عن الكنيسة

كاهن الكنيسة

جمعية الكنيسة

مواقع

C??????E الانجيل اليومي

الإنجيل: الأحد الخامس_الارشمندريت توما بيطار

الإنجيل: الأحد الخامس من الصّوم (مريم المصريّة): مر10: 32- 45.

*   الرّسالة: الأحد الخامس من الصّوم: عب9: 11- 14 - البارة مريم المصريّة: غلا3: 23- 34.

بٱسم الآب والابن والرّوح القدس، الإله الواحد، آمين.

       اليوم، يا إخوة، وصلنا إلى الأحد الخامس من الصّوم الكبير. وهذا الأحد، بحسب ترتيب الكنيسة المقدّسة، مخصّص للقدّيسة مريم المصريّة.

       مريم المصريّة كانت امرأة خاطئة، وغارقة في الخطيئة. كانت إنسانة تجاهر بخطيئتها وتفتخر بها، حتّى إنّها جعلت منها شيئًا من هواية ومن فنّ. للوهلة الأولى، لا يخطر في بال الإنسان أن تتحوّل مريم المصريّة من امرأة خاطئة بامتياز، إلى قدّيسة بامتياز. ولكن، "ما هو غير مستطاع عند النّاس مستطاع عند الله". وكلّ خطيئة تُغفر لبني البشر إذا تابوا عنها. لماذا، يا ترى، يقبل الرّبّ الخاطئ ويسامحه، ويعطيه أن يسلك في نور الرّبّ؟! – أوّلاً، لأنّ الرّبّ محبّ، وهو لا يشاء الهلاك لإنسان. ثانيًا، لأن ليس هناك فرح في السّماء أكثر من الفرح بعودة إنسان خاطئ واحد إلى طريق التّواضع. ثالثًا، لأنّ الخطيئة كذبة كبيرة. والرّبّ يعرف أنّ الإنسان، في قرارة نفسه، لو كان واعيًا، لو كان عارفًا إلى أين سيصل، لما كان استسلم للخطيئة. الخطيئة، في الأساس، مع آدم وحوّاء، حصلت نتيجة خدعة. الحيّة – الشّيطان خدع آدم وحوّاء. وهما، على سذاجتهما، قبلا إيحاء الحيّة – الشّيطان، وسقطا في الفخّ الّذي نصبه لهما.

