شفاء اعمى اريحا

                                               اقتباس:يوسف جريس شحادة

                                              من كتاب: تفسير اناجيل الاحد              تاليف الاستاذ ميخائيل بولس

كفرياسيف_www.almohales.org

إنجيل القدّيس لوقا .43-35:18
"في ذٰلِكَ ٱلزَّمان . لَمّا ٱقتَرَبَ يَسوعُ مِن أَريحا كانَ أَعمى جالِسًا عَلى ٱلطَّريقِ يَستَعطي * فَلَمّا سَمِعَ ٱلجَمعَ ٱلمُجتازَ سَأَلَ ما هٰذا * فَأُخبِرَ بِأَنَّ يَسوعَ ٱلنّاصِرِيَّ عابِرٌ * فَصَرَخَ قائِلاً . يا يَسوعُ ﭐبنَ داوُدَ ٱرحَمني * فَجَعَلَ ٱلمُتَقَدِّمونَ يَزجُرونَهُ لِيَسكُت . أَمّا هُوَ فَكانَ يَزدادُ صُراخًا . يا ﭐبنَ داوُدَ ٱرحَمني * فَوَقَفَ يَسوعُ وَأَمَرَ أَن يُقادَ إِلَيهِ . فَلَمّا قَرُبَ سَأَلَهُ قائِلاً * ماذا تُريدُ أَن أَصنَعَ لَكَ . فَقال . يا سَيِّدي أَن أُبصِر * فَقالَ لَهُ يَسوع . أَبصِر . إِنَّ إِيمانَكَ قَد خَلَّصَكَ * وَفي ٱلحالِ أَبصَرَ وَتبِعَهُ وَهُوَ يُمَجِّدُ ٱلله . وَإِذ رَأى ٱلشَّعبُ كُلُّهُ ذٰلِكَ سَبَّحوا ٱلله ".

يتحدث متى { 29 :20 } عن اعميين نالا نعمة الشفاء،  اذ كان يسوع يخرج من اريحا. ويتحدث مرقس { 46 :10 } عن اعمى واحد اسمه بارتيماوس { ברטימי _ برتيماي בן _ ברטימי ابن برتيماي} نال نعمة الشفاء اذ كان يسوع خارجا من اريحا. ولم يذكر لوقا اسم هذا الرجل وانما ذكر ان المعجزة تمّت اذ كان يسوع داخلا { يقترب من } اريحا.

 ويعتقد البعض انه كان هناك اعميان، الا ان بارتيماوس كان اكثرهما شهرة. وقيل ايضا انه كانت هناك مدينتان تحملان اسم اريحا { حسب يوسيفوس} والقديمة هي  المشهورة في العهد القديم، والحديثة انشئت الى جوارها على يد هيرودس الكبير. وقيل ان معجزة الشفاء تمّت حين كان يسوع يخرج من مدينة في طريقه الى الاخرى. وقيل ايضا ان احد الاعميين سمع ضجة المسافرين من الحجاج عند دخولهم اريحا وهو جالس يتسول على الطريق، فاخبروه ان يسوع الناصري مجتاز فتبعه وفي الطريق التقى حيث يكون يسوع خارجا من اريحا.لا شك ان البشيرين الثلاثة يشيرون الى نفس الحدث، الا انه بالنسبة للمعلومات المتوفرة قد يكون من المستحيل اعطاء تفسير لهذه الاختلافات.

= اريحا:

اقدم مدن العالم، وكانت احدى المدن المهمّة جدا في فترة الهيكل الثاني { 500 ق.م } وهي اول مدينة احتلها بنو اسرائيل بعد خروجهم من مصر. وتاتي اهميتها من موقعها، فهي تسيطر على الطريق الذي يربط بين شرق جبال يهوذا واورشليم، والطريق الصاعد الى ارض بنيامين وبيت ايل.

