عن الكنيسة

كاهن الكنيسة

جمعية الكنيسة

مواقع

C??????E صلوات وتاملات

نقل الكتاب المقدس الى العربية حتى البعثة يوسف جريس شحادة الجزء الاول

نقل الكتاب المقدس الى العربية

 حتى البعثة

يوسف جريس شحادة

كفرياسيف _www.almohales.org

 

قضية نقل الكتاب المقدس الى العربية حتى البعثة تبقى غامضة رغم زخم ودسمة الأدلة العقلية والنقلية لوجودها , وعدم وجود بينة كتابية ليس بالدليل على عدم وجودها إذ أن عدم وجود ألفاظ لمسميات ليس بدليل عدم وجود مسمياتها وإنما عدم إستحداث اللفظة , ووجود اللفظة ما هو إلا دليل لمعرفة الشيء ـ المسمى أو وجوده .

في هذه المقالة سنسرد الخلفية الداعمة لفرضيّتنا ـ بوجود ترجمة عربية للكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد ولو جزئية ,وساندين الفرضية بدلائل قطعية على وجود هذه الترجمة , لطرحنا جواباً لمسألة عدم عثورنا لأي أثر كتابي بحسب المرويات والمصادر الإسلامية التي بها نجد الدليل الشافي لشفاء غليل التساؤل عن عدم وجود أي أثر كتابي للترجمة حتى البعثة .

سكن العرب قبل ظهور الإسلام مناطق نجد والحجاز واليمن وحضر موت وظفار وشرق شبه الجزيرة العربية وشمالها ومناطق غرب الفرات وأقاموا ممالك وإمارات في حمص وتدمر والبتراء وجنوب الشام وبراري حوران وانشاوا مجتمعات إمتد تواجدها من عاد وثمود وسبا وحمير أقصى جنوب شبه الجزيرة العربية وشمالها , قامت تجمعات في مدن مثل مكة والطائف ويثرب ودومة الجندل وتيماء وغيرها  .

إن كون الديانة المسيحية ديانة عالمية تبشيرية لا قومية ولا عرقية ونص الكتاب المقدس (متى 28 : 19 , غلا 1 : 17 , أع  11 : 2  ) هو دليل واضح وإشارة أكيدة الى وجود عرب أيام المسيحية الأولى وإعتنق الكثير منهم المسيحية أيما إعتناق.

 ذكر المؤرخ جواد علي (  المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام بيروت  1970 , 681 : 6  ) إن جرجس أسقف القبائل العربية كان معاصراً ليعقوب الرهاوي وكتب تعليقات على الكتاب المقدس , ويرى الباحث شبرنجر Sprenger  أن في كتاب محمد بن إسحاق ( هو أبو الحسن علي بن سهيل ويعرف بإبن ربّن الطبري طبيب وحكيم والأرجح أنه ولد سنة  136- 158  للهجرة كتاب الدين والدولة تحقيق عادل نويهض بيروت  1973  ) فقرة مترجمة للإنجيل تمت قبل ظهور الإسلام , وهذه الفقرة من إنجيل يوحنا  27- 23 : 15 , وفي مؤلفه نصوص من إنجيل يوحنا .(  الدين والدولة  ص 189- 184  ) .

