عن الكنيسة

كاهن الكنيسة

جمعية الكنيسة

مواقع

C??????E

عيد العنصرة: ميلاد الكنيسة بكنوزها النّفيسة (بقلم الأب د. بيتر مدروس)

عيد العنصرة: ميلاد الكنيسة بكنوزها النّفيسة

(بقلم الأب د. بيتر مدروس)

أراد السيّد المسيح، بعد ارتفاعه، استمراريّة لرسالته وبشارته. ووعد الرّسل والتّلاميذ بروح القدس البارقليط اي المحامي المؤيّد المدافع المشدّد المعزّي المقوّي الموطّد. وفعلاً، حلّ روح القدس على السيّدة العذراء أم الكنيسة والرّسل الأطهار والتّلاميذ الأبرار، مع النّسوة القدّيسات، يوم العنصرة ، وكان اليوم الخمسين بعد قيامة يسوع (أعمال الرّسل 2 : 1 وتابع). وهذا عيد الكنيسة بشكل عام وكنيسة القدس بنوع خصوصي، لأنها "أمّ جميع الكنائس" وزهرة المدائن. ويحلو للمرء في هذه المناسبة أن يسعى إلى تبديد بعض الأفكار المغلوطة، ومنها الوهم أنّ "الكنيسة" هي فقط رجال الإكليروس والرهبنات. لا، بل الكنيسة هي شعب الله، "أمّة مختارة وكهنوت ملوكيّ"، تبدأ في الأسرة بعد إكليل مبارك أمام الله والناس.

الوهم أو الادّعاء بضرورة"تحرير النفس من أغلال الكنيسة، والانطلاق في عالم الفكر"

عند بعض الّذين يتركون الرهبنة أو الخدمة الكهنوتية،يشعرون بالتّحرّر من قيود العزوبيّة المكرّسة والرّتبة الكهنوتيّة وما يتبعهما من ضغوط اجتماعيّة وعشائريّة. ولا مانع عند الكنيسة في كلّ ذلك، مع أنّ الخيار للعزوبيّة كان بملء الحرّية، إلاّ في حالات معروفة في التاريخ، منها نِذر للمحامي الألماني مارتن لوثير سنة 1505 أن يدخل الدير، وذلك من باب الخوف بعد أن سقطت صاعقة بقربه وقتلت شابا كان يسير إلى جانبه. وعبثًا حاول الأب لانغ إقناع المحامي لوثير بأنّ النّذر باطل لأنّ مصدره الذّعر ولأنّه فوق طاقة الشاب المحامي. ولكنه أصرّ على ذلك، وبعد حين اكتشف أن الأب لانغ كان على حقّ.

 وكي تتجنّب الكنيسة أيّ افتراء عليها أو تبلّ بأنها تجبر الشبّان أن يتبتّلوا كرهًا لا طوعًا، تطلب من كل مرشّح للكهنوت المتبتّل أن يوقّع بيده طلبًا لذلك مع تقبّل العزوبيّة المكرّسة "من أجل الملكوت" (متّى 19 : 12) طريقًا للمحبة الكاملة ووقف الذّات نفسًا وجسدًا  لله وللناس "بقلب غير منقسم" (عن قورنثوس الأولى 7 : 32- 35).

 وأحيانًا نسمع عبارة "الحرّيّة من كل الالتزامات الكنسيّة". ولكنّ معظم المتكلمين، على ما يبدو، "بكلّ حبّ وحلاوة"، بعد تركهم للأديرة، ملتزمون ومتقيّدون ومتعهّدون بشريعة الزّوجة الواحدة التي أعاد إعلانها المسيح وترفع لواءها الكنيسة ولا سيّما الكاثوليكيّة بكل ما أوتيت من قوّة ، والتي لأجلها خسرت الكثلكةُ العاهلَ البريطاني هنري الثامن الذي كان سابقًا "المدافع عن الإيمان"   Defensorfidei وأمسى مزواجًا.

