عن الكنيسة

كاهن الكنيسة

جمعية الكنيسة

مواقع

C??????E نجمه في المشرق

"لاهوت موسيقيّ" للأب د. يوحنا اللاطي

"لاهوت موسيقيّ"

للأب د. يوحنا اللاطي

 

إن موسيقى كنيستنا الرومية الأرثوذكسية تأتي من إصلاح القرن الخريسانثوسي. هذا الإصلاح قلب الفلسفة الموسيقية من كواكبية-ملائكية إلى رياضية والتدوين من اختزالي إلى تحليلي وأسماء الألحان المقطعية الملائكية إلى عددية: أول، ثان،... وأسماء الدرجات الملائكية إلى أبجدية: با، فو،...

نسلِّط هنا الضوء على اللاهوت الذي ميز هذه الموسيقى والذي كان سائداً قبل الإصلاح.

لاهوت موسيقي خَلْقي

لننظر في الجو الكتابي الأول وفي لوحة الخلق الأولى (الكتاب المقدس). ثمة أرض وثمة سماوات. الأرض قاحلة وخالية تغطيها المياه. الأرض غارقة في المياه وفوق المياه ثمة ظلام. في الظلام، ثمة ريحروح تعصف وتُحَرك وجه الماء. العالم في سكون. في سكون رهيب. العالم في انتظار ولادة شيء. هي رهبة الحدث. ثم يجلجل صوت -لنتخيله، كما في الحضارات الشرقية، صوتَ قرار عميق-: "ليكن...". العدم-الفراغ يسمع، يحبل ويلد ولادة فورية النورَ، الجلد... ويتابع النص: "وقال... وقال... وقال... "

في هذه اللوحة لا نرى من الله إلا الصوت (والريح). كما لو كان فماً. كل ما على الأرض وما نحن عليه أصله في الصوت. نسجه الصوت. الخلق معزوفة صوتية هائلة. العالم تناغم صوتي. وبين الخلق والخلق ثمة صمت. في الصمت، يدور شيء ما في خلد الله. الصمت صوت ساكن. هو موسيقى غير مسموعة.

لنعد إلى ما بعد الخلق. قال لآدم: "لا تأكل...". في النص، لا يجيب آدم بشيء. هو أذن. الله (فم و) صوت والإنسان أذن. الحية صماء في طبيعتها أو تصم نفسها. أغوت الحية آدم. علَّمته أن يصم أذنه. فأغلق أذنه عن الكلمةالوصية. تكبَّر. نشَّز. خرج عن التناغم العام. منذئذ وملءُ الله يلاحقه و(تردد) صوت الله يلاحقه وهو يصم أذنه.

من هنا وجوب الوسائط لفتح أذنه وعزل الصمم

كالجرس: هو فاتح للأذن بامتياز. من اقترب من الجرس وهو يدق دقة الحزن مثلاً يكتشف ذلك؛ يخترق الدماغ إلى ما لا نهاية؛ يجعلك ترتعد دون أن يصمَّك. ويدفعك إلى التوبة. إختراع مذهل!

والموسيقى: هي خير سبيل كي تأخذ بلب الأذن كما عازف المزمار يأخذ بلب الحية. الموسيقى الإلهية تخترق الأذن وتتزوج الروح وتأخذها إلى عوالم لتسمع ما لم يسمعه إنسان.

الاختراق الموسيقي -لأن م تقوم على التكرار- كالحفر. الموسيقى تخترق الروح كي تقع الروح في العمق الموسيقي المحفور فيها وتخترقه ثُمَّ ثَمَّ في القعر ثمة جب من نور غير مخلوق تغطس فيه.

الموسيقى تحفر الله فينا. توجده. ليست وسيلةً تلامس خارجنا العصبي. مَثَل الموسيقى فينا مَثَل العليقة غير المحترقة. لذلك تصمت النغمات عندما توصلنا. غير المحدود في المحدود! ثمة فرح يطفر في صمت القلب.

الإنسان على صورة الله. بواسطة السماع يستعيد هذه الصورة كصوت وكموسيقى. لذلك هي خبزنا الجوهري. ليس الله موسيقى وحسب بل إنه يقطن وسط التسبيح الملائكي. وكأنما بيت الله نسيج صوتي ملائكي.

ألحان الأرض صورة "ساقطة" عن ألحان السماء. وتسعى لأن تحاكي الأصل.

لاهوت موسيقي ألحاني

وجود التلحين الكنسي مرتبط بمبدأ التسبيح الملائكي: هي تسبح الله -بتلحين- دون انقطاع. لغتها التسبيح وهو "ذبيحة" لأنه مكلف أكثر من القراءة دون نغم. الإنسان الساقط يتوق إلى هذا النموذج الملائكي الأول. التلحين البشري يريد بكل شيء العودة إلى النموذج الإلهي الأول الأصلي. لذلك الألحان صورة عما يجري في السماوات.

