عن الكنيسة

كاهن الكنيسة

جمعية الكنيسة

مواقع

C??????E صلوات وتاملات

هل «الصَّخرة» التي بُنِيَت عليها الكنيسة هي المسيح أم القديس بطرس؟

هل «الصَّخرة» التي بُنِيَت عليها الكنيسة هي المسيح أم القديس بطرس؟

رأينا في المقالة السابقة شهادة الكتاب المقدس التي تؤكّد في مواضع كثيرة أن «الصّخرة» تُشير رمزياً إلى الرب نفسه. والآن سنرى شهادة الآباء القديسين، والكُتّاب الكَنسيّين في القرون الأولى للمسيحية، والتي تعكس لنا من خلالها كيف فَهمَ وفَسّر هؤلاء الآباء القديسون قول الرب يسوع المسيح لتلميذه بطرس: «أنتَ صَخرٌ (بطرس) وعلى هذه الصخرة سأبني كنيستي» (متى 18:16) وهي الآية التي يتشدّق البابويون بها مرارًا وتكراراً، زاعمين أن باباوات الفاتيكان، بما أنهم خلفاء بطرس الرسول على كرسي روما، والقديس بطرس هو «صخرة الكنيسة» (حسب زعمهم) فإنّ سُلطة ورئاسة الكنيسة جمعاء تَستند إليهم ومنوطة بهم! وما إنفكّ أحباؤنا اللاتين عن تحريف معنى هذه الآية وتفسيرها بحسب ما يوافق هوى حُبّ السُّلطة والمجد الدنيوي، مخالفين بذلك الكتاب المقدس، وضاربين بعَرض الحائط كل تقليد الرسل وتعليم الآباء القديسين، وخبرة الكنيسة الجامعة في الألفية الأولى التي سَبقَت إنشقاقهم عن الكنيسة.

فهل الآباء القديسون، الشرقيون منهم والغربيون، فهموا بالحقيقة أن «الصّخرة» التي بُنِيَت عليها الكنيسة هي شخص الرسول بطرس - كما يزعم باباوات الفاتيكان - أم هي الإعتراف الإيمانيّ بألوهية السيد المسيح الذي نطقَ به بطرس؟! لأنّ هذه المسألة تُشكّل إحدى أكبر العقبات اللاهوتية في الحوار اللاهوتيّ مع الأحبّاء الكاثوليك، وتُشوّه المفهوم الاكليسيولوجي (الكَنسيّ) لطبيعة الكنيسة الجامعة ووحدتها وترابطها. وما يزال البابويون حتى اليوم يرفضون التنازل عن موقفهم في مسألة "أوّليّة القديس بطرس" ومكانته المتفوّقة على سائر الرسُل الآخرين، زاعمين أن بطرس هو "صخرة الكنيسة" والأساس الذي تُبنَى وتقوم عليه هذه الكنيسة، وأن البابا هو خليفة بطرس، ورأس الكنيسة الأوحد، والحاكم الأعلى، وصاحب السلطان الشامل عليها. وبالطبع فإنّ مزاعمهم هذه تخلو من الصحة تماماً، وتَدحضُها بقوّة تعاليم الآباء القديسين، بموجب الأدلّة الدامغة على ذلك كما يلي:

* المغبوط أوغسطينوس (+430م)

أوغسطينوس ليس قديساً في الكنيسة الأرثوذكسية، لأن بعض تعاليمه تحتوي على مغالطات لاهوتية، ولكنه من أهم من شرحوا وفسروا الكتاب المقدس في عَصره، وتكمُن أهمية الاستناد إليه في موضوعنا هذا، كونه يُعتبر "قديساً" عند اللاتين أنفسهم، وأحد أهم وأبرز الآباء المُعتبرين في الغرب الكاثوليكي، لدرجة أنهم يُسمّونه "دكتور العقيدة".

يكتب المغبوط اوغسطينوس ويعترف في كتابه "المراجعات" Retractiones أنّه في البداية إعتقدَ أنّ هذه الآية الإنجيليّة تُشير إلى أنّ الصخرة هي الرسول بطرس، ولكنه وبعد دراسةٍ متأنّية، أدرك أنّ التفسير الصحيح هو أنّ الصخرة التي بُنيت عليها الكنيسة هي من إعترفَ به بطرس الرسول ابنًا لله.

