عن الكنيسة

كاهن الكنيسة

جمعية الكنيسة

مواقع

C??????E كتب مسيحية

الكنيسة حاضنة الكتاب المقدّس (بقلم الأب د. بيتر مدروس)

الكنيسة حاضنة الكتاب المقدّس

(بقلم الأب د. بيتر مدروس)

لا تنافر بين الكتاب المقدّس والكنيسة بل توافق

ليس أبعد من الحقيقة والإنصاف القول أنّ الكنيسة أهملت الكتاب المقدّس أو عادته. والواقع أنّ أسفار العهد الجديد نشأت بإلهام من الله ووحي منه تعالى إلى الرّسل والتلاميذ داخل الكنيسة الأولى. وراح آباء الكنيسة وأوّلهم المدافعون، وعلى رأسهم النابلسيّ الشّهيد يوستينوس، يستشهدون بالكتب المقدّسة مئات المرّات. وحافظ الرّهبان على مخطوطات الكتاب المقدّس، خصوصًا بعد انهيار الإمبراطوريّة الرّومانيّة، وقاموا بنسخها وبنسخ آلاف المخطوطات الأخرى في شتّى الميادين من فلسفيّة وأدبيّة وعلميّة وطبيّة، بحيث يأتي تنكّر "الغرب" للكنيسة ومعاداته للمسيحيّة وبالذّات للكثلكة نتيجة لجهل فظيع أو لنكران جميل بغيض. وإذ يعترف "الدّستور الأوروبيّ" بجذور أوروبا "الإغريقيّة الرّومانيّة"، فقد أغفل الملحدون الّذين كتبوه أنّ الرّهبان الكاثوليك هم الذين حافظوا أيضًا على هذا التّراث حين انهارت الإمبراطوريّة الرومانيّة في القرن الخامس الميلاديّ.

ولم ينزل الكتاب المقدّس من السّماء في القرن السّادس عشر عند احتجاج مارتن لوثير أو أولريش زوينغلي أو جان كلفين.

إقرار نزيه مؤثّر من مارتن لوثير بالكنيسة الرّسوليّة الكاثوليكيّة البابويّة

كتب لوثير (في طبعة يينا، ص 408- 409): " نعترف بأنّه تُوجَد في الكنيسة البابويّة حقائق الخلاص الّتي قد تسلّمناها نحن، وحقًّا تُوجَد في الكنيسة البابويّة الكتب المقدّسة الحقيقيّة، والمعموديّة الحقيقيّة، وسرّ القربان الحقيقيّ والمفاتيح الحقيقيّة الّتي تغفر الخطايا، والإعلان الحقيقيّ للإنجيل، والتّعاليم الحقيقيّة التي تحتوي على "الصّلاة السيّديّة"، وعلى قواعد الإيمان وعلى الوصايا العشر، بل أقول أنّ في الكنيسة البابويّة حقيقة الدّيانة المسيحيّة". (ويسري هذا الكلام أيضًا على الكنيسة الأرثوذكسيّة الشّقيقة التي تختلف عن الكاثوليكيّة اختلافًا معظمه إداريّ). وأسف لوثير لتمرّده على الكنيسة فكتب: "ويحي! ما أنا فاعله، أنا الّذي علّم بخلاف (المسيح والرسل والكنيسة) كما يعلّم تلميذ يخالف معلّمه؟ هذه أفكار داهمتني، فعرفتُ ضلالي وتأكّدتُ مِن ذنبي. واأسفاه! حبّذا لو لم أشرع بمثل هذا المشروع ولا علّمتُ كلمة واحدة! ولكن من يقدر أن يناهض هذه الكنيسة التي نقول عنها في قانون الإيمان: "وأومن بكنيسة مقدّسة "؟ (طبعة والش، ص 479).

وإذا سأل سائل: "لماذا هذه السّلبيّة في شأن الكنيسة؟"، أجاب لوثير نفسه: "لا يقدر الهراطقة أن يظهروا بمظهر الصّلاح إلاّ إذا صوّروا الكنيسة شرّيرة وكاذبة ومخطئة. " (طبعة فايمر، 3، ص 445، دنفليه، 1، 339).

 

فضل الكنيسة في المحافظة على الكتاب المقدّس لقرون طويلة  إلى اليوم!

