عن الكنيسة

كاهن الكنيسة

جمعية الكنيسة

مواقع

C??????E التقويم الطقسي

الأحد الثّاني للصّوم الاب د.بيتر مدروس

الأحد الثّاني للصّوم أ (سنة 2017 م)

إبراهيم الخليل: تجوّل وتحوّل، والرّبّ يسوع: التحلّي والتّجلّي

(تكوين 12: 1- 4، متّى 17: 1 – 9)

(بقلم الأب بيتر مدروس)

يتوهّم قوم أنّ كاتب سِفر التّكوين ساذج بسيط إلى درجة قلّة الذكاء– حاشى وكلاّ! ها هو بإلهام من روح اللهووحي منه تعالى ينقل إلينا كلمات العزّة الإلهيّة إلى "آراميّ بابليّ" اسمه أبرام أي "الأب السامي" : "انطلق" والصّيغة العبريّة مذهلة : "לך-לך" حرفيًّا "إذهب لك" وكأنّ في الذّهاب نفعًا، وكأنّ في النّزوح عن الوطن متعة! "إنطلق من أرضك، وعشيرتك وبيت أبيك": المطلوب تجرّد كامل وابتعاد شامل: جغرافيّ ونفسيّ ومعنويّ أي قلع من الجذور العشائريّة والوطنيّة وقفزة في المجهول "إلى الأرض التي أريك"!

 

نزوح إبراهيم: من الوثنيّة والشّرك إلى التّوحيد والتّسليم والكمال

في العقل الوثنيّ الموازين مقلوبة. يشير المعاصرون إلى "أبرام" بأنه في الآراميّة חנף"حَنَف" أي "كافر"، والكلمة مثل "حنث"، ذلكلأنّه نبذ معبوداتهم. وتقول الأساطير التّلموديّة أنّه حطّم أوثانهم بما فيها أصنام والده (عن تكوين رابّاه 38). ويا ليتنا نحن نحطّم أوثاننا وأصنامنا لنعبد الإله الوحيد الحيّ ونهاجر من مادّيتنا إلى الروحايات ومن الأنانية إلى التفاني ومن البغض إلى المحبة.

سوء فهم بين مسيحيين ومسلمين في شأن الهجرة!

يتخيّل مسلمون كثيرون أنّ النّصارى "مشركون" وأنّهم "عبّاد خشبة" (كما كتب أحد "المقاتلين الأجانب" بالألمانيّة على جدران كنيسة مدمّرة في العراق). ويتصوّرون خطأً أنّ الفساد والانفلاتيّة وعدم الحياء والشّذوذ "مسيحيّة"، والحقّ أنها مخالفة للإنجيل الطاهر الذي باعتراف المصادر الإسلامية فيه "هُدى ونور". لذا، يهاجر مسلمون كثيرون، على مضض، "إلى بلاد الكُفر" وأيديهم على قلوبهم لخوفهم من التأثر والتنجس بنجاسة المشركين ورجسهم (وهذه فكرة تلمودية حاخاية ربابينية قديمة، خصوصًا في كتاب "سنهدرين" أي "المحفل" ) وعدم تمكنهم كمسلمين من القيام بشعائر دينهم. فيبقى لهم الخيار بعد الهجرة أن يتقوقعوا حول أنفسهم أو يحبسوا نساءهم وبناتهم في "غيتوهات" أو "جُزُر" إسلامية والدعوة للإسلام ومحاولة فرض الشريعة.

هجرة أبينا إبراهيم كانت هربًا من الشرك والوثنية لا هجرة إليهما.  وعندما يرى المرء أنّ مسلمين كثيرين يتجشمون المخاطر ويعرّضون حياتهم للأهوال والمهالك في قوارب هشّة في عرض البحار سعيًا مستميتًا إلى "بلاد الكفّار"، يدرك أنّ أوضاع بلادهم "مزرية" يحسبون الموت في اليمّ أفضل منها وأشرف. وهنا، ينسب نفر منهم كثير شقاءهم وتخلّفهم إلى ابتعادهم عن الإسلام، في حين يلوم آخرون زعماءهم السياسيين (حيث الديمقراطية معدومة وكرامة البشر- ولا سيّما المرأة- مهضومة). ويستغلّ آخرون تقدّم "الكفّار"، من ناحية إنسانية وحقوقية، على شرك عقيدتهم وفساد انحرافاتهم، فيبقى في حيرة من أمره مستغربًا من ازدهار قوم الكفر وبؤس أهل الإيمان. وتنشأ عنده، في مدرسة صاحب المزامير، أزمة ضمير وأزمة هويّة وأزمة عقيدة : "إني حسدتُ المنافقين، إذ شهدت الآثمين آمنين! لا يُمسون في عناء البشر، ولا يُمسّون كبني آدم بالضّرر... أضنت قلبي مرارة الآلام ونفذت إلى كليتيّ السّهام..." (مزمور 73(72): 2 وتابع).

