عن الكنيسة

كاهن الكنيسة

جمعية الكنيسة

مواقع

C??????E

معجزة الخبز والسمكتين والتابغة مكان المعجزة الأب د. لويس حزبون

معجزة الخبز والسمكتين والتابغة مكان المعجزة

الأب د. لويس حزبون

2015/07/25

في انجيل يوحنا معجزة تكثير الارغفة والسمك هي ذروة نشاط يسوع ونهايته في الجليل، وأوان الاختبار الحاسم بين الايمان والرفض. إذ من خلال هذه المعجزة أعلن يسوع العلاقات الجديدة بين البشر في ملكوت الله بالمشاركة والمقاسمة التي تدل على الاخوة التي يحتفل بها المؤمنون في عشاء المحبة وكسر الخبز. ومن هنا تكمن اهمية البحث في وقائع النص الانجيلي وأبعاده.

اولا: وقائع النص الانجيلي (يوحنا 6: 1-15)

1 "وعبَرَ يسوعُ بَعدَ ذلك بَحرَ الجَليل (أَي بُحَيَرَةَ طَبَرِيَّة)": تشير عبارة "بَحرَ الجَليل" الى الاسم الشعبي واما بحيرة طبرية فهو الاسم الروماني الرسمي، الذي يَرجع الى مدينة طبرية المبنيَّة على اسم طيباريوس قيصر حوالي سنة 20 م.

2 "فتَبِعَه جَمعٌ كثير، لِما رَأوا مِنَ الآياتِ الَّتي أَجْراها على المَرْضى": تشير عبارة "الآياتِ" (σημεῖον) في نظر الاناجيل متى ومرقس ولوقا الى "خوارق" التي تدل على ان الأزمنة المسيحانية تُدشِّنت (متى 1: 38)، وبدت المعجزة في نظرهم عملا يدل على قدرة يسوع. اما في انجيل يوحنا فاعتبر الآيات اعمال رمزية تدل على ان الحدث الاسكاتولوجي تمّ في يسوع، وتدعو هذه الآيات جميع الامم للتعرف الى يسوع كأبن الله. اما عبارة "جَمعٌ كثير" فتشير الى ان الجمع الغفير يساعد على توسيع الشهادة التي يؤدّيها يسوع.

3 "فصَعِدَ يسوعُ الجَبَل وجَلَسَ مع تلاميذِه": تُذكّر عبارة "صَعِدَ يسوعُ الجَبَل" بعظة الجبل (متى 5/ 1-8) واما عبارة َ"جَلَسَ" فتشير الى ان يسوع كان يعلم تلاميذه كما يعلم الرابي اليهودي تلاميذه.

4 "وكانَ قدِ اقتَرَبَ الفِصحُ، عيدُ اليَهود": تشير عبارة "اقتَرَبَ الفِصحُ" الى سبب حضور الجمع الكثير ويعطي مفتاحا للفهم الروحي للمعجزة الخبز والسمكتين. اما عبارة "عيد الفِصح" فتشير الى عيد سنوي يحتفل به كل ذكر في اسرائيل في اورشليم. في هذا العيد تلتقي طقوس الرعاة (يذبحون الحمل) والمزارعين (يقدمون الفطير). وأما طقوس العيد فتذكر بالخروج من مصر، فتنعش الايمان بخلاص شعبه في الماضي، وتحرّك الامانة في زمن الحاضر، وتُشعل الرجاء بالخلاص الآتي. واما المسيحيون فيرون في هذا العيد موت وقيامة المسيح الذي هو الحمل الفصحي الجديد ( 1 قورنتس 10: 2) اما رموز الفصح (العبور) فدخلت في الكلام عن العماد (1 قورنتس 10: 2) وعن العشاء الرباني او الافخارستيا. ويوحنا الانجيلي يجعل أفعال يسوع الهامة في إطار الاعياد اليهودية بحيث يعطيها معناها النهائي المسيحي. وعليه في نظر المسيحيين فان عيد الفصح لم يعد عيد عبور البحر وخلاص اسرائيل من عبودية مصر، بل صار ارتفاع الابن يسوع على الصليب كحمل الله الذي يرفع خطيئة العالم.

