عن الكنيسة

كاهن الكنيسة

جمعية الكنيسة

مواقع

C??????E التقويم الطقسي

لألم في حياتنا ٍSUFFERING IN OUR LIFE بقلّم/ الأب الدكتور انطوان يعقوب

الألم في حياتنا
ٍSUFFERING IN OUR LIFE
بقلّم/ الأب الدكتور انطوان يعقوب
المَجدُ للأبِ والإبن والروح القُدس الإله الواحد . آمين
حياة الإنسان سلسلة طويلة من التجارب على الأرض تبدأ معه في المهدِ وتنتهي في اللّحد. ولا يخلو إنسان من تجربةٍ عكّرتْ صفو حياته، وأقعدّته عاجزًا عن الحركةِ أو التفكير. وكُلّنا نَنفُر من الألم ، ونَتَخوّف مسهُ لنا ، في نفوسنا وأجسّادنا. وإذا ما ألمَّ بنّا فنعمل بشتى الوسائل لنتخلّص من نواذعهِ ، ونستريح من عناته ، وقسوّته. وهذه كلّها تكون بِمثابة إمتحانات للإنسان يتم بعضها بسماحٍ من الله كإنذار منه سُبحانه. وهكذا يخرج الإنسان من تجربة ليدخل في تجربة أُخرى.
فالألم المادي والأدبي لا مناص منه لكل إنسان.فالجسم مُعرض لكثير من الأمراض والعاهات .والنفس تكون هدف لسهام الهموم . لذلك نسمع "ايوب البار" يقول :"الإنسان مولود المرأة قليل الأيام كثير الشقاء".
إن كلمة تجربة نفسها مُشتقة من الفعلِ "جربَ أو إمتحنَ وأُختبِرَ "فما يُصيب الإنسان من خيرٍ فهو من الله، وما يُصيبه من شرٍ فهو بِسماح منه، وذلك حتى لا تلتصق النفوس بالعالم وتتعلّق به وتجعله غايتها ، وحتى يعرف الإنسان أن له ملجأ عظيماً يلتجىء اليه في ضيقاتهِ وتجاربه. وبذلك نعرف أننا غُرباء في هذا العالم ، وأننا ننتظر وطناً آخر باقياً وأبدياً.
فجميع الالآم التي نُصادفها في حياتنا ما هي إلاَّ رسائل محبة من الله لتنبيه الغافلين للتقويم والتأديب ، فهي إذن تستحق منّا كلّ إنتباه من الرسالة المُوّجهة إلينا منه سبحانه .
*
تجارب الإنسان نعمة من الله
كما يستعمل الطبيب الدواء لعلاج مرضاه ، هكذا يستعمل الله التجارب كعلاجٍ لحالة مُعينة. إ ذن التجارب ليست نقمة من الله، كما يعتقد البعض ، بل نعمة منه لإصلاح نفوسنا وإزالة كبرياءنا، ورفع أرواحنا من الأرضِ إلى السماء ،لذلك يقول مُعلّمنا بولس الرسول: "طوبى لرجل يُؤدبه الرّب .فلا ترفض تأديب القدير. لأن الذي يُحبه الرّب يُؤدبه ..إن كُنتُم تحتملون التأديب يُعاملكُم الله كالبنين.فأي إبن لا يُؤدبه أبوه"(عبر12: 6).
فيا أُيها المُجرب والمحزون والمُتَوّجع لا تبكِ لأن عين الله تُراقبك، وعنده وحده العزاء .إنه يعرف قُدرة تحملكُم ولن يُحملكُم أكثر من طاقتكُم .هكذا يقول مُعلّمنا بولس" ولكن الله أمين الذي لا يدعكم تُجربون فوق ما تستيطعون ،بل سيجعل مع التجربة أيضاً المَنفَذ لتستطيعوا أن تحتملوا"(1كور 10: 13)
إن التجارب تسحق القلب ، وتُظهر عجز الإنسان وضعفه، وفي نفسِ الوقت تُريه عظمة الخالق ليلجىء اليه ويعرف أن الله سنّده الوحيد وطبيبه المُنقذ. وحين يُسلم الإنسان نفسه لله ، ويخضع لإرادته تتّحول أتعابه إلى راحة، وتُصبح أحزانه فرحاً، إذ يجد الحزين تعزيته ، والمُتضايق ملجأه والمريض دوائه والمُضطّرب سلامه وآمنه واطمئنانه.
إن مُخلّصنا نفسه خضع للألم وهو رأس الجسّد، لذلك لابُد أن كلّ عضو في هذا الجسّد أن يتجرّعَ هذه الكأس .هكذا قال "أشعيا النبي"إنه رجل أوجاع ومُختبر الحزن مع أنه لم يُوجد في فمهِ غشٍ فَأخذَ أسقامنا وحملَ أمراضنا".
