عن الكنيسة

كاهن الكنيسة

جمعية الكنيسة

مواقع

C??????E صلوات وتاملات

الأحد الثالث من الزمن العادي ب

الأحد الثالث من الزمن العادي ب

الأب منويل بدر - ألمانيا

2015/01/22

اتبعاني أجعلكما صيادي بشر (مر 1 :14-20)

الأزمات الإجتماعية الواقع فيها عالمنا اليوم هي كثيرة ومتعدِّدة الوجوه، ولا نريد الدّخول في تفاصيلها، لكن من ضمنها أزمة البطالة عن العمل، إلى جانب التخوّف من تضييع الوظيفة. لذا وللإحتياط فإنّ الكثيرين وهم في عملهم الحالي يُحاولون الإشتراك بدورات تدريبيّة إضافية، وذلك للتمكّن من تأمين متطلّبات إشغال وظيفة ثانية، إذا ما اضطرّ الإنسان لترك وظيفته، التي يعيش منها. بهذا المعنى نفهم رسالة إنجيل اليوم. فها التّلاميذ الأولون، وكانت وظيفتهم صيد الأسماك، يعرِضُ عليهم ربّ عمل جديد تغيير وظيفتهم "اتبعاني أجعلكما صيادي بشر"!.

مرقس، ناقل أخبار بداية حياة يسوع العلنيّة، يصف لنا باقتضاب، كيف بدأت حياة يسوع: بعد اعتماده على يد يوحنا في نهر الأردن، واختلائه مع أبيه لمدّة 40 يوماً بالصوم والصّلاة على قمّة جبل قرنطل في أريحا، وذلك ليتحضّر داخليّاً لبداية التبشير. جاء يسوع إلى الجليل يعلن بشارة الّله فيقول: "حان الوقت واقترب ملكوت الّله". في الصّباح التّالي إلتقى على ضفاف بحيرة طبريا بصيّادَيْن، ما كانا سابقاً لا قابلاه ولا عرفاه ولا تحدّثا إليه، ولا سَمِعا به، وإذا به يعرفُهُما بأسمائهما، يدعوهما ليتركا وظيفة صيد الأسماك ويتبعاه قائلا لهما: "إتبعاني وأجعلكما صيادي بشر"!. وللحال تركا الشّباك وتبعاه.

فمن البداية أشركهما في مُهمَّته وهي التبشير ونشر ملكوته على الأرض. من البداية كان يعرف أن العمل كثير ولكن العملة قليلون. فلا بدّ من موظّفين للعمل معه في هذا الباب المفتوح. نعم لقد ابتدأ بدعوة الرّسل الذين سيعاونونه في هذه المُهمّة العالية. وها هو من البداية يتعهّد لهم بدورة تدريبيّة، نظريّة وعمليّة، قولاً وفعلاً (قيل لكم... وأمّا أنا فأقول لكم... كلَّ ما فعلتموه لأحد هؤلاء الصّغار، فبي فعلتموه) للعمل الجديد الّذي سيشغلونه معه.

آرمسترونج، أول عالِم فَلَك، أمريكي الجنسيّة وطئت رجله القمر عام 1969 قال: خطوة صغيرة ولكنّ أثرها كبير. وهكذا كان. فمنذ تلك اللحظة تطوّر العلم التكنولوجي الفلكي بشكل غير معقول وسيبقى يتطوّر. وأيضاً خطوة يسوع الأولى باختيار أوّل الرّسل، سيكون لها أثرُها الكبير على مهمّة التبشير ونشر ملكوت الّله على ألأرض. لقد ابتدأ حياته باختيار معاونين له وسيُنهيها بالوصية المُكمِّلة: إذهبوا وبشّروا. وكذلك في منتصف الحياة العمليّة سيختار 72 عاملاً آخرين ويُرسلهم حيثما كان ناوياً أن يأتي. فهذا يُبرهن لنا كم هو التبشير مهمّ في حياة الكنيسة. فلولا التبشير والتّذكير بما علّم يسوع، لما عاشت الكنيسة طويلا، ولما انتشر تعليمه في جميع أنحاء العالم.