وقفت الكنيسة مقدامة أمام مكايد العبرانيّين الّذين في مجمع "يبنيه" (45 كم غربي القدس) سنة 90 ميلادية همّوا في حذف كتب مقدّسة من الميثاق العتيق مكتوبة باليونانيّة، نكاية بالمسيحيين الناطق معظمهم باليونانيّة. وحفظ لنا العهد الجديد أكثر من ثلاثين اقتباسًا من تلك الأسفار الملهَمة التي تقدّسها دومًا الكنيسة الكاثوليكيّة وشقيقتها الأرثوذكسيّة. ومؤخّرًا صار إخواننا البروتستنت يوقّرونها ويضعونها كملحق (كما فعل لوثير في حينه)، في "التّرجمات المسكونيّة": وهذا فخر للمسيحيّة كبير. يدلّ على أنّ المسيحيّين تخطّوا اختلافاتهم وأجمعوا كالكنيسة الأولى على كلمة الله المكتوبة. ومع أنّ مارتن لوثير نفسه، سنة 1922، حذف من العهد الجديد ثلاثة أسفار هي رسالة مار يعقوب والرّسالة إلى العبرانيين وسِفر الرّؤيا، غير أنّ ضغطًا مورس عليه فأعادها، بحيث أنّ الإجماع بين المسيحيّين كامل شامل على اسفار العهد الجديد، وهو الّذي يميّزنا جوهريًّا، نحن المسيحيّين، عن اليهود، مع رفضنا للكتابات الحاخاميّة.

محطّات سريعة في خدمة الكنيسة الكاثوليكيّة الغربيّة للكتاب المقدّس

ها هو البابا الرّومانيّ داماسوس الأوّل يطلب من أمين سرّه الكاهن الدلماتيّ هييرونيموس أن يتوجّه إلى فلسطين، وبالذّات إلى مهد المسيح، بيت لحم، وينقل الكتب المقدّسة إلى اللاّتينيّة من ألسنتها الأصليّة، بعد أن يكون قد نقّح "التّرجمة اللاّتينيّة القديمة". وكانت اللاّتينيّة وقتها اللّغة العالميّة الدّوليّة التي كان يفهمها الكبير والصّغير. وأنهى القدّيس هييرونيموس نقله للكتاب المقدّس كاملاً سنة 405 م أي قبل الاحتجاج البروتستنتي بألف ومئة واثنتي عشرة سنة. وما منعت الكنيسة قَطّ قراءة التّرجمة اللاتينية التي دُعيت بصواب "فولغاتا" أي "الشّائعة". وقد أصبحت منذ القرن التّاسع النّقل اللاتينيّ الرّسميّ للكنيسة الكاثوليكيّة اللاّتينيّة حتّى المجمع المسكوني الفاتيكانيّ الثّاني (في السّتينات من القرن الماضي) حيث تمّ تنقيحها وهي تُستخدم إلى أيّامنا.

ومع "الفولغاتا"، كانت هنالك "ترجمات" كاثوليكيّة كثيرة للألسنة العامّيّة التي كانت حينها لهجات إلى أن ثبتت كلغات كالإيطاليّة والفرنسية والإسبانيّة والألمانية وسواها في أواخر العصور الوسطى. وكانت الكنيسة حريصة على تلك "التّرجمات" فتسمح باستخدام الثابت منها وتمنع غير الدّقيق وغير العلميّ. وهكذا وافقت الكنيسة على "ترجمات" الكتاب المقدّس في الألسنة العامّيّة (وهي بين اللغات واللهجات) على النحو التّالي: بالإيطاليّة "ترجمة ماليرمي" سنة 1471، وفي الإسبانيّة "التّرجمة الألفونسيّة" (سنة 1280)، وبالألمانيّة "ترجمة بللاّخ" (سنة 1450). وقصدنا أن نورد هنا فقط التّرجمات السّابقة للاحتجاج اللوثري.

وكفى الكثلكة فخرًا أنّ أوّل كتاب صدر عن مطبعة غوتنبرغ الكاثوليكيّ في ماينتس (ألمانيا) هو الكتاب المقدّس الكامل، في اللاتينيّة سنة 1455، قبل لوثير بقرن من الزمان، وتبعته مئات الطبعات في السنوات الخمسين التالية. وكانت هنالك طبعات بالفرنسيّة للعهد الجديد سنة 1474 لروبرت اتيان، وسنة 1516 لإيراسموس للنص الأصلي اليوناني للعهد الجديد. ولا ينسى المرء الملك الفرنسي القدّيس لويس التّاسع الذي كان يحمل الكتاب المقدّس باللاتينية سنة 1250 وكذلك عدد من ملوك فرنسا.

ومع الأسف الشّديد تجهل كتب التّاريخ أو تتجاهل فضل البابا الكبير لاون العاشر (وهو الّذي احتجّ عليه لوثير) وعظيم جهد قداسة الحبر الأعظم المذكور واجتهاده في نشر كلمة الله كاملة ليس فقط في اللاّتينية (التي ما كانت لغة ميتة) بل في "التّرجمة، بين السّطور، متعدّدة الألسن" التي كان قد أعدّها كردينال "طليطة" الإسباني ونخبة من العلماء الكاثوليك  الآخرين منذ سنة 1437 حتّى سنة 1517 (سنة تمرّد لوثير) ووافق عليها البابا لاون العاشر سنة 1520.

اعتراض: ولكنّنا نسمع ونقرأ أنّ الكنيسة الكاثوليكيّة منعت قراءة الكتاب المقدّس!