قد يقول قائل "إننا نجد كثيرين من أفضلِ وأقدّس الناس وأكثرهم تقوى واقعين في تجاربٍ يندر أن يُصاب بها غيرهم ، لا يخرجون من مُصيبةٍ أو تجربة حتى تلقاهم أُخرى الأمر الذي جعلَ صاحب المزامير يصرخ قائلاً" كثيرة هي بلايا الصديق ومن جميعها يُنجيه الرّب"(مز34: 19) . إنها تجارب تمتحن قُوّة إيمان واحتمال عبيده ، ليكونوا قُدوة لغيرهم ، كما حدثَ "لأيوب البار" مع انه كان بارا ، إلاَّ انه تعرض لتجارب كثيرة ، أقعدته مريضا وفقيرا ، ومع ذلك بقي على إيمانه حتى جعله ، الله سبحانه ، أمثولة وقُدوّة يحتذيها الناس . فانظروا يا إخوتي إلى تجاربِ الأباء الأُوّل تجدونها مثالا حياً للإحتمال .
*
فيوسف أبغضه إخوته ، فتأمروا عليه ليتخلّصوا منه والقوه في البئر.فتعرضَ لتجربةِ الخوف والتشرّد والوّجع النفسي والجسّدي ،حتى بيعَ كعبد، ثُمّ لإستقامته تعرّضَ لظُلم السجن. فكلّها تجارب سمحَ بها الله ليمتحن بها قُدرة إحتمال هذا البار. وعندما شكرَ الله ، افتقدته العناية الإلهية التي لا تنام وأوصلتّه إلى أكبرِ المناصب في الدولة ، بل نراه يمد يده لإخوته الذين تأمروا عليه.
*
موسى: الذي إضطّرت الظروف أمه أن تُلقي به على شاطىء النهر لتُنقذه من هلاكِ فرعون جُرِبَ بتجربة الحرمان من حنانِ أمه ، ولصّلاة وإيمان أمه وفرَ له الخالق الملكة لتُشرف على تربيتهِ في القصر ، وأصبحَ له مكانة كبيرة في القصر حتى أعده الله قائداً يقود شعبه من مصر مُدة 40 سنة في صحراء سيناء، بل أن الله اختاره ليكون وسيطا لشعبه الثائر وأعطاه وصاياه.
*
يونان النبي: الذي طُرِحَ في البحرِ فعانى أنواع الآلام حتى ابتلّعه الحوت ، ومع ذلك افتقدته العناية الإلهية فعاش حياً في بطنِ الحوت ، ولم يتعرّض لخطر الغرق حتى صرخَ من بطنِ الحوت قائلاً:" صرختُ من جوف الهاوية فسمعت صوتي (2: 1ـ 2).
*
دانيال: الذي وقعَ في بئرِ الأُسود وتعرّض لخوف الموت ، أصبحت الأسود صديقة له فلم تمسه بِأذى ونجى منها.
*
الفتية الثلاثة:الذين القوا في آتونِ النار خرجوا من النار بدون أن يمسهم آذى
لننظر الى رسل. المسبح وما تعرضوا. اه من عذابات. واضطهادات. حتى استشهدوا جميعا ما عدا الرسول يوحنا الحبيب . عصر الاستشهاد ايام الانبراطور ديقليديانوس واعوانه أحرقوا احياء ألقوا للوحوش ألقوا في البحار . فلا يخلو عصر من العصور الا تعرض اه احباب الله للتجارب القاسية. وحتى في عصر ما هذا. الذي يذبح فيه الانسان لمسيحيته عن صعوبتها الا انها تعطينا دروسا. في الحياة والعودة الى الله الخالق ونبذ. الظلم والكبرياء والعنفوان .
هذه هي عناية الله يا أحبائي لِمُحبيه الذين يتوّكلون عليه في وقتِ الضيق والتعب والألم فأنه قادر أن يُخرجهم من تجربتهم ظافرين.
ومما سبقَ يتضح لنا ، أن التجارب والآلام ليست هي القداسة ، ولكنها الواسطة اليها.فقد تكون للخير أو للشر.فإن نظرنا اليها نظرة سماوية راضية وقبلناها بِشُكر وصبر ومحبة وأستفدنا منها كانت سبب فرح وخلاص.
واسمعوا صاحب المزامير يقول:"الق على الرّب همّك فهو يَعولك ولايدع الصديق يتزّعزع إلى الآبد"(مز55: 22).
ويقول أيضاً "ابتهج وافرح برحمتك لأنك نظرت إلى مذلتي وعرفت في الشدائدِ نفسي"(مز31: 7)
فالتجارب وإن كانت مُرَّة وقاسيَّة ومُؤلمة ،إلاَّ أن من يقبلها بصبرٍ ومحبة وطاعة يستفيد منها في النهايةِ لأنها تجارب تُنذرنا وتدعونا إلى العودةِ إلى الله الخالق.فمنها نتعلّم:
ـ تمجيد اسم الله
كثيراً ما تكون تجاربنا لا من أجلِ خطيئة ارتكبناها ، لكن لتمجيد اسم الله كما حدث في مُعجزة "المولود اعمى" (يو9: 1 ـ3) لا هذا أخطأ ولا أبواه بل لتمجيد اسم الله .و"إقامة لعازر" (يو11: 1ـ 4)." هذا المرض ليس للموت".

