عن الكنيسة

كاهن الكنيسة

جمعية الكنيسة

مواقع

C??????E

18/8/2009
التمييز بين كنيسة البشر وكنيسة الحجر_المطران يوحنا جنبرت

 التمييز بين كنيسة البشر وكنيسة الحجر

المطران يوحنا جنبرت

 ولربما يحسن بنا أن نقول كلمة في هذا المكان عن كنيسة البشر وكنيسة الحجر، حيث إنَّ العنصرة وجماعة الرسل والمؤمنين الأولى الملتفة لا بل المنشأة والمكوّنة حولهم تبين بوضوح الصورة الحقيقية للكنيسة: " كنيسة البشر" التي تقوم على الرسل وقوة الروح العاملة فيهم، وكأنّه بدونهم لا كنيسة تستمر ولا خلاص يبلغ الشعوب. فبطرس والأحد عشر هم أساس الجماعة المسيحية الحقّة التي تحيا بالمسيح وتنمو بنعمه المعطاة لها بواسطتهم. فالدعوة تصدر عنهم ومعرفتها للحقيقة تأتي من كرازتهم وان روح المسيح وتقديسه لها يمر بالكهنوت الخلاصي المتجذّر فيهم من جرّاء حلول الروح القدس. والرسل هم الذين يرعون ويسوسون شعب الله كما نقرأ في أعمال المجمع الفاتيكاني:" إنَّ المسيح الرب قد أنشأ في كنيسته، لكي يرعى شعب الله وينميه في غير انقطاع، خدماً متنوعة تهدف إلى خير الجسم كله. فالرعاة، وقد قلّدوا سلطاناً مقدساً، هم في خدمة إخوتهم لكي يتمكن جميع المنتمين إلى شعب الله أن ينالوا الخلاص". ( الدستور العقائدي للكنيسة 18)

فالكنيسة في الأساس كما نستنتج مما سبق هي كنيسة البشر وكنيسة المعرفة والتقديس والالتقاء في رحاب رعية " شعب الله "، المنطلقين نحو الخلاص. وإذا أردنا أن نقول كلمة عن كنيسة الحجر، فمن الواضح أنّه لم يكن لها وجود في البداية، وهي إن وجدت لاحقاً فبسبب الطابع الجماعي لمسيرة المؤمنين نحو أرض الميعاد، أورشليم الجديدة. فالكنائس بنيت فيما بعد كي تؤمّن المكان الذي يلتقي فيه المؤمنون والمكان الذي يحتفل فيه الرسل ومن حولهم بالأسرار المقدسة وعلى رأسها الأفخارستيا، إذ إنَّ الخِدَم الكنسيَّة ترتبط ارتباطاً جوهرياً بالطبيعة الأسرارية، كما أنّ الخدمة الكنسية الأسرارية هي جماعية أصلاً وتقتضي بطبيعة الحال مقرّاً تُنظَّم فيه لقاءاتها الاحتفالية. فالرسل الذين أرسلهم الرب ليعلّموا ويعمّدوا كل إنسان يقبل إليهم، هم أركان الكنيسة عليهم تقوم وتتكون وبواستطهم تنمو كما أنّ كل عضو من أعضائها يتقدس بنعم الروح القدس: عنصر تكريسهم ومصدر سلطانهم الشافي للأمراض ومعالج الضعف البشري. لا حاجة بنا أن نفصل في هذا الموضع كل المواقف التي تفيدنا عن التوكيل الرسمي الذي أعطاه المخلص لرسله، فالإنجيل المقدس مليء بالعناصر المؤيدة لهذه الحقيقة. يكفينا من أقوال المسيح لرسله بهذا الخصوص بعض هذه النصوص وعلى سبيل المثال:" خذوا الروح القدس " " كما أرسلني الآب كذلك أنا أرسلكم "( يو20: 21 ) " من غفرتم خطاياهم تغفر لهم وأمسكتم خطاياهم أمسكت "( يو10: 23 ) وفي العشاء السريّ:" اصنعوا هذا لذكري حتى مجيئي "( لو22: 19 ) وقبل صعوده:" كل سلطان قد دفع إلي في السماء وعلى الأرض " و" اذهبوا وتلمذوا كل الأمم، وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس "( متى28: 18/19 ). هذه النصوص وغيرها لا تترك مجالاً للشك أو التردد بشأن السلطان الوساطي الكهنوتي الذي أراده المسيح لرسله، وقد حققه فعلاً عندما أنزل عليهم الروح القدس للانطلاق والعمل يوم العنصرة. حيث فرح به بطرس كما يقول لنا الكتاب، وكلّم الجماهير عن الرب يسوع وبقدرة الروح فهموا وبنعمته اعتمدوا وأصبحوا واحداً مع المسيح.( أعمال الرسل2: 37-41 ).

