الصفح والمغفرة ومثل العبد الشرير++

انجيل الاحد الحادي عشر

متى 35 _23 :18

ميخائيل بولس _ www.almohales.org

+23 قال الرب هذا المثل . يسبه ملكوت السموات انسانا ملكا اراد ان يحاسب عبيده.

ضرب المسيح هذا المثل ليعلّم تلاميذه وشريعة الملكوت الجديدة في شان الغفران للمذنبين الينا وهو يصح ان يحسب شرحا للطِلبة الخامسة من الصلاة الربانية " اغفر لنا ذنوبنا "..الخ.

+يشبه ملكوت السموات انسانا ملكا: يشبه ملكوت السموات بانسان ملك.يقول العلامة اوريجانوس:" ملكوت السموات هذا هو ابن الله عندما صار في  شكل  جسد الخطية متحدا بالناسوت فصار انسانا ملكا".

المراد بهذا المثل ان الله يعامل كنيسته على الارض كما يعامل الملك بعض رعيته.

+يحاسب عبيده: أي عبيد الملك اي " خدمه" و "خدم ط في الكتاب المقدس لا تدل في كل مرة على العبيد، بل كثيرا ما تدل على شخصيات كبيرة من وزراء وغيرهم { صموئيل الاول 14 :8 ملوك الثاني 6 :5 ومتى 27 :13 و 30 _14 :25 } ومعنى العبيد الروحي اعضاء كنيسة المسيح في كل زمان ومكان. وليس المراد بالحساب هنا حساب يوم الدين المشار اليه في متى { 19 ك25 } وفي كورنثوس الثانية{10 :5 } ولكنه كالحساب المذكور في لوقا { 2 :16 } هذا الحساب عندها يجعلنا نقابل خطايانا بمطالب شريعته المقدسة.

+24 فلما بدأ بالمحاسبة احضر اليه واحد عليه عشرة آلاف وزنة.

الوزنة تعادل 34 كغن تقريبا.اي ان الدين مبلغ باهظ جدا يساوي الالاف المؤلفة من جنيهات الذهب. وهذا يعني ان الخادم في وضع لا مخرج منه الا رحمة  سيده { عدد 26 } واراد المسيح ان يشبه بذكره هذا المبلغ الى كثرة الدين على الخاطىء امام الله.

"فكيف يتبرر الانسان عند الله وكيف يزكو مولد المراة"{ ايوب 4 :25 } و ط ان كنت تراقب الاثام يا رب يا سيّد فمن تقف" { مزمور 3 ك130 } و "لا تدخل في المحاكمة مع غيرك فانه لن يتبرر قدّامك حيّ"{ مزمور 2 ك143 } فكم نحن عاجزون عن ايفاء ما علينا من الدين لله. ولكن برحمته التي لا توصف اعدّ لنا الفداء باستحقاق في المسيح دعوته لانقاذنا من ذلك الدين العظيم.

ويقول القديس اوغسطينوس:" بلزمنا ان نؤكد انه كما أُعطي الناموس في عشر وصايا فان العشرة آلاف وزنة تعني كل الخطايا التي ارتكبت في حق الناموس".

+ 25 واذ لم يكن له ما يوفي أمر سيده ان يباع هو وامراته واولاده وكل ما له ويوفي عنه.

لاويين 39 :25 وما يلي وملوك الثاني 1 :4 ونحميا 8 و5 :5 واشعياء 1 :50 .

كان بيع الاولاد جائزا في الشريعة اليهودية {لاويين 49 :25 ملوك الثاني 1 :4 ونحميا 6 :5 وعاموس 6 :2 و 6 :8 }وجوّزته ايضا الشريعة الرومانية.

ويرى القديس جيروم ان الزوجة هنا هي " الغباوة" فكما ان الحكمة هي زوجة الانسان البار كقول الكتاب  " قل للجكمة انت اختي" لتحفظك من المراة الاجنبية الغريبة المليقة بكلامها"{ امثال 5 _4 :7 } فان الشرير زوجته " الغباوة " فبما ان البار بالحكمة ينجب افكارا مقدسة وسلوكا فاضلا في الرب ينجب بنينا للحكمة يفرح بها الربّ. هكذا الشر بالتصاقه بالغباوة ينجب اولادا هم الافكار الشريرة والتصرفات الدنسةز

 ويرى القديس اوغسطينوس: في الزوجة الرغبة الشريرة التي تلتصق بالشرير فتلد ابناءً هم اعماله الشريرة.. وكان الانسان في شرّه يقدّم لدى الديان حسابا عن زوجته أي رغبته او ارادته الشريرة ومن اولاده أي تصرفاته الشريرة".

+ يوفي عنه: أي يوفي قسما من الدين بقدر ثمن البيعز وليس لهذا معنى روحي الا ان الخاطىء المتروك الحتمال نتائج عمله تحت دينونة ابدية فلا يستطيع ان يبرر نفسه او ان يحرر ذاته من عواقب آثامهز فكل ما في العالم من ذهب وفضّة لا يكفر عنها " لا يفتدي احد اخاه اصلا ولا يعطي لله كفارة عنه، اذ فداء نفوسهم ثمين حتى لا يُحصَل عليه الاى الابد" { مزمور 9 _8 :48 } فلا تفدي نفس الخاطىء بكل الذبائح والتقدمات ولا بشيء من الاعمال الصالحة _ اذن فالكلام بهذه المبالغ الطائلة هو فقط كي يرينا عظمة الدَّيْن ويبرهن لنا باننا لن نستطيع وفاءه وحدنا مهما عملنا.

