عن الكنيسة

كاهن الكنيسة

جمعية الكنيسة

مواقع

C??????E

الدّفاع يا مسيحيّين والإقناع: حقّ وواجب!

 

الأحد السّادس للفصح أ (سنة 2017 م)

الدّفاع يا مسيحيّين والإقناع: حقّ وواجب!

(1 بطرس 3: 15 – 18، يوحنّا 14: 15- 21)

(بقلم الأب بيتر مدروس)

"التّثبيت"بوضع الأيدي (أعمال 8: 5-8، 14- 17)

نال قوم من السّامرة نعمة الإيمان بالمعمدان وبمعموديّته، وكأننا بمعظمهم اليوم عاد إلى العهد القديم (أو شابه الصّابئةأو كان قريبًا من "اليهود المشيحانيّين") مؤمنين ب"يحيى بن زكريّا" وب"عيسى" كنبيّ. يعلّمنا سِفر أعمال الرّسل عدم اكتفاء الرسولَين بطرس ويوحنّا بمعموديّة المعمدان التي نالها القوم، بل إصرارهما على العماد باسم يسوع، باسم الثالوث الأقدس، وعلى "تثبيت" المؤمنين المعمّدين بوضع الأيدي. والصّفعة الصّغيرة التي يعطيها الأسقف المثبّتين- في الطّقس اللاّتينيّ- هي تطوّر بسيط ل"وضع الإيدي" المذكور في  قراءة هذا الأحد (أعمال 8: 17)، وهي "مادّة سرّ التّثبيت" التي زيد عليها لاحقًا المسح بزيت الميرون.

ضرورة تقديسنا للرّبّ وواجب دفاعنا، نعم دفاعنا، عن رجائنا المسيحيّ، وإقتناعنا وإقناعنا ( 1 بطرس 3 : 15 – 18)

يودّ بعض القوم، وهكذا يفعلون فعلاً، أن وقف مار بطرس عند الوصيّة"قدّسوا المسيح الرّب في قلوبكم"، فيغمضون العيون ويسدّون الآذان وينغلقون في "أبراج من العاج" بذريعة أنّهم "يتقدّسون". وهذا موقف مرفوض عند رعاة النّفوس وعند المؤمنين الّذين لا يعيشيون وحدهم في جزيرة مثل "روبنسون كروزو" بل مع سائر البشر، غير الكاثوليك وغير المسيحيين وغير المؤمنين. يكتب البابا الأوّل- والكلامموجّه أوّلاً إلى أبنائه الكاثوليك ولاسيّما الرومانيين أي اللاّتين!: "كونوا دائمًا مستعدّين (أحقًّا يجب علينا دومًا  أم أحيانًا؟) للدّفاع (نعم، للدّفاع) απολογίαν– لا "للرّدّ" (الذي لم يرد في النّص وهو "أضعف الإيمان"!)-على من يطلب منكم دليل ( سبب λόγον) ما أنتم عليه من الرّجاء، ولكن ليكن الكلّ بوداعة ووقار" ( 1 بطرس 3 : 15-16 أ). "بصراحة ربّنا" (!)، لاشعوريًّا يريد بعض الكاثوليك – حتّى من الإكليروس- أن يحذفوا "الدّفاع عن سبب الرّجاء" مكتفين بالتقدّس والتّقديس والوداعةوالوقار.  وهذا الموقف غير نزيه.

ولئلاّ يكون الكلام هنا في الهواء، فقد قال للدّاعي أمس (الجمعة 19 أيّار مايو 2017 م) أحد الكهنة الكاثوليك من رومانيا : "الدّفاعيّات انتهتّ وولّت!" أجابه الدّاعي: "ومار بطرس: هل انتهى هو الآخر وولّى وراحت "موضته"؟

