عن الكنيسة

كاهن الكنيسة

جمعية الكنيسة

مواقع

C??????E

خميس العهد، خميس الكهنوت (الأب بيتر مدروس)

خميس العهد، خميس الكهنوت

        (الأب بيتر مدروس) 

 

"هذي هي كأس دمي للعهد الجديد" (متى 26: 26 وتابع)

أبت الفاضل، إخوتي أخواتي،

كلّ عام والأساقفة والكهنة بخير، فاليوم عيد الكهنوت، الذي هو أعظم مسؤولية وأكبر شرف، "ولا أحد يأخذ لنفسه هذه الكرامة إلاّ مَن دعاه الله، مثل هارون". وكما تقول الطقوس المارونية: "ما أرهبها ساعة" عندما نلفظ نحن الكهنة كلام التقديس على الخبز والخمر "في شخص المسيح" :"هذا هو جسدي... هذا هو دمي للميثاق الجديد"! أو عندما نرفع يدنا ونعلن: "أنا أحلّك من خطاياك..." فعلاً سبق مار بولس في رسالته القانونية الثانية إلى القورنثيين ( 3 : 4- 6) وأوضح سرّ كهنوتنا المسيحيّ على ضعفنا و"خطايانا" ونحن نرفع الذبيحة عنها "وعن جهالات الشعب" : " لنا هذه الثقة بالله في المسيح، إذ لا نحسب ولا تعدّ أن ثقتنا وتأهيلنا  من أنفسنا بل من الله الذي أهّلنا أن نصبح خدّام  عهد جديد، لا  عهد  الحرف بل الروح...ونحن (واعون) أننا نملك هذا الكنز في آنية من خزف" ( 2 قور 4: 7) "وقد نلنا هذه الخدمة، رحمةً" (مفعول لأجله)، 2 قور4: 1.

 

درس من تائبة وعبرة

كان الداعي جالسًا لسماع الاعترافات في إحدى الرعايا، في مثل هذه الأيام المقدسة، وأنا مثل "أبو قاسم بيّاع الخيار: لا إلي ولا عليّ". وتقدمت إحدى المؤمنات وبدأت: "إرحمني يا أبتِ الخاطىء!" والأصل كان " باركني يا ابت فإنني خاطئة". قالت ما قالت "وبراءة الأطفال في عينيها". تقبّلت بجدّيّة وواقعيّة غلطتها وبعد اعترافها أعلنتُ: "أنا الخاطىء أحلّك من خطاياك باسم الأب والابن وروح القدس" ، لا باسمي أنا، لحسن الحظّ ووفرة النعمة التي تفيض "حيث وفرة الخطيئة"! (رومية 5 : 210).

 

 

الخلفيّة للفسح العبريّ  وللعشاء السّرّيّ من تاريخ الخلاص ومن سيرة سيدنا يسوع المسيح

يذكر العشاء الفصحي – من "فسح" أي عبور – مرور الشعب العبري أو معشر ال"هابيرو" من عبودية مصر إلى الحريّة عبر عبور بحر القلزم وبعدها عن طريق الصحراء. ونلحظ أنّ يسوع طيلة كرازته ما تطرّق إلى معجزة عبور بحر القلزم، ربّما لأنها كانت تتضمن أيضًا مقتل المصريين وغرقهم. وخالق الكل وفاديهم يحب المصريين أيضًا وإن كان يستنكر لؤم فرعونهم وظلم قومه. كما لا يعطي الكتاب المقدس، ولا حتى التوراة، العبرانيين المستضعفين في الأرض بلاد مصر.

 على كل حال، يبدو أن يسوع قدّم موعد ذبح الحمل الفصحي وأكل الخبز الفطير والأعشاب المرّة كي يتزامن وقت صلبه في اليوم التالي مع ذبح الحمل الفصحي.

لا يذكر يسوع شيئا من ليلة الهرب من مصر – في حين لجأ هو طفلاً ووالدته وخطيبها إلى أرض مصر بالذات!

