عن الكنيسة

كاهن الكنيسة

جمعية الكنيسة

مواقع

C??????E دورات استكمال للمعلمين

اذا انهارت الاساس_للعلامة الاب د.بيتر مدروس

"إذا انهارت الآساس"، فما مصير النّاس؟

(بقلم الأب د. بيتر مدروس)

ورد في المزمور 11 (10): 4 : "وإذا انهارت الآساس، فما حيلة الصدّيق؟" مصيبة أن تُدكّ أركان الأخلاق والإيمان. وهذا ما تحاول إنجازه الكثير من "القوانين" في غرب مخالف للوصايا العشر ولهدى الإنجيل ونوره. وأصاب قداسة البابا فرنسيس في إعلانه: "أكبر معركة من قوى الشّرّ تُشنّ على الأسرة"، أي على الزّواج المقدّس وعلى هيبة الوالدين، والهجوم على الحياة بالإجهاض والتلاعب بالجينات.

إعادة وضع الأسس والعودة إلى الأهداف الإيمانيّة الخيريّة التقويّة من مؤسساتنا

نكتب هنا فقط عن "مسيحيّين" يقومون برحلات ترفيهيّة وسط الصوم حتّى أيّام الآحاد،وعن المؤسسات والمدارس المسيحيّة، وذلك لعدم التّطفّل على العالم الإسلاميّ، إذ لكلّ امرىء مسؤولياته وصلاحياته. ولكن مبدأ الأسس يبقى، وتنفع الذكرى، وثمينةٌ العبرة، بمعنى أنّ المرء يتعلّم من أخطائه ومن أخطاء غيره. وهكذا، حسب التعبير القرآني، نتعاون "على البِرّ والتّقوى"، فالتّقوى أقوى" وهي "تنفع في كلّ شيء، إذ لها مواعد الحياة الحاضرة والآخرة". 

وراء هذا المقال ظاهرة مؤسفة مخجلة لدى قوم من "المسيحيّين" في هذا الصّوم الكبير. إنّهم – سامحهم الله وأصلح أمرهم- يقومون برحلات ترفيهيّة ليس فقط في أيام التّوبة والزّهد والتقشّف والإحسان الأربعين –حيث تمنع الكنيسة بصواب مظاهر الرخاء والتسلية وتمانع الاحتفال حتّى بالأعراس-بل أيضًا ينظّمون رحلات دنيويّة أيّام الآحاد! ومن القوم من هم علمانيّون مدرّسون في مدارسنا المسيحيّة، أو معلّمو "التربية الدينيّة" أو "ملتزمون" في الكنيسة . وبسهولة لا يحضرون القدّاس في أثناء رحلتهم، ولا يدخلون كنيسة في أيام الآحاد المشار إليها، خصوصًا عندما يزورون مواقع لا كنيسة فيها ولا آثار ولا مقدّسات. وأحيانًا، والحقّ يقال، يحضرون القداس "وسط الرّحلة"، ولكن البيئة تبقى دنيويّة ترفيهيّة يروّحون فيها النّفس ويتمتّعون بالطّيبات كأنهم ليسوا في زمن الصّيام الكبير، وكأنّهم ليسوا من سلالة المسيحيّين الشّرقيّين العرب الأتقياء الّذين أشاد بهم سيبويه (في كتابه 2، 27):

"صدّت كما صدّ عمّا لا يحلّ له              ساقي نصارى قُبيل الفصح صوّام"

"ومن كلام العرب الأقدمين "تنحّس النّصارى"، إذا تركوا أكل الحيوان في الصيام. وهو فعل عربيّ صحيح ، قد يكون أتى من "تنحّس الرّجُل" إذا جاع" (الأب لويس شيخو اليسوعيّ في كتاب عن المسيحيّة المشرقيّة وآدابها بين العرب قبل الإسلام).

وقد تكون "الرحلات" مفيدة ومقبولة إذا أمّ القائمون عليها المقدّسات، مصلّين تائبين مستغفرين. ومن المخجل لنا أن يأتي بتضحيات جسيمة وأسفار مضنية ونفقات باهظة حجّاج وسيّاح ورعون من مشارق الشّمس ومغاربها لزيارة الأماكن المقدّسة في بلادنا والتبرّك بها، في حين لا نؤمّ نحن مقدّساتنا، أو نمرّ بقربها في طريقنا إلى "المنتزهات" والشّواطىء والملاهي والمسابح (من فعل "سبح" وليس من فعل "سبّح الله" بالشّدّة على الباء). وهكذا، تتمّ فينا مع الأسف كلمات صاحب المزامير في قومموسى: "إنهم استهانوا بالأرض الطّيّبة!"،وقد تقهقرنا من حيث لا ندري إلى المادّية والدّنيويّة والأفقيّة والدّهريّة التي تتلخّص هكذا: "جلس القوم يأكلون ويشربون، ثم قاموا يلعبون".