لقد تم إنتشار المسيحية في بلاد العرب بطرق عديدة , ففي نجران إنتشرت إنتشاراً شاسعاً ويعزو البعض ذلك الى رجل صالح إسمه فيميون أظهر عجائب,( إبن هشام, السيرة النبوية تحقيق مصطفى السقا ـ إبراهيم الأبياري , عبد الحفيظ شلبي د. ت  ص 31- 34  ) ادت الى ايمان الناس بالمسيحية أو الى تاجر إسمه حنان ـ حيان، عاش بين السنين  399- 420 م  في عهد يزدجرد الأول ( جواد علي 614 : 6 ) أما في سوريا فقد سكن العرب قبل الإسلام بمدة طويلة وكانت المسيحية قد إنتشرت بكثافة في سوريا بعد أن اعتنق المسيحية القيصر قسطنطين سنة 313 م  وذكر مؤرخو المسيحية أسماء مطارنة عرب في بداية القرن الثالث الميلادي كما نوّهوا الى المساعدات التي كانت كنيسة روما تقدمها إلى كنائس الديار العربية . ( جورج قنواتي , المسيحية والحضارة العربية بيروت د. ت ص 45 وشيخو لويس النصرانية وأدآبها بيروت 1989 ص 31  الحداد يوسف : دروس قرآنية بيروت 1982 . ص 489 : "  الحارث الثاني بن جبلة الذي عمل في القسطنطينية سنة 563 م على تنصيب يعقوب البرادعي أسقفاً على الكنيسة السورية العربية ) .ووصل أحد العرب ـ فيليبس,فيليب العربي إلى عرش إمبراطورية روما سنة  244 – 249 م  وقصته مشهورة مع بطرك أنطاكية بابيلاس عن عدم مناولته القربان المقدس إلا بعد أن يعترف أمام الكاهن .

قدحضر مطارنة عرب جميع المجامع التي عقدت لبحث شؤون الديانة المسيحية ولعب الأساقفة الغساسنة دوراً هاماً في نشر الديانة المسيحية في ديار العرب من بناء أديرة في مناطق جنوب سوريا وشمال الحجاز من دمشق وحتى تخوم الجزيرة العربية وأرسلت الكنيسة والأساقفة الغساسنة عشرات رجال الدين الى بلاد العرب المتاخمة للجزيرة العربية للتبشير بالمسيحية وسمي هؤلاء الأساقفة  "  أساقفة الخيام  " أو "  الوبر " ويروي جواد علي ( 626 : 6 والحداد ص 59 " أساقفة المضارب " ) أن من جملة ما اسهم فيه رؤساء الديارات في إقليم العربية نص رسالة دستور الإيمان موجهة الى يعقوب البرادعي رداً على رأي يحيى النحوي في قضية تثليث الجوهر بين السنين  570- 578 م  موقعة من قبل  137 رئيساً الى  137  ديراً من شرقي بلاد الشام الى الفرات .

القبائل العربية

قبائل عربية كثيرة إعتنقت المسيحية , منها قبيلة قضاعة وسليح وغسان وتنوخ وتغلب وربيعة ولخم وإياد وبهراء وكلب وجذام والسليحيون من طيء وكندة وبكر وشيبان واللات وبني عجل وقوم من قبيلة قريش من بني أسد بن عبد العزي .( المسعودي أبو الحسن بن الحسين : مروج الذهب ومعادن الجوهر تحقيق قاسم الشماعي الرفاعي بيروت 1989 , 421 : 1  وإبن حوقل أبو القاسم محمد بن علي : صورة الأرض ط2  1967 ص 19  والإصطخري إبراهيم بن محمد : مسالك الممالك , ليدن 1967 ص 14  وإبن خلدون عبد الرحمن : العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر بيروت 1981 , 572 : 2 , نولدكة : عصر السريان الذهبي حلب 1991 , ص 117 أمراء غسان بيروت 1933 ـ ص 21 ) . وسردنا هذه الأسماء بهدف إظهار مدى تغلغل وعمق جذور وإنتشار الديانة المسيحية في ديار العرب قبل الإسلام أو حتى البعثة.