5 "فرَفَعَ يسوعُ عَينَيه، فرأَى جَمعاً كثيراً مُقبِلاً إِلَيه. فقالَ لِفيلِبُّس: مِن أَينَ نَشتَري خُبزاً لِيأكُلَ هؤلاء": تشير عبارة "رَفَعَ يسوعُ عَينَيه" الى نظر يسوع الى الجموع التي كانت تحيط به لكي يُعطيها خبز الكلمة وخبز القربان. اما سؤال يسوع "مِن أَينَ نَشتَري خُبزاً لِيأكُلَ هؤلاء" فتشير الى امتحان طريقة التلميذ فيلبس في التفكير. وقد سال يسوع "فيلِبُّس" لأنه من كان من المنطقة.

6 "وإِنَّما قالَ هذا لِيَمتَحِنَه، لِأَنَّهُ كانَ يَعلَمُ ما سَيَصنَع": تشير هذه الآية الى ان المسيح يعرف كل شيء وهو مستعد ان يفعل المعجزة.

7 "أجابَه فيلِبُّس: لوِ اشتَرَينا خُبزاً بِمَائَتي دينار، لما كفَى أَن يَحصُلَ الواحِدُ مِنهُم على كِسرَةٍ صَغيرة": تشير لفظة "دينار" الى مبلغ كبير؛ إذ ان الدينار كان اجرة يوم عمل زراعي (متى 20: 2). وقد ورد في المشنة ان وجبة الخبز اليومية لشخص واحد ثاني عُشر دينار. وعليه فان مائتي دينار تدل على عظمة المعجزة من ناحية، كما تدل على عجز التلاميذ ان يطعموا الشعب بعد تفقدهم ما لديهم من خمسة أرغفة وسمكتين. وبعبارة أخرى، فإنَّ جواب فيلبس يُسهم في التنويه بأهمية المعجزة. بعبارة أخرى كان جواب فيلبس عمليا وحسابيا لكنه لا ينظر الى الموقف في نور الايمان ومقدرة الرب على سد حاجات الشعب. فأراد يسوع ان يعلِّمه ان الموارد المادية ليست اهم شيء.

8 "وقالَ له أّحَدُ تَلاميذه، أَندَراوَس أَخو سِمْعانَ بُطرُس: 9 ههُنا صَبِيٌّ معَهُ خَمسَةُ أَرغِفَةٍ مِن شَعير وسَمَكتان، ولكِن ما هذا لِمِثلِ هذا العَدَدِ الكَبير؟: تشير عبارة "خَمسَةُ أَرغِفَةٍ مِن شَعير وسَمَكتان" الى العدد 7 الذي هو رقم الكمال. وخبز الشعير هو طعام الفقراء. واما أرغفة الشعير تذكرنا بما فعله اليشاع حين اطمع بعشرين رغيفا مئة رجل (2 ملوك 4: 42-44)، فأكلوا وفضل عنهم.

10 "فقالَ يسوع: أَقعِدوا النَّاس. وكان هُناكَ عُشبٌ كَثير. فَقَعَدَ الرِّجالُ وكانَ عَدَدُهم نَحوَ خَمسِةَ آلاف" : في هذه الآية يوجد لفظتان يوناتيتان: الاولى ἄνθρωπος وتعني "الناس" والثانية ἀνήρ وتعني الرجال، وتمثل رؤوس العائلات. وهذا يقترح الترتيب الذي به أجلس الناس على الارض لضمان اعطاء كل واحد نصيبه "لْيَكُنْ كُلُّ شيَءٍ بِأَدَبٍ ونِظام" (1 قورنتس 14: 40). اما عبارة "عُشبٌ كَثير" فتشير الى ايام الربيع وزمن عيد الفصح. يتصرّف يسوع كالراعي الدي يقود شعبه الى مكان مليء بالعشب كما ورد في مزمور الرب راعي (مزمور 23) . اما عبارة "خَمسِةَ آلاف" فتشير الى عدد كبير جداً، ولاسيما حين نعلم انه كان في كل من كفرناحوم وبيت صيدا نحو 2000 او 3000 نسمة. لهذا، نفهم أننا أمام عدد رمزي نجده ايضا في جماعة المسيحية الاولى في أورشليم ( اعمال الرسل 4: 4) وبعبارة أخرى 5000 هو رقم الكمال في العالم اليهودي (مرقس 6: 40، 44) ويوحي الرقم بتجمّع اسرائيل.

