عن الكنيسة

كاهن الكنيسة

جمعية الكنيسة

مواقع

C??????E

ليس دفاعاً عن مسيحيي العراق محمد السماك

ليس دفاعاً عن مسيحيي العراق

محمد السماك

الجريمة التي تعرض لها مسيحيو العراق، خاصة منهم أهل الموصل، هي جريمة مزدوجة. هي أولاً جريمة ضد الإسلام لأنها ارتكبت باسمه، وهي ثانياً جريمة ضد المسيحية لأن ضحاياها استهدفوا لأنهم مسيحيون.العدوان على مسيحيي العراق ليس جديداً. دخل العدوان مرحلة جديدة بعد سقوط نظام صدام حسين. واستمر مع الاجتياح الأميركي. وتصاعد بعد الانسحاب الأميركي. ولم يتوقف لا خلال صراع السلطة في بغداد مع الأكراد، ولا خلال صراعها مع العشائر السنية. وقد بلغ مستويات لا سابق لها في تاريخ المنطقة والعالم بعد أن بسطت داعش سلطتها على شمال العراق بما في ذلك مدينة الموصل.لا بد، بداية، من تسجيل ملاحظتين أساسيتين:

الملاحظة الأولى هي ان مسيحيي العراق لم يكونوا طرفاً في الاجتياح الأميركي. فهم لم يطالبوا بالاجتياح. وعندما تم الاجتياح لم يستقووا به.

الملاحظة الثانية هي ان مسيحيي العراق لم يكونوا طرفاً في الصراع على السلطة بعد الاجتياح الأميركي. لم يتحالفوا مع طائفة مذهبية ضد أخرى. أو مع جماعة عنصرية ضد أخرى. وبالتالي لم يكونوا طرفاً في الصراعات المذهبية والعنصرية، ولم يشكلوا خطراً أو حتى مصدر إزعاج لأي فريق من أفرقاء الصراعات. مع ذلك كانوا ضحية كل تلك الصراعات التي عصفت ولا تزال تعصف بالعراق... لماذا؟

لا يوجد سوى جواب واحد على هذا السؤال. وهو لأنهم مسيحيون. وكأن الانتماء إلى المسيحية أصبح جريمة يعاقب عليها الفرد والجماعة. فمن الذي قرر مبدأ العقوبة؟ وعلى أي أساس ديني أو وطني أو إنساني أتخذ قراره؟

من المعروف أن المسيحية سابقة للإسلام، ليس في العراق فقط، لكن في الشرق كله. فكيف تعامل الإسلام مع المسيحيين؟

للإجابة عن هذا السؤال سوف أقدم ثلاثة نماذج. والنماذج الثلاثة نبوية، أي أنها تأسست على موقف للنبي محمد عليه الصلاة والسلام. ومواقف النبي المصدر الثاني بعد القرآن الكريم في التشريع الإسلامي.

النموذج الأول لدى انتصار المسلمين على المشركين من أهل مكة، وعودة النبي عليه السلام مع أنصاره إلى المدينة المقدسة التي هجّر منها. كان أول عمل قام به النبي - المنتصر، بعد اعلان العفو العام، هو إزالة التماثيل والصور المعلقة على الكعبة المشرفة. فقد كان لكل قبيلة إله تعبده. وكانت تعلق صورته على جدار الكعبة. ومن بين العشرات من الصور والتماثيل كانت هناك صورة لمريم العذراء تحتضن طفلها المسيح. طلب النبي من أنصاره تطهير الكعبة من كل التماثيل والصور... إلا هذه... ووضع يده الشريفة على صورة مريم. وبالفعل أزيلت الصور كلها وبقيت صورة مريم والمسيح. واستمرت الصورة إلى ما بعد وفاة النبي... وإلى ما بعد الخلفاء الراشدين. ولم تُزل إلا اثناء الفتنة الكبرى عندما قصفت الكعبة.

النموذج الثاني كان خلال إقامة نواة الدولة في المدينة المنورة. فبعد بناء المسجد الأول في الإسلام جرى حوار بين النبي عليه السلام وأصحابه حول كيفية دعوة المؤمنين إلى الصلاة. طرحت اقتراحات عدة اثناء الحوار، من بينها اقتراح باعتماد الجرس للتذكير والتنبيه. ولكن هذا الاقتراح استبعد حتى لا تختلط الدعوة إلى الصلاة في المسجد مع الدعوة إلى الصلاة في الكنيسة. فكان اعتماد أسلوب الأذان المستمر حتى اليوم. وكان بلال الحبشي المؤذن الأول في الإسلام. يدل اقتراح اعتماد الجرس على ان الكنيسة كانت موجودة وكانت تقرع الجرس في عهد النبي عليه السلام. ويدل الاقتراحُ على اعتماده، على مدى احترام المسلمين للكنيسة وللمؤمنين المسيحيين. أما استبعاد اعتماد الجرس، فلم يكن رفضاً له من حيث المبدأ لأنه معتمد مسيحياً، لكن لتجنب وقوع المؤمنين في الالتباس بين الدعوة إلى المسجد والدعوة إلى الكنيسة.

النموذج الثالث خلال استقبال النبي محمد عليه السلام وفد مسيحيي نجران في بيته الشريف الذي أصبح الآن جزءاً من الحرم النبوي ثاني أشرف وأقدس مكان لدى المسلمين بعد مكة المكرمة. لقد نزل الوفد المسيحي في ضيافة النبي وتناول طعامه وأدى الوفد صلاته المسيحية في باحة بيته. وتحاور النبي مع الوفد في دعوته إلى الإسلام. ولكن الوفد آثر البقاء على دينه المسيحي. فودعه النبي كما استقبله بكل تكريم واحترام ومحبة.

وقد ترجم النبي عليه السلام هذا الموقف النبوي التأسيسي في عهدته إلى مسيحيي نجران التي نصت على احترام قسيسيهم ورهبانهم، وعدم مس مقدساتهم وشعائرهم بسوء، والمحافظة على صوامعهم وكنائسهم، بل وعلى تشجيع المسلمين على المساهمة في بنائها إذا احتاج المسيحيون إلى ذلك. كما نصت العهدة النبوية أيضاً على عدم حملهم على اعتناق الإسلام.

وما كان للنبي عليه السلام ان يدعو المسلمين إلى احترام وحماية الكنائس المسيحية لو لم تكن كما وصفها القرآن الكريم من «بيوت الله التي يرفع فيها اسمه». وما كان له أن يدعو المسلمين إلى احترام ومحبة المسيحيين وإلى عدم إكراههم على الإسلام لو لم يكن يعتبرهم كما جاء في القرآن الكريم أيضاً مؤمنين بالله وبملائكته وباليوم الآخر ويفعلون الصالحات.

ان سنة النبي محمد عليه السلام ملزمة لكل مسلم حتى قيام الساعة. فهو الأسوة الحسنة والقدوة الصالحة للمسلمين جميعاً. والتنكر لسنته هو تنكر للقاعدة الثانية التي يقوم عليها الإسلام عقيدة وشريعة ومنهج حياة.
من هنا، فإن ما تعرض ويتعرض له مسيحيو العراق وباسم الإسلام، هو جريمة كبرى منكرة بحقهم كمؤمنين وكمواطنين. وهي جريمة أكبر بحق الإسلام كدين يؤمن بالمسيحية رسالة من عند الله، وبأنه لا إكراه في الدين.

 

 Copyright © 2009-2024 Almohales.org All rights reserved..

Developed & Designed by Sigma-Space.com | Hosting by Sigma-Hosting.com