لم يقتصر تغلغل الديانة المسيحية على القبائل ومن البديهي أن تنتشر في المدن جراء عمل المبشرين ( جمع العلامة يوسف السمعاني في مكتبته الشرقية ج 3 قسم 2 شواهد كثيرة من كتبة اليونان والسريان والعرب التي تثبت كرازة الرسل في ديار العرب وقد نقل هذه الشواهد المؤرخون المسلمون ( الطبري في تاريخه 737 - 738 : 1 أبو الفداء تاريخه 38 : 1  المقريزي الخطط 483 : 2  إبن خلدون تاريخ العبر 47 : 2 والمسعودي مروج الذهب 127 : 1 ) والديارات والتجارة وأسباب أخرى , ومن بين هذه المدن على سبيل المثال : مدينة يثرب وما روى لنا الأزرقي في قصة  " مريم العذراء والدة الإله وصورة السيد المسيح " ( أبو الوليد محمد الأزرقي ـ تحقيق رشدي الصالح ملحس : أخبار مكة دار الأندلس 1996 , 165 : 1 ) . تروي لنا المصادر العربية ( أبو فرج الأصفهاني بيروت ط1 , 1986  113- 116 : 1  , وإبن هشام  223- 192 – 189 : 1 , أسد الغابة في معرفة الصحابة تحقيق إسحاق البنا ـ محمد عاشور ـ محمد قايد القاهرة  1970  , 238 : 2 ) على أنه كان في مدينة مكة جماعة من العرب المسيحيين وعلى رأسهم القس ورقة بن نوفل ومدينة نجران وأحداث هذه المدينة لهي دليل حاسم على مسيحية المدينة ومدى توغل وولوج المسيحية بالمدينة , سميت هذه الأحداث " شهداء نجران " وبها " كنيسة الشهداء " و " كعبة نجران " ( عرفان شهيد : المسيحية عبر تاريخها في المشرق بيروت 2002 , ص 220 – 438 , وماري بن سليمان ـ عمرو بن متى : أخبار فطاركة كرسي المشرق رومية الكبرى 1896 ص 27- 28 , الطبري : تاريخ ـ تحقيق محمد أبي الفضل إبراهيم بيروت 1967 , 119 – 123 : 2  وعن قصة شهداء نجران راجع رسالة شمعون أسقف بيت أرشم , في ألإضطهاد الذي حل في المسيحية سنة 524 للمسيح( عربها عن اللغة السريانية يوحنا عزو ) وهذه الكعبة الذي عناها الأعشى ـ بيعة ـ بناها عبد المدان ومن سماها  " دير نجران " ودلالة الإسم مسيحية صرفة والمصادر العربية نسبت بناء دير نجران الى المسيحيين نظير عبد المسيح بن دارس بن عداي بن معقل والى صهره يزيد بن عبد المدان بن الديان الحارثي (  الأغاني  17 : 12  ) وقد نشرت المسيحية تعاليمها بين العرب وكان من يميل الى الرهبنة وبناء الأديرة ورجال الدين يردون أسواق العرب ويعظون ويبشرون مما يدل على مدى توسع إنتشار هذا الدين بين العرب . (  أحمد أمين : فجر الإسلام بيروت  1979 , ص 27  ) . لم يكن اللخميون وحدهم في الحيرة فقد كان هناك بنو تنوخ وبعض إياد ووائل ومن قادتهم المشهورين حنظلة بن ثعلبة بن بكر بن وائل وهناك شيبان كعب بن علي التانوخي من مسيحيي الحيرة كان اسقفا على مدينة الحيرة  ( البلاذري ابو الحسن ـ فتوح البلدان بيروت 1991 , 538 : 2 ) .

دخلت المسيحية الى الحيرة في اواسط القرن الرابع الميلادي واوائل القرن الخامس ونشطت كنيسة الحيرة نشاطا تبشيريا شاسعا وارسلت المبشرين الى مناطق عديدة إلى البحرين وهجر وحضرموت واليمن وغيرها وشيدوا الأبنية من بيع واديرة في اجمل المناطق ( البلاذري 542 : 2 ) . ومن اهم الأديرة ذات السيط الساطع "دير هند الكبرى" وهو بالحيرة بَنَتْه هند بنت عمرو بن المنذر بن ماء السماء ونقش عليه : " ملك ملك الأملاك خسروا  " بنَت هذه البيعة هند بنت الحارث بن عمرو بن حجر الملكة بنت الأملاك وام الملك عمرو بن المنذر امة المسيح وام عبده وبنت عبيده في انو شروان في زمن مار افرايم الأسقف فالإله الذي بنت له هذا الدير يغفر خطيئتها ويترحم عليها وعلى ولدها ويقبل بها وبقومها الى اقامة الحق ويكون الله معها ومع ولدها الى دهر الداهرين " . ( البلاذري 542 : 2 ) .