       كلّ واحد منّا، في حياته، يُؤخذ بالخطيئة خدعةً. في العالم هناك الكثير من الضّلال، ومن المُضلِّلين، والمُضلَّلين. هناك أناس يظنّون أنّهم إذا أسلموا أنفسهم إلى الخطيئة، يكون ذلك من باب التّجربة، أي إنّهم يجرّبون أمرًا لا يعرفونه. وهذا الأمر الّذي يجرّبونه، يمارسه الآخرون. والإنسان، كلّ إنسان، إلى حدّ بعيد، عنده شيء من الفضول، يرغب في أن يجرّب الأشياء حتّى لو كان عارفًا إلى أين وصل الآخرون لأنّهم سلّموا أنفسهم إلى الخطيئة. وهو يستمرّ في القول في نفسه: "ولكن، أنا واعٍ، أنا منتبه، أنا أستطيع أن أتراجع دائمًا، أستطيع أن أستعيد نفسي". المثل الّذي يقول: "كلّ ما هو ممنوع مرغوب" يعبّر عن حقيقةٍ إلى حدّ بعيد. فالإنسان، في البداية، يسلّم نفسه إلى الخطيئة من باب الفضول، أو من باب الاقتداء بالرّفاق. في علم الاجتماع، ما من قوّة، اليوم، في المجتمع، أقوى تأثيرًا في الشّباب والشّابّات من قوّة الرّفقة الّتي يكون هؤلاء الشّبّان والشّابّات منضمّين إليهم. وطبعًا، الرّفاق يمارسون ضغطًا معنويًّا كبيرًا على كلّ شخص ينتمي إليهم. مثلاً، إذا انضمّ شخص إلى فريق، فهو في كنف هذا الفريق يشعر بالانتماء، يشعر بالفرح، يشعر بالإشباع؛ لأنّه يضحك مع رفاقه، يؤدّي دورًا مع رفاقه، تكون له مكانة مع رفاقه... فإذا قالوا له: فلندخّن"! وأجابهم: "لا أريد"، يقولون له: "أنت لست برجلٍ. لو كنت رجلاً، لتصرّفت كما يتصرّف الرّجال! ممَّ تخاف؟!الكبار يدخّنون!" وبالتّالي، يضغطون عليه حتّى يمارس العادات نفسها الّتي يمارسونها هم. كذلك الأمر بالنّسبة إلى شرب الكحول والسّكر. الرّفاق لهم تأثير كبير في الأفراد. يجد المرء نفسه ، إذا أراد أن يبقى منتميًا إليهم، أنّه مجبر على أن يفعل ما يفعلونه هم. وإذا أراد أن يتركهم، سيجد نفسه وحيدًا. وليس سهلاً أبدًا على أيّ شابّ أو شابّة أن يكون وحده؛ لأنّ الشّبّان والشّابّات يحتاجون، في المجتمع، إلى أن ينضمّوا إلى القطيع الّذي يكونون هم في مثل سنّه، والّذي عنده الاهتمامات نفسها الّتي عندهم. ليس سهلاً أبدًا عليهم أن يتفاهموا مع مَن هم أكبر منهم، أو أصغر منهم. هم يحتاجون إلى أشخاص يكونون في مثل عمرهم. لهذا السّبب، يتعرّض الشّابّ والشّابّة لضغوط متزايدة، حتّى يتبعا سياسة القطيع. فإذا كان القطيع فاسدًا، فالأفراد المنضمّون إليه من السّهل جدًّا أن يفسدوا. وإذا كان القطيع صالحًا، فمن السّهل جدًّا أيضًا أن يسلك الفرد في الصّلاح.

       ولكنّ الخطيئة، دائمًا، لها غوايتها، أي إنّ المرء تتحرّك نفسه للخطيئة أكثر ممّا تتحرّك للصّلاح. لماذا؟! – لأنّ هناك سقوطًا عند الإنسان. السّقوط يعني الميل، عند الإنسان، إلى السّلوك في الخطيئة. الخطيئة تدغدغ أهواءه ورغباته، تدغدغ كبرياءه! الخطيئة تدغدغ المتعة عند الإنسان. لذلك، أسهل على الإنسان أن يسلك في الخطيئة من أن يسلك في الصّلاح، إلاّ إذا توفّرت فعلاً مجموعات من النّاس الأنقياء والغيارى على ما لله والمحبّين للصّلاح. وطبعًا، هذا من المفروض أن تسعى له العائلات المؤمنة، وأن تساعد عليه الكنيسة. ولكن، على الرّغم من ذلك كلّه، من السّهل جدًّا على الإنسان أن يذهب مذهب الخطيئة من أن يذهب مذهب الصّلاح. لهذا السّبب، كثيرون من النّاس مضلَّلون. من وسائل الضّلال، في مجتمعنا: التّلفزيون لا شكّ، وسائل الاتّصال لا شكّ، المنشورات، الكومبيوتر والإنترنت... كلّ ذلك يجعل إمكانيّة السّلوك في الخطيئة مُيَسّرة. لهذا السّبب، عندما يرى المرء أنّ الكثيرين من النّاس يسلكون في الخطيئة، يتبع بسهولة ما يفعله الأكثرون، ولا يعرف، مع الأسف، إلى أين سيصل؛ لأنّ الخطيئة، دائمًا في بدايتها، تكون واعدة! الخطيئة تعطي وعدًا بالفرح، وعدًا بالعظمة، وعدًا بتحقيق النّفس. ولكن، بعد أن يتعاطى الإنسان الخطيئة، عندها يرى أنّ ثمرتها ليست أبدًا كما كان يتصوّر. فلأنّ الخطيئة فيها ضلال كبير، وأكثر النّاس مضلَّلون من جهتها؛ لهذا السّبب، الرّبّ يرحم ويسامح، ويعطي فرصة لكلّ إنسان حتّى يتوب. يتركه ليقع في الخطيئة، في البداية، إذا أصرّ، حتّى تؤدّبه الخطيئة، حتّى يرى أنّ الخطيئة فراغ، حتّى يرى أنّ الخطيئة مرّة وموجعة، وثمنها باهظ! ولكن، لا يلبث الرّبّ الإله أن يعطي الإنسان فرصًا حتّى يعود ويتوب ويبدأ من جديد.

