عن الكنيسة

كاهن الكنيسة

جمعية الكنيسة

مواقع

C??????E

عظة يوحناالذهبي الفم_القديسة تقلا

تذكار القدّيسة تقلا أولى الشهيدات المعادلة الرسل

تعليق
عِظَة  للقديس يوحنا الذهبي الفم  

إشادة بأولى الشهيدات القديسة تقلا :

إنّنا حين نقيم في كل سنة تذكار القديسين، تُمثّل أمامنا نعمة الروح القدس صورَهم الكريمة، وتثبّت لنا عظائم أعمالهم، بارزةً في حُلَلِ فتوَّة أبدية بعد أن كان الزمان قد دفنها في مطاوي النسيان. فكلُّ امرىءٍ إذ يُقبِل فيحضر الاحتفال بذكراهم، يجد في هذه الذكرى جمال أعمالهم وهي كأنها مرسومة على لوح فيملأ بصره من مشاهدتها في صورة الذكرى التي تتعلَّق بها تلك الأعمال. أما أنا فأجدُني اليوم أُنعِم بصري بهذه الفتاة الطوباوية كأنني واقف قرب صورة تذكارها، مُبرزةً الإكليل الذي ظفرت به، من جهةٍ لانتصارها على لذائذ الدنيا، ومن جهة ثانية لانتصارها على الأخطار التي هدَّدتها، ومقدِّمةً لسيّد الخليقة كلها بتوليَّتها من جهة واستشهادها من جهة ثانية. لقد كانت إذن تملك إكليل البتولية، والبتولية إذاً دقّقنا النظر فيها هي استشهادٌ عنيف قاسٍ يُكابَد قبل الاستشهاد. ذلك لأن اللَّذائذ هُنَّ للجسد بمثابة الجلاّدين القساة المرهوبين أو هنَّ بالأحرى أهوَل من الجلاّدين. فهُنَّ يُثقِّلننا بقيود لم تصنع حديدها يدُ الإنسان فتجرح النفس بنظر العيون وتستخدم الآذان لتوصل إلى قلبٍ رصين الثبات مِشعَل الفجور، وتمزّق عقلنا تحت جلدات السياط القاسية، وتعذّبنا بتهجماتٍ تتوالى علينا باتصال لا ينقطع.
فحينما نحتّم على عيوننا أن تظلّ مُطبقةً تلقاء الجمال الجسدي، فاللَّذائذ تقطع ذلك الحاجز. فيسقط أمام الأغاني التي طَرقت نغماتُها الآذان لحدِّ أنها إذا توجَّهت إلى آذان أُصِمَّتْ عن سماع أغاني الفجور إحتالت بإغواء الأفكار والصوَر الداعية إلى السقوط في مدابِّ المنكرات. فإذا انتصرنا إبّان اليقظة على كل حملاتها العنيفة حاربتنا بأخيلةِ الغوايات أثناء رقادنا. وعلى هذا النمط تشهر علينا حروباً دائمة لا تضع الشمس حدّاً لبداءتها ولا الليل حدّاً لنهايتها. فإذا علقَت بالشبيبة تجارب اللذّات، وذلك هو احتدام الأتون آخذاً بالهشيم والعُصافة. فالشبيبة تلتهب بسهولة ضمن نار الشهوات ولكن إن كانت تلك اللذائذ أشبه بالزيت في سرعة الالتهاب، فمُجاهِدات العفاف تدفعها بأشدّ قوة.
إنّ كل ما ألمعنا إليه من الشؤون جعل بتولية القديسة التي نحتفل اليوم بتذكارها استشهاداً طويل الأمد فكافحت اللذائذ الجسدية كما يكافح الشهيد الوحوش الضارية. وكانت تثبت في حرب الأفكار الرَّذِلَة كما يثبت الشهيد أمام ما ينهال عليه من التعاذيب. وتتحمّل هجمات تلك الأفكار وصوَر الخلاعات كما يتحمّل الشهيد ما يقرّعه به جلاّدوه من التبريح. ولكنّها انتصرت على تلك المجاهدات الباطنية المتنوعة التي توقدها الطبيعة كما أن الشهيد تتغلّب النيران المقدسة فيه على نيران الطبيعة عنده.