نكرّر أنّ الكنيسة ما منعت قَطّ قراءة "التّرجمة" اللاّتينيّة "الفولغاتا"، ولا منعت كلّ "التّرجمات" إلى اللغات العامّيّة، إلاّ ما كان منها غير دقيق أو مجهول المصدر أو تابع للحركات المنشقّة الّتي كانت تغيّر في التّفسير حسب أهوائها. وحتّى أيّامنا، تطبع الكنيسة الكتب المقدّسة وتطلب لذلك موافقة السلطة الدينيّة المحلّيّة، بعد تدقيق العلماء، وتطالب بوضع مقدّمات وحواشي لكي يسهل فهم الآيات الصّعبة (عن 2 بطرس 3: 15 وتابع). فالكنيسة هي "عمود الحقّ وركنه" (1 تيموثاوس 3: 15) وهي "عروس المسيح الخاضعة له في كلّ شيء" (عن أفسس 5: 21 وتابع)، والذي "لا يسمع منها يجب أن يكون عندنا كوثني وجابي ضرائب" (عن متّى 18: 17).

وفي هذا المجال نشهد كيف تُقلَب الحقائق رأسًا على عقب، تمامًا كما كتب لوثير: ما منعت الكنيسة قراءة ترجمات شعبيّة للكتاب المقدّس فقام لوثير بإحياء حركة قراءة الأسفار المقدّسة، بل بسبب الفوضى في التعليم والترجمة وتشرذم أتباع لوثير وكثرة المعلّمين واختلاف تفسيراتهم، قام البابا بولس الرّابع بردّ فعل أمام هذه الفوضى سنة 1559 ومنع قراءة ترجمات عامّيّة غير معتمدة وغير دقيقة للكتاب المقدّس.

أمّا المترجم وليام تنديل فما أعدمته الكنيسة (بخلاف ما تروّج بعض المصادر) بل قوم الملك هنري الثامن الذي سجن الكاتب سنة 1534.

 

الفضل الكبير لمارتن لوثير على "التّرجمات" الألمانيّة للكتاب المقدّس

أرادت الاسطورة أن تتصوّر لوثير أوّل من نقل الكتاب المقدّس إلى الألمانيّة وأخرجه من غبار الرّفوف الإكليريكيّة. ومنذ زمن طويل انتهت هذه الأسطورة لدى العارفين بالأمر. قبل لوثير، كانت في ألمانيا أربع عشرة "ترجمة" باللغة الألمانيّة السّليمة الكلاسيكيّة و ثلاث "ترجمات" باللغة الشّعبيّة الألمانيّة. فضل لوثير كان في عبقريّته اللغويّة بحيث أتت "ترجمته" من "السّهل الممتنع" القريبة من إدراك الناس بما فيهم أبسطهم. وشكّلت النّواة الأساسيّة للّغة الألمانيّة. وهذه من عظمى المآثر في تاريخ الشّعوب. ولهذا الفضل مغزاه في أيّامنا حيث تهدّد "التّعدّديّة  الثّقافيّة واللغويّة" أصالة الشّعوب وألسنتها، بحيث بات صعبًا المحافظة على هويّة الشّعوب واستيعاب الأجانب فيها.

خاتمة

يبقى صوت الحقيقة ضعيفًا في شأن حركة مارتن لوثير وأتباعه، بسبب خمسمئة سنة من أنصاف الحقائق وأرباع الوقائع والنصوص المبتورة والوثائق المحوّرة. ولكن ما يثلج الصّدور تناسي الكنيسة الكاثوليكيّة لكلّ الإهانات الّتي ألحقها بها لوثير وغضّها النّظر، وهي الأمّ التي تحضن أبناءها ولا سيّما البعيدين، عن الإساءات الّتي كتبها لوثير في شأنها، مناقضًا نفسه، متأرجحًا بين الولاء والتّمرّد وبين المدح والقدح، كما رأينا. وأكرمت دولة الفاتيكان الرّاهب مارتن لوثير وكرّست له طابعًا بريديًّا لا تقديسًا للرّجُل  الّذي قسم الكنيسة الغربيّة، بل تعبيرًا عن رسالة محبّة إلى إخوتنا اللّوثريّين الّذين أخذوا مثلنا، في مدرسة السيّد المسيح والرّسول بولس، شعار رسول الأمم الإناء المختار بولس (فيليبّي 3: 12- 13): "أنسى ما ورائي وأتمطّى إلى الأمام". وهنالك بصراحة فرق بين نسيان الماضي، وهذا مطلوب من جميعنا، وتشويهه – قدحًا بالكنيسة- أو تجميله، تحسينًا لملامح لوثير والنشطاء المشابهين له. فالحقّ يعلو ولا يُعلى عليه، "والمحبّة هي رباط الكمال"! ونحن "نعمل للحقّ في المحبّة نموّنا وتقدّمنا، في جميع الوجوه، نحو الذي هو الرأس أي المسيح" (أفسس 4: 15).

 Copyright © 2009-2024 Almohales.org All rights reserved..

Developed & Designed by Sigma-Space.com | Hosting by Sigma-Hosting.com