عن الكنيسة

كاهن الكنيسة

جمعية الكنيسة

مواقع

C??????E

قائد المئة
قائد المئة الرّومانيّ قرنيليوس: الانتصار على الوثنيّة والنّظرة الفوقيّة
(بقلم الأب د. بيتر مدروس)
يعود في هذه الأيّام لكنيسة القدس ، في طقسها اللاّتينيّ، الاحتفال بأوّل "لاتينيّ" اعتنق المسيحيّة، وهو قائد المئة الرّومانيّ قرنيليوس، "من الكتيبة الإيطاليّة"، على يد أمير الرّسل بطرس كيفا (أعمال الرّسل 10: 1 وتابع). كان هذا الضّابط "في قيصريّة" البحر، العاصمة الإقليميّة للإمبراطوريّة في الأرض المقدّسة. "كان تقيًّا" (واللّفظة اليونانيّة هي "أوسابيوس"). وشاءت العناية الإلهيّة في القرون اللاّحقة أن يأتي أسقف قدّيس لقيصريّة أسمه "أوسابيوس"، من أشهر مؤرّخي الكنيسة القديمة وأعظمهم. عُدّ قرنيليوس من "خائفي الله" أي الوثنيّين الّذين نبذوا الوثنيّة وتعاطفوا مع التّوحيد العبريّ، من غير تقيّد شامل بأحكامه مثل الختان الوضوء وسواهما. وفي هذا المضمار، يخبرنا يوسيفوس فلافيوس أنّ زوجة نيرون الثّانية سابينا بوبيا (البنت) كانت "من خائفي الله" اي المتعاطفة مع اليهوديّة ولكن بشكل سلبيّ يفسّر همسها للإمبراطور بأن يضطهد المسيحيّين ويتّهمهم بحرق روما (كما أورد المؤرّخ الرّومانيّ "تاشيتوس" في الحوليّات"(المجلّد 15، الفقرة 44).
يافا مرجع إيمان وبطرس يتعلّم المساواة بين بني الإنسان! (أعمال 10: 5- 16)
ظهر لقرنيليوس أحد الملائكة وسأله أن "يُرسل رجالاً إلى يافا ويدعو سمعان الملقّب ببطرس". ويا ليت "يافا القدس" تبقى قلعة من الإيمان ومكارم الأخلاق حصينة، أمام الإلحاد والمادّيّة والانحلال. "وبينما (الرّجال سائرون) صعد بطرس إلى السّطح ليصلّي... فرأى السّماء مفتوحة وإذا صوت يقول له: "قم يا بطرس (اسم الشّرف ولقب رئيس الكنيسة الصخر المنظور): اذبح وكُل". ولبطرس ردّ فعل يهوديّ : "ما أكلت يومًا نجسًا أو دنسًا". ويعلّم الرّبّ نائبه، أي البابا الأوّل، أنّ عدم التّمييز بين المأكولات تمهيد لعدم التّمييز بين البشر (أعمال 10: 34- 35).


بطرس أمير الرّسل: من عاصمة إلى عاصمة ومن شهادة إلى استشهاد
يبدو أنّ رسالة مار بطرس الأولى إلى أفراد تبدأ بقائد مئة رومانيّ. إنها باكورة عمله الرّسوليّ الحبريّ البابويّ الّذي تميّز بعبقريّة، ألهمها الله، بمعنى أنّ هامة الرّسل أي الحواريّين توجّه إلى العواصم: من القدس مدينة الفداء والقيامة إلى قيصريّة البحر، ولاحقًا إلى إنطاكية عاصمة الشّرق، وفي النّهاية إلى روما "رأس العالم" حيث نال الرّسولان الطّوباويّان "بطرس وبولس غار الاستشهاد، بعد أن وكلا قيادة الكنيسة إلى لينوس" (مار إيريناوس).