       مريم المصريّة لا نعرف تمامًا الجوّ الّذي عاشت فيه. لكن، لا بدّ من أن يكون هذا الجوّ جوًّا فاسدًا. ربّما في بيتها كان هناك فساد. ربّما رفاقها كانوا فاسدين. ربّما لأنّها كانت جميلة أوقعها الشّيطان في تجربة الزّنى مرّة واحدة، وبعد ذلك سهل عليها أن تعيد الكرّة، وتُسلم نفسها إلى خطيئة الزّنى مرّة بعد مرّة. ومشكلة الخطيئة، عندما يعتادها الإنسان، أنّه يفقد الإحساس بها. إحساسه بالخطيئة يضعف، لا بل يموت! ويصبح عمل الإرادة للخروج من الخطيئة أمرًا صعبًا جدًّا. الخطيئة تضعف الإرادة دائمًا عند الإنسان. لذلك، كثيرون إذا كانوا معتادين على شيء خطأ، إذا كانوا معتادين الزّنى مثلاً، أو السّكر، أو المقامرة، أو تعاطي التّدخين، أو في حالات قصوى المخدّرات... تصير إرادتهم كأنّها معدومة. بمجرّد أن تستدعيهم الخطيئة، يسلمون أنفسهم إليها، ويفقدون الإحساس بعظم الخطيئة وتأثيرها السّلبيّ السّيّئ فيهم.

       أحيانًا، الرّبّ يعطي الإنسان الفرصة أن يُصدَم! يرى شيئًا أمامه، ينصدم به؛ فيستفيق. يمرض، فيستفيق! أحيانًا يستفيق، وأحيانًا لا! إذًا، الخطيئة تفتك بالإرادة، وتفتك بالإحساس عند الإنسان. مريم المصريّة، حتّى استفاقت – لأنّها لم تكن واعية – صدمها الرّبّ. عندما ذهبت إلى أورشليم في عداد الّذين كانوا مسافرين إلى هناك ليسجدوا للصّليب المقدّس، كانت ذاهبة من أجل التّسلية، كانت ذاهبة من أجل إشباع هذه الرّغبة العميقة الّتي فيها إلى الزّنى، إلى الفسق، إلى الفجور! لم يكن عندها أبدًا أيّ إحساس بأنّها تفعل شيئًا خاطئًا؛ لأنّ هذه حياتها: الإحساس مات بالنّسبة إليها، إلى أن أتت الجموع إلى كنيسة القيامة، حتّى يسجد النّاس لعود الصّليب. هناك، كلّ النّاس كانوا قادرين على أن يدخلوا من باب الكنيسة، إلاّ مريم! مُنع عليها من فوق أن تدخل إلى الدّاخل! حاولت وأعادت المحاولة، فلم تنجح! الرّبّ صدمها من الدّاخل، وقال لها، بمعنًى من المعاني، إنّها لا تستحقّ أن تدخل الكنيسة. استفاقت! طبعًا، استفاقت بنعمة من فوق. والله لا يدّخر فرصة إلاّ يعطيها للناس حتّى يستفيقوا، حتّى يتوقّفوا عن الخطيئة؛ لأنّ ثمرة الخطيئة هي الموت! أجرة الخطيئة هي الموت! ومريم المصريّة، عندما استفاقت، أعطاها الرّبّ الإله أن ترى نفسها على حقيقتها. رأت كم أنّ خطيئتها عظيمة، كم أنّ خطيئتها رهيبة! رأت كم أنّها في الظّلمة! وعندها تابت.

