عن الكنيسة

كاهن الكنيسة

جمعية الكنيسة

مواقع

C??????E صلوات وتاملات

الذكرى المئوية للإبادة الأرمنية أشخين ديمرجيان

الذكرى المئوية للإبادة الأرمنية

أشخين ديمرجيان

2015/05/04

في الرابع والعشرين من شهر نيسان، احتفل الشعب الأرمني في جميع بقاع الأرض عامة، وفي أرمينيا خاصةً، بالذكرى المئويّة للمحرقة الأرمنيّة التي سقط ضحيّتها مليون ونصف شهيد من الأرمن بغض النظر عن العمر أو الجنس، وكانوا يعيشون في الأناضول وأنطاكية (جنوب شرق تركيا الحاليّة).

ويشير الباحثون إلى أنّها الإبادة الجماعيّة الأولى في التاريخ الحديث، نُفّذت على يد "تركيا الفتاة" في فترة السلطة العثمانيّة، وبلغت ذروتها في الرابع والعشرين من أبريل 1915، حيث تمّ اعتقال جماعي لما يزيد عن مئتين وخمسين من أعيان الأرمن ورجال الفكر والأدب في اسطنبول، وتمّ إعدامهم في ساحات المدينة. وطردت العائلات من بيوتها وصودرت أملاكها وأراضيها، وصدر الأمر بترحيلهم القسري في "طريق الموت" وسط صحاري بلاد الشام القاحلة والطرق الوعرة، في ظروف قاسية مع حرمانهم من الماء والغذاء كي تودي بحياتهم.

بعد التهجير تمّ قتل جميع رجال الأرمن في اليوم الأوّل من المسيرة، ثمّ تمّ الأعتداء على النسوة والفتيات بالضرب والسرقة. وقام الحرّاس بخطف الأطفال والنساء. كما سمح الجندرمة لسكّان القرى التي عبروها باختطاف النسوة والاعتداء عليهنّ. قام الأتراك بالتعاون مع عشائر كرديّة بإبادة مئات القرى الأرمنيّة في محاولة لتغيير ديموغرافية تلك المناطق. كما أجبروا سكّان القرى الأرمنية على العمل كحمّالين في الجيش العثماني، ومن ثمّ قاموا بإعدامهم بعد انهاك قواهم.

استشهد معظم الذين انضمّوا إلى قوافل حملات التهجير. وتمّ قتل مجموعات مسيحيّة أخرى خلال نفس الفترة الزمنيّة من السريان واليونانيين والكلدان والأشوريين. وفي أماكن أخرى، حالف النساء والفتيات الحظ، إذ مررنَ على ضفاف الأنهار فألقينَ أنفسهنّ فيها قبل أن تصيبهنّ وصمة العار.

الأراضي الأرمنيّة التي استولى عيها الأتراك العثمانيون في القرن الحادي عشر -ومن قبلهم السلاجقة والتتار– كانت ملكًا للشعب الأرمني لمدّة ثلاثة آلاف سنة، فتمّ طمس حضارتها المتوغّلة في القدم. وعلى أعتاب الذكرى المئويّة لم يسترجع الأرمن أيّ حق من حقوقهم، والأدهى من ذلك أنّ الحكومة التركيّة تنتهج سياسة النفي والإنكار وكأنّ شيئًا لم يكن.. وترفض تعويض أبناء الضحايا وأحفادهم مادياً ومعنوياً، وتفسّر التاريخ على هواها حتّى في المناهج الدراسيّة.. مع أنّ بعض رجال الفكر التركي المنصفين ينادون حكومتهم بالإعتراف بحملة الإبادة.

