عن الكنيسة

كاهن الكنيسة

جمعية الكنيسة

مواقع

C??????E التراث العربي المسيحي

28/8/2009
مفهزم كنيسة المشرق _ الحلقة الثامنة

مفهوم كنيسة المشرق للاهوت الاسرار حسب منظور ثيودورس المصيصي

                                            التقديم  _ الحلقة الثامنة

4. 4. الروح القدس في الأسرار

إن دور الروح القدس الذي يستحضر بالصلوات والتضرع إلى الله، هو جوهري في فهم وقوة الأسرار. بشكل متناغم مع التقليد المسيحي الشرقي، ليس هناك من شك على أنه في فكر ثيودوروس كما الحالة في تقليد كنيسة المشرق، أن "لحظة" التقديس في الاوخاريستيا هي لحظة الابتهال للروح القدس ليحل على العطايا التي على المذبح. لأن ثيودوروس يقر على أن "الروح القدس" ومن خلال النعمة الإلهية "هو الذي يأتي على الخبز والخمر الموضوعين على (المذبح) بحيث يمكن رؤيتهما كجسد ودم ربنا الحقيقيين واللذين هما ذكرى للخلود" (80). ويضيف ثيودوروس مباشرة بأن النقطة الحاسمة ومفعول سر الاوخاريستيا هي في قيامة المسيح: "في الحقيقة إن جسد ربنا الذي هو من طبيعتنا كان في الماضي فانياً بطبيعته، ولكن من خلال القيامة تحول إلى طبيعة غير فانية وغير قابلة  للتغيير. عندما يعلن الكاهن أن (الخبز والخمر) هما جسد ودم المسيح فإنه يعلن بوضوح أن (القرابين) قد أصبحت كذلك بحلول الروح القدس، الذي من خلاله أصبحت غير فانية أيضاً كما هو جسد الرب، بعد أن كان قد دهن وتقبل الروح (81)، وظهر بوضوح أنه أصبح كذلك. وبنفس الطريقة (بعد حلول الروح القدس) فإننا نعتبر أن (مادتي الخبز والخمر) هما من الآن غير فانيين، وغير قابلين للفساد، والشعور بالألم، وللتغيير بواسطة الطبيعة،كما كان جسد ربنا بعد القيامة (82)".

 4. 5. المحتفل والمستلم للأسرار

إن الحالة الحاسمة لتقبل مغفرة ونعمة الله في سياق الأسرار هو فعل الإيمان. في نظر ثيودوروس الروحاني "الإيمان" أي (الاعتقاد في إله واحد الأب الكلي القدرة) "هو أساس عبادة الله ومخافته" (83). الإيمان هو العنصر المكمل في فعل الصلاة والعبادة لكل من المحتفل بالأسرار والمستلم لها. إن أي عبادة جديرة بالتصديق تعتمد على "الإيمان بأشياء غير مرئية والتي لا توصف" (84). تلك هي الأشياء التي "تحتاج إلى الإيمان، لتمكن الفكر أن يرى غير المرئي" (85). الأشياء المرئية نراها بأعيننا، بينما تلك غير المرئية "تبصر فقط بالإيمان" (86). بالنسبة لثيودوروس كما لبولس "الإيمان هو موضوع الأشياء المؤمل بها ودليل الأشياء التي لا ترى" (87).

أنه من الأهمية بمكان لكل من المحتفل والمستلم للأسرار أن يكون غائراً في فعل الصلاة. من ناحية ثانية يعرف ثيودوروس الصلاة كما يلي: "الصلاة الحقيقية تكمن في الأعمال الحسنة، في محبة الله، وفي الاجتهاد بالأشياء التي تسعده" (88). ويضيف ’’الصلاة لا تكمن كثيراً في الكلمات، بل في الطيبة، والمحبة، والحماسة في الواجب. في الحقيقة أن أي فرد يميل إلى الأعمال الصالحة، يحتاج أن يكون في حالة صلاة دائمة طيلة حياته… فالصلاة متصلة بالضرورة بالأعمال الصالحة، لأن الشيء غير الصالح للتطلع إليه، هو غير صالح للصلاة من أجله… إذا كنت مهتماً بالصلاة، فاعلم أنها لا تنجز بالكلمات بل باختيار الحياة الفاضلة، ومحبة الله، والاجتهاد في واجب الفرد. إذا كنت متحمساً في هذه الأشياء فإنك في حالـــة صلاة طيلة حياتك‘‘ (89). إن مستلم الأسرار مدعو من قبل آباء الكنيسة ليعيش "حياة الأعمال الصالحة والصلوات". عندما يصل إلى الكنيسة لتناول الأسرار، يجب أن يكون واثقاً من أن "(الرب) قد منح الكنيسة قوة بحيث أن أي فرد يقترب منها فهو يقترب أيضاً من الأشياء السماوية، وأي فرد يصبح غريباً عن (الكنيسة) فهو  بالتأكيد  يصبح غريباً عن الأشياء السماوية أيضاً" (90).