هذا وقبل أن يعرض يسوع الوظيفة الجديدة على هذين الرّجلين، لاحظ أوّلا ما كان شغلهما الشّاغل اليومي والإعتيادي، والّذي كانوا قد تعوّدوا عليه وأتقنوه بل وأحبّوه. عرض عليها وظيفة مُشابهة بالإسم طبعاً، لكنّها في الوقت ذاته وظيفة لها مكانتها ومستقبلها الأمين والأكيد. فبدون سؤالٍ ولا جواب، قد أُعْجِبا بهذا العرض. لذا يقول الإنجيلي "فتركا الشّباك (بما فيها من سمك كانا قد اصطاداه) وتبعاه.

وما يجب ذكره هو أنَّ دعوة أو اختيار تلاميذ من قِبَل العلماء والمبشِّرين المُتنقِّلين ورؤساء الكهنة في إسرائيل ما كانت بالغريبة، إذْ كلُّ رابّي أو معلّم كان يختار هو لنفسه على الأقلّ تلميذاً واحداً أو أكثر، يُرافقه ويستمع لما يقول، ليَخْلَفَه فيما بعد في خدمة الهيكل. مع الفرق أنّه في إسرائيل كان التّلميذ هو الذي يختار المعلِّم. وأما في حالة يسوع فهو الّذي يختار التّلاميذ (كما يقول المثل المعروف: يختار الرّجل المُناسب للوظيفة المُناسبة) إنّ كلَّ رئيس كهنة مأخوذ من النّاس، يُقامُ لأجل النّاس في ما لله" (عبر 1:5). إنَّ الخُطوة الأولى تأتي دائماً من الّله. هو يختار من يريد: "أنا اخترتكم لتذهبوا وتأتوا بثمر" (يو 16:15. "أنا دعوتك لتذهب وتبشّر اخوتك باسمي" قال الّله لأشعيا. فترك أشعيا وظيفته القديمة، وهي رعاية المواشي وتفرّغ للتبشير كلّيّاً.

نعم، هو الّله، الّذي يختار مَنْ يُريد. وحين يقبل الإنسان بهذا الإختيار فهو لا يعود بحاجة بعد إلى الوظيفة الّتي كان يُشغلها سابقاً. وبقبوله للمُهمّة الجديدة، فهو يختار التّجرّد الكامل عن هموم الوظيفة السّابقة لكي يتفرّغ، يداً وعقلاً وقلباً للجديدة، ويهتمّ بمتطلَّباتها بدون أيِّ عائق. قال المثل العامّي: حيث كنزك فهناك قلبك: وبتعبير الإنجيل "ما من أحد يضع يده على المحراث وينظر إلى الوراء، يصْلُح لملكوت الّله" (لو 62:9).

كلُّ مؤسّس شركة أو مصلحةٍ عامّة يضع الخطوط العريضة لمؤسّسته، وأوّل ما يبدأ به هو اختيار عمّال، يشرح لهم هو بنفسه ويُفهمهم بدوراتٍ خاصّة، منها علميّة ومنها عمليّة، ما عليهم عمله لتصل المؤسّسة إلى أهدافها. إنّنا نعلم أنّه لا مستقبل ناجع ودائم لأيّة مؤسّسة بدون عمّال يفهمون ما هو المطلوب منهم في تحمُّل المسؤوليّة لتسيير الأشغال المطلوبة والضّروريّة.