       كلّ واحد منّا، إذا أعطاه الرّبّ فرصة لأن يستفيق؛ فليستفد من هذه الفرصة! مثلاً، إذا كان المرء معتادًا أن يسرق، أو يرتشي، أو يزني، أو يكذب... والرّبّ سمح وصدمه؛ فليستفد من الصّدمة، وليتب إلى الرّبّ الإله. الإنسان الّذي يُعطى فرصة ولا يستفيد منها، حالته تصبح أسوأ بما لا يُقاس! الرّبّ لا يظلم أحدًا إطلاقًا. وهو قبل أن يسلمنا إلى الجحيم، يعطينا كلّ الفرص حتّى نتوب إليه. لا أحد يستطيع أن يقول: "الرّبّ لم ينظر إليّ"! الرّبّ ينظر إلى كلّ واحد وبحنانه.

       أمّا المشكلة الثّانية الّتي تواجهنا، فهي أنّ الشّخص يقول: "حسنًا، أنا مُخطئ. لكنّني لست قادرًا على أن أتغيّر. حاولت أن أتغيّر، لكنّني لم أستطع"! هذا، بالنّسبة إلى العديدين، سبب حتّى يعود الإنسان إلى خطيئته. يقول: "أنا لا أستطيع! لقد اعتدت ذلك! هكذا عشت طول حياتي!" هذه أيضًا من ضلالات الخطيئة. إذا وعى الواحد أنّ ما يفعله خطأ، إذا أحسّ، في قرارة نفسه أنّه يُخطئ؛ فلا يقبلنّ أبدًا الفكر الّذي يقول له: "لن تتمكّن من فعل شيء. ما أنت واقع فيه لا يمكنك إطلاقًا أن تنهض منه"! هذا غير صحيح، لأنّ الإنسان، إذا وعى وقرّر أن يتخلّص من خطيئته، وقرّر أن يسلك في التّوبة؛ فإنّ الرّبّ الإله يعينه. لا يمكن إلاّ أن يعينه. ولكن، لا نظنّنّ أبدًا أن الأمر شوكةً وتُقلع. لا! الرّبّ يعيننا بقدر ما نكون مصمّمين على أن نتوب إليه. إذا كان الإنسان مصمّمًا بصورة كاملة على أن يتوب إلى ربّه، فالرّبّ الإله يعينه عونًا كاملاً. أمّا إذا كانت نفس الإنسان منقسمة، أي يريد ولا يريد، فعندها نعمة الله لا تعينه في شيء على الإطلاق. وإذا قرّر الإنسان أن يتوب عن خطيئته، فلا شكّ في أنّه سيشعر بشيء من الضّيق، وأحيانًا بالكثير من الضّيق! يشعر أحيانًا وكأنّه يختنق! نفسه تضغط عليه حتّى يعود إلى خطيئته؛ لأنّ الإنسان، عندما يكون غارقًا في عادة الخطيئة، تصير هذه العادة، بالنّبسة إليه، عادة ثانية! لا شكّ في أنّه سوف يتعرّض لضغوط قويّة من الدّاخل، وأحيانًا قويّة جدًّا. ولكن، إذا صرخ من عمق قلبه إلى الرّبّ الإله، فإنّ الرّبّ الإله يُطفئ هذه النّار الّتي تتلظّى في قلبه، نار شهوة نفسه.

