عن الكنيسة

كاهن الكنيسة

جمعية الكنيسة

مواقع

C??????E

تطويب البابا يوحنا بولس الثاني _ سيادة المطران المعلم

المطران بطرس المعلم

 

تطويب البابا يوحنا بولس الثاني

في الأول من أيار المقبل ، سيُعلِن قداسةُ البابا بندكتس السادس عشر سَلَفَه البابا يوحنا بولسَ الثاني " طوباويًّا " ، في الكنيسة . مَن هو الطوباويّ الجديد ؟

كيف عرفتُه ؟ ما كانت علاقتي به ؟ .
لبيان ذلك ، لا بدّ أولاً من نظرة خاطفة على الخلفية التي أتى منها ، والتي جعلته رئيسًا للكنيسة الكاثوليكية .هو ، في السجلات الكنسية الرسمية ، البابا المئتان والرابع والستون منذ القديس بطرس ، أولِ البابوات . فإذا تركنا المئتين والتسعة والخمسين الأولين ، فلا بدّ ، لمَوْضَعَتِه الصحيحة وتحديد موقعه منهم ، من كلمةٍ سريعة عن الأربعة الأخيرين ، الذين سبقوه مباشرة، على مدى سبعة من العقود.
ففي العام 1939 ، انتُخِبَ بيوس الثاني عشر 1939-1958 . كانت حبريته طويلة وشاقة ، إذ عايشَ أهوالَ الحرب العالمية الثانية ، وجابَهَ الدكتاتوريات العظمى (موسوليني، هتلر، ستالين، فرنكو...). فمَن كان يمكن أن يخلفه ، بتلك القامة والهالة العالمية ؟
ظنّ أكثرُ الكرادلة ( وحقُ انتخابِ البابا محصورٌ فيهم وحدهم) أن الفراغ الذي تركه رحيله ، لا يمكن ملؤه بسهولة ، فلا بدّ من مرحلةٍ انتقاليةٍ قصيرة لتصريف الأمور ، ريثما يتمّ إعداد الشخصية المناسبة .
فوقع اختيارهم على الكردينال رونكالّي (ابن السبعة والسبعين عاما) ، فاتخَذَ اسم يوحنا الثالث والعشرين ( 1958 -1963 ) . كان قد عمل كمبعوثٍ رسولي في بلغاريا فاليونان فتركيا ، ثم كمدبّر رسولي للاتين في القسطنطينية نفسها ، فأكسبه العمل في هذه البلاد الأرثذكسية خبرة فريدة كان الغرب يجهلها ، ولا سيما في مفهوم المؤسسة البطريركية ودور السينودس المقدس والجماعية الكنسية فيها .
فما هي إلا ثلاثة أشهر بعد انتخابه (28/10/1958) حتى فاجأ العالمَ صباح 25/1/1959 بالدعوة إلى مجمعٍ " مسكوني " (المجمع الفاتكاني الثاني) . مَن كان يفكر حتى بإمكانية عقدِ مجمعٍ كنسيّ أو بجدواه ، خصوصًا بعد المجمع الفاتكانيّ الأول (1869-1870)، وما حدّد بشأن " عصمة " البابا ؟
ومع ذلك، راح البابا الجديد يسهر على إعداد المجمع ، يساعده ، مدة أربع سنوات ، كبارُ اللاهوتيين والاختصاصيين. فافتتحه في 11/11/1962 بحضور 2540 من أحبار الكنيسة الكاثوليكية ، وممثلين مراقبين من سائر الكنائس المسيحية، وانعقد في أربع دورات، انتهت أخيرتها في 8/12/65. لم يُعقد ليحرم أو يدين أحدًا، بل كان للانفتاح والحوار، للحوار بين الكاثوليك أنفسهم، وبينهم وبين سائر المسيحيين، بل وسائر الديانات، وحتى غير المؤمنين، للحوار مع الفكر المعاصر، ومع البشر جميعا. فكان أضخمَ حدَثٍ في تاريخ الكنيسة المُعاصِر على الإطلاق، فلاقت أبحاثه ومقرراته وتوجيهاته أكبر ترحيب وارتياح لدى العالم كله.
وكما كان متوقعا، لم تطُل أيام يوحنا الثالث والعشرين ، بل توفي في 3/6/1963 ، في السنة الخامسة لحبريته ، بعد الدورة الأولى من دورات المجمع ، لكنه كان قد أطلق المجمع التاريخي ، ودمغه بطابعه الخاص ، لتعزيز الحوار المسكوني وحوار الأديان ، وانفتاح الكنيسة على العالم المعاصر .
فكان على الخلف الصالح، البابا بولس السادس (21/6/1963-6/8/1978) ، أن يستكمل دورات المجمع الثلاث الباقية ، ويبدأ بتطبيق مقرراته شخصيًا ، وباستحداث الآليات لوضعه موضع التنفيذ .
فكانت باكورة أعماله المميزة تلك الزيارة التاريخية ، التي خرج فيها بابا من الفاتكان لأول مرة منذ عقود طويلة ، حاجّا إلى القدس بين 4 و6 /1/1964 ، حيث كان اللقاء والعناق التاريخي بينه وبين البطريرك المسكوني أثيناغوراس الأول ، بعد قرونٍ طويلة من القطيعة والجفاء بين الكنيستين .