مؤسّسة يسوع هي بناء الكنيسة الجديدة، أي تأسيس ملكوته على الأرض، لدحض مملكة الشّر، لا بالسيف "لأنَّ من يأخذ بالسيف بالسّيف يُؤخذ"، ولكن بالإقناع: "من سمع منكم فقد سمع منّي" (لو16:10). العمل في هذه المملكة الجديدة سيكون كثيراً وكبيراً كما قال هو، وسيكون مُتوفِّراً للجميع. لقد ابتدأ بدعوة عُمّال بُسطاء، غيرَ مُثقّفين وليسوا من طبقة رؤساء الشعب والكتبة والفرّيسيّين المُتعلِّمين، وما كان عندهم أيُّ علم بما سيقومون به. لكنه هو تحمّل مسؤوليّة تثقيفهم وتدريبهم وإطلاعهم على أسرار المهنة، مثلما يقول المثل أوّلاً بأوّل وخطوة خطوة، إذ هم سيرافقونه لثلاث سنوات مُتواصِلة في حَلِّه وترحاله. سيسيرون معه جنباً إلى جنب. سيسمعون تعليمه المثالي لينشروه من بعده. سيأكلون معه خبز الصّداقة وسيشربون من ماء الحياة الّذي سيعطيهم إياه هو، فيكونون مُهيّئين ومُستعدِّين بعده أحسن استعداد، لتتميم وإدارة عمله بروحه. مدرسته ستكون مثاليّة "تعلّموا منّي أنّي وديع ومُتواضع القلب" (متّى 29:11). سيعلِّمهم أنّ الرِّئاسة هي خدمة "الكبير فيكم ليكن كالأصغر" (لو 26:22). سيجعل منهم أساساً ممتيناً تُبنى عليه هذه الكنيسة. وكما نعرف، لا يُبنى البيت المتين، إلاّ على أساس متين، لن تُزعزعه لا الرّياح ولا الفيضانات "لأنّه مؤسّس على الصّخر" (لو 48:6). هكذا الكنيسة الّتي سيؤسِّسها يسوع ويُسلِّم إدارتها للتّلاميذ، الّذين ابتدأ بدعوتهم اليوم، كما سمعنا، فإنّ أبواب الجحيم لن تقوى عليها (متّى 18:16).

إنَّ الدّعوة للعمل في كنيسة يسوع غير مُرتبطة لا في مكان ولا في زمان، بل كما هي في نيّة الإنجيلي مرقس هي لكلِّ الأوقات ولكلِّ الأزمان ولكلِّ الأجيال، إذ الكنيسة في كل الأوقات وفي كلِّ الأزمان بحاجة إلى العمل الدّؤوب فيها لنشر ملكوت الّله "إذهبوا وبشّروا". منذ اعتماده يصبح المؤمن تلميذا ليسوع وعاملا مُختاراً لنشر ملكوت الّله. فالمعموديّة، حسب قول بولس الرّسول لا تجعل منّا فقط أبناء الّله وورثة مع المسيح (روم 17:8) بل وأيضا عُمّالا ومعاونين له في نشر ملكوته هنا على الأرض. هذه الوظيفة هي ليست واحدة للجميع بل هي مُتعدِّدة الوجوه. حيث سيكون فيها لكلِّ واحدٍ عمله ووظيفته الخاصّة بحسب مُؤّهلاته وإمكانيّاته. التبشير، بحسب ما عبّر عنه بولس حيث كتب: "وضع الّله أُناساً في الكنيسة أوّلاً رُسلاً، ثانياً أنبياء، ثالثاً مُعلّمين ثمّ أصحاب قُوّات وبعد ذلك مواهب شفاء وأنواع ألسنة وترجمات" (1 كور 12: 28-30) وهذا ما عبّر عنه يسوع في وعظاته الآخيرة، حيث بيّن لنا أين وكيف يمكِنُنا القيام برسالة التبشير: جعت فأطعمتموني. عطشت فسقيتموني. كنت عرياناً فكسوتموني. كنت مريضاً فزرتموني وبلا مأوى فأسكنتموني.... أيّها المعمّد! إذهب واعمل كذلك، فإن أتممت مثل تلك الأعمال، فأنت تلميذ ومبشّر مساوٍ للرّسل الّذين اختارهم يسوع. "إتبعاني! أجعلُكما صيّادي بشر.

 

 

 Copyright © 2009-2024 Almohales.org All rights reserved..

Developed & Designed by Sigma-Space.com | Hosting by Sigma-Hosting.com