يأمر البابا الأوّل ليس فقط "الكهنة الّذين هم مثله وهو مثلهم" (عن 1 بطرس 5 : 1) بل المسيحيّين كافّة بالاستعداد الدّائم للدّفاع عن رجائهم وإيمانهم المهاجَمين المهدّدَين: هنالك الدّفاع الحياتيّ وهنالك –في رسالة بطرس الأولى الجامعة-  وصيّة الدّفاع الفكريّ العقليّ (عن رومية 12 : 1). ويولّي الدّفاع ويزول فقط إذا انتهت الهجومات والتّحدّيات والانتقادات. والواقع أنّ الهجوم على المسيحيّة وعلى الكثلكة زاد بشكل فظيع أكثر من أيّ وقت مضى. وما كان ردّ فعل الكثيرين منّا، أيضًا بسبب سوء فهم للمجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني، بذريعة "الحوار" و"المحبة" و"التّعدّديّة" و "احترام الآخرين" (بلا احترام للذّات)، إلاّ عدم الرّدّ وعدم الدّفاع وعدم الإقناع وتجاهل التّحدّيات والتّقليل من خطورة الهجومات والانتقادات لعقيدتنا، بذريعة المحبّة من جهة وأنّ "الحقيقة تدافع عن نفسها بنفسها"، من جهة أخرى. وتجاهل القوم الأعداد الكبيرة من المسيحيين والكاثوليك التي تركت الكنيسة ونسبوا، هجرانها للغباوة أو ضيق الآفاق، أو ما اهتمّوا بالظّاهرة نهائيًّا، وصدورهم مشروحة بالخراف في الحظيرة، غير باحثين عن الضّالّة ولا متسائلين لسبب هروبها وعقوقها (لوقا 15).

لا دفاع ولا جواب، لا مناعة ولا قناعة، لا عقلانيّة بل عاطفيّة!

بشكل عامّ هذا موقف كثير من الكاثوليك، حتّى في الشّرق حيث تنهال على إيمانهم التّهجّمات القاسية،من الداخل ومن الخارج. ويحلو للمرء أن يشير هنا إلى موقع "اللاّهوت الدّفاعيّ"، وأحسبه قبطيًّا. والدّفاع ضرورة وواجب وحقّ دومًا، خصوصًا في هذه الأيّام وقد قذف أحد الأئمّة المصريّين (أي قبطيّ الأصل قبل قرون طويلة!)وهو سالم عبد الجليل "العقيدة المسيحية بالفساد".وهذه نقطة من بحر الهجومات غير المسيحيّة على المسيحيين، ناهيكم عن الهجوم غير الكاثوليكي على الكنيسة الكاثوليكيّة. أمرُ مار بطرس واضح لا مجال فيه للّف والدّوران: "كونوا دومًا مستعدّين :"كونوا" ولم يقل: "يا ليتكم تكونون..."، "دومًا مستعدّين "للدّفاع"... واللفظة اليونانية لا تعني "الرّدّ، الجواب" (مع أننّا غالبًا لا نقدّم أي جواب على سؤال أو اعتراض، وقد اخترنا اعتباطًا "ألاّ نجيب"!). ولفظة "أبولوجيّا" απολογία تعني "الكلام والمنطق تأييدًا لقضيّة". وتشير دائمًا في العهد الجديدهذه الكلمة – والِفعلُالذي اشتُقّت منه - إلى الدّفاع[1]، إمّا في قضيّة أمام محكمة (عن 2 تيموثاوس 4: 16) [2]، أو الدّفاع بشكل عامّ : أعمال 22: 1، ثم 1 قور 9 : 3. وتألّق مار بولس في الرّسالة القانونية الثانية إلى القورنثيين بالدّفاع عن الرّسل عامّة وعن رسالته ومصداقيّته وشخصيّته وتعليمه أمام "الرّسل الأكابر جدًّا " (بسخريّة، وهم تجّار دين مهوّدون داعون للختان) وأمام "الإخوة الكذبة": 2 قور 7 : 11 و 16.  وفي فيليبّي 1: 7 يذكر مار بولس دفاعه ودفاع المؤمنين عن الإنجيل! والحال أنّ كثيرين منّا ينامون ويضعون أيديهم وأقدامهم في ماء باردة وهم في سبات عميق لا يحركّون إصبعًا بذريعة أنّ "الإنجيل ليس بحاجة إلى دفاع"، مع أنّ رسول الأمم الإناء المختار كتب، وهو يقاوم اليهود والوثنيين: "أنتم شركائي في الدّفاع عن الإنجيل وتأييده!"   «εν τη απολογία και βεβαιώσει τού ευαγγελίου»  !