يتخطّى مار بطرس المحظورات اليهوديّة التّلموديّة الحاخاميّة (أعمال 10: 28)
لا تنقص بطرس الشّجاعة ولا الصّراحة. لنسمعنّه يُعلن لمضيفيه الوثنيّين ومعارفهم من العبرانيّين: "تعلمون أنّه حرام على اليهوديّ أن يعاشر أجنبيًّا (والكلمة العبريّة هنا هي "غوي" أي الوثنيّ غير الطّاهر) أو يدخل منزله". وكان رؤساء الكهنة والفرّيسيّين وشيوخ الشّعب قد رفضوا أن يدخلوا "بيت الولاية" لدى الحاكم الرّوماني بيلاطوس "لئلاّ يتنجّسوا فلا يقدرون أن يأكلوا الحَمَل الفصحيّ". أمّا تسليمهم لبريء إلى الموت أي يسوع النّاصريّ فما كانوا ليحلموا بأنّه ينجّسهم!
يتابع بطرس : "أمّا أنا فقد بيّن لي الله أنه لا يجوز أن أدعو أحدًا من النّاس غير طاهر. ولمُا دُعيتُ (في المجهول) جئت. فما الّذي حملكم أن تدعوني؟" أجابه قرنيليوس: "كنتُ أصلّي في بيتي... وإذا رجُل عليه ثياب برّاقة حضر أمامي وقال: أدع سمعان بطرس".
عظة بطرس عن يسوع النّاصريّ (أعمال 10: 34- 43)
يستعرض أمير الرّسل بإيجاز بدء الميثاق الجديد الّذي وقف على عتبته يوحنا المعمدان سابقًا (يحيى بن زكريّا) وهو الّذي "نادى بالمعموديّة" للتّوبة، فقط للكبار، استعدادًا لمجيء المسيح المنتظر. وهنا يجب التّمييز بكلّ وضوح بين "معموديّة يوحنّا" التي كانت "فقط بالماء وفقط للتّوبة وفقط للبالغين" استعدادًا لمجيء المسيح ولمعموديّته التي هي "ميلاد جديد من الماء والروح" بروح القدس والنار، لمحو الخطيئة الأصليّة، بحيث تشمل الأطفال  والقاصرين أيضًا (يوحنا 3: 1 وتابع).
يفسّر مار بطرس أن يسوع "مُسِح (في المجهول) بروح القدس والقوّة". وفي هذا الصّدد نجد تقاربًا مؤثّرًا مأثورًا بين المسيحيّين والمسلمين، إذ تكتب مصادر إسلاميّة أنّ "مسيح جاءت من المَسح لأنه مُسِحَ بالبركة أو بما طهَّره من الذنوب أو لأنه مَسح الأرض ولم يقم في موضع، فقد كان جوّالاً، أو مسحه جبريل. "
العبرة الأولى المزدوجة: الانتصار النّهائيّ على الوثنيّة والانتقال إلى كمال الوحي والإلهام في الإنجيل
يرى المرء في هذا الضّابط الرّومانيّ، الّذي لا ذنب له في الاحتلال ولا خيار، والّذي وُلد في الوثنيّة، معجزة مضاعفة، بدأت بالهداية نحو التّوحيد، بعيدًا عن تعدّد المعبودات الوثنيّة (الّتي كانت تفتخر بها روما القديمة). والمعجزة الثّانية كانت الانتقال من اليهوديّة وهي تبشير بالمسيح والمسيحيّة إلى نور الإنجيل وهداه، وفكرة الشّعب المختار المأخوذ من كلّ الشّعوب بلا تفرقة ولا عنصريّة (غلاطية 3: 26 وتابع).
العبرة الثّانية: معموديّة الأطفال والقاصرين
واضح ما ورد  في سِفر أعمال الرّسل 10 : 48 : "أمر (مار بطرس) بأن يُعمَّد (كلّ الموجودين) باسم يسوع المسيح". والحاضرون هم "قرنيليوس  وأهل بيته وأقرباؤه وأخصّ أصدقائه" (آية 24). نفهم أنّ عائلات بأكملها نالت المعموديّة، كبارًا وصغارًا. ويورد العهد الجديد أسماء شخصيّات أخرى اعتمدت مع كامل أفراد عائلاتها وكلّ أقاربها، وهي: ليديا (أعمال الرّسل 16: 14- 15) والسّجّان (أعمال الرّسل 16: 33- 34 "اعتمد مع كلّ ذويه أجمعين") وقرسبوس رئيس الكنيس اليهوديّ (أعمال 18: 8، وهكذا كثيرون من القورنثيّين)، و"بيت إسطفاناس" (قورنثوس الأولى 1: 16).
ويلحظ المرء أنّ معموديّات أولئك العائلات الخمس (مع كلّ أقاربها) تمّت فقط عن يد رسولَين اثنَين (بطرس وبولس) من بين ثلاثة عشر رسولاً. ويفرض العقل السّليم أنّ الرّسل الآخرين والتّلاميذ الأوّلين عمّدوا أيضًا عائلات بأكملها، كما فعل أعظم رسولَين.
خاتمة
ما أجمل أن نقهر الوثنيّة الجديدة التي كثيرًا ما شجبها قداسة البابا بندكتوس السّادس عشر، والّتي تحاول أن تتسرّب حتّى إلى المؤمنين بذريعة "حبّ الإنسان". وما أجمل أن نتخطّى التّشدّد والتّزمّت والرّوح الفرّيسيّة الّتي توهمنا أنّنا أفضل من غيرنا وأطهر. ولنتعلّمن الدّرس من اهتداء الضّابط قرنيليوس  وصلواته وصدقاته وحسن نيّته وسلامة طويّته، وهي العبرة الّتي عبّر عنها البابا الرّومانيّ الأوّل بطرس في عاصمته الثّانية، قيصريّة بعد القدس: "الآن تيقّنتُ أنّ الله لا يُراعي ظاهر النّاس، فمن اتّقاه تعالى من أيّة أمّة كان وعمل البِرّ  نال رضاه تعالى" (أعمال الرّسل 10: 34- 35).

 Copyright © 2009-2024 Almohales.org All rights reserved..

Developed & Designed by Sigma-Space.com | Hosting by Sigma-Hosting.com