عن الكنيسة

كاهن الكنيسة

جمعية الكنيسة

مواقع

C??????E سير قديسين

سلسلة تعرف على الكنيسة الأرثوذكسية

 

 

 

سلسلة تعرف على الكنيسة الأرثوذكسية (٧)

إعداد د.علاء عيد

من هو الأسقف، وما دوره في الكنيسة؟

أسقف، أو باليونانية إيبسكوبوس ἐπίσκοπος وهي كلمة من مقطعين إِپِي επι: وتعني فَوْقَ، وسْكُوپُوسْ σκοπος: وتعني النَظَر. أي الناظر من فوق، أو المُراقب.

الأسقفية في الأرثوذكسية هي موهبة، عطيّة النعمة الإلهيّة، وللأسقف مكانة عظيمة في الكنيسة، فالمسيح له المجد قد دُعي أسقفاً "لِأَنّكُمْ كُنْتُمْ كَخِرَافٍ ضَالَّةٍ، لكِنَّكُمْ رَجَعْتُمُ الآنَ إِلَى رَاعِي نُفُوسِكُمْ وَأُسْقُفِهَا" (١بط٢٥:٢).

فبحضور الأسقف تُقام الخدمة (الليتورجية)، وبدونه لا تُعتبر الخدمة قانونية، لأن الأسقف هو خليفة الرسل المباشر، وهو رمز وحدة الكنيسة الجامعة، وهو الذي أُعطي بنعمة رئيس الكهنة الوحيد الرب يسوع المسيح، السلطة في إقامة الأسرار الإلهية "فَلْيَحْسِبْنَا الإِنْسَانُ كَخُدَّامِ الْمَسِيحِ، وَوُكَلاَءِ أسَرَارْ اللهِ" (١كو٤:١). لهذا يُسمّيه الرسول بولس وكيل الله "لأَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الأُسْقُفُ بِلاَ لَوْمٍ كَوَكِيلِ اللهِ" (تي٧:١). 

ومهما علت كرامة الأسقف إِلَّا أنه يبقى خاضعاً للكنيسة ولكلّ تسليمها المُقَدَّس كخادم للمسيح، فالقديس يوستينوس الشهيد (١٠٠-١٦٥م) كان يُسمي الأسقف "ليتورجس" أي خادم، لأنه يخدم المسيح. ولكن بعض الطوائف اعتبرت أساقفتها كنوّاب للمسيح! كالقول ان الاسقف هو نائب المسيح على الأرض. هذا التعليم مرفوض أرثوذكسياً، لأن المسيح ليس بغائب لينوب أحد عنه، فهو حاضر كل حين، هو رأس الكنيسة ولا ينفصل عن جسده

لذلك نعتبر الأسقف كوكيل الله كما يقول القديس بولس وليس نائبه.

 

وإذا ما عدنا إلى القرن الأول، نجد شهادات عظيمة عن الأسقف في رسائل القديس إغناطيوس الأنطاكي (٣٠-١٠٧م) تلميذ يوحنا الحبيب، إذ يقول: "‏اتّبعوا جميعكم الأسقف كاتّباع يسوع للآب، والمتقدمين القساوسة كاتّباعكم للآباء الرسل. أمّا الشمامسة فاحترموهم كناموس الرّب، لا يفعلنّ أحد منكم شيئا يتعلق بالكنيسة بدون إرادة الأسقف. سر الشكر (الإفخارستية) هو السر الذي يتمّمه الأسقف أو من أوكل إليه ذلك. حيث يكون الأسقف هناك يحب ان تكون الرّعية، كما أنّه حيث يكون المسيح هناك تكون الكنيسة الجامعة. بدون الأسقف لا يجوز العمّاد ولا ولائم المحبة. ما يُوافق عليه الأسقف هو مقبول عند الله. وكلٌّ ما يفعله يكون شرعياً" (الرسالة إلى سميرنا "أزمير"، إصحاح ٨).

من هنا تُشدّد الكنيسة الأرثوذكسية في خِدَمِها الليتورجية على ذِكْر اسم الأسقف، ويَذكر الكهنة اسمه بخاصة في الذبيحة الإلهية، في القدّاس الإلهي، وذلك بأنهم يُتمّمونها بالنيابة عنه، إذ بدون الأسقف لا تكون الخدمة شرعية (قانونية)، يقول القديس بولس: "وَأَيْضًا إِنْ كَانَ أَحَدٌ يُجَاهِدُ، لاَ يُكَلَّلُ إِنْ لَمْ يُجَاهِدْ قَانُونِيًّا" (٢تي٥:٢)، لذلك فتقديس الخبر والخمر ليصيرا جسد ودم عمانوئيل إلهنا، يتم بصورة روحية قانونية بوجود الأسقف أو من ينوب عنه.

لذلك يقول القديس إغناطيوس: "لا يضل أحد، إذا لم يُشارك من داخل المذبح، فهو قد حُرِم من الخبز الإلهي. إذا كانت صلاة شخص أو شخصين لها مثل هذا التأثير، فبالأكثر صلاة الأسقف وكلٌّ الكنيسة. كلّ من لا يأتي إلى هذا الإجتماع، يُظهر تكبّره وقد قطع نفسه" (الرسالة إلى أفسس٢:٥-٣).