ثمة أربعة ألحان (ذياتونية) (وأربعة مشتقة) وثمة أربع (أو ثلاث) درجات الديوان بسبب أهمية الرقم 4 المسيطر في الكون والمرتبط بالتناغم التام بين كافة أقسام الأرض والسماء: الفصول الأربعة، الجهات الأربع،... وهناك العناصر الأربعة التي الخليقة منسوجة على أساسها: لذلك ثمة ألحان ترابية وألحان نارية وبتعبير كنسي خشوعية، فرحة، حيوية، لكل لحن مدخله أو إسمه الملائكي الخاص به: آنانس، نآنس، نانا، آجيا، نكآنس، آآنس، نآجيه. لكل لحن خطوطه الملائكية كما في الأيقونات: خطوط خاصة لكل وجه. اللحن رسم صوتي كالأيقونة.

الزخارف أو الاكراتيمات المعملة في التلاحين المنمقة هي صورة عن الترنيم الملائكي المجرد عن اللغة. الملائكة تشاركنا العبادة وهذه مهمتها. هي تواكب الترتيل والمرتل ينقل ذلك. تهمس الملائكة في أذنه وهو يدندن نه نه نا ويطنطن تو تو تورُن ويترنم ترِرَم.

مفهوم الديوان (الرباعي) مسيحياً إرتبط بقوة بحياة المسيح وفدائه: الديوان الأول العادي (الملامس ديوان الجواب) (مع ديوان القرار) للألحان المشتقة يرتبط بالمسيح الذي تأنس وتألم وجاع وعطش ولم يك له مسند رأس ومات ومع موته انشق حجاب الهيكل وتفطرت الصخور وأظلمت الشمس وتزعزعت أساسات الأرض وقبر؛ الديوان الثاني الجواب (الملامس الديوان الثالث الأعلى) للألحان الأصلية يرتبط بالمسيح الناهض من القبر بمجد والصاعد إلى السماوات مع التهليل وصوت البوق (جيرولد 3-)2

السلم سبع درجات بسبب سبع الكواكب (فكل درجة ولحن يرتبطان بكوكب). كنسياً، إرتبط هذا التوزيع بالطغمات الملائكية والسماوات القاطنة فيها.

الإيصون ليس صوتاً ثانياً يرافق الترتيل لكنه أساس اللحن (الأصلي والمتغير) وهو نَفَس الله الذي يؤازر المرتلين لذلك هو مستمر وقرار أساساً.

الإيقاع المتماسك والبسيط الذي يقوم على التكرار يعكس الترتيب والبساطة في الإله.

من اللحن الهادئ عموماً يعكس الهدوء الذي يعوم فيه الإله.

لاهوت تدويني

ثمة مبدأ أنتروبولوجي يقيد تدوين علامات الكم: علامات الصعود والنزول درجة واحدة سميت أجساداً وأرواحاً علامات الصعود والنزول درجتين أو أكثر. الأرواح لا تقوم دون الأجساد لذلك ارتبط تدوين الصاعدات والنازلات علامتين وأكثر بالأجساد. علامات الألحان-الافثورات تأتي من العلامات اليدوية والعلامات الدالة على الكواكب.

ختام

موسيقى الملائكة الرومية الأرثوذكسية مشروع يعيد الإنسان الناشز إلى بيت الله. يتوب الإنسان بدءاً بأذنه لأن السقوط بدأ بها. في سكينة وهدوء و"فراغ" القلاية والكنيسة مع ضوء مصباح خافت أو شمعة يرن صوت الله في النفس الناسكة المتعبدة: "ليكن... فكان...".

هي من هذا الشرق. نسجها قديسون صفويون -من الصفاء- هدوئيون (اللاطي (2001)). لذلك هي دواء للذهن الذي عطبته الخطيئة. تعدي الذهن المريض بنقائها وصفائها. موسيقى القديسين الهدوئيين عندما تدخل روحاً ما هي مسيح ينير قبراً مظلماً.

عليه، يجب أن ترتل أمهاتنا لأولادهن. يجب أن يرتل الولد كي يصفو قلبه وكي تبنى قامته الروحية وهذا هو المهم وجودياً. يجب أن تعود المدارس لتعليم هذه الموسيقى والترتيل. هي، لي، أهم من الاكلاسيكية مثلاً لكل الأسباب المذكورة : هي بنت بيئتنا وقديسينا. يجب إعداد مرتلين جيدين مختصين متفرغين لأن المرتل الجيد يغير الوجود ويزينه ويجعل الناس تتوب.

حجة أن الزمن والإيقاع الموسيقيين يرافقان إيقاع الناس لا تطال موسيقى الكنيسة لأن هذه تستبق الزمن الآتي الملكوتي: هي فوق إيقاعات الأزمان الأرضية. إيقاع الناس يلهث راكضاً بحثاً عن إيقاع الكنيسة دون أن يدري. إن السرعة التي تميز إيقاعات اليوم - بسبب القلق والحرمان والنوم الروحي (اللاطي (2002)) - دواءها ليس بإخضاع الإيقاع الكنسي لها لكن بجعل الناس في الكنيسة تدخل في الإيقاع السماوي . إن الذهبي الفم عزل الفن الكنسي عن الشعبي كي يربح الناس إلى المسيح وهنا يجب عزل الإيقاع السريع عن الكنيسة كي نربح الناس إلى هدوء الله. لأن الهدوء هو الغاية. في كنف الإله ليس إلا الهدوء والسلام. الموسيقى الرومية الأرثوذكسية تُنَزِّله وتغرقنا فيه...

 

 Copyright © 2009-2024 Almohales.org All rights reserved..

Developed & Designed by Sigma-Space.com | Hosting by Sigma-Hosting.com