نعم إن تلك الفتاة قهرت طبيعتَها، تلك الطبيعة التي تقهر سائر الناس وتدهورهم إلى حضيض الشرور، قد حافظت تقلا على طهارة البتولية. فإنَّ والدَيها اللَّذَين لم يعلمَا روابط البتولية المرتبطة بها فتاتُهما ولا عرفا الهدية التي قدَّمها لها بيده سيّدها المسيح من أعالي السماء كأنها عروسٌ له، كانا يُلحّان عليها بأن تقبل الزواج. ولكنها كانت تطنُّ أبداً في أُذنيها كلمات القديس بولس القائل: "المرأة الغير المتزوجة والعذراء تهتم فيمَا للربّ لتكون مقدّسة في الجسد والروح." (1 كور 7: 34) فرغبتها الأولى كانت في أن تحوز إكليل البتولية، بذلك لا غير كانت مُغراةً ومشغولة الخواطر بتلك النزعات الخصيبة بالبركة فهي كثيرة الاهتمام بالأمور التي تفضّلها الحريّة على كل شاغل يشغلها عن أن تكون مقدَّسة في الجسد وفي الروح. فلم تكن لها علاقة قطُّ بالدنيا ولا رابطُ يحوجها أن ترتبط بضروريات الزواج كأن تحتمل زوجاً مستهتراً في الفجور وأن تكون جماداً تلقاء وساوس الزوج التي لا أساس لها وأن لا تظهر أمام الناس حين الاقتضاء والإفادة وأن تكون يقِظَةً متنبّهة لإعداد الطعام وأن تثير الغيرة والحسد بما تتجلَّى به من التزيُّن وجمال الحلل وان تُحتقَر قبل أن تكون أُمّاً اعتبارَ أنها لا تملك حقوق الزوجة. وإذ تصير أُمّاً يصير أولادها غرَض انقسام بينها وبين زوجها. أوَلَدت بنتاً؟ فبمَا أنها لم تلد غلاماً، يعبس الرجل في وجهها كراهيةً واستياءً. أولَدَت غلاماً؟ إنه كذلك لغُلام، ولكنّ والده يراه غير جميل. أكِلا الولدَين ذو جمال باهر، فجمالهما لا يُستنتج منه غير الزيادة في مرائر الهموم. أصارا إلى سنّ الفطام فقد وليَت هذه السنّ هموم تربيتهمَا. فاذا كانا متمتِّعَين بصحةٍ طيّبة خِيفَ عليهما من المرض وإذا مرِضا خِيفَ من موتهما وإن ماتا خاف والدهما أن يُحتقرا منذ ذلك الحين كأنهما لم يلدا ولداً قطّ. وإذا لم يموتا فالإهتمامات التي تُبذل لحياتهما هي ذات عناء ثقيل أيضاً. فلا بدّ من التفكير لتدبير النفقات لِمَا يلزمهما من التهذيب والتعليم وإعداد اللوازم والنفقات لزواجهمَا والملابس اللائقة والخَدَم الذين يُخصَّصون لكل منهما. ثم يجب أن يُهتمَّ بالميراث الذي يناله البكر وبالوسائل المسكِّنة لحسد الأصغر سنّاً. "أما المرأة الغير المتزوجة فلا تهتم إلاّ فيمَا للرب لتكون مقدّسة في الجسد وفي الروح." انني لا أطعن في طبيعة الزواج فهو سنَّةٌ لديمومة السلالة البشرية. ولكني أظهر بالجليّ الواضح هموم هذه الحالة وأفضّل على العناية بالشؤون الجسدية، العناية بالشؤون السماوية مؤثراً على الشيء الحسن ما هو أحسن منه. فالبتول تعلو حتى فوق ذلك الحكم المقضيّ به على المرأة. فقولُه: "إلى بعلِك تنقاد أشواقُك وهو يسود عليكِ." (تكوين 3: 16) لا يتناول العذارى لأنهنَّ لم يقبلن الخضوع لزوج. وقول الكتاب أيضاً: "بالألم تلدين البنين." لا يُطبَّق على التي تحافظ على البتولية. فمن الأكيد أنَّ التي لا تلد هي بمعزل عن القضاء المعاقِب بألم الولادة.
إنَّكِ أيتها البتول سبقتِ فحصل لك ذوقٌ مقدَّم للخيرات المستقبَلة. سبقتِ فشاركتِ في قداسة القيامة الأخيرة كما قال الرب. "إنهم في القيامة لا يزوّجون ولا يتزوّجون" (متى 22: 30) فالسقوط من مقام البتولية هو فظيع، بمقدار ما انّ ذلك المقام هو عالٍ مُنيف وعلى هذا القياس يُقال إن البتول التي تستسلم إلى الدَّنس هي أشدُّ إجراماً من المرأة العاهر. ففرقُ بين دنس بتول ودنس امرأةٍ بغيّ. وفرقٌ بين سلوك قبيح تسلكه امرأة اعتيادية وسلوكٍ مثله تسير عليه إحدى الملكات. وفرقٌ بين اختلاس إناء مبتذَل الاستعمال العالمي واختلاس إناء من المقدّسات.
