عن الكنيسة

كاهن الكنيسة

جمعية الكنيسة

مواقع

C??????E

الخطف والمجازر، وزيارة تاريخية بابويّة... و"أكبر همّ" : إعادة المعموديّة! (بقلم الأب د. بيتر مدروس)

الخطف والمجازر، وزيارة تاريخية بابويّة...

و"أكبر همّ" : إعادة المعموديّة!

(بقلم الأب د. بيتر مدروس)

يفتح المرء صفحة "الصّوت المسيحيّ الحرّ" – وهو قبطيّ- ليرى على جهة اليسار من الصّفحة – وهذا اليسار شؤم - صورة الفتاة  المسيحيّة المخطوفة في مصر "إيريني إليشع"، وهي واحدة من مئات،"في عزّ النّهار"، وما بقي لنا، معشر "النّصارى"، من عزّ إلاّ للنّهار، وقد "أُذللنا ذُلاًّ مُبينًا"، على حسن نيّة بعض رؤساء دولنا المغاوير ومقاومتهم الجريئة للظُّلم والإرهاب[1]. ويقرأ المرء في إعلان الأنبا أغاثون (الّذي يعني اسمه " الجودة والطّيبة" في اليونانيّة) خروجًا عن طاعة قداسة الأنبا تواضروس الثّاني، في بيانه التاريخي الموقّع مع قداسة البابا فرنسيس الأوّل، والقاضي "بالسّعي إلى عدم إعادة معموديّة كلّ من اعتمد في الكنيسة الأخرى"، والمقصود هنا القبطيّة الأرثوذكسيّة والكاثوليكيّة. 

ولا يبدو الأنبا أغاثون في هذا الموقف وحيدًا. بل ما تأخّر كثيرون ولا تردّدوا أن ينقضوا سعي حبرهم "بطريرك الكرازة المرقسيّة".

وتخطر هنا على البال "القسطنطينيّة المحاصرة، قبل قرون، حين كان يتربّص بها أخطر الخصوم على الإيمان فيها والإنسان. وبدل التّفكير في الخطب القريب، وبدل التكاتف والدعاء الحارّ والدّمع السخين، طلبًا للنّجاة بمعجزة أو العون من بابا رومة، كان أهل "العاصمة" يتناقشون فيما بينهم، ويتجادلون جدلاً "بيزنطيًّا" عن جنس الملائكة: أذكور هي أم إناث؟ وفي تلك المناسبة الأليمة،التي كانت ستدمّر شعوبًا وتحطّم كنائس وتكدّس الجماجم والأشلاء، ارتفع صراخ من أعماق الجفاء والكراهيّة بين الأشقّاء الأشقياء: "العمامة ولا التّاج!"، والمقصود تاج البابا، الحبر الأعظم الرّومانيّ، وكأننا بالتّاريخ يُعيد نفسه، بلا مقابلة ولا تشبيه: " يا بيلاطوس، لا تُطلق هذا (أي يسوع النّاصريّ)، بل برأبّا!"

المعموديّة صحيحة حتّى لو قام بها إنسان غير مسيحيّ!

لا ننسينّ أوّلاً إنّ هنالك "معموديّة الشّوق" للرّاغبين في العمّاد، و"معموديّة الدّم" لغير المسيحيّين وللموعوظين الّذين يستشهدون بسبب المسيح. ويكفي أن يعمّد المعمّد بالماء باسم "الأب والابن وروح القدس" أو "باسم يسوع المسيح" أو "الرب يسوع"، أو "كما يعمّد المسيحيّون". وليست لا الخلافة الرّسوليّة ولا الدّرجة الكهنوتيّة مطلوبَتَين.