ويبدو أنّ ظاهرة "الرحلات" الدّنيويّة التّرفيهيّة أيام الآحاد– بغير قدّاس- وفي فترة الصيام الكبير- ليست جديدة، بذريعة قدوم الرّبيع. فقد كان قبل نحو أربعة عقود قدس الأب الفاضل فؤاد حجازين، من كهنة البطريركية اللاتينية الغيارى الورعين، من أهل الحزم والعزم والمروءة، يشكو من ذلك الانحراف، ويستغفر الرب من أجل القائمين على ذلك النشاط غير التقويّ. وما كان يبخل- رحمه الله- بملحوظاته وانتقاداته الأبويّة الكهنوتيّة الرّشيدة، من على المنبر وفي المدرسة الراعويّة وفي زياراته المستمرّة للعائلات وإرشاده للأخويّات وسهراته الإنجيليّة.

أهداف مؤسساتنا التعليميّة والصّحّيّة والخيريّة

تدور الدّنيا وتتغيّر "نفوس بالفلوس". وتنقلب الموازين أحيانًا. ويتذرّع مسؤولون بأنّ "الظّروف تبدّلت، ويجب مواكبة العصر". كم من مدرسة مسيحيّة أنشئت للفقراء، وها هم اليوم يهربون منها! ما كان الهدف من تأسيس مدارس أبرشيّاتنا ورهبانيّاتنا إلاّ الإيمان أي التربية الدّينيّة المسيحيّة لأولادنا وبناتنا، أي لأبناء رعيّتنا حصرًا. ومع الوقت، مع اتّساع الآفاق ورحابة الصّدور، صرنا نستقبل مسيحيين من رعايا أخرى وطلبة من إخوتنا المسلمين. وكان ضروريًّا أن نعطي الطالب المسلم أمور دينه، ليس فقط تتميمًا لقوانين التربية والتعليم، بل حرصًا منّا على هويّته الإيمانيّة وخصوصيّته العقائديّة، وفي سبيل الحوار والتعايش والاحترام المتبادل.

ولكن، في بعض المدارس "المسيحيّة"، نرى حصص الدين مهملة أو مستهان بها، يعطيها معلّمون غير مؤهّلين. أو نلحظ أنّ لا حصص للتعليم المسيحي على الإطلاق، وكأنها ، كما يقول اللّبنانيون، "آخر همّ"، بل هي غير واردة في لائحة الهموم أو الاهتمامات! وكم يتعب المرء مع بعض المؤسسات التي تنسب نفسها إلى الكنيسة (التي تموّلها)، وقد أزالت كلّ رمز للمسيحيّة بشتّى الذّرائع منها "احترام التّعدّديّة"، مع أنّ السيّد المسيح شجب المسيحيّ الذي "يستحيي به أمام الناس". وقد كتب القدّيس بولس الإناء المختار رسول الأمم إلى المهتدين الجدد من اليهوديّة ومن الأمميّة، في عاصمة الإمبراطوريّة الرّومانيّة الوثنيّة،حيث كان المسيحيّون الأوّلون نفرًا قليلاً ضعيفًا مستضعفًا : "إنني لا استحيي بالإنجيل"(رومية 1 : 16). أمّا الشّهداء، ومنهم أجداد لنا منذ عشرين قرنًا من الزّمان،  فما تردّدوا أن يضحّوا بحياتهم من أجل إيمانهم. عليه، لا يحترمنا الناس إن لم نحترم نحن ديننا.

إيقاد شمعة بدل انتقاد الظّلام

زمن الصّوم الأربعينيّ ليس فقط مناسبة للأفراد كي يتوبوا ويرجعوا إلى الصّلاح والفلاح، معترفين بتقصيرهم وبذنوبهم ، بل هو فرصة ذهبيّة لمؤسساتنا أيضًا في سبيل العودة إلى أهدافها الرّوحانية الأخلاقية الخيرية الإنسانية الإيمانيّة، وإعادة ترسيخ أسس القيم ووضع الأولويات، انطلاقًا من الرّوح للوصول أخيرًا إلى المادّة، كما كتب المفكّر الفرنسي "بسكال"، وعملاً بالمثل الفرنسيّ التّقويّ: "الله هو أوّل مننخدم!"، اتّباعًا لتوصية السيّد المسيح: "أطلبوا أوّلاً ملكوت الله وبِرّه، والباقي يُزاد لكم!" ولا عجب إن زالت أحيانًا "البركة" من بعض مؤسساتنا،إذتشاغلنا بالماديات والدنيويات (أحيانًا بغير انتباه) أو سعينا  بقصد إلى المجد الباطل أو المال، وخدمنا المصالح بدل الأهداف السّامية والأفراد بدل المجموعات المحتاجة.