 

تناقض ظاهر بين سِفر التّكوين ونبوّة عاموس التقوعيّ

أعلن تعالى لأبرام: "بك تتبارك جميع عشائر الأرض". ويدلّ فعل "تتبارك" على بركة داخليّة مُكتسبة وفيّاضة، ولعلّ القول الدّارج المتفائل يعبّر عنها: "كلّ النّاس خير وبركة!" ولكن في نبوّة عاموس (التي لا يتحمّلها معشر اليهود بسبب القسم الثّاني من الآية التّالية : 3: 2 ) تؤكّد العزّة الإلهيّة لقوم "يعقوب" وموسى: "إيّاكم وحدكم عرفتُ مِن بين جميع عشائر الأرض، فلذلك سأعاقبكم على جميع ذنوبكم"! يستنتج المرء أن كان هنالك اختياران: واحد شامل لكل نسل أبرام-إبراهيم، وداخل نسل أبرام اختيار لذرّيّة اسحق ويعقوب والأسباط (هذا ما يعترف به القرآن  الذي يشمل بالبركة والنبوّة إسماعيل).

الرّبّ يسوع: التّحلّي بالتّواضع والفضائل والسموّ، والتّجلّي بالمجد والسّناء والبهاء (متّى 17: 1- 9)

تحوّل أبرام نفسيًّا وروحانيًّا قبل أن "يتجوّل"، منتقلاً من "غربة معنويّة دينيّة" هي عبوديّة الأوثان في "أور الكلدانيين" إلى عبادة الإله الواحد الحقيقيّ، ومضحّيًا بقرابة الجسد وعزوة القبيلة إلى عذوبة العهد[1] ونسل الوعد. والواقع أنّ المسيحيين وحدهم تبنّوا، بفضل المعمدان والرب يسوع والقديس بولس، المفهوم الروحاني لأبوّة أبينا بالإيمان إبراهيم، لا المفهوم القبلي ولا العشائري ولا الجسدي ولا الفيزيولوجيّ ولا القومي ولا السياسي ولا العسكري ولا التوسّعي ولا العنصري. وكان يوحنابن زكريا قد أطلق هذا المفهوم السامي إذ أنّب -وهو النبيّ- معشر العبرانيين بقوله: " لا تعللّوا النّفس متشدّقين (في العاميّة "متفشخرين") : "نحن أبناء إبراهيم": إنّ الله قادر من هذه الحجارة أن يُقيم أبناء لإبراهيم". أمّا رسول الأمم الإناء المختار بولس فقد كتب إلى أهل غلاطية: "نسل إبراهيم هو المسيح"، والمسيح "أعطى الذين قبلوه أن يصيروا أبناء الله".

ويسوع الذي "أخذ صورة العبد صائرًا في شبه البشر" أخفى مجده. ولكن على الجبل المقدس وإعدادًا لرسله كي يتحملوا صدمة صلبه، يبيّن لهم على طور طابور مجده، "مجد الابن الوحيد للآب، مملوء نعمة وحقًّا". يظهر بهاء الله وسناؤه "في وجه يسوع المسيح"(غلاطية 4: 7).

يكتب أوريجانيس أنّ "يسوع تجلى فقط للرسل الثلاثة الذين صعدوا معه الجبل لا للآخرين الذين بقوا في أسفله" أو "في وادي الناس".ولحظ مار كيرلس الإسكندري: "لقد جاء ملكوت الله عندما رأى التلاميذ مجد يسوع". ويشيد القديس أمبروزيوس أسقف ميلان ب"عظيم إخلاص بطرس ليسوع ولموسى ولإيليا، فقد اقترح أن ينصب ثلاث مظالّ مع جهله أن البشر عاجزون عن نصب مظلّة لله".

 والجميل لاهوتيًّا ولغويًّا أنّ يوحنا الرسول الحبيب يعبّر عن تجسّد كلمة الله في يسوع الإنسان عن طريق تشبيه "المظلّة أو الخيمة" ، في اليونانية σκήνη"سكينيه" وقد تقابلها العبرية "شكيناه" ("سكينة") أي سكنى الله بين الناس وقد "حلّ" فيهم أي نصب خيمته بينهم، كقولك "الحلّ والتّرحال".

ونلحظ تواضع مار بطرس إذ ما حلم أن يصنعمظلّة لا لنفسه ولا ليعقوب ولا ليوحنا. وقد يفيدنا أن نعلم أنّ الرسل الثلاثة المميّزين تجمعهم عواطف جيّاشة وتفجّر انفعالات وحدّة طباع تتجلّى مواهب لخدمة المسيح الرب وإنجيل الخلاص!

خاتمة

في أيّامنا، خصوصًا في الغرب "مسيحيّ الجذور"، ننتقل على مستوى الدول والقوانين المارقة من عار إلى عار ومن موبقة إلى موبقة ومن منكَر إلى منكر، بخلاف طهارة الرب يسوع ونقاوة الإنجيل الطّاهر! فليكن برنامجناما خطّه مار بولس إلى القورنثيين ، على علاّتهم وكبائرهم: "ونحن جميعًا نعكس صورة مجد الرّبّ (يسوع)، بوجوه مكشوفةكما في مرآة، فنتحوّل إلى تلك الصّورة، ونزداد مجدًا على مجد، وهذا من فضل الرب الذي هو روح" ( 2 قور 3 : 18).

 



[1]ينسب الراهب الفرنسي بونيه-إيمار لفظة "ميثاق" إلى العبريّة "متوق" اي "حلو، عذب".

 Copyright © 2009-2024 Almohales.org All rights reserved..

Developed & Designed by Sigma-Space.com | Hosting by Sigma-Hosting.com