 

أيعني "التّخلّص من أغلال الكنيسة""التّحرّر" من الإيمان بالله وبقدسيّة الإنجيل الطّاهر ؟

هنا أيضًا تترك الكنيسة للكلّ الحرّيّة ، ولن تعدم أحدًا. ولتبيان أنّ "الفلسفة" لا تتضرّر كثيرًا – حسب الزعم- بالإيمان المسيحيّ، يكفي أن نشير إلى وجود فلسفة "وجوديّة مسيحيّة" يمثّلها جبرييل مارسيل، و"وجوديّة ملحدة" يمثّلها جان بول سارتر. الملحد لا يرى للحياة معنى فيصيبه-عفوًا للتّعبيرات المقبلة- "القرف والتقيّؤ" –ويرى "العدم" و"اللامعقول السخيف l’absurde" في وجود لا هدف منه ولا فائدة، ويحسّ بالظّلم وعدم المساواة أمام الموت، ولا تفسير ولا أمل ولا رجاء. فالإيمان العقلانيّ بالله واعتناق المسيح والإنجيل ورجاء الآخرة تضفي على الوجود نورًا  من "بديع السماوات والأرض" يُفهمنا إيّاه كيانًا أبديًّا، سرّ وجوده المحبّة الإلهيّة للإنسان، كما كتب الفيلسوف العبقريّ القدّيس الراهب الكاهن الدومنكاني توما الأكويني، وريث أرسطو في هدى الإنجيل ونوره: " محبّة الله هي سبب الطّيبة في الخلائق". ولا يوافق الإنجيلَ جبرانُ:

        "... فالغنا سرّ الوجود... إنّما الناس سطور كُتبت لكن بماء"

بل كُتبت بحبّ الخالق "الصّالح محبّ البشر" الذي "خلق الإنسان على صورته كمثاله" (يقول القرآن "في أحسن تقويم") وأبدع تعالى الإنسانيّة للخلود لا للموت، بحيث "ينتهي العمر بالوفاة، وبعدها الحياة" (عن ميخائيل نعيمة).

 

جان بول سارتر وجان بول (يوحنّا بولس الثّاني): لا شبه إلا في الاسم!

وبما أنّ "الشّيء بالشّيء يُذكَر"، فاسم "جان بول" الفرنسي اليهوديّ الوجوديّ الملحد، صديق سيمون ده بوفوار، يذكّرنا بجون بول آخَر، عملاق الفكر والمحبّة والإيمان. إنه الحبر الأعظم البولندي كارول فويتيوا. سارتر أطلق كلمته المتشائمة المشؤومة : "الجحيم هو الآخرون" « L’enfer, c’est les autres ». والكلمة صارت مصائب، مع غيرها، بحيث كان "الفيلسوف" المشار إليه سببًا مباشرًا في انتحار كثيرين. ولا عجب، إذ لا معنى– حسب تعبيراته التي يؤسفنا إيرادها- لحياة "مقرفة تجعلنا نتقيّأ، سخيفة ظالمة"! أمّا خدمات القديس يوحنا بولس الثاني للإنسانية فليست بحاجة إلى دليل.

أيّ قيود وأيّ أغلال من كنيسة اليوم على التّفكير؟

لا أغلال ولا سلاسل! وهنالك أساقفة وكهنة كاثوليك يُطلقون أحيانًا أفكارًا غريبة. ولا تحرمهم الكنيسة بل في أسوأ احتمال تدعوهم إلى شرب فنجان من القهوة الإيطاليّة مع الكردينال رئيس "مجمع عقيدة الإيمان" أو سكرتيره أو سكرتير سكرتيره. وما عادت الكنيسة الكاثوليكيّة تطالب، لأيّ كتاب تتمّ طباعته، بموافقة لاهوتيّ ولا بختم أسقف تحت الشّعارين " لا مانع من طبعه" و "ليُطبَع". ونسيت الكنيسة "الفهرس" الحاوي للكتب الممنوعة في الماضي الغابر.

أمّا "تخبيصات" بعض رجال الدين الكاثوليك في شأن العقيدة والمسيح والعذراء والإنجيل فأخطر بكثير من أفكار فلسفيّة "سلبيّة" عن الوجود والآخرة. ولا تخاف الكنيسة الكاثوليكيّة الفلسفة ولا  اللاهوت بل تضاعفت المعاهد الحبريّة لهذين العِلمين وسواهما، وكذلك كثرت في كل الأبرشيّات، بما فيها بطريركيّتنا اللاتينيّة.

