عن الكنيسة

كاهن الكنيسة

جمعية الكنيسة

مواقع

C??????E

ظاهرة التقمُّص ... في ضوء التاريخ والعِلم والعقيدة الأرثوذكسية

ظاهرة التقمُّص ... في ضوء التاريخ والعِلم والعقيدة الأرثوذكسية

الأب رومانوس حداد

(المقال الثالث)

هل تؤمن المسيحية بالتقمُّص ؟

المسيحية لا تؤمن بالتقمُّص اطلاقاً. وتعتبره بدعة وهرطقة كبيرة، لأن الاعتقاد بالتقمُّص وتناسُخ الأرواح يتنافى كلِّياً مع عقيدة التجسُّد والفداء، ومع مجمل التدبير الالهي الخلاصيّ للبشرية الذي تمّمه الكلمة المتجسّد، وسنتوسّع في شرح ذلك في المقالة القادمة، ولكننا نأتي أولاً لنسمع شهادة الوحي الإلهي.

شهادة الكتاب المقدس:

كثيرةٌ هي النصوص والآيات في الكتاب المقدس، بعهديه القديم والجديد، التي تدحض فكرة التقمُّص وتنفيها، ويضيق بنا الوقت لو أوردناها جميعها. وقبل التطرّق للكلام عن بعض الآيات التي في العهد القديم، يجب توضيح جزئية هامة تشكّل المفتاح لفهم هذه النقطة.

آمنت اليهودية التقليدية أن نفوس الموتى تذهب الى موضع "الجحيم" وهي كلمة معناها "الهاوية"، وهي ترجمة للكلمة العبرية "شِئول" وللكلمة اليونانية "هاديس" Άͅδης وهو مقرّ للانتظار كان يحوي أرواح الصدّيقين، وأرواح الأشرار على السواء، وذلك قبل أن يُتمّم السيد المسيح الفداء. ولكن صار مقرّاً لانتظار أرواح الأشرار فقط بعد إتمام الفداء، ولمّا فُتِحَ الفردوس بصليب المسيح وقيامته، نقلَ أرواح القدّيسين إلى هناك. ولكن بالطبع كانت أرواح الصدّيقين الراقدين على الرجاء بالخلاص الموعود في حالة أفضل من أرواح الأشرار وغير المؤمنين الذين ليس لهم رجاء على الإطلاق. فبالنسبة للصدّيقين كانت أرواحهم تتطلّع إلى مجيء المخلّص الموعود ليًخرجها من "بيت السِجن" حسب وعد الرب "أجعلك عهداً للشعب ونوراً للأمم، لتفتح عيون العُمي، لتُخرج من الحبس المأسورين، من (بيت السجن) الجالسين في الظلمة" (اشعيا 42: 6، 7).
ولكنه يمكن العبور من الجحيم والتحرُّر من سُلطانه. وقد تنبأ عن ذلك داود النبي فقال "لأنك لا تترك نفسي في الجحيم (الهاوية) ولا تدَعُ قدّوسك يرى فسادًا" (أعمال 2: 27، انظر مزمور 15: 10). وشرح القديس بطرس في عظتة يوم الخمسين أن هذا الكلام قد قيل عن السيد المسيح (انظر أعمال 2: 25).

وكذلك قيل عن حزقيا الملك: "كتابةٌ لحزقيا ملك يهوذا إذ مرِضَ وشُفي من مرضِه، أنا قُلتُ في عزِّ أيامي أذهبُ إلى أبواب (الهاوية)، قد أُعدمتُ بقية سِنِيَّ" (إشعيا 38: 9، 10). لو كان التقمُّص موجوداً فلماذا يذكر حزقيا أن روحه ستمضي الى الجحيم من بعد موته ولا تذهب لكي تتقمّص في انسانٍ آخر !

أبو الآباء يعقوب في بكائه وحزنه حينما اعتقد بموت يوسف ابنه قال: "إنى أنزلُ إلى ابني نائحًا إلى الهاوية" (تكوين 37: 35). فَقَالَ: «لاَ يَنْزِلُ ابْنِي مَعَكُمْ، لأَنَّ أَخَاهُ قَدْ مَاتَ، وَهُوَ وَحْدَهُ بَاقٍ. فَإِنْ أَصَابَتْهُ أَذِيَّةٌ فِي الطَّرِيقِ الَّتِي تَذْهَبُونَ فِيهَا تُنْزِلُونَ شَيْبَتِي بِحُزْنٍ إِلَى الْهَاوِيَةِ». (سفر التكوين 42: 38). وهنا أيضاً يتّضح لنا ايمان يعقوب أبو الإباء أن روحه بعد الموت تمضي الى الهاوية (الجحيم) ولا تتقمّص في جسد آخر !

