عن الكنيسة

كاهن الكنيسة

جمعية الكنيسة

مواقع

C??????E سيرة ذاتية للكهنة

خطورة محبّة وإقتناء الـمال

خطورة محبّة وإقتناء الـمال

The seriousness of love and acquisition money 

 الدكتور انطوان يعقوب

قُلنا أن المال وسيلّة لتلبية إحتياجاتنا المادية المعيشية، لكن إقتناء المال والسعي الدائم من أجلِ تكديسه وتجميعه خطيئة سوف يُحاسبنا الله عليها  .

فالخطر كل الخطر أن يعتمدَ الإنسان على الـمال، ذلك الـمال الذي يُبعد مُقتنيها عن الله وعن أخيهِ في الإنسانية

  قد يُقّيد المال حركة الإنسان وتُزيد تعلقه بهذه الأرض لأنه"حيث يكون كنزك يكون قلبك أيضًا"(متى6: 21

فكثرة المال تكون عائقاً في تفكيرِ الإنسان بحياته الآخرة ، فيظل مُتعلِّقاً بهذه الـمُقتنيات الأرضية الفانية . فالذي يملك بيتاً جميلاً تتّوفر فيه كل وسائلِ الراحة ، ويعيش صاحبه بهناء وراحة، لايمكن أن يتّصور بأي حال من الأحوال ، أن يتركَ هذا البيت ، لأنه يعيش حياته كلّها بسعادة وراحة ، ولم يشعر بشعور الـمُحتاجين الذين يسكنون الكهوف والجحور ، لذلك فمن الصعب عليه أن يُفّكر في نهايتهِ أو في مجيىءِ الموت الذي يحرمه من هذهِ السعادة، 

فمثل هذا الإنسان ينشغل بالأرضيات وينسى السماويات، مع أن الأشياء المنظورة (الأرضيات)وقتية وفانية، والأشياء الغير منظورة (السماويات)  أبدية ودائمة.

  كما أن مُقتني المال يكون عادةً طماعاً لايشبع من جمعِ المال وزيادته بشتى الوسائل، لذلك لا يستطيع ، حين يرى اخوته في البشريةِ مُحتاجين، مُساعدتهم  ، فيصُم آذانه عن صراخهم ، ويغلّق عيناه عن رؤويتهم، لأنه يخاف من ضياعِ ثروته أو إنقاصها .  

ان حُب المال لايُقصينا عن طريقِ الكمال فحسب ، بل ويضع أنفسنا في حالةِ خطر الهلاك الأبدي أيضًا. فما أعسرَ حقاً على الـمُتكلين على الأموالِ أن يدخلوا ملكوت الله . لنسمع قول مُعلِّمنا بولس القائل" وأمَّا الذين يرومون الغنى فيسقطون في التجربةِ والفخ، وفي شهواتٍ كثيرة سفيهة مُضرّة ، تغرق الناس في العطبِ والهلاك ، وطعنوا أنفسهم بأوجاع كثيرة"(1تيمو6: 9-10) . لكن قد يتدارك الله بواسع رحمته مُحبيه فيُخلِّصهم بنعمته ، وعليه نقول أن الأغنياء الذين يعطون ويُساعدون الفقراء والمساكين قطعاً لا يقصدهم المسيح هنا بقوله، فالقديس متّى كان غنيًا ولكنه ترك كل شيء ليتبع المسيح ، وزكّا العشّار وزعَ كلّ أموالهِ ليتبع المسيح   ويوسف الرامي ونيقوديموس أيضًا كانا من الأغنياءِ ولكنهما قدّما ما لديهم في سبيلِ المسيح  .