لا صلاة تغني المسيحيّين الرّسوليّين عن القدّاس

يشكو المؤمنون أحيانًا من تقصير لدى بعض رجال الدّين. ولكنّ التّقصير أكبر لدى خلق من العلمانيّين كثير، إذ لا يدخلون كنيسة إلاّ نادرًا. ومنهم من لا يدخلها، بلا مؤاخذة، إلاّ محمولاً، طفلاً يحضره أهله للمعمودية والتثبيت، أو فقيدًا بعد عمر طويل أو قصير. ويحلو للمرء هنا أن يستشهد بكلمات قدس الأب الرّاحل لويس فافيرو – الذي خدم رعيّة رام الله لثلاثة عقود : "العائلات التي نراها في قدّاس الأحد لا نراها عادةً في المحاكم لا الكنسيّة ولا المدنيّة". فالبُعد عن الكنيسة جفاء وجفاف وانغماس في الدنيويّات، وجهل في الرّوحانيّات، ومجازفة في الأخلاقيّات، وتعرّض للانحرافات عن الإيمان المستقيم والخلق القويم، مع ما يتلوها من تدمير للبيوت العامرة وإزهاق للنفوس الغافلة. فالقدّاس ليس مجرّد صلاة ممكن استبدالها بأي دعاء خارج الكنيسة، في البيت أو المكتب، بل هو تذكار بل إحياء للعشاء الأخير السيّديّ ومشاركة في مائدة المسيح، بعد الاستماع إلى "خدمة الكلمة"، أي قراءات الكتاب المقدّس، والاستغفار بالاعتراف، والتعرّف إلى شعب الله، أي الرعيّة التي هي الإطار الاجتماعيّ الإنساني لإيماننا. والقدّاس مناسبة لنصغي إلى تفسير صحيح لكلمة الله، لا نقدر أن نناله لو قرأنا وحدنا الكتب المقدسة، كما حصل مع الوزير الحبشي قبل أن يلقاه فيليبّس. وفي القدّاس تجديد لضحيّة المسيح بصرف النّظر عن هويّة الأسقف أو الكاهن المحتفل.

ويا ليت القدّاس يعود بشكل منتظم إلى كلّ مدارسنا، لخير طلابنا المسيحيين الذين عليهم أن يدركوا أنّ التفرغ للصلاة ولا سيّما القداس هو السبب في عطلتهم يوم الأحد. وما أجمل أن يكون للطلاب مدراؤهم ومعلّموهم قدوة في ذلك أيضًا.

خاتمة

يا ليت كلّ مسيحيي الشرق ولاسيّما أهل فلسطين والأردن، حول النهر المقدس، يستطيعون أن "يحضروا القداس بالتمام – مشتركين فيه فعليًّا- أيّام الآحاد وأعياد البطالة"، "مقدّسين يوم الرب". فيقدرون أن يكتبوا ما كتب في القرن الميلادي الثاني الفيلسوف القديس يوستينوس النابلسي إلى الإمبراطور الروماني أنطونينوس بيّوس، في "دفاعه" الأوّل، رقم 67: "بعد التّجمّع، نلتهب جميعنا بذكريات ما حدث (أي من سيرة السيد المسيح). وإن كانت لدينا خيرات، نسعف بها الفقراء، ونتشارك فيها أيضًا بيننا، كما نقوم بحمد خالق الكون باسم يسوع المسيح كلمته، وروحه القدوس، على كل التقادم. وفي يوم الشّمس ، كما ندعوه (أي يوم الأحد)، يجتمع كل الذين يسكنون في المدن أو في الريف، في مكان واحد، ثم نقرأ ذكريات الرسل (اي الأناجيل والرّسائل) وكتابات الأنبياء حسب الوقت المتوفّر لنا. وعندما ينتهي القارىء، يقوم المترئس بإلقاء خطاب يحثّنا فيه على التّشبّه بهذه التّعاليم السّامية. ثم ننهض جميعنا ونصلّي. وبعد أن تنتهي الصّلاة، نجلب التقادم...  وإن كنّا نجتمع في يوم الشّمس فلأن الله استخرج في مثل هذا اليوم المادة من الظلمات... وفيه قام يسوع المسيح مخلّصنا من بين الأموات" ("القديس يوستينوس، شهيد نابلس من القرن الثاني"، للأب عزيز عدنان حلاوه، ص 45 وتابع).

 وفي حين يبقى المسيحي البعيد عن الكنيسة في الموت المعنويّ ، ينتقل المشترك في القداس إلى حياة القيامة!

 Copyright © 2009-2024 Almohales.org All rights reserved..

Developed & Designed by Sigma-Space.com | Hosting by Sigma-Hosting.com