+26 فخرّ العبد وسجد له قائلا: يا سيد تمهل عليّ فاوفيك الجميع.

+ فخرّ العبد وسجد له: هذه علامة الوقار اللائق بالملك والتضرع الشديد له.

+ تمهذل عليَّ: في هذا اشارة الى غاية الخوف والحزن لانه وعد بما يستحيل عليه رغبة في النجاة من الخطر المحدق به حينئذٍ اذ لم يكن له ما يوفي الدين ووعد بان يوفي الكل. ولم يَفُه في شيء من كلامه وفي اعتراف بذنبه. مثل هذا الوعد الباطل تكون احيانا مواعيد الخطأة في وقت شعورهم بخطاياهم وخوفهم من الموت فينذرون التوبة والطاعة واصلاح السيرة وهم عاجزون عن القيام بذلك.

+ 27 فتحنّن سيّد ذلك العبد  واطلقه وترك له الدين:

مزمور 38 :78 و 15 و 5 :86 و 8 :145 .

هذا الملك الحنون الكريم جاد على ذلك العبد باكثر مما ساله فانه لم يساله سوى المهلة فترك له كل الدين وفي هذا مثال لعظمة رحمة الله الذي يغفر كل خطايانا مجانا اجابه لطلباتنا وشفقه علينا.وغاية الانجيل المناداة بهذه الرحمة{ رومية24 :7 ورسالة يوحنا الاولى 9 _8 :1 }.

+28 ولما خرج ذلك العبد وجد عبدا من رفقائه له عليه مئة دينار .فامسكه واخذ بعنقه قائلا: اوفني ما لي عليك.

+ مئة دينار مبلغ زهيد بالنسبة للمبلغ السابق. فلا يوجد تناسب بين المبلغين.

وهذا يبيّن لنا جليّا صغر اساءة انسان الى آخر من اخوته بالنسبة الى ما عليه لله. والمقصود من ذلك انه بما ان الله يغفر لنا كل تلك الآثام العظيمة يجب علينا ان نغفر لاخوتنا الاساءة الوحيدة بالنسبة اليها.ولم يقل هنا ان ذلك الدَّين لم يكن حقا انما ظهر من المثل انه اخطا في طاب الذي له على اخيه بقساوة كهذه بعدما نال عظيم الرحمة من الملك.

يقول القديس يوحنا الذهبي الفم:" اذ لم يكن بعد صوت المغفرة يدوّي في اذنيه اذا به ينسى نحبة سيده المترفقة! انظر أي صلاح ان تتذكر خطاياك! فلو ان هذا الانسان احتفظ بها بوضوح في ذاكرته ما كان قد صار هكذا قاسيا وعنيفا لهذا اكرر القول..انه تذكار معاصينا امر مفيد للغاية وضروري جداز ليس شيء يجعل النفس حكيمة بحقّ ووديعة ومترفّقة مثل تذكار خطايانا على الدوام لهذا كان بولس يتذكر خطاياه التي ارتكبها ليس فقط بعد التطهير وانّما تلك التي ارتكبها قبل عماده مع ان هذه جميعها قد غفرت في الحال وأزيلت".

+29 فخرّ العبد رفيقه على قدميه وطلب اليه قائلا :تمهّل عليّ فاوفيك الجميع.

الكلمات التي استرحم بها العبد رفيقه هي نفسها الكلمات التي استرحم بها ذلك الرفيق سيده فكان يجب ان تذكره ضعفه والرحمة التي نالها.

+30 فابى ومضى وطرحه في السجن حتى يوفي الدين.

لم يذكرهذا العبد المراحم التي  منحت لهولم يشفق على البائس فالقاه في السجن حيث لا سبيل له الى تحصيل ما يوفي الدين.

+31 فلمّت راى رفقاؤه فحزنوا جدا وجاءوا فاعلموا سيدهم بكل ما كان.

الله لا يحتاج الى من يشهد له بحال المظلومين في هذا العالم. فلعلّ المراد بالرفقاء المذكورين هنا المؤمنون الذين في صلواتهم الظلم والتحدي وعدم الشفقة والمحبة وروح المصالحة في العالم فالحزن اجدر بهم من الغضب الذي هو أولى بالملك لانه الحاكم الديان.

والذي يظلم احد الاخوة المؤمنين يُحزن الجميع.

+32 فدعاه حينئذ سيده وقال له:ايها العبد الشرير كل ذلك الدّين تركته لك لانك طلبت اليّ.

++  هذه المادة المقتبسة {بشكل جزئي} من كتابنا الجديد " تفسير اناجيل الاحاد " للاستاذ ميخائيل بولس واصدار جمعية ابناء المخلص في الاراضي المقدسة.