ـ لتُظهر حقيقة بطلان العالم
كثيراً ما تُشغلنا الحياة بمطالبها فنبتعد عن الله ، وننسى الكنيسة، وحُباً بنا يُعطينا الله تجربة صغيرة مرض أو عوز أو فشل حتى يستردنا اليه ،لأنه من المعروف أن الإنسان يلجأ إلى الله في شدائده.فَنُسرع اليه ونطلب منه مُساعدته.
ـ تُظهر أمامنا خطايانا
الإنسان التائب الذي يعرف خطيئته ويندم عليها ، ويعترف بخطئه، ينتشله الله من تجربته ، ويمد اليه يد النجاه ليُنجيه ، هكذا حدثَ مع "الإبن الشاطر" الذي عرف واعترف بخطيئته وندم عليها فقبله والده بالأحضان وأمر أن يُذبح له العجل المُثمن (لو15: 17).
ـ تُعلمنا إرادة الله
من المعروف أن الإنسان في ضيقهِ ومرضه وشدّته يلجأ إلى الله الخالق يستنجد به لِيُخلصه من تجربته.لذلك فإن طبيعة التجارب التي يسمح الله بها تُعرفنا مدى ضعفنا وعجزنا أمام الخالق ، وحاجتنا الدائمة إلى مُساعدته.
لذلك ما أجمل قول مُعلّمنا "بولس" القائل:" نفتخر في الضيقات عالمين أن الضيق يُنشىء صبراً والصبر تزكية والتزكية رجاء "(رو5: 4)
ومُعلّمنا يعقوب ينصحنا قائلاً:"احسبوه كل فرح يا اخوتي حين تقعون في تجارب مُتنوعة عالمين أن امتحان إيمانكم يُنشىء صبراوأما الصبر فليكن له عمل تام لكي تكونوا تامين وكاملين غير ناقصين في شيء "(يع 1: 2 ـ4) وتذكر أيُها الإبن الحبيب ، أن السيّد المسيح نفسه حذرنا بذلك حين قالَ:" قد كلمتكم بهذا ليكون لكم في سلام .في العالم سيكون لكم ضيق ولكن ثقوا أنا قد غلبتُ العالم"(يو16: 33).
إن في التجربة تعزية يقول مُعلّمنا بولس: كما تكثر آلام المسيح فينا كذلك بالمسيح تكثر تعزيتنا أيضاً"(2كور1: 5)
ويقول أيضا:" مُبارك ابو ربي يسوع المسيح ابو الرأفة وإله كل تعزية الذي يُعزينا في كل ضيقتنا حتى نستطيع ان نُعزي الذين هم في كل ضيق بالتعزية التي نتعزى بها من الله"(2كور1: 3 ـ4)
لذلك يقول ربنا يسوع المسيح:" إن أراد احد أن يأتي ورائي فلينكر نفسه ويحمل صليبه كل يوم ويتبعني"(لو9: 23) والصليب في المسيحية هو كأس الضيق والآلام والعذاب الذي نشربه كل يوم حتى نخرج من هذهِ الغُربة ونعود إلى واهبِ الحياة.
فإن جُربت يا أخي فقل دائما "لتكن يارب مشيئتك" لا تعترض ولا تسأل بل سلم نفسك وذاتك اليه لأنه كما يقول مُعلّمنا بولس" رجل المشقات يجب أن يكون صبورا على المشقات"(2تيمو2: 22)