وهل ننسى كل القديسين أمثال: انطونيوس ونيقولاوس وجاورجيوس وأغسطينوس ، وغيرهم فكلّهم وزعوا كل أموالهم وحملوا صليب يسوع وتبعوه وسكنوا في البراري  فعاشوا حياة الفقر والضنق ،  لذلك خُلِّدت أسمائهم على الأرض وورثوا الحياة الأبدية

فلنقُل إذاً مع ابن سيراخ" طوبى للغني الذي وُجِدَ بغير عيب، ولم يسع وراء الذهب . من هو فنغطيه، لأنه صنع عجائب في شعبه؟ من الذي امتُحِنَ به فَوُجِدَ كاملاً، به فليفتخر"(إبن سيراخ31: 8-10). - 

يقول القديس جيروم"هذه هي ذروة الفضيلة الكاملة الرسولية أن يبيع الإنسان كل ما يملُك ويُوزعه على الفقراء(لو8: 22) مُتحرّراً من كلِّ عائقٍ ليعبر إلى الـممالك ِالسماوية مع المسيح".

ومع ذلك ،  نتعجب حين نرى ونسمع اليوم ،عن مُحبي إقتناء المال، ليس فقط من العلمانيين  ، بل وأيضًا بعض رجال الدين، وخصوصًا درجة كمال الكهنوت " الأساقفة"، الذين يسعون  جاهدين ، نحو جمع المال وإقتنائه لتأمين مستقبلهم فيُكّدسونها في المصارف والمخابىء الخاصة وشراء وامتلال العقارات والأملاك والمتاجر ، مُحتسبين لحياتهم المُستقبلية بعد بلوغهم سن التقاعد، وهُم الذين يعظّون الناس ويحثونهم على التبرعِ  وعدم إقتناء المال لأنه مكرهة

وأنا أسأل هولاء الذين لا يُشاركون في المُناسباتِ الدينية ، إلاّ بعد حصولهم على مبالغٍ عالية ، سواء للمُشاركةِ في العمادات أو الأكاليل أو الجنانيز، والويل لمن لايدفع لهم مبالغ طائلة

فهل يا أصحاب السيادة ولابسي التيجان  في إمكانكُم تأمين بقائكُم أحياء بعد أو حتى قبل بلوغكم سن التقاعد لإنفاق هذه الأموال التي تجمعونها في حساباتكُم؟ 

ياليتكُم تتعظون من مشاهدِ الموت التي تُحصى كل لحظة مما تُشاركون وتُهون إليها !

- يقول القديس كبريانوس"إن كان الكنز في السماء فيكون القلب والعقل والمشاعر في السماء ، ولا يستطيع العالم أن يغلب الإنسان الذي ليس فيه شيء يُمكن أن يُغلّب. إنك تستطيع أن تتبع الرب حراً بلا قيود كما فعل الرسول، وكثيرون في أيامهم، الذين تركوا مالهم وأقربائهم وإلتصقوا برباطات لاتنفك" .

- يقول القديس أُغسطينوس"إن كانت لديهم الإرادة أن يرفعوا قلوبهم إلى فوق فليدخروا ما يحبونه هناك، فإنهم وإن كانوا على الأرض بالجسد، فليسكنوا بقلبهم مع المسيح . لقد ذهبَ رأس الكنيسة أمامهم ليت قلب المسيحي أيضًا يسبقه إلى هناك..فإن كل مسيحي يذهب في القيامة إلى حيث ذهب قلبه الآن".

 فاعلّم إذًا وتعلّم ، يا حبيب المسيح، أن الإيمان بدون أعمال صالحة ، إيمان ميت، لأنه  بالإيمان والأعمال يخلُّص الإنسان ، وليس كما يعتقد البعض بأن الإيمان وحده يكفي للخلاص ، ولا كما يقول البعض الآخر بأن الأعمال وحدها كافية للخلاص ، 

فإن هذه الأقول مُضادة لتعاليم الكتاب الـمُقدّس الذي يقول " الإيمان إن كان بغير أعمال فهو ميت في ذاته"(يع2: 17) ومن ثمَّ لايُفيد الإيمان وحده صاحبها، 

فالسيّد المسيح طلبَ من الشابِ الغني أن يحفظ الوصايا ، ولم يقصُد المسيح هنا الوصايا العشر فقط ، بل أيضًا وصاياه التي طلب فيها محبة الأعداء وغيرها من الوصايا التي أكملَ بها يسوع الناموس التي تُنّظم العلاقات البشرية ببعضها وعلاقة الإنسان بخالقه وباريه ،  ثُمّ تطبيق هذه الوصايا بالأعمال الصالحة كتوزيع الأموال على الفقراءِ والـمُحتاجين، واتباع يسوع حتى النهاية، انها وصية المحبة المسيحية والتي تتّضمن محبة الإنسان لله ، ومحبته للقريب، فمن لايُحب قريبه الإنسان ، الذي يراه طوال حياته وغُربته ، لايستطيع أن يُحب الله البعيد الذي لايراه.