وعشية ختام المجمع في 7/12/1965، تمّ رسميّا ، وفي الوقت نفسه ، في رومة والقسطنطينية ، رَفعُ الحرم المتبادَل عام 1054 بين الكنيستَين .
وأمام دهشةِ وذهولِ العالم ، جثا البابا على أقدام المتروبوليت مليتون ، ممثل البطريرك المسكوني في الاحتفال ، يستغفر باسم الكنيسة الكاثوليكية عن كل ما أساءت به إلى أختها الأرثذكسية في التاريخ ، فقال أثيناغوراس كلمته الشهيرة : لقد تجاوز بولسُ البابوية، فبلغ عهد آباء الكنيسة .
وزار البابا البطريركَ في مقرّه في الفنار في 25 و 26/7/1967، وردّ البطريركُ الزيارة في رومة بين 26 و28/10 من السنة نفسها.
كما زار البابا في رومة رؤساءُ الكنائس الشرقية القديمة : كاثوليكوس كيليكيا الأرمني خورين (1967)، وكاثوليكوس إيريفان الأعلى فاسكن (1970)، وبطريرك السريان الأرثذكس إغناطيوس يعقوب الثالث (1971)، وبطريرك الأقباط الأرثذكس البابا شنوده (1973)...
وكانت كل تلك اللقاءات (وكثير مثلها)، الأولى بعد أكثر من خمسة عشر قرنًا من الجفاء والعداء...واستمرارًا وتفعيلا للعمل ، استحدث بولس السادس في الدوائر الرومانية " الأمانة ( واليوم : " المجلسَ الحبري " ) لوحدة المسيحيين " ومثلها " لغير المسيحيين " .
توفي بولس السادس في 6/8/1978. فانتخٍبَ لخلافته في 26/8/1978الكردينال ألبينو لوتشياني ، وهو في السادسة والستين . وتقديرًا واحترامًا وتخليدًا لذِكرِ وعملِ سلفيه ، أراد أن يحمل اسميهما معًا ( وهو أول بابا يحمل اسما مزدوجًا ) ، فكان يوحنا بولس الأول . ولكن حلمه بالسير على آثارهما لم يتحقق ، لأن حبريته منذ تنصيبه في 3/9 حتى وفاته في 28/9/1978 لم تدُمْ شهرًا واحدًا .
فانتُخِب لخلافته ، في 16/10/1978، الكردينالُ البولوني كارول فويتيلا وهو في الثامنة والخمسين . وتشبّهًا بسلفه، اتخذ اسم يوحنا بولس الثاني (1978-2005).
انتخابه كان منعطفًا في تاريخ أسلافه العصريين: فقد جاء أحدثهم سنّا، وكان أولَ بابا غير إيطالي منذ أربعة قرون ونصف، أي منذ أدريانس السادس (1522-1523)، وستكون حبريته من أطول ما عرف تاريخ البابوية. وسيكون نهجه متميزًا عن جميع من سبقوه. ففيما أسلافه مثلاً اعتصموا بعدم الخروج من الفاتكان عقودًا طويلة ( باستثناء بولس السادس كما قدمنا أعلاه) ، قام هو بمئة وأربع رحلات رسولية في العالم كله‘ وبثلاث مئة وسبع عشرة في داخل إيطاليا، حتى قال بعضهم: حبّذا لو نعلم متى يكون البابا في الفاتكان!
وهنا تبدأ علاقتي الشخصية به. فمنذ مطلع ولايته ثبّتني في ما كان بولس السادس قد عيّنني فيه كالعضو الكاثوليكي الشرقي الوحيد ، في اللجنة التمهيدية للحوار اللاهوتي الكاثوليكي الأرثذكسي ، في "الأمانة لوحدة المسيحيين". وفي 29/11/1979، كانت سفرته الأولى خارج الفاتكان، وكانت إلى تركيا، لزيارة البطريرك المسكوني ديمتريوس الأول، خليفة أثيناغوراس، عشية عيد القديس أندراوس الرسول أخي بطرس ، شفيع الكرسي القسطنطيني. تابعنا شخصيًا تلك الرحلة بكل تفاصيلها. فقد أعِدّ لقداسته والوفدِ المُرافق أفخمُ استقبال. وفي صلاة الغروب عشية العيد، وفي القداس صبيحة العيد، نُصِبَ للبابا في كنيسة البطريركية، إلى جهة اليسار وهي عند اللاتين المقام الأول) عرشٌ فخمٌ بالتوازي مع عرشِ البطريرك إلى جهة اليمين (وهي المقام الأول عند البيزنطيين).


 Copyright © 2009-2024 Almohales.org All rights reserved..

Developed & Designed by Sigma-Space.com | Hosting by Sigma-Hosting.com