 

خطوات قبطيّة أرثوذكسيّة بابويّة  إلى الأمام ورجوع بعض الأقباط إلى الوراء

كان المتنيّح الأنبا شنودة الثّالث، قد زار حاضرة الفاتيكان في خطوة عملاقة غير مسبوقة. وفي يونيو حزيران 1990 اتّفق قداسته مع كنيسة الروم الأرثوذكس، حول شخصيّة السّيّد المسيح، واعترف بمعموديّة البيزنطيّين الأرثوذكس. وسرعان ما انضمّت كلّ كنائس مصر من كاثوليكية وأرثوذكسية وبروتستنتية في اتفاق تاريخي حول السيّد المسيح. وبتوقيع اتفاقية أو إعلان مشترك، تسامى البابا فرنسيس والأنبا تواضروس على الانقسام والجفاء وسوء الفهم، الذي دام منذ سنة 449، حين أعلن بطريرك الإسكندرية ذيوسقوروس نفسه حبرًا أعظم، وتمّ الانشقاق سنة 451 في مجمع خلقيدونية.

والآن يأتي أعضاء من الإكليروس والشعب القبطي الأرثوذكسيّ، ليس فقط لينقض ما وقّعه بطريركهم، وهو أعلى سلطة في كنيستهم، بل ليُعيدونا إلى سنة 451 ، وكأنّ شيئًا لم يكن، وكأنّ تقدّمًا لم يُحرَز، وكأنّ حوارات ما تمّت. وفي هذا الموقف، مع الاحترام لأصحابه، ليس فقط تخلّف في الزّمان والعقليّات، ونبذ للمرونة والانفتاح، وعودة إلى التحجّر والانغلاق وضيق الآفاق، بل أيضًا – وأكثر من هذه كلّها- عدم وعي بخطورة المجازر والحروب والهجومات على المسيحيين في المشرق، لدرجة أنّ كيانهم نفسه، وبقاءهم فيه، مهدّدان أكثر من أيّ وقت مضى ،منذ قرون، ولدرجة أنّ الأولويّة القصوى الآن، في هذه الظّروف المأساويّة، هي الوحدة والتقارب بين المسيحيين، المستهدَفين من غير تميييز طوائفهم وأطيافهم، كما أعلن البطاركة المشرقيون الكاثوليك في أول رسالة لهم:"إمّا نكون معًا، أو لا نكون!"

 

 

"معموديّة الكاثوليك وسواهم باطلة لانشقاقهم عن إيمان الكنيسة الجامعة" (الأنبا أغاثون)

بصراحة، تعتقد الكنيسة الكاثوليكيّة، وبعدها الأرثوذكسية البيزنطيّة (حتّى بعد سنة 1054) أنّ الإسكندريّة هي التي انشقّت عنهما، وليس خلاف ذلك. وبالفعل، بقيت روما وبيزنطة (القسطنطينيّة) متّحدتَين "ملكيّتَين" حتى سنة 1054، بقيتا كنيسة واحدة هي الكبرى، وقد انشقّت عنها الإسكندرية (449 م) ، وتبعَتها إنطاكية وأرمينيا.

وبعد قرون من الجفاء وسوء الفهم والمعاملة، تبيّن من فحص النصوص اللاهوتية والطقسيّة القبطية والأرمنية والسريانيّة، أنّ الإيمان بين كلّ هذه الكنائس في شأن السيّد المسيح إيمان واحد يقرّ بلاهوته وناسوته (عن يوحنا 1 : 1 و 14، ثم قولسي 2 :9)، بصرف النّظر عن لفظتَي "طبيعة" و "أقنوم".

 وبنفس الصّراحة والوضوح يقول المرء: إنّ عقيدة الروم الأرثوذكس حول الرب يسوع هي هي في الكنيسة الكاثوليكيّة. فتقارب الأنبا شنودة الثالث مع الروم الأرثوذكس، في هذه المسألة اللاهوتية الجوهرية تقارب مع الكثلكة أيضًا.