11 فأَخَذَ يسوعُ الأَرغِفَةَ وشَكَر، ثُمَّ وزَّعَ مِنها على الآكِلين، وفَعَلَ مِثلَ ذلك بالسَّمَكَتَين، على قَدْرِ ما أَرادوا": تشير هذه الآية الى صورة عن عشاء الرب (متى 26: 26) وأما عبارة "شَكَر" تذكر بنعم الله على الشعب وعظمة عطاياه. وما يدعو هنا الى فعل الشكر هو عمل الله التي يظهر خصوصا في معجزة الخبز والسمكتين. فإن اللفظة العبرية للشكر هي إما (תודה) التي تعبّر عن الاعتراف بالجميل وإما "ברך باراك" التي تعبّر عن التبادل الجوهري بين لله والانسان. فهي صدى بركة الله الذي يهب خليقته الحياة والخلاص (تثنية الاشتراع 30: 19)، البركة التي يشكر الانسان بوساطتها خالقه (دانيال 3: 9). اما في اسفار العهد الجديد فان فعل "الشكر" لا ينفصل عن الاعتراف ἐξομολογέω (متى 11: 25) وعن الحمد والتسبيح (αἰνέω) (لوقا 2: 13) وعن التمجيد (δοξάζω) (متى 5: 16) وخاصة عن البركة (εὐλογέω) (لوقا 1:64). وهناك عبارة جديد لا يعرفها العهد القديم وردت 60 مرة وهي كلمة الافخارستيا (ευχαριστία) التي تعبّر عن الشكر المسيحي كجواب للنعمة التي وهبها الله في يسوع المسيح.

12 فلَمَّا شَبِعوا قالَ لِتلاميذِه: اِجمَعوا ما فَضَلَ مِنَ الكِسَرِ لِئَلاَّ يَضيعَ شَيءٌ مِنها": تشير عبارة" اِجمَعوا ما فَضَلَ مِنَ الكِسَرِ لِئَلاَّ يَضيعَ شَيءٌ مِنها" الى الوفرة (2ملوك 4: 43) كما تشير ايضا الى ان المائدة لا تزال مفتوحة للجميع وتشير هذه الفضلات الى طعام المّنِّ الذي اعطاه الله في البرية (خروج 17) واخيرا الى طعام القربان الاقدس، ومراده ذلك إبراز وفرة المواهب السماوية القادرة على اشباع المؤمنين (يوحنا 6: 35). اما عبارة "الكِسَرِ" فلا تشير الى الفتات التي سقطت على الارض، بل الى خبز الذي كسره يسوع.

13 فجَمَعوها ومَلأُوا اثنَتَي عَشْرَةَ قُفَّةً مِنَ الكِسَرِ الَّتي فَضَلَت عنِ الآكِلينَ مِن خَمسَةِ أَرغِفَةِ الشَّعير": تشير عبارة "اثنَتَي عَشْرَةَ قُفَّةً مِنَ الكِسَرِ" الى عدد الرسل الاثني عشر الذين يرمزون الى اسباط إسرائيل الاثني عشر وبالتالي الى مجمل الكنائس. وهذه الكسر من الخبز تعطى طعاما للكنيسة حتى مجيء المسيح (مرقس 6: 43). اما عبارة "قُفَّةً" باللغة اليونانية (κόφινος) فتشير الى سلة صغيرة من الخيزران الصلب تُحمل على الذراع للتسوق، او كان اليهود يحملون فيها مؤنهم حتى يتجنَّوا شراء الطعام من الامم الوثنية (مرقس 8: 8).