وقد خرج من مدينة الحيرة عدد من رجال الدين مثل ايليا والقديس حنا نيشوع من عشيرة الملك النعمان والقديس مار يوحنا وشمعون الذي وقع على اعمال مجمع يهبالا الذي انعقد سنة 486 م. وشمعون بن جابر الذي نصّر الملك النعمان الرابع في سنة 594 م ( جواد علي 597 : 6 )

الحجاز ونجد

سكنت الحجاز ونجد قبائل عربية كثيرة . فقبيلة طيء كانت تسكن جبلي اجا وسلمى . وطيء من اشهر القبائل العربية وكان بنو الحارث يقطنون الجنوب الشرقي لمدينة الطائف وبنو وائل وبنو حنيفة في اليمامة وخزاعة في الحجاز والاوس والخزرج وغيرهم . انتشرت المسيحية بين سكان الحجاز ونجد قبل ظهور الإسلام وتم ذلك نتيجة الهجرة والتبشير والتجارة حيث كان الحجازيون والنجديون مهيمنين على مقاطع هامة من طرق التجارة بين المحيط الهندي وجنوب الجزيرة العربية . من بين قبائل نجد والحجاز بني شيبان ومنهم الشاعر النابغة الذبياني وكانوا في اياد ومنهم قس بن ساعده الأيادي ويقال انه كان اسقف نجران والبعض يقول انه اسقف مكة وهو اول من قال : " اما بعد " وكان خطيب العرب كافة .( جواد علي 466 : 6 ). اعتنق المسيحية قوم من قريش من بني اسد بن عبد العزيز منهم عثمان بن الحويرث ابن اسد الذي قدم على قيصر فتنصّر وحسنت منزلته عنده ومنحه لقب بطريق واراد تنصيبه ملكا على مكة( ابن هشام السيرة 243 : 1 ) .

ومنهم ايضا ورقة بن نوفل بن اسد وكان ورقة قد تنصر وقرأ الكتب وسمع من اهل التوراة والإنجيل وكان يكتب الكتاب العربي والكتاب العبراني من الإنجيل .( ابن الأثير الكامل في التاريخ بيروت 1978 , 238 : 2  ورواه اليعقوبي 289 :1 والحداد يوسف دروس قرآنية لبنان 1982 , 42 , 47 ـ 48 ) .

ان الديانة المسيحية توطدت وترسخت في ديار العرب ونتيجة حتمية لذلك وجود رجال دين برتب كهنوتية مختلفة وهذه الكراسي لا تقوم ولا تنشأ بين ليلة وضحاها إلا إذا وجدت رعية مؤمنة تؤدي واجبها المقدس من الصلاة وغيرها من اسس  الإيمان المسيحي .