والطّريف أنّ الأنبا أغاثون يدعو كنيسته القبطيّة الأرثوذكسيّة "الجامعة"، وهذا هو بالضبط في اليونانيّة ثم اللاتينيّة واللغات الحديثة  لقب الكنيسة "الكاثوليكيّة" – من اليونانية "كاثا  اولون، كاثوليكوسκατ’ολον, καθολικός»" أي "الكامل الشامل". ولا يخفى على أحد أنّ الكنيسة الكاثوليكيّة، تشمل أكبر تنوّع في العروق والأجناس واللغات والطقوس، بل هي الوحيدة التي تجمع مع الطقس اللاتيني كثيرًا من الطقوس الشرقية من قبطية وسريانية وارمنية وبيزنطية وكلدانية...في حين أنّ معظم الكنائس الشّرقيّة محلّيّة أصلاً، إلاّ البيزنطيّة لأنّ طقسها وصلاحيّتها كانا دوليّين،نوعًا ما، لأنّها كانت عاصمة الإمبراطوريّة.

 

سخرية التّاريخ: الكنيسة القبطيّة الارثوذكسيّة والكاثوليكيّة هما الأقرب "بطرسيّة"!

طالما أنّ الانشقاق في عهد البطريرك الإسكندريّ ذيوسقوروس- ولنفرضنّ أنّ روما والقسطنطينيّة انفصلتا هما عن الإسكندريّة- وبعد أن أوضحنا الاتّفاق التاريخي الشامل على شخصيّة السيّد المسيح، يبقى أن نلحظ أنّ روما والإسكندريّة مفروض أن تكونا أقرب شقيقتَين مودّة وأدناهما إلى الاتّحاد. فبابا روما هو خليفة القديس بطرس. وبطريرك الإسكندريّة يحمل لقب "بابا" (ولعلّ اللّقب نشأ هناك) ويحسب نفسه "الحبر الأعظم" لأنه "بطريرك الكرازة المرقسيّة"، يعني بالعربيّة : هو البابا لأنه خليفة مار مرقس تلميذ أوّل الرسل بطرس! الملحوظة الأولى: بابا رومة خليفة أوّل الرسل ، وبابا الإسكندرية القبطي خليفة مار مرقس تلميذ أوّل الرسل "وابنه" الروحاني (عن 1 بطرس 5: 13) و"ترجمانه" (مار إيريناوس). الملحوظة الثّانية: مَن الأولى أن يكون الحبر الأعظم: أخليفة أوّل الرسل بطرس ؟ أم خليفة تلميذ أوّل الرسل؟ الرّدّ المنطقيّ ليس بحاجة إلى برهان.

 

وماذا يستفيد من تبقّى من أهل العريش المسيحيّين من كلّ هذا، وأهل شهداء البطرسيّة وطنطا والإسكندريّة الأقباط ؟

وهل سنفسّر  كلّ هذه الأمور لقوم"داعش" أو "النّصرة" أو... أو ... وهل سيزيد إكبار الرّئيس العظيم السّيسي لنا، عندما سيعلم باختلافاتنا هذه، وسيادته تسعى لحمايتنا وتطالب بجرأة لا مثيل لها بتغيير "الخطاب الدّينيّ"، ونبذ التّعصّب والنّعرات الطائفيّة الإسلاميّة المسيحيّة، وقد ظهرت حتى بيننا، نحن المهدّدين بالغرق في بحر النسيان والاضمحلال؟

 

كلمة من إرميا النبي وهي لسان حال البابا فرنسيس

"حنان الرّب، لا يدعنا نضمحلّ، لأنّ مراحمه لا تزول، حُنوّه جديد كلّ صباح، وأمانتك عظيمة! "حظّي هو الرّبّ" ، قالت نفسي، لذا علّقتُ عليه الآمال" (المراثي 3: 22- 24).

 



[1] في أثناء كتابة هذا المقال، يقرأ المرء النبأ المفرح، عن تعهّد جديد لجلالة الملك الأردنيّ عبد الله الثّاني بن الحسين في حماية مسيحيّي المملكة، حفظه الله!

 Copyright © 2009-2024 Almohales.org All rights reserved..

Developed & Designed by Sigma-Space.com | Hosting by Sigma-Hosting.com