14 فلَمَّا رأَى النَّاسُ الآيةَ الَّتي أَتى بِها يسوع، قالوا: حَقاً، هذا هوَ النَّبِيُّ الآتي إِلى العالَم": تشير هذه العبارة "النَّبِيُّ الآتي إِلى العالَم" الى ان يسوع هو نبي الازمنة الاخيرة (يوحنا 1: 21)، ذلك النبي المنتظر الذي تكلم عنه موسى (ثنية الاشتراع 18: 15) وهو المرسل من الله الى العالم ليتزعم حركة تحرير قومي ويقيم سلطان اسرائيل. ولذلك همّوا بإعلانه ملكاً (يوحنا 6:15).

15 وعَلِمَ يسوعُ أَنَّهم يَهُمُّونَ بِاختِطافِه لِيُقيموهُ مَلِكاً، فانصَرَفَ وعادَ وَحدَه إلى الجَبَل": رفض يسوع مملكة من هذا العالم "مملكة ليست من هذا العالم" (يوحنا 18: 36)، رفض تولي مُلك أرضي كما يفهمه الجمع. فتمت القطيعة بينه وبين أصحاب النظريات الشعبية حول مسيحانية سياسية.

ثانياً: تطبيقات النص الإنجيلي

بعد دراسة (يوحنا 6: 1-15) وقائع النص يمكننا ان نتناول ثلاث نقاط الفرق بين المعجزة الآية ومعجزة تكثير الخبز والسمك ومكان المعجزة.

1) الفرق بين المعجزة والآية

إن تكثير الخبز في نظر يوحنا الانجيلي ليس فقط معجزة اي تحدي للقوانين الطبيعية بل هي آية الهية فعّالة اي لها شارة رمزية. فالقديس أوغسطينوس يكتشف بعيني الإيمان في معجزة تكثير الخبز والسمك علامة الحبّ والقدرة الإلهيين. ومن هنا لا بد من التمييز بين المعجزة والآية. والألفاظ التي تشير إلى المعجزات في الكتاب المقدس بالعبرية إما (אֹתֹת) اي آيات (خروج 10: 1) او (מפְתִים) أي خوارق رمزية " (تثنية الاشتراع 7: 19). فالمعجزة تمتاز عن الآية بطابعها الخارق للعادة. فهي تنطوي على وقائع من الطبيعة تتجاوز غالبا ما اعتاد الانسان ان يراه في الكون ولا يستطيع ان يصنعه. لذلك المعجزة هي أية تمتاز بوجه خاص بالكشف عن قدرة الله وتدعى مأثرة (خروج 15: 11) او شيئا عظيما (مزمور 106: 7) او شيئا مخيفا ( خروج 34: 10) او أعجوبة (بالعبرية פֶלֶא) (خروج 15: 11) او נִפְה (مزمور 106: 7). بكلمة أخرى المعجزة تشير الى إنجازات مستحيلة على الانسان ، واله وحده قادر علي اتمامها (مزمور 86: 10) ومن خلالها يُظهر مجده (خروج 15: 1) وشعاع قداسته وسموه (خروج 15: 11). فان المعجزات في النهاية هي آيات فعّالة ومواهب مجانية تدل على محبة الله (مزمور 1(6: 7) وهي تدعو الى الايمان.

2) معجزة تكثير الخبز والسمك

ان تكثير الخبز والخمر في نظر يوحنا الانجيلي هي معجزة وآية. فهي معجزة إذ يبارك يسوع خمسة الارغفة والسمكتين وبصورة معجزة يتكاثر الخبز والسمك ليكفي الجمهور، ويزيد اثنتا عشرة قفة من الكسر فيدرك الجمهور دلالة المعجزة المسيحانية ويعترفوا انه هو حَقاً، هذا هوَ النَّبِيُّ الآتي إِلى العالَم" أي النبي الذي ورد ذكره في تثنية الاشتراع (18: 15).