فضل لا يفي به وصف للرهبنات وللكهنوت المكرّس منذ عشرين قرنًا من الزّمان على الإنسانية

يثبت التّاريخ النّزيه (الذي ما وصل بعد إلى مدارسنا وجامعاتنا) أنّ للكهنوت الكاثوليكيّ وشقيقه الأرثوذكسي، على الأقلّ في الغرب، كبير الفضل ليس فقط في هداية الشعوب الوثنية، بنعمة الله، بل في العلوم والآداب والفنون ومؤسسات الشفاء والرعاية خصوصًا لليتامى والأيامى والفقراء، وهذا عين "الديانة الطاهرة الزكيّة" (يعقوب 1 : 17). وهذا ديدن الكنيسة إلى أيّامنا. ولا عجب أن تألّق الرهبان والكهنة المتبتلون – وانفردوا - بنسخ مخطوطات الكتاب المقدس (بحيث لا يجوز لأحد أن يفاخرهم بمعرفة الأسفار المقدسة الملهمة الموحى بها) ومخطوطات كتابات الآباء واللاهوتيين والفلسفة والطب وسائر العلوم، والآداب والفنون... وتبعت الكنيسة الرسولية المسيح الفقير طوعًا – مع أنّه كان غنيًّا- وخلّصت المكرّسين من همّ المال ومن مخاطر الطمع والجشع. فانطلقوا وحلّقوا في فلك الخدمة المطلقة والمحبة الكاملة والفكر الطليق والنفس الطائرة فوق المصالح والمكاسب، في "الفقر الاختياري" "من أجل الملكوت" أيضًا.

"محبّة المال أصل كلّ الشّرور" (1 تيموثاوس 6 : 10)

هذا هو النّقل الصحيح النّزيه لعبارة مار بولس إلى ابنه الروحاني تيموثاوس. وتنفرد منظّمة أمريكية يهودية بترجمة اسمها "العالم الجديد" بنقل مشّوه، والمسيحية منها براء. وبما أن مؤسسة بروكلين مبنيّة على المال أي على طباعة كتابات وبيعها وعلى أسهم في شركة "برج صهيون للمراقبة، المساهمة" وعلى أخذ ممتلكات أتباعها الغافلين بعد وفاتهم، فهذه المؤسسة اليهوديّة هي الوحيدة التي تخفف الآية المذكورة وتنفرد في نقلها كالآتي، بخلاف النزاهة العلمية والأدبية: "حب المال أصل لكلّ أنواع الأذيّة". هنالك فرق شاسع بين "كلّ الشّرور" وبين "كل أنواع الأذيّة". وممّا يزيد الطّين بلّة محاولة بعضهم أن يخفّفوا أكثر فأكثر الآية في تفسير لهم غير نزيه كالتالي: "لكن محبة المال يمكن أن تكون سببًا لكل أنواع الأذيّة"، مع أن رسول الأمم الإناء المختار أكّد أن الشجع أصل كل الشّرور من غير "يمكن" ولا "يجوز" ولا "ربّما"!

"ولا يطلب السيّد المسيح من جميع المؤمنين ولا جميع العاملين في الخدمة الدينية أن يعيشواحياة فقر" بل من بعض العذارى والرجال، كما طلب يسوع من الشاب الثريّ، أي في السعي "كي يكون كل منهم كاملاً". أمّا الفقر بمعنى عدم التّعلّق بالمال فمطلوب من كل المسيحيين، سواء كانوا أثرياء أم فقراء، وهي التطويبة أو التهنئة الأولى، في الخطبة على الجبل: "طوبى لفقراء الروح، فإن لهم ملكوت السماوات!"

خاتمة

نحن الكنيسة، "كنيسة مقدّسة بمؤسسها، خاطئة تائبة بأعضائها". ونشكر لله، نحن الذين حينًا ما كانوا شعبًا، أننا "شعب الله"، وأنّ كنيستنا المبنيّة على صخر المسيح وصخرة بطرس بقوّة المسيح أنّ "أبواب الجحيم لن تقوى عليها".

 

 Copyright © 2009-2024 Almohales.org All rights reserved..

Developed & Designed by Sigma-Space.com | Hosting by Sigma-Hosting.com