في سنة 2005 تمّ تمرير الفقرة 301 في القانون التركي يجرم فيه الاعتراف بالمذابح في تركيا.وقدّمت تركيا الرشوة في مصر لحرق الوثائق والأدلّة والبراهين الموجودة في القاهرة عن المجزرة الأرمنية. وقد نشرت النبأ المماثل صفحة Demokrat Haber الإلكترونية التركيّة. وكانت توجد بين تلك الوثائق وثائق كانت ستؤدّي إلى ظهور تركيا في وضع صعب في المحاكم الدولية. تمنع الحكومة التركية ذكر المذابح منعًا باتًا، وفي عام 2006 تمّ اغتيال الصحفي الأرمني الشهير "هرانت دينك" - صاحب ورئيس تحرير جريدة "أغوس" أمام مقرّ الصحيفة وسط استانبول – لتنديده بمذابح الأرمن، وبعد سنة اغتيل الروائي التركي "أورهان باموق" - الحائز على جائزة نوبل في الأدب لإحدى رواياته – اغتيل بسبب إعلاناته حول مذابح الأرمن والأكراد، وصرّح لمجلّة سويسريّة: "لا أحد غيري يجرؤ على قول ذلك".

على الصعيد الدولي اعترفت برلمانات دول كثيرة رسميّا بواقعة مذبحة الأرمن. وتعلو النداءات لإدانة تركيا وإجبارها على الإعتراف بالمذبحة التي ما زالت تستنكرها،وخصّصت مؤتمرات في عدّة مناطق وقنوات تلفزيون كثيرة برامج خاصة لتركيز الأضواء على هذه القضيّة.

قبل فترة قصيرة، جاء النداء الأوّل لأردوغان في تصريحات قداسة البابا فرنسيس بمناسبة حلول الذكرى المئويّّة للمذبحة واصفًا إياها بـ "الإبادة". وبعدها أصدر البرلمان الأوروبي قرارًا ، يطالب فيه تركيا الاعتراف بالجرائم التي ارتكبت بحق الأرمن في عام 1915، على أنّها عملية "إبادة"، كما أشاد بالكلمة التي ألقاها بابا الفاتيكان، وعلى الصعيد التركي اتهمت وزارة الخارجية التركية البرلمان فور التصويت قائلة: "البرلمان الأوروبي يحاول إعادة كتابة التاريخ". فيما يعتزم برلمان النمسا إصدار بيان، يدين فيه المذبحة التي ارتكبها الأتراك بحقّ الأرمن، في عام 1915.

يتساءل البعض لماذا ترفض الدولة التركية الاعتراف بالإبادة الأرمنية؟ بل لا تمتلك تركيا الشجاعة للاعتراف، ويعود ذلك إلى أنّ الأرمن لهم أراض وكنائس تاريخيّة ثمينة، داخل إطار الحدود التركيّة، ما بعد اتفاقيّة لوزان 1923، أضف إلى ذلك الممتلكات والحقول والأراضي والأموال والمتاجر الأرمنيّة التي نُهبت أثناء تنفيذ برنامج الإبادة، فالدولة التركية مدينة بأراضٍ وكنائس وأموال كثيرة للشعب الأرمني، ولا ننسى التعويضات عن الأرمن الذين سقطوا ضحيّة التعصب التركي في أثناء تنفيذ برنامج الإبادة ... لكن للوصول إلى مصاف الدول المتمدّنة الراقية ينبغي على تركيا الاعتراف بالإبادة كي تبريء ذمّتها ماديًا ومعنويًا وتاريخيًا وحضاريًا أمام الله والناس.

كان العرب في بلاد الشام أوّل مَن فتحوا قلوبهم وأبوابهم على مصاريعها لاحتضان الأرمن المهجّرين، في تلك الأيام العصيبة الصعبة ، حينما كانت البلاد العربية تئنّ لضيق العيش وشحّ مصدر الرزق. ومن هناك انطلقت جاليات الأرمن إلى لبنان والقاهرة والعراق والأردن وفلسطين، ومن ثمّ إلى الولايات المتحدة وأوروبا وبلاد الله الواسعة، وشكّل الأرمن جزءًا أساسيًا من المجتمعات الجديدة التي اندمجوا فيها.