وكدليل على حقيقة أن الكنيسة تملك قوة الأسرار والصلاحية، يقتبس ثيودوروس الآيات البطرسية التي قال فيها المسيح لبطرس "أنت صخرة وعلى الصخرة هذه سأبني كنيستي، فلن يقوى عليها سلطان الموت. وسأعطيك مفاتيح ملكوت السماوات. فما ربطته في الأرض ربط في السموات وما حللته في الأرض حل في السماوات"(91). كذلك فمن جهة متناول السر هناك فهم بدائي على أن المؤمن يجب أن يكون لديه شرط مسبق - ضروري للفهم الصحيح لتاريخ الخلاص البشري، أو الأصح تاريخ سقوطه. في هذا الإطار، يؤكد ثيودوروس على أننا يجب أن نعرف تاريخنا الروحاني وأسباب سقوطنا، "لأن الشيطان، الذي (أصغينا) إليه، كان سبباً لفواجع عديدة وكبيرة" (92). وعليه، فإن شجب الشيطان، خلال سر المعمودية، بصيغة "أنا أشجب الشيطان" هو أمر حاسم لتراصف تاريخ إيماننا مع تاريخ الخلاص. عندما نشجب الشيطان، الذي حث على التمرد ضد النواميس الإلهية في وبين البشر، فنحن نعلن انفصالنا عنه حالياً وكذلك لأي علاقة سابقة كانت لنا معه. إن شجب الشيطان يعني أننا نعلن أن  "ذلك الوقت القديم القاسي الذي سبب  لنا العبودية الفاجعة" قد انتهى وأن أي علاقة كانت لنا معه قد قضت (93). وشجب الشيطان في إطار السر هو أيضاً شجب ورفض لأولئك الذين تآمروا مع الشيطان، أعني، ملائكته (94). إن شجب الشيطان يعني أننا "نرفضه دائماً وأننا لا نعود إليه ولا يسرنا أن نتآزر معه ثانية". وعليه يجب علينا "أن نبقى راسخين أمام الله ومعه بدون تردد… لنفكر ملياً… لنعيش معه ونرشد أنفسنا إلى طريق يكون في تناغم مع وصاياه" (95). إن متناول الأسرار يكون في صراع دائم وحقيقي مع الشيطان وملائكته، مع الشرير وأعوانه. لكونهم القوى التي أنزلت جنسنا البشري من المكانة العالية التي كان فيها بعد أن خلق الله آدم، واستمرت بفعل نفس الشيء، أو على الأقل خططت لفعل الشيء ذاته لذرية آدم، يعني لكل البشرية. وعليه، فإن متناول الأسرار في نظر كنيسة المشرق، هو في نوع من الصراع مع قوى الشيطان وعليه أن يبقى محافظاً على ثلاثة أشياء، (أ) تقبل تعاليم الكنيسة عن كل سر. (ب) أن يكون في حالة حذر وصلاة قبل وبعد فعل التناول. (ج) أن يعيش في حالة دائمة من "الأعمال الصالحة والصلاة" (96).

وبالرغم من كون السر مرعباً وعظيماً، فإن ثيودوروس يستمر في نصح المؤمن ليثق به ويتناوله بأمل عظيم لأنه "من عظمة الهبة (عندما تستلمها) فإنك تضع ثقتك في ذاك الذي يهب هذه الأشياء للجنس البشري، والذي يمنح أيضاً ثقة كهذه… لأولئك الذين هم في حاجة إلى نعمة الله…" (97).

إن علاقة الإنسان مع جاره هي حاسمة أيضاً في تبرير تناول السر (الاوخاريستيا). الإلزام الأخلاقي لمحبة الجار كما يحب المرء نفسه، هو مفتاح الفكرة لدى ثيودوروس في تعليمه حول الحالة الأخلاقية لمتناول الأسرار. ويؤكد على أننا كما نطلب من الله المغفرة عندما نصلي، كذلك فنحن نقر في صلاتنا بأننا نطلب نعمة المغفرة، كما أننا قد غفرنا لأولئك الذين اخطأوا ضدنا (98). وعليه ’’(فإننا) لا نكون في حالة تقبل النعمة والمنافع المعدة لنا من قبل الله، عندما لا نزال في هذا العالم، إذا لم نجاهد بكل قوانا لنكون رحماء إلى جيراننا. سنصبح أهلاً لهذا السر المقدس الملهم لخشية الله إذا فكرنا في الأشياء التي (نصلي من أجلها الله)، وإذا أحرزنا في مقياس قوانا، فكراً سامياً عن الأشياء الأرضية، وإذا تأملنا الأشياء السماوية وفكرنا باستمرار بأننا برجائها تناولنا هذه الأسرار‘‘  (99).

 Copyright © 2009-2024 Almohales.org All rights reserved..

Developed & Designed by Sigma-Space.com | Hosting by Sigma-Hosting.com