 قد نتساءل من هو القريب ، القريب في مفهومِ المسيحية هو كل إنسان حتى لو لم يكن من دينك أو جنسك. فدافع محبتك لأخيك الإنسان هو جُزء لا يتجزء من محبتك لله ، لأنك ترى في محبتك للإنسان محبتك لله ، فهذا الحُب هو الذي يُطالبنا به الله سبحانه، أن تُحب قريبك كنفسك (متى19:19إذاً فمن يسعى إلى خلاص نفسه عليه أن يُحب الله من كل قلبه وأن يُحب قريبه كنفسه.- التعلّق بالسماويات والتجرُّد أو نبذ الـمال هو طريق الخلاص.

 فالذي يُلّبي الدعوة عليه أن يُجّرِد نفسه من مُتعلقاتِ وفواني الحياة "واحدة تنقصك، إن شئت أن تكون كاملاً ، فاذهب وبع كل شيء لك، وأعطه للمساكين، فيكون لك كنز في السماء، وتعال اتبعني" قد لايكون مثل هذا التجرُّد مطلوباً من الجميع ، بل من الذين وهبوا حياتهم للرهبنة

أما الكمال المطلوب من الجميعِ فهو كمال الفضائل الـمسيحية ، وعلى رأسها فضيلتيّ المحبة والتواضع ، فهي فضائل مطلوبة ، بل وإلزامية على الجميع ، لأنه يقول"كونوا كاملين كما أن أباكم السماوي كامل"(متى5: 48).وكيفما كان الأمر،  ان الإتكال على الـمال ، يعوق يلوغ الإنسان للوصول إلى الخلاصِ وملكوت السموات.

 إن التعلُّق بحُب الـمال لايحرم الشخص من مُمارسةِ الفضائل الـمسيحية ، بل ويحرمه أيضًا من دخولِ ملكوت الله." ما أعسر على ذوي الأموال أن يدخلوا ملكوت الله" (مر10: 17-35)، 

كما قال الإناء الـمُصطفى" إن حُب الـمال أصل كل شرٍّ، وهو الذي رغبَ فيه قوم فضّلوا عن الإيـمان ، وطعنوا أنفسهم بأوجاع كثيرة"(1تيمو6: 10) .

 قد نتساءل هنا عمن يتكلّم  السيّد المسيح والقديس بولس هنا؟إنهما بالطبع قصدا كلّ إنسانٍ اتخذ المال معبوداً له ، أو كل إنسان وضعَ اتكاله على مالهِ دون الله، واهب المال، ولهذا فمثل هؤلاء لن يدخلوا ملكوت الله

كان اليهود أيام السيّد المسيح وحتى الآن يعبدون إقتناء وجمع المال ، لذلك سأل التلاميذ مُعلمهم من إذن يستطيع أن يخلُّص؟ فقال لهم يسوع "ذلك مُستحيل عند الناس، وأما عند الله فليس كذلك، لأن كل شيء عند الله مُستطاع

أي أن خلاص الغني الـمُتكل على ماله، وإن كان مُستحيلاً بالنسبة للناس ، ووفقاً لكلام الرب يسوع نفسه ، غير أن الأمر في يد الله وحده القادر على كل شيء. إذ أن الله في يده وحده أن يهبَ نعمة الخلاص لمن يشاء، فقد مات المسيح من أجل كل الناس ، ولذلك فقد أصبح من حق الجميع التمتع بهذا الخلاص، لكن شرط حصول الغني على نعمةِالخلاص أن يُشارك إخوته في الإنسانيةِ في احتياجاتهم وأن يعطيهم مما أعطاه الله

من له أُذنان للسمع فليسمع.

 Copyright © 2009-2024 Almohales.org All rights reserved..

Developed & Designed by Sigma-Space.com | Hosting by Sigma-Hosting.com