 ( St. Augustine Retractiones I, 21)

وقد تمسّك أوغسطينوس دومًا بهذا التعليم، الذي يظهر بوضوح في أماكن لا تُحصى من كتاباته، ويطرح في تحليله المتعلّق بهذا التفسير ما يلي:

"بما أنّ "الصّخرة" هي إسم عَلَم فقد أخذَ بطرس هذا الإسم من الصّخرة ولم تأخذ الصخرة الإسم من بطرس، وهذا شبيهٌ بنا نحن المسيحيّين الذين أخذنا هذه التسمية من المسيح وليس المسيح من أخذَ إسمه من المسيحيّين. قال المسيح: "أنتَ بطرس وعلى هذه الصخرة التي إعترفتَ بها عندما قُلتَ: "أنت هو المسيح إبن الله"، سأبني كنيستي" [سأبنيها] على نفسي، أنا إبنُ الله الحيّ". (St. Augustine, Homily LXXVI, 1)

وكرّر ذلك بشكل شبه حرفيّ في عظته الأولى يوم عيد هامتَي الرسل بطرس وبولس ( St. Austine, Homily CCVC).

وجاء تفسيره أكثر وضوحًا في عِظتهِ الخامسة يوم عيد العنصرة: سأبني كنيستي على هذه الـ petra (الصخرة) وليس على شخص بطرس petrum ولكن على الصّخرة (petram) التي إعترَفَ بها 

(St. Augustine, Homily CCLXX, 2 )

ويضيف أوغسطينوس أيضًا في مؤلّفه (Tractatus) :

"سأبني كنيستي على هذه الصخرة التي إعترفتَ بها، لأنّ المسيح نفسه هو الصّخرة" (St. Augustine, Tractatus CXXIV In Ioann).

وردّ أيضاً بشكلٍ ساخر على بعض ذوي البدع والهرطقات، الذين إعتبروا - تماماً كما البابويّون اليوم - أنّ بطرس الرسول هو الصّخرة، وسألهم المغبوط أوغسطينوس ساخرًا بأسلوبه الحماسيّ المميّز فيما كان يُفسّر الآيات المتعلّقة بارتداد بطرس:

 

"وأين هي صَخرتُكم الآن؟ أين هو الثبات؟ كان المسيح نفسه الصّخرة، في حين لم يكن سمعان سوى بطرس متزعزع. ظَهرَت الصّخرة الحقيقيّة لتقوّي بطرس، الذي تزعزعَ وتخلّى عن الصّخرة" (St. Augustine, Homily CCVIL, 1)

* شهادة القديس يوحنا الذهبيّ الفم (+407م) في شرحه لانجيل متى يقول:

«لذلك أضافَ هذا، وأنا أقولُ لك: أنتَ بطرس وعلى هذه الصّخرة سأبني كنيستي، أي على إيمانِ اعترافِهِ. لقد أظهرَ بهذا أن كثيرين يؤمنون (بما اعترَفَ به بطرس) ، ثم رفعَ روحه، وجعلهُ راعياً.» (عظة القديس يوحنا الذهبي الفم 54 على إنجيل متى، فصل16).

* القديس كيرلس الكبير رئيس أساقفة الإسكندرية (+444م) يقول:

«أعتقدُ أنه بكلمة "صَخرة" يجب أن نعني الإيمان الراسخ للرسُل.» (ΑΓΙΟΣ ΚΥΡΙΛΛΟΣ, Περί  Αγίας Τριάδος, βιβλίο 4ο).

* القديس إيلاريون أسقف بواتييه (+367م) وهو من آباء الكنيسة الغربية يقول:

«هي صَخرة الإيمان المباركة والوحيدة التي إعتُرِفَ بها من فمِ القديس بطرس. فوق صَخرة الإعتراف الإيمانيّة هذه تأسّسَت الكنيسة». (ΑΓΙΟΣ ΙΛΑΡΙΟΣΠερί  Αγίας Τριάδος, βιβλίο 2ο, 6ο).

* القديس كبريانوس أسقف قرطاجة (+258م) في شمال أفريقيا، يُعبّر لنا بكلمات مختلفة عن الفكرة ذاتها، معلّمًا أنّ الكنيسة تقوم على أساقفة عظماء أي الرسل وخلفائهم، الذين أُقيموا على صخرة ربّنا يسوع المسيح غير المتزعزعة. (St Cyprian Epistle XXXIII, in initio; Epistl XXVII, De Lapsis.)

ويقول أيضاً: "كل ما كانَ بطرس هو عَينهُ كان أيضاً بلا بدّ الرسُل الباقون، لأنّهم نالوا الكرامة والسُّلطة أسوةً له" (تاريخ الانشقاق، المتروبوليت جراسيموس مسرة، بيروت 1931 صفحة 101).

هذا يؤكد أن كل الرسل يتمتّعون بذات السُّلطة الكهنوتية والأسقفية، وأن تقدُّم بطرس فيما بينهم هو تقدّم تشريفي واكرامي له بصِفته "أوّل بين مُتساوين"، وهذا هو بعينه المفهوم الأرثوذكسي المستقيم الذي تسلّمناه من الرسُل والآباء القديسين منذ البدء ونتمسّك به ولا نحيد عنه.