ويقول ايضا:" فقد وُهِبَ لكم لأجل المسيح لا أن تؤمنوا به فقط ، بل ايضا أن تتألموا لأجله"(رو14: 8) لذلك يقول مُعلّمنا يعقوب: طوبى للرجل الذي يحتمل التجربة لأنه اذا تزكى ينال اكليل الحياة"(يع1: 12)
وما أجمل قول الشاعر الأديب الشيخ "ناصيف اليازجي" القائل:
أُطلب لنفسك غـــير الأرض مَنـــزلةً .. إن كُنتَ تبغــى نعيـــــماً ما به ألـم
مَن عاشَ في الأرضِ لا تُرجى سلامته .. مــن نكبــــةٍ وبلايا الدهـــر تزدحم
وكيف يَأمنُ من لطـــــمِ المياهِ لـــهُ .. مَـن خاضَ في البحر والأمواجُ تلتطمُ
وصفوة القول علينا أن نتحمل كل التجارب بصبر ومحبة وطاعة وإيمان ،لأنها هي إرادته وله في ذلك حكمة .وهي كما يقول سفر الأعمال " لأنه بضيقات كثيرة ينبغي أن ندخل ملكوت الله"(اع14: 22). ويقول مُعلّمنا بولس الرسول:" لأننا إن عشنا فللرب نعيش ، وإن مُتنا فللرب نموت .فإن عشنا أو مُتنا فللرب نحنُ"(رو14: 8) "فطوبى للرجل الذي يحتمل التجربة لأنه إذا تزكى ينال اكليل الحياة"(يع1: 12).
فاعلم يا أخي "إن كُنا نتألم معه فلكي نتمجد أيضا معه.فاني احسب أن آلام الزمان الحاضر لا تُقاس بالمجدِ العتيد أن يُستعلن بنا"(رو8: 17 ـ 18) .فلنصبر على كل ضيقاتنا في زمان ِغُربتنا بدون تنّهد أو شكوى ، راضيين ، مؤمنين بمحبته ، مُسلمين لإرادته التي لا تخطأ .حتى نسمعه يقول لنا في نهاية غُربتنا "تعالوا إلى ياجميع المُتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أُريحكم "(متى 11:28).
أخيراً أقول لك يا حبيب المسيح ، أن التجربة مُرّ ولكنها بدون شك ستمُر . فاصبر حتى تمُر العاصفة.
ونحن نرى اليوم ما يحدث لمُحبي المسيح في ربوعِ شرقنا المُتألم . إنها عاصفة بدايتها مُر ولكنها ستمُر. فاعتصموا وتشدّدوا بإيمانكُم ولا تضعفوا أمام أي تجربة ، بل استقبلوها بفرح وسرور حتى تهون عليكُم فيرى الله مدى صبركُم كما فعل ما أيوب البار وفي النهاية لن يُحملكُم فوق طاقتكُم. فالتجربة وان كانت مُرّة إلاّ أنها الطريق إلى الحياة الآبدية بكل أفراحها مع ربنا يسوع المسيح. وهذا ما اتمناه لي ولكم بنعمة الآب والإبن والروح القُدس آمين. من له أُذنان للسماع فليسمع ولإلهنا السُبح والمجد إلى الآبد آمين.

 

 

 Copyright © 2009-2024 Almohales.org All rights reserved..

Developed & Designed by Sigma-Space.com | Hosting by Sigma-Hosting.com