إنه مقدّس كالبتول ورداء أرجوانيّ لا يحقّ إلاّ لسيّد الخليقة وحده أن يلبسه. انه عروس تظلّ أبداً مرتبطة الوحدة بالبتولية. فيا لسعادة تلك الوحدة التي ليس لها سرير عرس إلاً البتوليًة. ولأجل هذه الوحدة السرّية غامرت شهيدتنا السعيدة في اقتحام الأخطار الجمَّة التي اعترضَتْها. لقد كانت سبقت فرأت جمال عروسها ولم تملَّ من النظر إلى ذلك البهاء. فحينما كانت أمُّها تلحُّ عليها أن تقبل الزواج كانت هي توجّه إلى عروسها السماوي هذه الكلمات: "إليك رفعتُ عينيَّ يا ساكن السماوات." (مزمور 122: 1). فأحد الطامعين من طلاّبها اجتهد ذات يوم في أن يخلبها بالحديث وبيان ما يذوقان من لطائف الحياة الزوجية في مستقبل الأيام ولكنها إذ هي متعلّقة باطناً بالمسيح كانت تقول: "كَلِفَتْ نفسي باتباعِك و يمينك عضدتني." (مزمور 62) والتفَّ من حولها أقاربها يداهنونها لتكون عند إرادتهم ولكنها كانت تستحضر بولس إزاءها وهو يقول لها: "إني خطبتك لعروس واحد لأُقدِّم للمسيح بكراً عفيفة." (2 كور 11: 2) فكان خدَّامها يتوسَّلون إليها في شأن الزواج وهم يذرفون الدموع لكنها تتمتم بأنشودة الحب إكراماً لعروسها الإلهي: "مَن يفصلنا عن محبة المسيح؟" (رومة 8: 35) وحاول الحكّام أن يكسروا شجاعتها بالعقوبات ولكنها ازدرت في باطنها بهم وبعقوباتهم وكانت تهتف قائلة: "إن خوف الرؤساء ليس على العمل الصالح بل على الشرير." (رومة 13: 3).
واعتُزِمَ على أن تُنصَبَ في الساحات العمومية تماثيل لبتوليَّة هذه الشهيدة. فتصوَّروا كم تعرَّضت حينئذٍ للتجربة المكروهة التي اضطرّت إلى التسليم لها. ولمّا تخلَّصت من القضاء أخذت تفتّش عن الطريق التي سار عليها القديس بولس لتقتفي أثره. وإذ وافق مبتغاها مبتغى عامَّة الشعب أقدمت بجرأة على الذهاب في الطريق التي توصلها إلى حيث كان الرسول. وترصَّد الشيطان الابنة الفتاة. فإذ هي في الطريق هيَّج عليها الشابّ الطالب لها ليتجاسر على مسّ شرفها في ذلك المعتزل، كلصٍّ حقيقيٍّ تاطع طريق. وكانت تلك العذراء الكريمة قد أوشكت أن تصل إلى نهاية طريقها حين أقبل ذلك الطامع فيها، وقد تلهَّبت فيه الشهوة البهيميَّة حتى دفعته إلى اتِّباعها. وهناك في تلك العزلة هتف: لقد انتصرت. تعاظمت المصاعب على الفتاة من كل ناحية. فالعدو شديد الشكيمة والضحية التي أمامه ذات وهنٍ وضعف. فأين لها في ذلك المعتزل القفر ملجأٌ تأمن فيه غدره؟ غير أنَّ البتول في تلك الساعة إلتفتت إلى السماء نحو ذاك الذي يعضد في كل مكان مَن يدعوه ويلتجيء إليه وهتفت والدموع تنسكب من مقلتيها: "أيها الرب إلهي بك اعتصمتُ فخلِّصني." (مزمور 7: 2).
                                                           ترجمة                   

                                               الأب نقولا أبو هنا المخلصي
                                                (
المخطوطات المخلصية)

 

 Copyright © 2009-2024 Almohales.org All rights reserved..

Developed & Designed by Sigma-Space.com | Hosting by Sigma-Hosting.com