شهادة المؤرخ الجليل يوسابيوس القيصري ( تاريخ الكنيسة ترجمة القمص مرقس داود القاهرة 1960 :6 ف 37 ) : " ونحو هذا الوقت قام آخرون في بلاد العرب منادين بتعليم غريب عن الحق , إذ قالوا ان النفس البشرية في الوقت الحاضر وتبيد مع الجسد ولكنهما يتجددان معا في وقت القيامة . وفي هذا الوقت اجتمع مجمع كبير , دعا اليه اوريجانوس ايضا فتكلم في الموضوع بكل قوة حتى تغيرت آراء الذين سبقوا ان يسقطوا  ".وهذه شهادة موثقة على مدى توطد المسيحية في ديار العرب ورقيها الى درجة راسخة بين المؤمنين , وعدد كبير من الأساقفة العرب الذين حضروا المجامع ومنها , مجمع نيقية سنة 325 م. والمجمع الرابع في خلقيدونيا سنة 451 م. حضره اكثر من عشرة اساقفة وهذا من المستحيل ان يتم دون وجود رعايا وشعب بعدد يستحق أسقفا أو كاهنا ونصا مكتوبا بلغة القوم والأمة.( الحداد يوسف ص 42 , عرفان شهيد ص 219 ـ 220 , 431 وجواد علي 625 : 6 ) . وكان بين اساقفة القدس اسقف من اصل عربي اسمه الياس 494 ـ 513 م. ( الحداد ص 48 ) . رسم مطرانا على قبائل غسان منذ 347 م. اسمه موسى . ان عادة استخدام اسم اضافي واتخاذ اسم قديس او اسم مستوحى من الكتاب المقدس  فان  هذا الأمر متبع منذ عهد الرسل وليس لنا ان نفهم من الإسم العجمي عدم عروبة حامل الإسم او حجب الهوية العربية . ووردت في بعض المخطوطات اشارة الى الكاهن وصف : " كاهن ذي العزة والمحب للمسيح البطريق المنذر الحارث ". ( بطرس الكلداني . ذخيرة الأذهان في تواريخ المشارقة والمغاربة السريان 132 : 1 ) .

الكنائس والأديرة

مئات الأديرة والصوامع المنتشرة في ديار العرب قبل ظهور الإسلام ما هي إلا دعامة على مدى سعة انتشار المسيحية في هذه المناطق , إذ لا يعقل ان تبنى كنائس واديرة دون وجود رعية مؤمنة , والمرويات والمصادر العربية تفيض بالمعلومات حول هذا الموضوع ( حبيب الزيات : الديارات النصرانية في الإسلام ـ لبنان 1999 والشابشتي , الديارات تحقيق كركيس عواد ) . وقصة ابرهة إلى مليكه النجاشي :" إني قد بنيت لك ايها الملك كنيسة لم يبن مثلها لملك كان قبلك ولست بمنته حتى اصرف اليها حج العرب : ( الحداد ص 56 نقلا عن ابن هشام 44 : 1 ) , هذه الأديرة كانت محطة استراحة ونقاهة للتجار ,والمصادر تروي لنا مئات من ابيات الشعر والنصوص النثرية واصفة لنا حال هذه الديارات مما تزيد عمقا في جذور توطد المسيحية في الديار العربية  .

الكتابات والنقوش

من أهم الكتابات والنقوش التي تدعم وجود ترجمة عربية للكتاب المقدس وإن لم تكن كاملة فجزئية , هذه الكتابات التي وجدت قبل الإسلام والتي يعود تاريخ بعضها الى سنة 328 م. كتبت لملك عربي ,وأضف إلى ذلك نقش دير هند في الحيرة ونقشا زيد وحرّان في ديار الشام , وكل هذه النقوش لملوك عرب مسيحيين ( عرفان شهيد 221 قنواتي جورج 13 ـ 14 ) . ويضيف شهيد عن النقش الذي اكتشف قبل ظهور الإسلام في كنيسة على جبل نبو , وهذا النقش يحتوي على اسماء عربية مثل : سلمان وزيد وعبارة  " بسلام " ونقش آخر بقي على  " عتبة " باب دير القديسة كاترينا على جبل سيناء ومن الجدير ان ننوه الى ان اللغة العربية راقية لأن تستعمل التعابير والإصطلاحات اللاهوتية قبل ظهور الإسلام إما من مفردات عربية أو دخيلة من السريانية والآرامية واليونانية والحبشية وغيرها من اللغات . فاستعمال هذه الإصطلاحات دليل رزين رصين على تغلغل تعاليم الدين المسيحي في ديار العرب وسنرى شواهد أخرى تدعم هذه الفرضية , إذ انه ما من مسوغ لصعوبة في عملية نقل الكتب الى العربية وزخم العربية للتعبير عن الفكر اللاهوتي المسيحي فهو لا يشكل عثرة إن لم يكن مسهلا لعملية النقل , إذ انه توجد ترجمات دقيقة جدا من اليونانية الى العربية ومن كتب طب وفلسفة وعلوم وعلام نستهجن اذا اضفنا ترجمة عربية لبعض من الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد.