ومهما أعربْتُ عن جزيل شكري وامتناني للنشامى العرب لن أفيهم حقّ قدرهم لطيبتهم الصادقة، وما يتميّزون به من نخوة وكرم عربي أصيل في تلك الظروف القاهرة. وردًا للجميل والامتنان لإخواننا العرب قامت بعض الشخصيّات الأرمنيّة في دمشق بمشروع بناء نصب تذكاري: "نصب الامتنان الأرمني للعرب"على طريق مطار العاصمة يريفان في أرمينيا.

من أجل إفشال المشاركة المتوقّعة لقادة الدول الاجانب في يريفان عاصمة أرمينيا، وتحويل أنظار العالم عن الأنشطة المصاحبة للذكرى المئويّة للإبادة، وجّه الرئيس التركي أردوغان دعوة لزعماء العالم، ورئيس أرمينيا، لحضور احتفالات الذكرى المئوية لحرب "غاليبولي" في 24 أبريل، أي في نفس يوم المئوية للإبادة، مع أنّ الرئيس التركي السابق عبدالله جول احتفل عام 2013 بالذكرى الثامنة والتسعين في 18 مارس... ومعركة غاليبولي بدأت في 25 أبريل 1915، بإنزال نفّذته قوات انكليزية ونيوزيلاندية واسترالية وفرنسية في شبه جزيرة غاليبولي الواقعة حاليا في شمال غرب تركيا، وهدَفَ يومها الى فتح مضيق الدردنيل، لنقل الحرب الى قلب السلطنة العثمانية، حليفة المانيا في الحرب العالمية الاولى. ثمّ تراجع الحلفاء تاركين خلفهم 180 الف قتيل، في حين سطع نجم الكولونيل مصطفى كمال، الذي اعلن لاحقًا قيام الجمهورية التركية عام 1923م.

ما يحزّ في قلب كلّ أرمني أن مرتكبي المجازر الأرمنية لم يعاقبوا، ولم يهتمّ المجتمع الدولي بهذا الأمر، لذلك تكرّرت مع شعوب أخرى فيما بعد، وما نشهده اليوم في العراق وسوريا واليمن وفلسطين من أزمات أكبر دليل على ذلك. وفي هذه السنوات الأخيرة تعرّض الأرمن في سوريا وكساب وغيرها إلى القتل والذبح والنهب، حين نُهبت آلات مصانعهم وشُحنَت إلى تركيا على يد الصالح الملقّب بحجي مارع، ودمّرت كنائسهم، كما دُمّر أكبر نصب تذكاري لشهداء الأرمن في دير الزور ... فهرب الأرمن إلى أرمينيا ومناطق أخرى ... والسؤال الذي يطرحه الأرمن : "هل سنتعرّض للذبح والنهب والتهجير من قبل تركيا كلّ مئة سنة؟".

خاتمة

جرائم الإبادة الجماعيّة لا تسقط بالتقادم، وقد أوصى الأديب الأرمني الراحل الكبير أفيديس أهارونيان الذي عاصر مآسي شعبه المسكين، أوصى ابنه ومن بعده الأرمن جيلاً بعد جيل: "كلّ هذا الظلم إذا نسيَه اولادنا يستحقّ الأرمن أن يشتمهم العالم بأكمله".

نعم يرتبط مصير كلّ شعب بقضيّته فإذا نسي قضيّته المقدّسة ومطالبه العادلة اندثر هذا الشعب وفنى. والكلمة الأخيرة لكلمة الله في الانجيل الطاهر : "لا تخف أيها القطيع الصغير، لأنّ أباكم قد سُرّ أن يعطيكم الملكوت" (لوقا 12 : 32).

أحرّ الأدعية عن راحة نفس جدّتي وطفلَيها (خالي وخالتي) "زهراب" و"بياتريس"خاصة، ولجميع أقربائي وشهداء الإبادة من كلّ القلب.

 

 Copyright © 2009-2024 Almohales.org All rights reserved..

Developed & Designed by Sigma-Space.com | Hosting by Sigma-Hosting.com