عن الكنيسة

كاهن الكنيسة

جمعية الكنيسة

مواقع

C??????E

المجتمع المسيحيّ

المجتمع المسيحيّ

 

المطران كيرلس سليم بسترس Cyrille Bustros

 

النهار السبت ١ شباط ٢٠٢٠

 

بعد مئة سنة على إنشاء دولة لبنان الكبير نجد أنفسنا على حافة انهيار شبه تامّ لهذه الدولة ومكوّناتها. سنة 1920 أراد المسيحيّون هذه الدولة ضمانة لوجودهم واستمرارًا للشهادة المسيحيّة التي اؤتمنوا على تأديتها في هذا المشرق العربيّ الذي هم مُصرّون على البقاء فيه وعلى إنمائه وازدهاره بالتعاون مع مواطنيهم من مختلف الأديان والمذاهب. لقد حدثت على مدى العقود الماضية في المجتمع المسيحيّ أخطاء كثيرة أظهرت أنّ المسيحيّين، قادة وأفرادًا، لم يؤدّوا كما يجب الشهادة المسيحيّة التي يطلبها منهم السيّد المسيح في إنجيله المقدَّس. فالفساد ينتشر بينهم كما ينتشر بين سائر مواطنيهم. ومع الانتفاضة الشعبيّة المطالبة بتصحيح المسار في مؤسّسات الدولة وفي تطبيق قوانينها، تتأكّد ضرورة تجديد المجتمع المسيحيّ ليتمكّن لبنان الغد من تأدية رسالته التي هي سبب وجوده.

سنة 1979، في خضمّ الحرب الأهليّة، كتب شارل مالك، في دراسة له حول لبنان الغد، ما يلي: "أهمّ شيء إطلاقًا في بنيان لبنان الغد هو التشديد على المجتمعيّة المسيحيّة الجديدة. ويجب أن تكون هذه المجتمعيّة ’ثوريّة‘ في النظرة والخلق والتصرّف. إذا كان مجتمعنا الغد كمجتمعنا الأمس في الأنانيّة والميوعة والاهتراء الخلقيّ وعدم الشعور بالمسؤوليّة ووضع النفع الشخصيّ فوق ’النفع العامّ‘، فكلّ تجاربنا تكون قد ذهبت سدى، ويكون استشهاد شهدائنا قد هُدِر هدرًا. إنّ هدفنا هو تكوين مجتمع مسيحيّ جديد، متماسك متفاعل عضويّ خلاّق، تسوده الثقة المتبادلة؛ مجتمع مسيحيّ يفتخر به وبقيمه كلّ عضو فيه ويوليه ولاءه التامّ ويذود عنه بكلّ شيء حتى بالحياة. يجب أن يطمح المجتمع المسيحيّ إلى شهرة خلقيّة جديدة في الشرق والعالم العربيّ، بحيث يُعرَّف عنه نهاية هذا القرن ويُقال: هذا إنسان أليف عاقل صادق جدّي شريف عادل حرّ مسؤول، يتطلّع إلى فوق. وهذا كلّه يأتي في الدرجة الأولى بالقدوة الحسنة الصالحة التي يتحلّى بها مسؤولوه وقادته".

إن ما طالبت به في 17 تشرين الأول سنة 2019 الانتفاضة الشعبيّة في ثورتها ضدّ فساد المسؤولين في الدولة هو عينه ما طالب به شارل مالك منذ أربعين سنة في تركيزه على القدوة الحسنة الصالحة التي يجب أن يتحلّى بها في الدرجة الأولى مسؤولو لبنان وقادته. كأنّ شيئًا لم يتغيّر على مدى أربعين سنة. وإذا قارنّا وضع لبنان ووضع مسؤوليه مع وضع سائر الدول ومسؤوليهم في الشرق كما في الغرب، يتبيّن لنا أنّ الإنسان هو هو في كلّ زمان ومكان، وأنّه بحاجة إلى إصلاح دائم وتجديد مستمرّ. فالثورات التي قامت على مدى التاريخ إنّما انطلقت من إدراك الناس بالظلم الذي يعانونه من قِبَل الحكّام الذين يمارسون حكمهم، كما يقول شارل مالك، "في الأنانيّة والميوعة والاهتراء الخلقيّ وعدم الشعور بالمسؤوليّة ووضع النفع الشخصيّ فوق النفع العامّ". وكأنّ هؤلاء المسؤولين لا يرون في الوطن بيتهم الخاصّ، فينهبونه. وهل ينهب الإنسان بيته الخاصّ؟ ولا يرون في الدولة دولتهم الخاصّة بل ينظرون إليها نظرتهم إلى دولة عدوّ أُتيحت لهم فرصة سرقتها. فكأنّ شريعة "الغزو" القديمة في التاريخ لا تزال متأصّلة في عمق عقولهم، ولم ينتقلوا بعد من البداوة إلى الحضارة. وكأنّ "شرعة حقوق الإنسان الدوليّة" لم تصل بعد إليهم، فلم يُدرِكوا أنّهم مسؤولون عن تأمين حقوق كلّ من مواطنيهم، وأنّهم لهذا انتُخِبوا لا ليستفيدوا من فرصة ربّما لن يحصلوا عليها في المستقبل لازدياد ثرواتهم.

إنّ لبنان الغد الذي يريد اللبنانيّون من مختلف الطوائف والأديان والمذاهب بناءه لن يقوم إلاّ على احترام وتأمين حقوق كلّ من أبنائه. ولن يتمّ له السلام والازدهار إلاّ بشعور كلّ من مواطنيه، أفرادًا ومسؤولين، بأنّ هذا الوطن هو بيت كلّ منهم. فمتى يفهم الجميع أنّ هذا الوطن هو بيت خاصّ لكلّ مواطن، وأنّه لا يجوز لأحد أن ينهبَ بيته الخاصّ بل يجب عليه أن يساهم في إنمائه وازدهاره. وإذا كان للأديان والمذاهب دور في لبنان فيجب أن يتمّ أوّلاً على صعيد تجديد الأفكار والأخلاق. سنة 1962 قال الأب لويس لوبريه (Louis Lebret) بعد زيارة له للبنان: "إن لم يحدث تغيير في ذهنيّة نخبة الشبيبة اللبنانيّة، وإن لم تعبر على البلاد نسمة جديدة آتية من ثورة فكريّة وأخلاقيّة، فالتطوّر سيبقى سريع العطب، ولن يتمكّن لبنان من أن يحقّق لا مهمّته في الانسجام الداخليّ، ولا مهمّته التي تتخطّى حدوده كمركز حضاريّ في المنطقة".

 

 

 

 Copyright © 2009-2024 Almohales.org All rights reserved..

Developed & Designed by Sigma-Space.com | Hosting by Sigma-Hosting.com