حين ظهرت في العصر الرسولي هرطقة "التّهوّد" وإلزام المؤمنين الجُدد بتطبيق الناموس في انطاكية، قامت الكنيسة هناك بإحالة هذه القضية الى الرسل في أورشليم. ودُعي الى المجمع في العام ٤٨م، لتحديد مشيئة الله وتسوية الموضوع. ولاحظ عزيزي القارىء ماذا يحصل، بحضور "الرُّسُلُ وَالْمَشَايخُ" (أع٤:١٥) في ذلك المجمع، بمن فيهم بطرس وبولس، وبعدما أنهى الجميع كلامهم، كان الكلام ليعقوب أخي الرَّب، والذي لم يكن من الرسل الإثني عشر، قال: "أَيُّهَا الرِّجَالُ الإِخْوَةُ، اسْمَعُونِي" (أع١٣:١٥). وأصدر يعقوب الحكم الأخير في ما يتعلّق بما يمكن عمله لفضّ الجدال. لكن لماذا يعقوب؟ لماذا ليس بطرس أو أيّ من الرسل الآخرين؟ لأنّه وبحسب كل الموُرّخين الأوائل الذين كتبوا عن الموضوع، كان يعقوب أسقفاً على أورشليم زمن انعقاد المجمع. وبحسب الرواية أعمال ١٥، هو بالتأكيد تصرّف بما يُوافق!

ويتساءل البعض لماذا نرى اليوم الأساقفة من البتوليين فقط، على عكس القساوسة والشمامسة الذين هم إمّا متزوّجون أو بتوليّون، رغم ان القديس بولس يقول: "فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الأُسْقُفُ بِلاَ لَوْمٍ، بَعْلَ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ" (١تي٢:٣).

يشرح القديس يوحنا ذهبي الفم ما جاء في (تيطس٦:١) عن بعل إمرأة واحدة ما يلي: "قال الرسول هذا في وقت كان به اليونانيون منغمسين في عيشة دعارة متواصلة. ولذلك كان من الغرابة عندهم ألّا يكون للرجل إِلَّا زوجة واحدة. وَأَمَّا في هذا العصر فالأسقف يجب أن يكون مزداناً بالقداسة والطهارة الفائقتين".

فقد كان مسموحاً أن يُنتخب الأسقف من المتزوّجين. واستمر هذا الحال حتى القرن السابع وتحديداً في مجمع ترولو (قوانين المجمعين الخامس والسادس المسكونيّين)، تم وضع قانون يمنع أن يكون الأساقفة من المتزوّجين (القانون ١٢) وذلك لأن أولاد الأساقفة كانوا يضعون أيديهم على أموال الأبرشية وعلى الأوقاف التابعة لها، بعد ان كان الأسقف يُورِّث إبنه، ويندفع هذا الأخير إلى تبذير أموال الكنيسة. وأيضاً لأن العناية بالزوجة والأولاد وحاجات المنزل تحول دون التجرد للقيام بواجبات الوظيفة الأسقفية والعناية بالرعية كما يقول القديس بولس: "أَمَّا الْمُتَزَوِّجُ فَيَهْتَمُّ فِي مَا لِلْعَالَمِ كَيْفَ يُرْضِي امْرَأَتَهُ" (١كو٣٣:٧). بينما البتولي يقول عنه القديس بولس: "غَيْرُ الْمُتَزَوِّجِ يَهْتَمُّ فِي مَا لِلرَّبِّ كَيْفَ يُرْضِي الرَّبَّ" (١كو٣٢:٧). ولأجل هذا الكنيسة تُقيم الأساقفة من البتوليين فقط.

يقول القديس كبريانوس القرطاجي (٢٠٠-٢٥٨م): "الأسقف  هو في الكنيسة، والكنيسة هي في الأسقف، ومن لا يكون مع الأسقف لا يكون في الكنيسة" (رسالة ٦٨ (٦٦)، ٨).

وهذا عينه ما قاله من قبله إغناطيوس الأنطاكي: "حيث يكون الأسقف هناك يجب أن تكون الرعية" (الرسالة إلى سميرنا "أزمير" ٢:٨).

 

بهذا نرى دور الأسقف المهم في كنيسة الله، فالكنيسة هي جماعة المؤمنين. شعباً واكليروساً (أساقفة، قساوسة، شمامسة). هم بوحدة واحدة يُشكّلون جسد المسيح. إذا لا كنيسة بلا الشعب، ولا كنيسة بلا الإكليروس. بل الشعب والإكليروس معاً، ورأس هذا الجسد هو المسيح.

ونختم بقول القديس بولس عن الصفات التي يجب أن يتحلّى بها الأسقف: "لأَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الأُسْقُفُ بِلاَ لَوْمٍ كَوَكِيلِ اللهِ، غَيْرَ مُعْجِبٍ بِنَفْسِهِ، وَلاَ غَضُوبٍ، وَلاَ مُدْمِنِ الْخَمْرِ، وَلاَ ضَرَّابٍ، وَلاَ طَامِعٍ فِي الرِّبْحِ الْقَبِيحِ، بَلْ مُضِيفًا لِلْغُرَبَاءِ، مُحِبًّا لِلْخَيْرِ، مُتَعَقِّلاً، بَارًّا، وَرِعًا، ضَابِطًا لِنَفْسِهِ، مُلاَزِمًا لِلْكَلِمَةِ الصَّادِقَةِ الَّتِي بِحَسَبِ التَّعْلِيمِ، لِكَيْ يَكُونَ قَادِرًا أَنْ يَعِظَ بِالتَّعْلِيمِ الصَّحِيحِ وَيُوَبِّخَ الْمُنَاقِضِينَ" (تي٧:١-١٠).

يتبع ..

د.علاء عيد

 

 Copyright © 2009-2024 Almohales.org All rights reserved..

Developed & Designed by Sigma-Space.com | Hosting by Sigma-Hosting.com