وتكثير الخبز والسمك فيه آية بسبب الرمز الذي تخفيه المعجزة. وعلى هذا النحو فان تكثير الخبز تُظهر يسوع كآية، لان وجوده يرمز الى حضور الله الذي يعمل من خلاله (اشعيا 8: 18) . كما انها تثبت انه مرسل من الله (خروج 4: 1-5)، كما انها تبين عطية الله، لكن الناس لم يروا فيها إلا مقدرة فائقة الطبيعة للملك المسيحاني. لكن يسوع علم التباس هذه المسيحانية الشعبية ورفض ان يشارك فيها. فشعر انهم يهتمون باختطافه، لقيموه ملكا كما يريدون هم، فابتعد عنهم، وعاد وحده الى الجبل. بعبارة أخرى رفض هذا التنصيب، لأنه منافي لمعنى رسالته الخلاصية.

وان تكثير الخبز هو آية خاصة هذا المعجزة هو اعلان صارخ للمسيحانية. يظهر يسوع انه هو المسيح الذي يقبل على مائدته شعب الله، ويشبعه. فتبعه جمع كبير ، لما رأوا من الآيات التي أتى بها فشفى المرضى. وهو الذي اخذ المبادرة لإطعام الجماهير،. وهو الذي اخذ الارغفة ثم وزّع على الحاضرين. وفعل بالمثل بالسمكتين بمقدار ما ارادوا. وهو الذي أمر تلاميذه أخيرا بان يجمعوا ما فضل من الكسر.

ان كل شيء يظهر عظمة الآية: ضخامة الجمهور الذي يقدّر بخمسة آلاف رجل، وتقدير المواد اللازمة لإطعامهم" لوِ اشتَرَينا خُبزاً بِمَائَتي دينار، لما كفَى أَن يَحصُلَ الواحِدُ مِنهُم على كِسرَةٍ صَغيرة" (يوحنا 6: 7). وبالفعل رفع التلاميذ، بناء على امر يسوع، ما فضل من الكسر، فملآؤوا اثني عشرة قفة، أي ما يكفي لإطعام شعب الاثني عشر سبط.

وتكثير الخبز يظهر كعطاء المسيح الملوكي لشعبه. فيما يتيه الشعب في مسيح سياسي قومي نرى يسوع يهدف الى حقيقة روحية؛ انه يفكر بالخبز الخالد وبالمائدة القربانية حيث سيشبع شعبه الى الابد. إن دلّ سر الافخارستيا، واعجوبة تكثير الخبز على شيء، انما يدلان على الحب الشديد الذي يكنه الله للبشرية كما يقول القديس يوحنا " الله محبة" (1 يوحنا). ان يسوع لا يهمل "الجوع الجسدي: غير انه يفكر بنوع خاص في "الجوع الى الله" الذي هو أهم بكثير من كل جوع آخر. ان المعجزة هي إيضاح للتغذي بالقربان الاقدس وبكلمته في قلوبنا بالإيمان. فيسوع ليس هو فقط معطي الحياة، بل هو الذي يسند الحياة ويعولها وهو ضروري للحياة المسيحية كالخبز اليومي للجسد، وهو الغذاء الكامل للنفس المؤمنة التي تتغذى بالقربان الاقدس وبكلمته الذي يمكن ان يتغذى بها كل يوم وكل ساعة بواسطة الايمان.

3) مكان تكثير الخبز والسمك

التسمية:

يسمى مكان تكثير الخبز والسمك منطقة الطابغة. ويشتق اسم الطابغة -التسمية العربية– من اليونانية Heptapegon (هبتابغون) ومعناها الينابيع السبعة، إذ تكثر الينابيع هنا التي كانت تدير طواحين في تلك المنطقة. وعليه يشار اليها بالعبرية "عين شفيع" עין שבע اي "عين السبع".

وأما في ايام المسيح فأطلق على هذه المنطقة اسم (مجدان) ربما مشتقه من العبرية (מי גד) ومعناها مياه السعادة (متى 15/39) و (دلمانوتا) (مرقس 8/10). ويبدو بحسب الاناجيل ان هذه المنطقة كانت مقفرة، فيذكرونها بعباره يونانيةἔρημον τόπον (مكان قفر) ويشير القديس ايرونيمس لهذا المكان بأنه " العزلة". إذ يطل الموقع على البحيرة حيث كان يسوع وتلاميذه يعتزلون فيه ليستريحوا قليلا (مرقس6: 30).

