عن الكنيسة

كاهن الكنيسة

جمعية الكنيسة

مواقع

C??????E التراث العربي المسيحي

قدسيّة الزّواج وصعوباته وأفضاله

قدسيّة الزّواج وصعوباته وأفضاله

(بقلم الأب د. بيتر مدروس)

درس عن الزّواج في آخر صفّ من المرحلة الثّانوية (ص 85، الدّرس السّادس عشر)

الإشارة هنا إلى المنهاج الفلسطينيّ أتت فقط للمرجعيّة ولكنّ الموضوع يعني كلّ طالباتنا وطلابنا في العالم العربيّ من المحيط إلى الخليج، ولا بدّ أنّ التّربية الإسلاميّة تعتني به أيضًا. وقد يعترض قوم أنّ خوض مسألة الزّواج سابق لأوانه في المدارس إذ يتبع الزّواج الدّراسة الجامعيّة. ولعلّ الرّدّ هو أنّنا لا نستطيع كمربّين دينيّين أن نصل إلى معظم الطّلبة بعد الثّانويّة العامّة. وإذا حاولنا أن نجمعهم بعد الدراسة الجامعية ، فربّما لا يأتون أو لا يتجاوبون، وقد يكون حديثنا تمّ "بعد فوات الأوان".

من بديهيّات الوحي والفكر في النّقل والعقل : الزّواج اتّحاد مقدّس بين رجُل وامرأة

يوافق العقل السّليم ما ورد في الوحي الإلهيّ أي أنّ الله أسّس الزّواج فقط بين ذكَر وأنثى  أذ "لم يحسن أن يكون الرّجُل وحده، فخلق له الله عونًا بإزائه" أي شبيهة به لا من نفس الجنس بل من نفس الإنسانيّة. وأثبتت الكتب المقدّسة أنّ أي انحراف عن هذا النّظام الإلهيّ خطير جسيم (سِفر التكوين في قضية صدوم وعمورة، رومية 1: 18 وتابع). وأكّد ذلك "التّعليم المسيحيّ للكنيسة الكاثوليكية"، رقم 2357 وتابع، إذ أوضح ما يعرفه الحسّ القويم وهو أنّ الزّواج- طبعًا بين رجُل وامرأة- يهدف إلى النّسل لئلا تنقرض الإنسانيّة ويتمّم التّكامل بين الجنسين، وإن كان الأولى أن نقول: الزّواج مبنيّ على التّجانس أكثر منه على الجنس عندنا نحن الكائنات العاقلة ذات الضّمير والإرادة والعاطفة والإحساس.

تجدر زيادة هذه الأفكار والمعلومات في مناهج التّربية المسيحيّة بشكل أوضح من السّابق!

مع الأسف، بسبب الانحرافات في التّفكير والشّطّ عن جادة الصّواب والأخلاق، نشأت عند نفر كثير نظريّات غريبة غربيّة مخالفة للمسيحيّة وللوصايا العشر كما تعترف بها الدّيانات الموحّدة الثلاث بشكل جليّ لا يقبل شكًّا ولا تأويلاً ولا مهادنة في شأن الزّواج. ونعرف تفشّي ظاهرة "الدفع والضّغط" نحو قبول المثليّة كنهج حياة في الغرب. وتقاوم الكنيسة الكاثوليكية وشقيقتها الأرثوذكسيّة تلك الضّغوط بكل ما أوتيتا من قوّة. ولا يحلمنّ خصومهما بأن تحلّلا يومًا ما حرّمه الله. وما دفعنا إلى كتابة هذه السّطور سوى حدث مؤسف في لبنان "احتفل" به مؤخّرًا  كثيرون وجعلوا طنّة له ورنّة كأنّهم حقّقوا باتّحاد مثليين (أعتقد شابّين أو رَجُلين) أعظم انتصار في تاريخ بلاد الأرز منذ عهد الفينيقيّين (!)، كما تشدّقت بذلك سنة 2013 محطّة التّلفاز الفرنسيّ الرسميّ إذ عرضت "ببثّ حيّ مباشر" "زواج" "برونو" وصديقه أو "زوجه" "فانسان". ومن المخجل أنّ كليهما يحمل اسم قدّيس محترم  عظيم بطل في الفضيلة والعفاف والحكمة والإنسانية! وبما أنّنا جميعًا، خصوصا شبيبتنا، على أمور الدّنيا مطّلعون، عن طريق الإعلام ووسائل الاتّصال الاجتماعيّ، فكان لا بدّ من إضافة هذه المبادىء وإيضاحها، دفعًا لسوء الفهم ورفضًا للمواقف  الغامضة ذات اللّف والدّوران التي هي تعاطف مع  "خلل مغاير للطّبيعة" لا يمكن للكنيسة (والدين الإسلاميّ) أن يوافقا عليه زواجًا حقيقيًّا سليمًا كريمًا.