هذه المواقف وغيرها أوضحت للرسل ولخلفائهم أعني الأساقفة في الكنيسة أهمية مهمتهم، وهي مهمّة كهنوتية خلاصيّة لعهد جديد خلاصي يحي حياة الله بالروح القدس الذي يعمل في الكنيسة، كهنوت حقيقي لا رمزي وساطته ليست بشرية وإنما مسيحانيّة، لا عجول تذبح وإنما الحمل الإلهي يرفع ذبيحة مرضية، الخبز خبز الحياة لا كالمن النازل في الصحراء، والتوبة تحظى بمغفرة الخطايا من الله بسلطان المسيح الذي يحضر ويعمل من خلال الكنيسة، جماعة الرسل، والتي يضمن حضورها واستمراريتها وصف الأساقفة وكل الذين نالوا الروح بوضع الأيدي لهذه الخدمة التقديسيّة الخلاصيّة الرهيبة.

يقول اللاهوتي لويس بوييه بهذا الصدد:" هو المسيح التاريخي الذي يعمل من خلال الخِدم التي أعطى هو بالذات للكنيسة بدأً بالمهمّة الكهنوتية التي أعطى للرسل… فبفعل الرابط الحيّ الذي يوحدهم به، يتأكد عمله بتدخله المباشر معهم بواسطة روحه القدوس ودوره في تغذية الكنيسة جسده السري وفي المحافظة عليها وتنميتها في كل الأزمان "(كنيسة الله ص 381 ) وكأنّه يردد بتعبير آخر قول المعلّم" أنا معكم كل الأيام وإلى منتهى الدهر ". وقد عبّر المسيح عن ذلك بمواضع عدّة ولا سيّما في صلاته من أجل الرسل الذين أعطاهم الله له، وقد أودعهم هو كل ما أخذه من الآب، كما طلب من الآب أن يحفظهم كي يقوموا بالمهمّة، مهمة تقديس العالم وتوحيده.( يو17: 22…. ) كل هذا يلفت انتباهنا إلى أمرٍ بالغ الأهميّة في مفهومنا للدين المسيحي، ولسر الكنيسة وأهميته ودورها الكهنوتي الذي هو امتداد لعمل الفداء.

فعمل المسيح الأرضي يبدأ بالدعوة إلى التوبة إلاّ أنّه لا يتحقق إلاّ بالنعمة وحلول الروح القدس. وقد لا ينفع الكلام والوعظ ما لم يكن مرفقاً بالقدرة الإلهية التي تمكن المقبلين إلى المسيح من ممارسة الحياة الإلهية في القداسة. فالمسيح لم يأتي ليُحَمِّل الناس أعباء إضافية لا يستطيعون احتمالها وإنما ليمنحهم القدرة على عمل الخير وتبديل قلوبهم من الداخل محوّلاً إياها من حجر إلى لحم كما نقرأ في حزقيال النبي.( 36: 16: 26/ و37 ) وهو أثناء حياته اجترع المعجزات ليبيّن لنا سلطان ابن البشر على الطبيعة الإنسانيّة، فكان غالباً ما يربط الشفاء الجسدي بالشفاء الروحي الذي يريد أن يحقق في حياة الإنسان أولاً وآخراً: تذكر شفاء المخلع وشفاء الأعمى والمرأة النازفة الخ….