ومنذ القرن الثاني عشر عُرف هذا المكان باسم لاتيني (Mensa Christi Tabula،Tabula Domini) (مائدة ومائدة الرب، عشاء المسيح) وذلك لتكثير الخبز الاول وفطور يسوع مع تلاميذه بعد قيامته من الاموات (يوحنا 21/9 -13).

الموقع:

تقع الطابغة من الجهة الشمالية من بحيرة طبريا على مسافة 4 كم جنوب شرق كفرناحوم. وفي أيام سيدنا يسوع المسيح امتدت منطقة كفرناحوم الواقعة غربي بحيرة طبريا من الطابغة وحتى مصب نهر الاردن. وان المسيحين الاوليين من كفرناحوم تناقلوا في القرون الأربعة الاولى ذكريات حياة المسيح في تلك المنطقة بربطها في ثلاثة صخور أولها اهميه خاصه : الصخرة الاولى على Via Maris (طريق البحر) لتذكار معجزة الخبز والسمك الأولى (متى 14/13 -21) و(مرقس 6/30-44)، وعليه بنيت كنيسة تكثير الخبز، والصخرة الثانية هي مغاره صخريه قرب منحدر الجبل تحيي عظة يسوع الكبرى عن التطويبات (متى 5/1-7/28) فبنيت كنيسة التطويبات، أما الصخرة الثالثة فتحيي ترائي يسوع لتلاميذه على شاطئ بحيرة طبريا ورئاسة بطرس (يوحنا21/9-13) فأقيمت كنيسة الطابغة للفرنسيسكان.

كنيسة تكثير الخبز والسمك

يذكر الإنجيل هنا معجزة تكثير الخبز والسمك واشباع الجموع ( يوحنا 6: 1-15) . وقد حدثت في 29 نيسان إذ أَمَر يسوع تلاميذه " أَقعِدوا النَّاس. وكان هُناكَ عُشبٌ كَثير" (يوحنا 6/ 10) وقد رفع أثنتا عشرة قفة ممتلئة من الكسر وكان الآكلون من الارغفة خمسة الاف رجل. (ويوحنا 6/ 1-14). بقي الموقع مدفونا أكثر من 1300 سنة تحت الردم حتى قام باكتشافها في القرن التاسع عشر بيفر Z. Biever عام 1891 وكرجهP. Karge في عام 1911.

ثم تابع الآباء البندكتان عام 1932 الحفريات بإشراف علماء الآثار مادر A. E. Mader وشنايدر A. M. Schneider بكشف الاساسات القديمة والفسيفساء البيزنطية لكنيستين بيزنطيتين لإحياء معجزة تكثير الخبز والسمك. الكنيسة الاولى 350 بناها 350 الكونت يوسف من طبريا بمساحة (15.5x 9.5م.) وهو قد اعتنق المسيحية وكان له علاقة وثيقة مع الامبراطور قسطنطين.وقد شيَّد كنائس طبريا وقانا الجليل(كفركنا) وكفرناحوم وصفورية والناصرة. يمكن ان نرى بقايا اساسات الكنيسة الاولى تحت الزجاج الواقي على يمين المذبح الحالي في الزاوية الشمالية. والجدير بالذكر ان اتجاهات هذه الكنيسة تختلف قليلا عن اتجاهات الكنيسة اللاحقة.

وفي عام 383 زارت السائحة إيجاريه المكان ووصفته بهذه العبارة "في مكان ليس بعيدا عن كفرناحوم مقابل بحر الجليل أرض مروية جيدا تنمو فيها الحشائش وكثيرٌ من الأشجار والنخيل. ويقع هذا المكان الينابيع السبعة الوفيرة المياه. في هذا البستان المثمر أطعم يسوع خمسة الاف شخص مع خمسة أرغفة خبز وسمكتين". وشاهدت امام حنية الكنيسة الحجر الذي وضع عليه الرب يسوع الارغفة والسمكتين قبل مباركتها. كانت السائحة ايجيريا هي اول من ذكرت كنيسة في موضع تكثير الخبز. وفي عام 419 هدم زلزال كل المنطقة بما فيها من الكنائس والبيوت.