قتلَ قايين أخاهُ هابيل... لو كان التقمُّص موجوداً فأين ذهبت روح هابيل بعد موته ومن الذي تقمّصها؟ مع العِلم أنه لم يكن من البشر على وجه الأرض آنذاك سوى آدم وأمرأته حواء وقايين !! من الذي تقمًّص روح هابيل؟ هل انتظرت روح هابيل حتى تحمل أمه حواء بأخنوخ تسعة أشهر لتلده بعدها ثم تدخل روح هابيل في جسد أخنوخ الطفل ليتقمّص أخنوخ روح هابيل أخيه المقتول !!!

حدث في أيام نوح البارّ أن مات آلافٌ من البشر الأشرار الذين غرقوا في الطوفان، وهلكوا كعقوبة لهم على فسادهم وشرورهم التي ملأوا بها الأرض. فأين ذهبت الآلاف من أرواح هؤلاء البشر الذين غرقوا لكي تتقمَّص من جديد؟!! مع العِلم أنه لم ينجو من الطوفان سوى نوح وامرأته وبنيه الثلاثة سام وحام ويافث مع نسائهم (ثمانية أشخاص) مع الحيوانات التي كانت معهم في الفُلك !!!

شاول الملك لجأ الى عرّافة تستحضر الأرواح في عين دور، وطلب منها أن تُصعد روح صموئيل النبيّ الذي كان قد مات منذ حين، وذلك لكي يستشيره في شأن حربه مع الفلسطينيين (راجع 1صموئيل 28) ولكن روح صموئيل النبي حضرت (بتدبير الله) وأخبرته أنه سيخسر في الحرب، لأن الرب قد انتزع المملكة من يده وسلّمها الى داود. ومن خلال هذه الحادثة نرى أن روح صموئيل النبيّ بعد وفاته لم تذهب مباشرة لكي تتقمّص في جسدٍ آخر، بل كانت مع سائر نفوس الموتى في مكان الانتظار (الهاوية) ومن هناك صعدت لتُنبئ شاول بما ينتظره.

"أما نفوسُ الصدّيقين فهي بيد الله، فلا يمسّها العذاب. وفي ظنّ الجُهّال أنهم ماتوا، وقد حُسِب خروجهم شقاءً، وذهابهم عنا عطباً، أما هم ففي السلام. (حكمة3:1). وهنا الكتاب أيضاً يؤكّد لنا أن نفوس الأبرار الذين رقدوا هي في يدِ الله، ولا تذهب لتتقمّص في أجسادٍ أخرى !

ويقول داود النبي في المزمور: "أُعظّمك يا ربّ لأنك احتضَنتني ولم تُشمِت بي أعدائي. أيها الربُ إلهي صرخت إليك فشفيتني. يا رب أصعدت من (الجحيم) نفسي. وخلّصتني من الهابطين في الجُبّ.. أية منفعة في دمي إذا هبطتُ إلى (الجحيم).. حوّلت نوحي إلى فرح لي. مزّقت مِسحي ومَنطقتني سرورًا، لكي تُرتّل لك نفسي ولا يحزن قلبي. أيها الرب إلهي إلى الأبد أعترف لك" (مزمور29). وفي هذا النصّ الذي هو نبؤة عن السيد المسيح، واضح الايمان بأنّ النفس بعد الموت تمضي الى الجحيم وليس لكي تتقمّص!

في العهد الجديد:

أكّد بطرس الرسول أن السيد المسيح قد نزل بعد موته إلى الجحيم ليكرز بالخلاص لنفوس الراقدين المضبوطة فيه منذ الدهر "ذهب فكرزَ للأرواح التي في السجن" (1بطرس 3: 19). وبذلك ربط نبوءة اشعياء (42: 6) بنبوءة داود النبيّ في المزمور (15: 10) موضحًا أن الجحيم كان سجنًا للأرواح التي كانت فيه. وبذلك نرى وضوح الكتاب أن نفوس الذين ماتوا قبل مجيئ المسيح لم تكن تتقمّص في بشرٍ آخرين، بل كانت تمضي الى الجحيم. وحطّم السيد المسيح بموته وقيامته متاريس الجحيم حينما نزل إليه ليحرّر المسبيين الذين رقدوا على الرجاء، ويصعد بهم من الجحيم إلى الفردوس كما هو مكتوب: "سبى سبياً وأعطى الناس عطايا. وأمّا أنه صعد فما هو إلّا إنه نزل أيضاً أولًا إلى أقسام الأرضِ السُفلى" (أفسس 4: 8، 9).