 ويعود مار بولس إلى جذر "لوغوس" مرّة ثانية في نفس الجملة من الآية: "أبولوغيا... لوغوس" απολογία,  λόγος "الدّفاع عن سبب" الرّجاء (والإيمان) المسيحيَّين. "يجب مخاطبة العقل"،مع العاطفة وقبلها (المحامي كارل كيتنغ مؤسس جمعيّة "الرّدود الكاثوليكيّة"  "Catholic answers”).على سبيل المثال: لا يكفي أن نعظ المسيحيّن "يجب أن تعترفوا بخطاياكم أمام الكهنة!" بل علينا إعطاء "السّبب" أو الأسباب والدّوافع والدلائل والبراهين. وقد كان لنا الشّرف في إكليريكيّة بيت جالا، مع قدس الأب العبقريّ يوسف بطايني، أنيُستدّل لنا على العقائد والممارسات بثلاثة أسس : الوحي الإلهي والعقل والتّقليد (Revelatio, Traditio,ratio). باختصار: يجب أن نعترف اعترافًا بالأُذُن : 1- لأنّ المسيح أعطى هذه السلطة القضائيّة التمييزيّة رسله وخلفاءهم (يوحنّا 20 : 22- 23، في "خدمة المصالحة وكلامها وسفارتها": 2 قور 5: 18 – 20)

2- ثمّ بشهادات من تاريخ الكنيسة (منها أنّ الاعتراف للكاهن موجود في الكنيسة القبطيّة الأرثوذكسية التي تمّ الانفصال بينها وبين الكنائس "الملكيّة" سنة 449 م)

3- ثمّ يقول العقل السّليم أنّ الاعتراف بالذّنوب أمام إنسان موثوق به يريح النّفس ويساعد على التّوبة والتّغيير(من أفكار وليم جيمس).

 

سوء فهم للمجمع المسكونيّ الفاتيكانيّ الثّاني، والوهم حول الواقع "المسكوني" و"بين الأديان"!

مع المحبّة للآخرين،  أكّد المجمع المسكونيّ وبعده الوثيقة "المسيح الرّبّ" سنة 2000 أنّ يسوع هو المخلّص الوحيد، وأنّ الكتاب المقدّس الكامل هو كلمة الله، وأنّ سِفر الرّؤيا آخر الوحي والإلهام، وأنّ المسيح أسّس الكنيسة الكاثوليكية ورأسها المنظور ونائبه مار بطرس وخلفاؤه على كرسي رومة. وأنّ المجهود المسكونيّ لا يعني تكريس الانقسامات ولا تأييد الأخطاء العقائدية بل السّعي نحو الوحدة كما صلّى يسوع الإنسان (يوحنّا 17).            

وحتّى في أيّامنا، بعد ستّة عقود من "الحوار المسكونيّ" بين المسيحيّين، وبخلاف مجهود البابا فرنسيس في التقارب والمحبة والتشديد على الإيجابيّات، بين  المذاهب، ما زال غير الكاثوليك يهاجمون – أحيانًا بلا معرفة كافية- ليس فقط بعض نقاط من تاريخ الكنيسة، بل أيضًا بعض عقائدها وممارساتها، مع "الانفتاح" والسّماحة والمحبّة الكاثوليكية والبابويّة (وهي أحيانًا باتّجاه واحد بغير مقابل). وقد "أقنعت" انتقادات غير  كاثوليكيّة بعض "الكاثوليك"، وذلك لعدم المناعة عندهم ونقص الوقاية ولغياب دفاع أو جواب أو إقناع أو اقتناع، كما يقول مثل اسباني في أمريكا اللاتينية: "كاثوليكي جاهل ، بروتسنتي مؤكّد" "Catolicoignorante, seguroprotestante ". ويا ليت هجرانهم للكنيسة يبقى عند أخواننا البروتستنت بل تعدّى إلى أديان أخرى.