ضرورة الاستعداد للزّواج وشروط الزّواج السّليم الصّحيح

في المسيحيّة وفي الإسلام رصيد ثمين من التّعليمات والشّروط والتّوجيهات لسلامة الزّواج واستمراريّته، على ما في النّفس البشريّة من حدود وضعف ونقائص. وتشدّد الكنيسة على فترة الخطوبة زمنًا للتّعارف الحقيقيّ الصّريح، لا مدّة مؤقّتة من الخداع المتبادل والتّمويه والتّورية وستر العيوب "وطبطبة" الأمراض أو السّلبيّات بشكل عامّ. وهنا فرق بسيط بين الكنيسة الكاثوليكيّة وشقيقتها الأرثوذكسيّة . فالأولى تعامل الخطوبة فقط كوعد رسميّ بالزّواج يمكن في كلّ حين حلّه، بلا عواقب قانونيّة، في حين أنّ بعض الكنائس الأرثوذكسيّة تحسبه "نصف إكليل" بحيث يلزم "طلاق" لفسخ الخطوبة. ويعرف القارىء المسلم الكريم وضع الخطوبة في الإسلام ككتب كتاب. ويغتنم المرء هذه الفرصة ليكتب من هذا المنبر الأغرّ أنّ السيّدة العذراء دائمة البتوليّة مريم كانت مخطوبة للقدّيس يوسف النّجار، والخطوبة عند معشر اليهود القدماء كانت "كتاباه" أو "إروسين" أي عقد زواج حتّى قبل الزّفاف وقبل أن يتساكن العروسان.

نقائص في التّعارف قد تبطل الزّواج

عندما يثبت أنّ خداعًا في أمور جوهريّة حصل قبل الزّواج، تعلن الكنيسة الكاثوليكيّة بطلان ذلك العقد لأنّ أساسه الصدّق قد تمّ نسفه بالغشّ. وعندما لا يكون أحد العروسين قد بلغ السنّ القانونيّة (وهي عادة خمس عشرة سنة للعروسة وست عشرة سنة للعروس) أو لم يكن هنالك شاهدان على عقد الزواج، كان هذا باطلاً. وإن لم تكن هنالك موافقة صريحة كاملة، أي في حالات الإكراه، يمسي الزواج باطلاً أيضًا.  وبسهولة تفسخ الكنيسة زواجًا في حالة عدم إتمامه بتساكن الزّوجين. والزّواج يبيت باطلاً إن ثبت وجود زواج سابق له في الكنيسة. هذه معظم حالات بطلان الزّواج خصوصًا بوجود أمراض نفسيّة أو عقليّة تحدّد الإدراك أو تزيل الاتّزان والمسؤوليّة.

بعد إعلان الكنيسة للبطلان ، يجوز لكلّ من العروسين أن يرتبط بزواج آخر في الكنيسة (إلاّ إذا كان عاجزًا عقليًّا أو نفسيًّا أو جسديًّا أيضًا)، إذ هما في الواقع "مُطلَقا الحال" (يلا شدّة على الميم) اي أنهما حرّان لعقد زواج جديد.

في كلّ هذه الحالات تعطي الكنيسة الأرثوذكسية أحيانًا "بطلان زواج" وأحيانًا "طلاقًا"، أو تدعوه العامّة "طلاقًا" لخلطها بين الحقيقتين.

خاتمة

نكتفي بهذه المعطيات التي لا ندّعي فيها تجاوز رجال الدّين المتخصّصين بالحقّ القانونيّ، خصوصًا رؤساء محاكمنا الكنسيّة. ولكن كان لا بدّ من إيضاح هذه الأمور لجميع المواطنين، وخصوصًا الطّلبة وأولياء أمورهم، كي "يكون الإكرام للزّواج عند الكلّ"، وقد أكرمنا الله بالزّواج والإنجاب  إذ أمر له المجد أبوينا الأوّلين: "اكثرا وانموَا واملآ الأرض" (تكوين 1: 28). وقد ورد في سورة الرّوم 21:  "ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجًا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودّة ورحمة".

بارك الله والدينا ورحم المتوفّين منهم وجعلنا نقدّس الزّواج الّذي هو "سرّ المحبّة" ومستودع الحياة، إذ أنّ الله يريد لنا الحياة بالمحبّة، ويريدها لنا وافرة (يوحنّا 10: 10)."والمحبّة قويّة كالموت"، بل هي منه أقوى!

 

 Copyright © 2009-2024 Almohales.org All rights reserved..

Developed & Designed by Sigma-Space.com | Hosting by Sigma-Hosting.com