الرسالة الى العبرانيين توضح أن الناس يموتون مرّة واحدة (وليس عدّة مرات) ثم يُدانون "وَكَمَا وُضِعَ لِلنَّاسِ أَنْ يَمُوتُوا مَرَّةً ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ الدَّيْنُونَةُ" (عبرانيين 9: 27) أي لا استنساخ أو تقمُّص. فالعهد الجديد لا يُعلم بمبدأ التقمُّص كوسيلة يتنقّى فيها الإنسان من أخطائه عبر مروره بدورة من المراحل التقمُّصيّة ينتقل فيها من حياة إلى حياة وهكذا...!!

قصّة " ألعازر والغني" حيث يُخبر النصّ الإلهي في لوقا 16: 22 "فَمَاتَ الْمِسْكِينُ وَحَمَلَتْهُ الْمَلاَئِكَةُ إِلَى حِضْنِ إِبْرَاهِيمَ. وَمَاتَ الْغَنِيُّ أَيْضاً وَدُفِنَ، فَرَفَعَ عَيْنَيْهِ فِي الْهَاوِيَةِ وَهُوَ فِي الْعَذَابِ وَرَأَى إِبْرَاهِيمَ مِنْ بَعِيدٍ وَلِعَازَرَ فِي حِضْنِهِ..."

لنلاحظ قول السيد المسيح :

- مَاتَ المسكين ثم حَملتهُ الملائكة، أي انتقل مباشرةً إلى حضن أبينا إبراهيم، وليس ليسكُن في إنسانٍ آخر.
-
مَاتَ الغنيّ ثم رَفعَ عينيه، أي عندما فتح عينيه مباشرةً بعد دفنه وجد نفسهُ في الهاوية (الجحيم) وليس في إنسانٍ أو كائنٍ آخر.
وكل هذا يؤكد أنه بمجرّد انتهاء حياة الإنسان على الأرض، ينتقل مباشرةً إلى إحدى موضعين، العذاب أو الراحة. وليس لكي يتقمّص!

لمّا تجلّى السيد المسيح على الجبل، ظهر معه موسى وايليا (متى17: 5) فلو كان التقمُّص موجوداً وقد ذهبت كلٌّ من روح موسى وايليا لتتقمّص في أجساد بشرٍ آخرين، فكيف اذاً عادوا بشخصيهما للظهور مع المسيح في تجلّيه على جبل ثابور؟!!

اللّص اليمين الذي كان مصلوباً مع المسيح في الجلجلة، قال له الرب: "الحقّ أقول لك إنك اليوم تكونُ معي في الفردوس" (لوقا23: 43) لو كان التقمُّص موجوداً لكان على المسيح أن يقول للصّ "اليوم ستموت، وستنتقل روحك لتتقمّص في جسدِ انسانٍ آخر وتعيش سلسلة حيوات أخرى لكي تحاول أن تتنقّى من خطاياك"!!

"ولما فُتحَ الخَتم الخامس رأيتُ تحت المذبح نفوس الذين قُتلوا من أجل كلمة الله ومن أجل الشهادة التي كانت عندهم. وصرخوا بصوتٍ عظيم قائلين: حتى متى أيها السيد القدوس والحقّ لا تقضي وتنتقم لدمائنا من الساكنين على الأرض. فأُعطوا كلُّ واحدٍ ثيابًا بيضاً وقيل لهم أن يستريحوا زمانا يسيراً أيضاً حتى يكمُل العبيد رفقاؤهم واخوتهم أيضاً العتيدون أن يُقتلوا مثلهم"(رؤيا 9:6)

"ورأيتُ نفوس الذين قُتلوا من أجل شهادة يسوع ومن أجل كلمة الله، والذين لم يسجدوا للوحش و لا لصورته ولم يقبلوا السِّمَة على جباههم وعلى أيديهم" (رؤيا 4:20).

ومن خلال هذه النصوص الكتابية، نلاحظ أن نفوس الشهداء الذين قُتلوا من أجل المسيح، أي أرواح هؤلاء المسيحيين بعد أن أستُشهدوا، لم تتقمّص في بشرٍ آخرين، بل شاهدها الرسول يوحنا اللاهوتي في حضرة الله وتحت المذبح السماوي وتصرخ الى الرب أن يُجري عدله وقضاءَه...

وبذلك نكون قد أوردنا من المراجع والأيات الكتابية ما هو كافٍ لدحض الاعتقاد بالتقمُّص.

الأب رومانوس حداد

يتبع ...

 

 Copyright © 2009-2024 Almohales.org All rights reserved..

Developed & Designed by Sigma-Space.com | Hosting by Sigma-Hosting.com