يغيّر يسوع كلّ شيء تقريبًا في ذلك العشاء، ما خلا العناصر الخارجية من خبز فطير وخمر مقطوعة بماء وحمل فصحيّ. موت يسوع وخراب الهيكل سيلغيان ذبح الحمل الفصحيّ. وهنالك نص غامض في التلمود يقول : "ما عاد للسكينة (أي لحضور الله) وجود ولا تقريب للذبائح قبل دمار الهيكل بنحو أربعين سنة!" نص تلمودي نبوي غريب، قبل أربعين سنة أي سنة ثلاثين للحساب اليملاد وهي سنة استشهاد يسوع الفدائي على الصليب. يعني بالعربية : لا ذبائح بعد ذبيحة يسوع، أو لا ذبائح مقبولة بعد تضحية يسوع! لا وجود للحضور الإلهي في الهيكل بعد استشهاد يسوع!

 

سموّ يسوع والمسيحية

عيد الفسح العبري دنيوي مؤقّت زائل فانٍ وطنيّ قومي عنصري إقليمي سياسي عسكري (مع انّ العبرانيين كانوا عزّلاً). ويسوع ينقل الكل إلى مستوى أعلى بكثير، ولا مقابلة بين الميثاقين ولا العيدين ولا المناسبتين: " هذا هو جسدي الذي يُبذل...هذي هي كأس دمي للعهد الجديد. اصنعوا هذا لذكري".

ولا مقابلة بين الكهنوتين

فالكاهن اليهودي اللاوي ذابح ذبّاح للمواشي، والمسيح الكاهن الأعظم مذبوح، كهنوت الميثاق العتيق ذبح المواشي وكهنوت يسوع تم في ذبح جسده، والآن تتجدد ذبيحته الوحيدة بشكل غير دموي تحت شكلي الخبز والخمر! الكهنوت اللاوي حسب رتبة هارون زال بزوال الهيكل، وكهنوت المسيح وكهنوتنا للخدمة به ومعه وفيه هو كهنوت "إلى الأبد، على رتبة ملكيصادق"، الكهنهوت الهارونيّ عشائريّ وكهنوت المسيح وكهنوتنا دوليّ (عبر 5 : 1 وتابع) "من الناس يُقام لأجل الناس" وليس فقط من عشيرة هارون وقوم عميرام. ومصيبة أبناء عمّنا "اليهود" بحثهم المستميت عن رحال ينحدرون من سبط لاوي، وعن بقرة حمراء... لإعادة الكهنوت والذبائح (وهذا يفرض إعادة بناء الهيكل ولكن على أنقاض مقدسات لشعوب أخرى). والطامة الكبرى أنّ بعض سلالة آل "ليفي" أو "كوهن" او "كاهانا" هم من ... المسلمين الفلسطينيين ، وقد ثبت لدى علماء الثنولوجيا أي عِلم الأجناس والأعراق أنّ 2 بالمئة فغقط من "يهود" فلسطين هم فعلاً يهود! (دراسات أرييلا أوبنهايمر، وعيران الحايك، ناهيكم عن نظرية شلومو ساند!)

الكهنوت اليهودي ذبح ودم، وكهنوتنا المسيحي بعد ذبح يسوع "خبز وخمر يفرّح قلب الإنسانه، وزيت يجعل محيّاه بهيًّا" (عن مزمور 104 (103): 14 – 15)، زيت المعمودية والميرون والكهنوت!

ملحوظة: نلفت النّظر إلى أن الفئة اليهودية المسمّاة "شهود يهوه" لا تحتفل بقيامة المسيح ولا بأي عيد مسيحي بل تقيم "العشاء التذكاريّ" في "الرابع عشر من نيسان قمري" أي عبريّ. واللبيب من الإشارة يفهم!

 

خميس الأسرار، خميس السموّ قبل جمعة العار وسبت الأنوار وأحد الانتصار!

