرطان إن تأمنّا قادران على حماية الكنيسة من التصدّع البنيويّ وحماية دورها من التهميش والإبطال. والدعوة مفتوحة ‘لى البطريرك النهضويّ يوحنّا العاشر لكي يبادر ويقدّم، فالأهم في كل ذلك أن يدعو غبطته إلى خلوة تدرس هذا الواقع بوقائعه، وتسمح بوضع الإصبع على الجرح، والتأسيس لمراحل جديدة تواكب المتغيرات الاستراتيجية استراتيجيا وقائيّة ودفاعية ترسّخ حضور الكنيسة بشهادتها، وبالتالي تطرح مسألة المشاركة بقيمها الفعلية ودرسها من كل جوانبها للوصول إلى تحقيق فعاليتها من أجل كنيسة نابضة وشاهدة للمسيح.

خارج هذا النمط الأزمة مفتوحة بكلّ جوانبها، وهي أزمة ضدّ المسيح، فحذار الاستمرار بها.

جورج عبيد 

 Copyright © 2009-2024 Almohales.org All rights reserved..

Developed & Designed by Sigma-Space.com | Hosting by Sigma-Hosting.com