ويحلو لي أن أتساءل في هذا الموضع عن معنى مجيء المسيح فيما لو كانت مهمته قد اقتصرت على إعطائنا الإنجيل المقدس ؟ أو أن تكون قد انتهت مع صعوده ؟ هل كان يقتضي الأمر في تلك الحالة أن يتجسد الكلمة ويرفع على الصليب، لا سيما وأنّه هو نفسه قال أن تعاليمه هي تعاليم الأنبياء مُكَمَلة بوصية المحبّة" قاعدة الوصايا " التي يركز عليها في إنجيله. أو لم يكن من الأسهل والأنسب في تلك الحالة أن يرسل الله أحد أنبيائه لإتمام المهمّة ؟. وهل أن المزيد من التعاليم من شأنها أن تبدل الكثير في حياة البشر التعيسة المنغمسة في الضعف والإحباط ؟ في الحقيقة يبدو لنا واضحاً أنّ الكلمة إذ تجسّد، وفدانا على الصليب فلكي يعطينا بتجسده عنصر الحياة الإلهية التي وعد بها. وهذا في الواقع يتماشى مع نمط عمل المسيح الخلاصي أثناء حياته على الأرض، حيث علّم وخصوصاً شفى أمراض البشر وأعاد البصر إليهم وأقام موتاهم، وأشبع الجائعين منهم وكأنّه بذلك يريد أن يرمز إلى النعم التي كان مزمعاً أن يعطيها للناس من خلال علامات حسيّة ووسيط يعمل باسم الله وفي خدمته: هو يسوع الناصري أثناء حياته على الأرض قبل القيامة وهو يسوع المسيح ابن الله القائم من بين الأموات والموجود بين الناس بكنيسته بعد ارتفاعه والفاعل في حياتهم بواسطة رسله المختارين. والكهنوت المسيحي يبدو هنا بكل وضوح مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً باستمرارية عمل المسيح الخلاصي الفاعل بنعمة الروح القدس المعطاة للعالم بأسره في الأسرار المقدسة التي يقوم الكهنة بخدمتها في الكنيسة. فعمل المسيح الخلاصي مستمر، وهو في البداية فتح منابع النعمة ثم أطلق الروح في كنيسته يوم العنصرة فأعطى كل رسول أن يخدم سر حضوره بين الناس ويقوم بالأعمال الخلاصية عينها التي أتى من أجلها، محققاً هكذا الرسالة في كل زمان ومكان. وهذه الأعمال الخلاصيّة التي تبدأ بعد التبشير بالمعمودية، ومنح الروح القدس للمعمدين، وجسد ودم الرب غذاءً وقوتاً، ومغفرة الخطايا للمصابين بالزلات، وبركة الزواج ومسحة المرضى، أعطى الكنيسة أن تمنحها للمؤمنين به. والكنيسة تقوم بهذه المهمّة بواسطة الكهنوت الذي يمارسه فيها خلفاء الرسل كهنة العهد الجديد. ومن هنا أهمية الكاهن في شعب الله الجديد، فهو الوكيل الأمين الذي اختاره السيد ليعطي عبيده القوت في أوانه: فطوبى له إذا أتى سيده ورآه يصنع ذلكفهو الذي يعلّم ويعمّد ويعطي الإنسان فرصة الاتحاد بالمسيح ولبس حلّة الملكوت البيضاء الناصعة. وهو الذي بمنحه حضور الروح القدس في حياته بالتثبيت. وهو الذي يغفر الخطايا ويعالج الضعف البشري. وهو الذي يقدم له جسد ودم الرب مأكلاً ومشرباً، غذاءً روحياً وعنصر اتحاد متزايد بالمخلص واتحاد بسائر المؤمنين المتحدين بالمسيح. وهو الذي يبارك زواجه وبيته، وينزل عليه النعم الموافقة لبناء أسرة مسيحيّة، لا بقدرة بشر ولا بكلام الناس وإنما بحضور المسيح. وهو الذي يصلّي ويمسح المرضى بالزيت المقدس، للشفاء أو للحياة الخالدة.

 Copyright © 2009-2024 Almohales.org All rights reserved..

Developed & Designed by Sigma-Space.com | Hosting by Sigma-Hosting.com