ولا يستغربنّ المرء من ظاهرة استمرار غير الكاثوليك في انتقاد الكثلكة ومهاجمتها. ولا يتضايقنّ ولا يشكونّ من هذا الواقع أحد، لأنّه نوعًا ما طبيعيّ. وقد بيّن لنا السبب مارتن لوثير ("ما غيرو"!): إن الانتقاد للكنيسة هو سبب الوجود الوحيد لهذه الانقسامات المسيحيّة وغير المسيحيّة: سواء أتت من رفض سلطة بابا رومة أو من رفض التقليد الشّريف والأخلاقيات المسيحيّة التي تحمل الكنيسة لواءها (كوبيت" مؤرّخ بروتسنتيّ، ثمّ المنسنيور ده سيغور، وكتاب جاك ماريتان "المجدّدون الثلاثة").

 

مثالان من قراءات اليوم عن ضرورة الدّفاع عن إيماننا

أ‌-                 "المسيح أميت جسدًا ، وأُحيي روحًا" (اللفظتان "جسدًا" و "روحًا" منصوبتان على التّمييز). يحرّف "شهود يهوه" المعنى ويقولون : "كتب الرّسول بطرس أنّ المسيح قام بالرّوح". والصّواب أنه له المجد "أميت" بصفته البشريّة الجسديّة وأَحيَت فيه الروح الإلهيّة الجسد البشريّ (المصلوب المقتول).

ب‌-           إنجيل يوحنّا 14: 15 : "وأنا أسأل الأب، فيهب لكم مؤيّدًا آخر..." يتوهّم بعض المسلمين أنّ النّص الأصليّ ليس "مؤيّد"  παράκλητος بل "بيريكليتوس περικλήτος": وهذا خطأ واعتباط لأنّ لا وجود للفظة "بيريكليتوس" في أيّة مخطوطة (وتعني "الشّهير"). كما أنّ ليس كل "شهير" "ممدوحًا"!. ولا استخدام للفظة "بريكليتوس"  ولا لفعل "بريكالوو" (أشهر، اشتهر) في اللغة اليونانيّة في القرون الميلاديّة الأولى[3]. من ناحية رابعة، لايجوز سلخ الآية عن السّياق: فالمؤيّد الآخر (بعد يسوع المسيح الذي هو "مؤيّد، شفيع، برقليط παράκλητος" في 1 يوحنّا 2 : 1 وتابع) هو "روح الحقّ" أي "روح القدس"، وليس نبيًّا عربيًّا من القرن السّابع. وخامسًا، إسلاميًّا: لا يشير القرآن قَطّ إلى نبيّ الإسلام أنه "روح الحقّ"، بل "الروح الأمين" و "روح القدس" – في المفهوم الإسلامي- هو جبريل.

 

خاتمة

قدّرنا الله على أن "ندافع عن سبب رجائنا بوداعة ووقار"، ونقتنع ونُقنع، فنحفظ بالوقاية والمناعة- كثيرين من الضلال "ونردّ آخرين منه"، "ونستر جمًّا من الخطايا"، كما كتب أسقفنا الأوّل يعقوب (عن 5 : 20).

 



[1] ماكستسرفيك اليسوعيّ "التّحليل اللّفظيّ النّحويّ للعهد الجديد اليونانيّ" (في اللاّتينيّة)، ص 41، ويزيد بعد "الدّفاع" معنى "الجواب"(بلا اساس لغويّ).

[2]كذلك لدىيوسيفوس فلافيوس في "الحروب اليهوديّة" 1 ، 621.

[3]ف. باور ، المعجم اليوناني الألماني والإنكليزي للعهد الجديد والكتابات المسيحيّة الأولى، نشرة أرندت وجينجريش، ص 653. وأقرب اسم عَلَم لهذه الصّيغة الغائبة من العهد الجديد هو "بريكليس" أحد حكماء أثينا (494 ق.م.- 429 ق.م.)

 Copyright © 2009-2024 Almohales.org All rights reserved..

Developed & Designed by Sigma-Space.com | Hosting by Sigma-Hosting.com