نصوص تدل على وجود الترجمات

نجت من الضياع والإبادة شواهد تدل على انه كانت ترجمات عربية للكتاب المقدس, فذكر مؤرخو السريان ان علماء العرب الأورثوذكسيين من قبائل طيء وتنوخ وعاقولا قاموا بترجمة الإنجيل المقدس الى اللغة العربية الفصحى سنة 643 م. وذلك بمساعي البطريرك يوحنا الثاني الأنطاكي واستجابة لرغبة ودعوى من عمير بن سعد بن ابي وقاص الأنصاري امير الجزيرة وللأسف الشديد هذه الترجمة مفقودة  . وسوف نتطرق لقضية عدم وجود ترجمات حتى البعثة  .

قصة القس ورقة بن نوفل الذي بحسب المؤرخين المسلمين , يكون أول من ترجم الكتاب المقدس الى العربية ولو بصورة جزئية , وبحسب صحيح البخاري ( مع كشف المشاكل للإمام ابن الجوزي حققه مصطفى الذهبي القاهرة 2000 , 12 : 1) :" وكان يكتب الكتاب العبراني ما شاء الله ان يكتب". وصحيح مسلم ( المختصر , للحافظ زكي الدين المنذري تخريج وفهرسة عصام الدين الصابطي القاهرة 2003 ص 31 ـ 32 ) : " وكان أمرأ تنصر في الجاهلية وكان يكتب من الإنجيل بالعربية ما شاء الله تعالى ان يكتب " . والبغدادي ( عبد القادر عمر البغدادي , خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب , تحقيق عبد السلام محمد هارون 1986 القاهرة 393 ـ 391 : 3 ) :" وطلب الدين في الآفاق وقرأ الكتب ... وقد تتبع الكتب وعلم من علم الناس فلم يكتف بما هداه اليه عقله , بل ضرب في الأرض ليأخذ علمه عن اهل العلم بكتب الله المنزلة من عنده الضابطة للأديان ", وابن هشام ( سيرة , تخريج وتحقيق وليد بن محمد بن سلامة , خالد محمد بن عثمان , القاهرة 2001 ,140 و132 : 1): " فأما ورقة بن نوفل فاستحكم في النصرانية واتبع الكتب من اهلها حتى علم علما من اهل الكتاب وكان ورقة قد تنصر وقرأ الكتب وسمع من اهل التوراة والإنجيل " . لنا أن نستنتج ان ورقة بن نوفل " تنصّر " , اي لم يولد نصرانيا وشهادة المؤرخين العرب دلالة ساطعة على ذلك ولعل ما ورد اعلاه  ـ بالعبرية ـ  هي لفظة محرفة عن  العربية ـ  وذلك لأن الإنجيل لم يكتب بالعبرية , هناك من ينطلق من كلمة                      " عبراني "  في الوثائق القديمة (  أع 6 : 1 , 21 : 40  ويو 19 : 20 ) فيستنتج ان اللغة العبرية استعملت استعمالا عاما بل رسميا في جماعات فلسطين المسيحية ولكنهم نسوا انه في نصوص مثل يوحنا يسمونها بالعبرية 17 , 13 : 19  وتنطبق بوضوح على الآرامية , كذا نقول عن صلاة يسوع على الصليب عند مرقس 34 : 15  في الآرامية وفي متى 46 : 27  في آرامية ممزوجة بالعبرية هذا يعني ان " عبراني " يتميز عن يوناني ليدل على لسان سامي يضم العبرانية والآرامية والعربية في نظام واحد  .

