الصوم، بين جمود الحرف وحياة الروح

اعداد: الأب رومانوس حداد

كثيرون يطرحون أسئلة عديدة تخُصّ الصوم ونظامه، وقانونه وشكله وممارسته، لذلك يلزم توضيح ما يلي:

من حيث المبدأ نحنُ نصوم صوماً انقطاعياً عن كل مأكلٍ ومشرب من منتصف الليل حتى الساعة التاسعة من النهار (أي الساعة الثالثة بعد الظهر بتوقيتنا العصريّ) وهي ساعة موت الرب يسوع المسيح على الصليب، ثم نتناول طعاماً نباتياً خالياً من الزيت. هذا هو القانون العموميّ والأصل المُتَّبع في التقليد الآبائي. أما بالنسبة للشيوخ والمرضى والأطفال القاصرين وذوي الأوضاع الصحيّة الخاصة، فالكنيسة تسمح لهم نظراً لظرفهم وحالتهم بالصوم حتى الساعة 12 ظهراً...

في الأرثوذكسية ليس لدينا قوانين حرفيّة جامدة تخنُق الانسان وتُثقل كاهِله وتأسُرهُ وتجعله عبداً "فالسبت جُعل من أجل الانسان، لا الانسان من أجل السبت" (مرقس 2 :27)، بمعنى أننا لا نصوم من أجل الصوم في حدّ ذاته، كفرضٍ أو شريعة قَسريّة، فالكنيسة والآباء القديسون رتّبوا أن تكون الغاية من الصوم هي في أن يُسهم في بناء الانسان الداخلي ودفع تقدّمه الروحيّ في علاقته مع الرب والقريب، فالصوم هو كالدواء الشافي للإنسان من عبودية الأهواء والتعلّق بالمادة، والتحرّر من سُلطة الخطيئة والشهوة، ولذات السبب فانّ تعاطي هذا الدواء (الصوم) قد يكون بجُرعاتٍ مختلفة من شخصٍ لآخر، تكون ملائمة لظرف ووضع كلّ فرد وقامته الروحية وحالته الصحية، ويُترك شأن تقديرها للطبيب الذي هو الأب الروحيّ الذي من الضروري أن يكون موجوداً ومرافقاً لكلّ أرثوذكسيّ في مسيرته الروحية وحياته الكنسيّة... فالجُرعة من الدواء للبالغين ليست كتلك التي للأطفال الصغار، والتي للأصحّاء ليست هي بالضرورة ذاتها للمرضى وذوي الأوضاع الصحيّة الخاصّة، وكذلك الأمر بالنسبة للشيوخ والمتقدّمين في السنّ، والذين يعملون أعمالاً تستنزف منهم مجهوداً بدنياً كبيراً. لذلك فانّ الأب الروحيّ المُختبَر في الحياة الروحية والذي يتّصف بروح التقوى والحكمة والمعرفة والتمييز، له دورٌ هامّ في ارشاد أبنائه الروحيين وتوجيههم بما يتوافق مع قامتهم الروحية، الى جانب اطّلاعه على ظروفهم الصحيّة والمهنيّة، وهو بذلك يساعدهم في بلوغ الهدف المنشود من وراء الصوم، لأنه بالحقيقة هو كالطبيب المؤتمَن من الروح القدس على خلاص نفوس أبنائه الروحيين وتقدّمهم في الحياة المسيحية ونموّهم الروحيّ.

الأب رومانوس حداد