عن الكنيسة

كاهن الكنيسة

جمعية الكنيسة

مواقع

C??????E التراث العربي المسيحي

التراث العربي المسيحي

تراث عربي مسيحي

تقديم وتحقيق الأخ وديع الفرنسيسكاني

 

11. ولو لم يكن مرجع ما يصدر عنهم إليه، وتفويضه لهم، لما كان معنى لتكليفهم الصوم والصلاة والصدقة، وجميع العبادات الشاقة المنهكة للقوى البدنية، المصادمة للقوى الشهوية والغضبية ، عما نُهبوا عنه، العلمية والعملية الضابطة حواسهم عن التمتع المحسوسات، التي نهاهم عنها، وحظرها عليهم ، في شريعتي عقولهم وأديانهم ، ليعاندوا بها القوانين الشهوية  والغضبية ، إذا  قصد مَن يقصد منهم التهور بهما ، والميل عن محجة الحجى والشرع . ولولا التخيّر والتفويض إلى المأمور ، لما استحق ثواباً ولا عقاباً، بل كان ثوابه عبثاً أو تفضلاً، وعقابه ظلماً صراحاً.

12.  وقول آخرين وهو: إنه لما كانت عطية الاستحقاق أتم وأفضل من عطية التفضّل، عرض الله (تعالى) عبادة لها، حيث أمرهم بأوامر فاعتمدوها، وكلفهم تكاليف فقبلها الطائعون وفعلوها، وأتعبوا نفوسهم فيها؛ فاستحقوا بذلك نعيماً يُثابون به عليها. وخالفه العصاة منهم فيها؛ واستحقوا العذاب.

13. فكان ثواب أولئك نعمة يزداد موقعها عندهم بعلمهم أنهم استحقوها، وعقاب هؤلاء، وإن كان بلاءً عليهم، فهو نعمة على المثابين أيضاً ؛ إذا رأوا عقاب العصاة، إزدادت لذتهم بما نالوه من نعيم الثواب، وبما تخلصوا منه من شقاء العقاب. فهذه وأمثالها من الحجج على رفع القضاء والقدر، في هذا المقام.

14.  وقد كثر، في هذا الخلاف:

15. فقائل يقول: إن وعد الله بالثواب حق لازم، وتوعده بلعقاب غير لازم، وإنما قصد به صلاح المكلفين، مع رحمته الشاملة لهم؛ كوالد يهد ولده، بتقريعه له، وصده عما يؤذيه، ورده إلى ما ينفعه، بالعقاب والضرب. وإن قبل وفعل، فقد انتفع، وإن لم يفعل، ردته شفقته عليه من قتله وعقوبته.

16. وقال آخرون: بل كالطبيب المشير بما ينفع، والمانع عما يضر، وإعلام المشار عليه أن هذا يتبعه الصلاح والخير، وذاك يلزمه الفساد والشر. فإذا جاءه الخير بما اعتمده ، فالطبيب سببه بهدايته إليه ، ودلالته عليه . وإذا جاءه الشر بما خالف فيه ، فالمريض سببه على نفسه بمخالفته ، وليس الطبيب الذي فعله به؛ قصداً للانتقام منه على المخالفة؛ لأنه لا يؤاخذه، ولو تيسر دفعه عنه، لدفعه.

17. فكذلك الثواب لزم عن الطاعة، لزوم المسبب للسبب، والعقوبة عن المعصية . فينتفع الطائع بطاعته ، كانتفاع المريض بحميته ، ويستضر  العاصي بمعصيته، كاستضرار المريض بتخليطه. والطبيب عَلِم تلك المنفعة والمضرة، وهدى إلى سبيل هذه، وجنّب عن سبيل تلك، وإن لم يكن فاعلاً للمنفعة، لرضائه عن المحتمين، فكذلك ولا لعقوبة، بسخطه على المخلط، لكنه الدال المحذر.

18. وقال آخرون: لا، بل الشرائع كلها هي أوامر اله، التي تطاع ويتعبد بها، ويثبت ويعاقب عليها. وإن كان فيها ما فيه نفسه صلاح ومضرة المأمور به والمنهي عنه: مثل الصوم والصحة في الدين والبدن ، وإضعاف قوى الغضب والشهوة، وترك الزنا لصلاح الأولاد، والانتفاع بهم، والثواب الموعود به لمعتمده، والعقاب المتوعد به لمخالفه موجودان، أيضاً، حاصلان، توهماً عن المنفعة والمضرة الموجودين فيهما.

19. ومنها ما لا منفعة فيه نفسه، ولا مضرة، وإنما هو تكليف محض، فائدته إنما هي الثواب الذي يجزيه الله به على طاعته، والمضرة الموجودة منه هي العقاب، يعاقب به على معصيته؛ والغرض المقصود من المكلفين، في تكليفهم، هو الطاعة في ما ساءهم وسرّهم، ونفعهم وضرهم.

20. وإياك أن يغلطك، في هذا المقام، قول بولس الرسول، عن النبي، في رسالته إلى أهل رومية : "إني أرحم مَن أردت أرحم ، وأتحن على مَن أردت أن أتحنن عليه. وإن الأمر ليس إلى مَن يشاء، ولا بيد مَن يسعى". "وإن الفاخوري مسلط على طينه، يصنع منه آنية للكرامة، وآنية للهوان".

21.  فأقول: إن معنى قول الكتاب، الذي استشهد به الرسول: "إنني أرحم مَن أردت أن أرحم، وأتحنن عليه"، أي أنه يرحم المستعدين لقبول الرحمة بأعمالهم، ويتحنن على الموافق إرادتهم لإرادته (سبحانه) ، في أفعالهم ، الذين لم يخرجوا عما أمرهم به شرعه ، ولم يدخلوا في ما نهاهم عن الدخول فيه.

22. فخرجت الرحمة عن أن تكون بيد مَن يسعى سعياً لا يطابق إرادته (سبحانه) ، بل يباين مشيئته ؛ وهذا هو طريق العدل . وبقيت الرحمة متعلقة بهذا الشرط الآخر، وهذه القضية مقيدة به.

23. وقوله: "إن الفاخوري مسلط على طينه، يصنع منه آنية للكرامة، وآنية للهوان"، أما الفاخوري فبلا شك أنه متسلط على طينه ، في صنع الآنية، إلا أنه ليس هو العلة في أن بعضها للكرامة، وبعضها للهوان، ولا كان قصده، لما عملها متوجهاً إلى ذلك.

24. وأما ثانياً فإن الفاخوري يعمل من طينة الآنية المستعملة في خدمة الإنسان، وطين الإنسان هو المجبول منه على صورة اله (تعالى)، المخلوق لتسبيحه وتقديسه، فبينهما فرق عظيم، وبون بعيد، وتباين ظاهر. فهذا المثل ليس هو مطابقاً، من سائر وجوهه ، في هذا المعنى، بل من بعضها؛ لأنه لو كان مطابقاً منها جميعاً، لكن المثل هو الممثَّل.

 Copyright © 2009-2024 Almohales.org All rights reserved..

Developed & Designed by Sigma-Space.com | Hosting by Sigma-Hosting.com