ان قضية التناقل شفهيا, هي مستبعدة لأنه لا يجوز ان تتلى صلوات دون نص كتابي وخصوصا يعتمد القداس الإلهي على نص يقرأ , فمن المستبعد ان يكون التداول شفهيا لا كتابيا مدة خمس قرون ونيف, ويذكر الحداد ( ص 264 وناصر الدين الأسد, مصادر الشعر الجاهلي لبنان 1988 , ص 63 ـ 64 , المسعودي الحسن بن الحسين 1938 :التنبيه والإشراف تصحيح عبد الله اسماعيل الصاوي ص 98 , ابن النديم ابو الفرج محمد بن ابي يعقوب اسحاق 1966 , الفهرست تحقيق يوسف الطويل بيروت ص 35 ـ 38 , الطبري محمد بن جرير : تاريخ الأمم والملوك لبنان 106 : 2 هيكل حسنين محمد : حياة محمد ص 74 ):"وخاطب البغدادي في كتاب التقييد , ويذكر ان النبي لام عمرا على كتاب من اهل الكتاب ولام ايضا صحابيا ترجم كتاب دانيال وان الطبري روى عن هشام بن محمد لما ذهب اليمني يستنجد النجاشي على ذوي نواس وانبأه بما فعل نصير اليهودية بالنصارى في نجران واليمن واراه الإنجيل قد احرقت النار بعضه , كتب النجاشي الى قيصر في ذلك وبعث اليه بالإنجيل المحرق  " .

لاشك ان هذا الإنجيل بالعربية , فمسيحي نجران والألوف المؤلفة منهم مئات الرهبان والقسيسين العرب والكنائس والأديرة لا يمكن ان تقوم وتنشأ إلا بوجود ترجمة عربية للإنجيل , لأن قراءة الإنجيل كنص مكتوب غير متناقل شفهيا من صلب الصلوات, فهذه الأدلة تقضي بوجود ترجمة عربية للإنجيل بالرغم ان في النص اعلاه لم تذكر اللغة , إذ لا يعقل ان يكون كتابا موجها بغير لغتها . اضف الى ذلك الإقتباسات الدقيقة لبعض نصوص من الكتاب المقدس نظير الثعلبي احمد بن محمد النيسابوري : قصص الأنبياء القاهرة ص 214 ـ 215 يقتبس اقتباسا دقيقا للغاية لسفر العدد 13 : 14  ومحمد بن جرير الطبري تاريخ الرسل والملوك , ليدن 1964 ص 639 , 636 ـ 640 , 658 يقتبس من سفر حزقيال 10 ـ 3 : 37 وسفر ارميا 5 ـ 4 : 1 ترجمة دقيقة جدا ويقتبس بشكل حرفي لنص تك 19 : 20 وايضا احمد بن واضح اليعقوبي التاريخ ليدن 1883 , 1 : 1 يقتبس اقتباسا غير دقيق تك 3 : 21 :" ויעש יהוה אלוהים לאדם ולאשתו כתנות עור וילבשם " " وكان لباس آدم وحواء من نور " كما ورد في  בראשית רבה  20 : 29  ولكن 1 : 26 يأتي بترجمة دقيقة للغاية للوصايا العشر , وابو نعيم بن احمد بن عبد الله الأصبهاني , دلائل النبوة حيدر اباد  1950 , ص 375 , 381 يورد ترجمة دقيقة لمزمور -1- وذكر العالم الصوفي مالك بن دينار من القرن الثامن يذكر بكل وضوح وجلاء مكتبة الدير المسيحي . من المؤلفين والمؤرخين الذين ذكروا وشهدوا برؤية نص ما او اقتباس غير دقيق وبخلاف ما ترجم الفيومي ـ רס"ג ـ فمن بين هؤلاء نذكر علي بن ربن الطبري ـ كتاب الدين والدولة منشستر 1923 , ص 73 يذكر مرقس الترجمان وتفسيره وعلي بن محمد علاء الدين الباجي : على التوراة في نقل التوراة اليونانية طبعة احمد حجازي السقا القاهرة ـ 1980 ـ يذكر في المقدمة : " إني نظرت في توراة موسى عليه السلام المعربة التي بيد النصارى الملكية  " . ومحمد بن اسحاق النديم كتاب الفهرست فلوجل  1871 Fluegel   يذكر اسماء مترجمين قبل سعاديا الفيومي مثيل : احمد بن عبد الله بن سلام كمترجم كتب كثيرة نظير التوراة والإنجيل والمؤرخ علي بن الحسين المسعودي ـ التنبيه والإشراف ليدن 1843 ص 112 يذكر ابو كثير من طبريا وترجمة حنين بن اسحاق من القرن التاسع , والكركساني ـ كتاب الأنوار والمراقب ـ نيويورك  1939 , 145 : 1 يتحدث عن ترجمة الإشكناوي العربية للتوراة وترجمة الرملي وابراهيم بن نوح ومن المؤرخين والمؤلفين الذين يشهدون بقراءة نص من التوراة , عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري ـ كتاب المعارف القاهرة 1934 ـ ص 9 , 6 :"وجدت في التوراة" " قرأت في التوراة " واسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي ـ البداية والنهاية في التاريخ ـ القاهرة 1932 , 115 , 95 : 1 : " رأيت في التوراة  " وفي ص 281 يسرد ترجمة حرفية للوصايا العشر ومحمد بن محمد بن ظفر الصقلي : خير البشر بخير البشر القاهرة 1863 ص ـ 5 ـ:" نسخة أخرى وترجمة أخرى ". وعبد الحق محاولا جاهدا بتحريف النص بمسعى اثبات المقولة ان الكتاب المقدس محرف وهو مزوّراً ومحّرِفاً نصا مغتصبا حسابا جمعا لإثبات ما لا يمكن تصديقه إلا لمن يؤمن ويفكر بقلبه , ففي نص هوشع 6 ـ 5 : 9  : " תקברם מחמד לכספם  " فيحرف عبارة ـ מחמד ـ עיניך " وملوك 1 , 22 : 35   " מעמד במרכבה  " ويستخدم حساب الحرف " ייחלו " أشعياء   42 : 4  كقيمة رقمية عددية ـ 64 ـ كما مبين :