 

* شهادة القديس ايرونيموس (+420م) الذي هو أيضاً من الآباء القديسين الذين لهم مكانتهم واعتبارهم عند اللاتين يقول: «أسّسَ (الرب) كنيستهُ فوق هذه الصّخرة، ومن هذه الصّخرة أخذَ بطرس تَسميَته.» (ΑΓΙΟΣ ΙΕΡΩΝΥΜΟΣ, Εις το κατά Ματθαίον Ευαγγέλιον, βιβλίο 6ο).

 وكتبَ القديس إيرونيموس نفسه مرّة إلى جوفينيانوس الهرطوقي يقول له:

«تدّعي أنّ الكنيسة تأسَّست على بطرس الرسول، لكنّ الحقيقة هي أنّها تأسّست على الرسُل جميعًا. وقوّة الكنيسة استندَت إليهم جميعًا» ( St.Jerom  , AdversusIovinianum, I، أنظر أيضًا، In Evangelio S. Matt., lib. VI وأيضاً , AdversusIovinianum, lib. I).

ويقول أيضاً في رسالته إلى إفاغروس:

"إننا لا يجب أن نعتبر كنيسة روما سوى كنيسة من كنائس العالم، فإنه حيث يكون أسقف سواء كان في روما أو أوغوبيون أو في القسطنطينية أو في ريكيون أو في الإسكندرية أو في طانية، له القَدر عينه والكهنوت نفسه، فلا قوّة الغنى ولا دناءَة الفَقر تجعل الأسقف سامياً أو حقيراً لأنّهم جميعاً خُلفاء الرسُل» (تاريخ الانشقاق، المتروبوليت جراسيموس مسرة، بيروت 1931 صفحة 147).

* شهادة القديس أثناسيوس الكبير (+373م)

يقول: "يسوع المسيح هو الأساس الحقيقيّ الوحيد للكنيسة"

 (St. Athanasius, Against Arians, 3)

* شهادة القدّيس غريغوريوس الكبير (+604م) الذي هو نفسه كان أحد باباوات روما في القرن السادس الميلادي يقول: "في كلّ مرّة يشير الكتاب المقدّس إلى أساسٍ ما، فهو لا يَقصد بذلك إلاّ الربّ" (  St. Gregory the Great, Moralis in Iob, 28, 14 )

فمن دراسة تعاليم الآباء القديسين المتعلّقة بهذا الموضوع نستفيد في فهم وإدراك التفسير والمعنى الأصيل الذي خَبِرتهُ وعاشته الكنيسة الأولى في عهد الرسل والآباء الأوائل، قبل أن ينحرف لاحقاً ويتلوّث بمطامع الباباوات في التسلُّط وحُبّ الرئاسة. فالقدّيس أفكنديوس يقول كلاماً في غاية الأهمية:

 

"من الضروريّ أن تتوافق طريقة تفسير الكتاب المقدّس مع الذهنيّة الكنسيّة التقليديّة من أجل تجنّب المشاكل ومتاهات الضلال" ( St. Vincent of Lerins, Commonotorium, II)

والآن بعد تقديم كل  هذه الشهادات الواضحة، من آباء قديسين ومعتبرين في الشرق والغرب، عاشوا في فترات زمنية متباعدة عن بعضهم البعض، وفي أماكن جغرافية مختلفة على وجه الأرض، يظهر لنا بشكلٍ جليّ أنّ تعليم الطوائف البابوية عن أوّليّة القديس بطرس الرسول، وأنه هو «الصخرة» التي بنى عليها المسيح كنيسته، يتعارض تمامًا مع المعنى والتفسير السليم، والأكثر صراحة في الكتاب المقدّس والتقليد الرسولي وشروحات الآباء القدّيسين، ويتعارض أيضاً مع طبيعة العلاقات الكنسيّة التاريخية التي رَبطَت كراسي البطريركيات الخمسة التقليدية مع بعضها البعض ألا وهي: روما، القسطنطينية، الإسكندرية، أنطاكية وأورشليم. وذلك قبل إنشقاق روما عن الكنيسة المقدسة عام 1054م.

شاءَ الرب أن يكون هو وَحدهُ صَخرة الكنيسة وأبى المُعاندون للحقّ أن يُذعِنوا!!

بقلم: رومانوس الكريتي

#الأرثوذكسية_الخلاص

نقلا عن صفحة ..  كنيسة المسيح الأنطاكية 

https://www.facebook.com/751173015273296/posts/1335849130139012/

Gilbert Bahbah Kate Bahbah Nahil

 Copyright © 2009-2024 Almohales.org All rights reserved..

Developed & Designed by Sigma-Space.com | Hosting by Sigma-Hosting.com