       المهمّ، إذا أعطى الرّبّ الإنسان الإحساس بالخطيئة، أن يطلّق خطيئته بصورة كاملة. أي يقول: "حتّى لو متُّ، فلن أعود وأفعل هذا الأمر"! أنت، يا إنسان، مطلوب منك التّصميم، والرّبّ الإله هو الّذي يعطيك القدرة حتّى تقوى على الخطيئة الّتي وقعت فيها. نحن علينا أن نصمّم، علينا أن نقرّر. وبعد ذلك، كلّ شيء آخر يتبع. طبعًا، ما يحدث أحيانًا أنّ الخطيئة تأتينا بذكريات تبدو لعيوننا حلاوات! يجد الإنسان نفسه يجاهد. ولكن، من جهة أخرى، تأتيه أحاسيس وأفكار وخيالات وصور ترغبّه في الخطيئة، وتدعوه إليها. على الواحد ألاّ يتفاعل معها، عليه ألاّ يتعاطى معها. كلّ هذه الأفكار والخيالات والأوهام والأحاسيس، إذا صمّم الواحد على أن يتنقّى منها ويتوب عن خطيئته؛ فلا شكّ في أنّها سوف تكون شيئًا من الصّليب. ولكن، إذا لم يذق الواحد الصّليب، صليب المسيح، ويحفظ الأمانة؛ فلا يمكنه أن يذوق القيامة.

       مريم المصريّة، عندما أخذت تسلك في الخطيئة، في الفجور، يبدو أنّها كانت في حوالى الثّانية عشرة أو الثّالثة عشرة من عمرها. وسلكت في الفجور حوالى سبع عشرة سنة. وعندما تابت ودخلت برّيّة الأردنّ، عانت معاناة قاسية جدًّا جدًّا جدًّا! بقيت سبع عشرة سنة تعاني وتتألّم، وكانت خطاياها تعود إليها من خلال الذّكريات والأفكار والخيالات والأحاسيس! وكانت هي تقاوم وتصرخ وتصّلي وتسجد وتصوم. بقدر ما كانت مريم المصريّة عاشقة للخطيئة؛ صارت، بعد أن حرّك الرّبّ قلبها، عاشقة للتّوبة. وطبعًا، سبع عشرة سنة عاشت وكأنّها في الجحيم، وهي تحاول وسعها أن تردّ عن نفسها هجمات الخطيئة. وبنعمة الله نجحت. الرّبّ لا يريد أن يفشّل إنسانًا. لأنّها صمّمت وجاهدت، فبعد سبع عشرة سنة، أخذت أمواج التّجارب تخفّ عنها. عندها، دخلت في مرحلة أخرى. عندها، صارت تسكب دموعًا على نفسها وعلى العالم. بعد أن تنقّت نفسها بنعمة الله، إلى هذه الدّرجة، صارت كأنّها امتداد للرّبّ يسوع المسيح الّذي حمل خطيئة العالم.

       الإنسان الّذي يسلك بأمانة مع الرّبّ، يختبر شيئًا ممّا خبره الرّبّ يسوع المسيح بالذّات! يصير عنده توحّد مع كلّ الخطأة في العالم، يبدأ بأن يحبّهم أكثر، يصير في وصال معهم أكثر، يصلّي لهم أكثر، يبكي لأجلهم أكثر! أي هؤلاء الّذين يتوبون يبتعدون بالجسد عن النّاس، لكنّهم بالرّوح يقتربون إلى درجة التّوحّد بالنّاس. مريم المصريّة، بحسب نصوصنا، وصلت إلى درجة ضاهت فيها الملائكة، في نقاوة نفسها، بنعمة الله. الرّبّ أعطاها أن تتنقّى إلى أبعد الحدود. تعاونت مع الله حتّى الأخير. ونعمة الله آزرتها حتّى الأخير أيضًا. يُظنّ أنّها بقيت حوالى الأربعين سنة أو يزيد، ولم يكن أحد يعرف بها إطلاقًا، إلى أن أرسل الرّبّ الإله إليها راهبًا اسمه زوسيما. هذا اكتشفها، وكشفها لرهبان دير القدّيس يوحنّا المعمدان على نهر الأردنّ. ومن أخبار الرّهبان عنها أخذ القدّيس صوفرونيوس الأورشليميّ، بطريرك أورشليم، وكتب سيرتها الّتي وصلت إلينا، وهي من أجمل الأدب الكنسيّ.