10+10+8+30+6 = 64 وهي تساوي " أحمد "  1+8+40+4 = 53 +5 صلوات +6 يوم الجمعة  = 64 ؟  وكذلك  " והנה " تك 1 : 31 للمزيد إقرأ  :

ח. לצרוס ـ יפה : תרומתו של מומר יהודי ממרוקו לפולמוס המוסלמי נגד היהודים והיהדות  תש" נ  90 -83  ,A.jewish convert   alislami hak -al  cabd : M. perlman  . 191-171 pp - 1940 . 31 j.q.r   .

هل هذه الإيرادات دقيقة كانت أم غير دقيقة, تفيد على وجود ترجمات عدة للكتاب المقدس ؟ أم نتيجة التناقل الشفهي والإختلاف ناتج عن فهم وسماع كل مؤرخ ؟  أو منوط بمصدره ؟  أم هل استخدام عبارة ترجمة "  تفي معنى عملية نقل من لغة الى أخرى  תרגום Translation  , أم بمفاد  " جمع مواد  " Compilation  . مهما كانت الإجابات لهذه التساؤلات فكلها في واحدة وواحدة في مجملها تصب بتصديق الفرضية بوجود ترجمة عربية للكتاب المقدس ولو جزئية , وقضية , أن هذه الترجمة كانت في متناول يد المؤرخين المسلمين ام لا , تبقى قيد الشك إلا أننا نؤيد بوجود هذه الترجمة وان كان إختلاف من مؤرخ لآخر فربما لم ترق هذه الصيغة لهذا المؤرخ أو لذلك المؤلف محاولا التبديل والإستفسار من اليهود والمسيحيين كما ذكر إبن حزم عندما يسأل ابن النغريلة  أو يغير عند النقل كي يتخذ أسلوبا ونمطا خاصا به فالاختلاف بين نص وآخر من ناقل لآخر لا تدل بالضرورة على عدة مصادر ولا تنفي أيضا وجودها. 

 Copyright © 2009-2024 Almohales.org All rights reserved..

Developed & Designed by Sigma-Space.com | Hosting by Sigma-Hosting.com