وفي عام 450 بُنيت كنيسة اخرى على انقاض الكنيسة الاولى وكانت واجهتها نحو الشرق، وقد رُصت أرضيتها بالفسيفساء المرسوم عليه العصافير والزهور والحيوانات والسمك. وقد وضع الحجر المقدس الذي حدثت عليه معجزة الخبز والسمك تحت المذبح بدل من الذخيرة، وقد زين بفسيفساء لسلة الخبز وعليها السمكتين. وقد تأثرت الرسومات بالطابع المصري بفضل مارتيريوس بطريرك القدس (479-486) الذي مكت فترة في مصر. وقد ذكر اسمه على يسار المذبح باللغة اليونانية~. ومن بين الحجاج الذين زاروا هذه الكنيسة القديس سابا (439-532)، مؤسس المعروف باسمه (دير مار سابا) في صحراء بيت لحم.

في العصر البيزنطي ذكر الرحال هذا الموضع نخص منهم ثيودوسيوس الذي زار فلسطين عام 530 وانطونينوس بلاشنتينوس في عام 570. وفي سنة 551 حدث زلزال آخر هدم الكنيسة، ويؤكد ذلك ما جاء في كتابات الحاج دي بياشنسا الذي زار المنطقة عام 570 ولم يشاهد في المنطقة الا أخربة.

وربما رممت الكنيسة في عام 575 ولكن الفرس اجتاحوا البلاد عام 614 واشعلوا النار في الاماكن المقدسة وذبحوا الكثير من الرهبان. بقيت جدران الكنيسة قائمة سوداء وفسيفساؤها مغطاة حتى النصف الاول من القرن العشرين.

بعد الفرس احتل العرب عام 637 البلاد وانتهت الحقبة اليونانية وبدأت الحقبة العربية الإسلامية. فحين زار المطران اركولف Arculfe في سنة 670 منطقة البحيرة وقف على الأطلال المسيحية يتحسر عندما رأى بعض أعمدة الكنيسة فقط ملقاة بقرب ينابيع المياه .

وفي زمن شارلمان 808 جاء رهبان من الغرب وضربوا خيامهم قرب الكاتدرائية المدمرة ثم بنوا معبدًا يقيمون فيه فروضهم الدينية. ولم يتمكنوا من بناء كنائس فيها الا زمن الانتداب البريطاني. ففي عام 1932 اقام الآباء البندكتان كنيسة فوق الأرضية الفسيفسائية. وفي عام 1965 أنشأوا ديرًا مجاورًا ثم الكنيسة الحالية وساحتها عام 1982.

دعاء

يا يسوع الطيّب، نحن اليوم أيضًا جياع. فاكسرْ كلّ يوم هذا الخبز للجائعين، لأنّنا اليوم وكلّ يوم نلتقط بعض الفتات، وكلّ يوم نحن بحاجة من جديد إلى خبزنا اليوميّ. "ارزُقنا خبزنا كفاف يومنا" (لو11: 3). فإن لم تعطِه أنت، مَن عساه يعطيه؟ في فقرنا وحاجتنا...، ليس لدينا مَن يكسر الخبز، ولا مَن يُطعِمنا، ولا مَن يُصلحنا، لا أحد سواك، يا ربّنا. ففي كلّ تعزية ترسلها إلينا، نلتقط فُتات هذا الخبز الّذي تكسره من أجلنا ونتذوّق "رحمتك الصالحة" (مزمور 109: 21).

نحن نكرر باستمرار امام مشاكل البشر الكبرى (الجوع، السلام، العدل): انى يكون هذا؟ أنى نطعم هذه العدد الغفير إنه يتخطى طاقاتنا الشرية. نحن قد نحد مما يعمله الله في حياتنا حينما نفكر فيما هو مستحيل. فإنك يا الله قادر ان تعمل المعجزات، فأعطنا الثقة بك أذ يكفي ان نقدم مثل الصبي القليل مما لدينا فأنت قادر ان تأخذ القليل الذي لدينا وتكثره جداً.

 

 Copyright © 2009-2024 Almohales.org All rights reserved..

Developed & Designed by Sigma-Space.com | Hosting by Sigma-Hosting.com