       المهمّ، يا إخوة، حتّى نستفيد، أن نعرف أنّ علينا ألاّ نبرّر خطايانا، سواء أكانت خطايا صغيرة أم كبيرة. لا يبرّرنّ أحد نفسه. إذا ارتكب أحد خطايا منذ عشر سنوات وقد نسيها، والرّبّ أعطاه أن يتذكّرها؛ فليأتِ إلى كنيسة المسيح ويعترف بها. هناك أناس يعترفون بخطاياهم الّتي ارتكبوها منذ ثلاثين أو أربعين سنة! لا نظنّنّ أنّ علينا أن نعترف بخطايانا الّتي ارتكبناها الأسبوع المنصرم أو الشّهر المنصرم فقط! الخطيئة الّتي تعشّش في النّفس، والّتي لا نعترف بها، ولا نكفّر عنها بطريقة أو بأخرى، وفق القواعد المتّبعة في كنيسة المسيح؛ هذه تكون كالميكروب النّائم في النّفس، الّذي يعود، في وقت من الأوقات، ويستيقظ ويسبّب للنّفس الكثير من الأذى. وبصورة خاصّة، خطايا الإنسان كميكروبات تستيقظ عند ساعة الموت، عندما لا يعود بإمكان الإنسان أن يفعل شيئًا. أحيانًا لا يكون قادرًا على أن يعترف. أحيانًا تكون نفسه بوضع لا يسمح له بأن يعترف بخطاياه. فإذا كان الإنسان الآن واعيًا أنّه ارتكب أفعالاً في ماضيه لم تكن مرضيّة لله، فليعترف بها الآن قبل الغد! أنا أعرف مثلاً أناسًا يعترفون بأنّهم خضعوا لعمليّة إجهاض منذ عشرين سنة أو ثلاثين. مرّةً، اعترفت لديّ امرأة، والآن رقدت، كان عمرها ثمانين سنة. اعترفت بخطيئة ارتكبتها عندما كانت في التّاسعة من عمرها! الاعتراف والتّكفير عن الخطايا يساعدان كثيرًا على تنقية النّفس. فلا ننامنّ أبدًا على حرير، ونعتبر أنّ "الّذي فات مات"، وأنّنا إذا نسيناه، فهذا يعني أنّ الرّبّ نسيه. غير صحيح. على الواحد منّا أن يعود إلى دفاتره القديمة، وينتبه حتّى لا يكدّس حاضرًا خطايا إضافيّة على ملفّاته القديمة. هذه الدّنيا فيها حياة وموت. الخطيئة، كما يقول الكتاب، أُجرتُها موت. على الواحد منّا أن يتوب عنها، ويعترف بها، ويكفّر عنها، ويصمّم على ألاّ يعود إليها، وعليه أن يعاند، طالما هو على قيد الحياة، لكي لا يعود إليها. لا نظنّنّ أنّ الاعتراف بالخطايا أمر بسيط: يضع الكاهن البطرشيل على رؤوسنا، ويصليّ لنا قليلاً، ثمّ تصبح الأمور على ما يرام. هذا غير صحيح. إذا لم يكن هناك اعتراف بالكلمة ومن القلب بالخطايا، فإنّ الخطايا لا تُغفر لنا. إذا كان المرء يعترف باستخفاف،

 Copyright © 2009-2024 Almohales.org All rights reserved..

Developed & Designed by Sigma-Space.com | Hosting by Sigma-Hosting.com