عيد خميس العهد عيد روحاني معنوي أخلاقي هو عبور من الخطيئة إلى النعمة لدينا وعبور يسوع من الميثاق القديم الى الجديد. هو انتقال من نصر دنيوي قومي إلى انتصار عام للإنسانية على الأنانية والموت والشر. هو انتقال من حضور لله غامض في "خيمة المحضر" أو "في الهيكل" إلى حضور فعلي لله متجسدا بيننا في يسوع الناصري وإلى حضور أسراري تحت شكلي الخبز والخمر. هو انتقال من كهنوت عشائري لاويّ إلى كهنوت دوليّ "من كل قبيلة وقوم وشعب ولسان". هو انتقال من كهنوت ذبح للمواشي إلى كهنوت فيه تجديد غير دموي لذبيحة يسوع على الصليب، هو "التقدمة الطاهرة التي تقدّمها الأمم لله عظيم الاسم، من مشرق الشمس إلى معربها" حسب نبوّة ملاخي 1 : 11، التي ما تمّت في اليهودية ولن تتمّ!

 

 

 

الأنانية الجماعيّة لدى قوم موسى

مسرورن لأنهم نالوا النجاة "أمّا خصومهم فغمرهم الغمر". هنا أيضًا ينقلنا يسوع إلى المحبة والفرح والنضوج والحضارة المسيحية: نحن نقدر أن نفرح من غير أن يحزن غيرنا، وأن نربح من غير أن يخسر غيرنا، وأن نتوفّق من غير أن يُخفق غيرنا، ونظفر من غير أن نقهر غيرنا،  وأن نعيش من غير أن يموت غيرنا !

وبالذات "عيد الحرّيّة" للعبرانيين كان مصيبة على قوم فرعون، واستقلال العبرانيين في أيامنا وسيادتهم وصولتهم منذ الثلاثينيات من القرن الماضي وبشكل خصوصي صيرلايّ منذ سنة 1949 أتت وما تزال على جثث الفلسطينيين وأشلاء السوريين والعراقيّين وسواهم إلى هذا اليوم. فمن المستفيد أكثر منهم من إضعاف العراق ومصر وسورية؟

وعلى عيوب أبناء عمّنا اليهود، يخجلوننا بتعلقهم بأرض احتلّوها ، نحن المفروض أن نعشقها لأنها إرثنا المشروع الشرعيّ! بصراحة، أنانيتهم كبيرة، "ربّنا الله"! ولكنهم يضحّون بأنانيتهم الفرديّة من أجل أنانيّتهم الجماعيّة. ويا ليتنا نخرج من عبودية أنانيتنا الفردية ونسمو بأنانيتنا الجماعية من الفئوية والتعصب والنعرة الطائفية إلى التضامن المسيحيّ بالانتماء الأصيل إلى قومنا وديننا وأرضنا.

 

خاتمة

مع تهنئتي في يوم الكهنوت لقدس الأب الأرشمندريت إلياس عودة، كاهن هذه الرعيّة وخادم كل المسيحيين في الرينة والقائم لسنين طويلة على هذه المدرسة، وشكري لله الذي مكّن الأب إلياس وأهّله وجعله كفوًا لإنجاز الكثير في سنوات خدمته الطّويلة في هذا الجليل الجليل، أنهي هذه العظة بالإشارة إلى كاهن عرية "أبونا إلياس" السابق، العبقري الأب ألفرد عطيّة، من أبناء لبنان البررة، في الترتيلة التي سنترتلها الآن في أثناء غسل الأرجُل وهي من كلمات الأب الراحل عطيّة:

"سُنّة الرب الجديدة: المحبّة!"

"أعطيكم وصيّة جديدة: أن يحبّ بعضكم بعضًا كما أحببتُكم أنا"!

 

 Copyright © 2009-2024 Almohales.org All rights reserved..

Developed & Designed by Sigma-Space.com | Hosting by Sigma-Hosting.com