وتتميز بخصوبة اراضيها وبوفرة مياهها وطقسها الدافي في الشتاء. وكل هذه كانت عوامل مثالية لتطور اريحا وتطور حضارتها منذ فجر التاريخ. وبالرغم من وقوعها على اطراف الصحراء الا انها لا تتاثر بمناخ الصحراء. فمياهها الوفيرة لا تنقطع كل ايام السنة { مع ان كمية الامطار الساقطة في فصل الشتاء لا تزيد عن 200 ملم مطر } مما ادى الى وجود زراعة ري نشطة ومتطورة ، ولذلك كانت دائما محط اطماع شعوب وممالك كثيرة فاحتُلّت مرارا من المصريين والكنعانيين والسوريين والفرس والرومان وبسبب كثرة احتلالها في فترات مختلفة وعلى يد شعوب مختلفة تغيّر موقع المدينة عدة مرات فكانت البداية عند منبع اليشع { عين السلطان} فهناك بنيت اول مرة. وفي عصر الهيكل الثاني بنيت المدينة الى الجنوب عند منابع وادي قلط. وفي العهد البيزنطي بنيت عند سفوح اريحا { تل السلطان} في المكان الموجودة عليه اليوم.

والطريق التي كانت تربط بين اريحا واورشليم في ايام الهيكل الثاني، كانت تبدأ من جبل الزيتون الى وادي قلط الذي تقع اريحا  في مدخله ، مارة بمحاذاة قنوات المياه التي كانت تروي اراضي اريحا وبساتينها. وكانت هذه الطريق مستعملة، بشكل خاص، من قبل الحجاج { اليهود عند صعودهم الى اورشليم في عيد الفصح} وفيما بعد للمعتمدين في نهر الاردن من مسيحيي اورشليم والمنطقة.

ورد اسم اريحا في الكتاب المقدس في صور مختلفة : ירחו _ يرْحو ، יריחו _ يريحو، ירחה _ يرحه،{ وورد الاسم بدون تشكيل في سفر عزرا ونحميا وفي اخبار الايام ، وبتشكيل كامل في سفر يشوع وسفر الملوك وارميا}. ويظن البعض ان اصل التسمية من : ירח _يِرَح اي القمر، الذي كان معبودا فيها في العصر الكنعاني. وسميت ايضا مدينة النخيل { تثنية 3 :34 } "بقعة اريحا مدينة النخيل" " בקעת יריחו ערי התמרים " وهناك راي آخر  مؤداه ان الاسم اريحا من الرائحة { ريحة } بسبب نباتات مزهرة ذات رائحة ذكية بخاصة "البلسم " ولذلك دعيت المدينة في العصر الهلنستي باسم : Balsoma وفي العربية تلفظ :أريحا.

تقع المدينة على بعد 10 كم شمال غرب البحر الميت، وعلى بعد 7 كم غرب نهر الاردن وعلى بعد 19 كم شمال شرق اورشليم وتنخفض عن سطح البحر 200م. وهي واحة طبيعية، بقعة خضراء في وسط الصحراء، تمتد اراضيها شرقا حتى جبال موآب وغربا حتى سفوح جبال بنيامين ويهوذا، وشمالا حتى سهل الاردن، وجنوبًا حتى البحر الميت.

احتلها يشوع بن نون وهدمها يوم كانت وطن راحاب احدى نساء سلسلة المسيح { يوشع 26 :6 } وهي المراة الاممية الوحيدة التي ذكرت في قائمة الممتازين في الايمان { عبرانيين 11 } وجدد بناءها حي ايل البيتئيلي بعد 250 سنة من هدمها { ملوك الاول 34: 16 } وكان فيها ايام ايليا مدرسة لبني الانبياء { ملوك الثاني 5 :2 } وتجاه تلك المدينة في شرق الاردن أُصعد ايليا الى السماء وفيها أبرأ اليشع المياه المرّة { ملوك الثاني 19 :2 وما يلي } وذكر 345 من بنيها العائدين من سبي بابل { عزرا 34 :2 } ولرجالها ذكر حسن بين بناة اسوار اورشليم { نحميا 2 :3 } وزينها هيرودس الكبير بثلاثة قصور فخمة  وقنوات محكمة الصنع  وكان يعتزل فيها في الشتاء، ومات فيها، وجدّد ابنه ارخيلاّوس بعض ما هدم من قصورها. وكانت في ايام المسيح المدينة الثانية في يهوذا، واشتهرت بالبلسم المشهور وهو من محصولاتها المعروفة وعظمت تجارتها كثيرا . وفيها حصلت اربع حوادث مهمة في حياة المسيح: اعتماده في نهر الاردن وتجربته من قبل الشيطان وشفاء اعمى وزيارة يسوع لبيت زكّا العشّار.

وفي العصر الحديث بنيت في اريحا عدة اديرة وكنائس:الدير الفرنسسكاني ودير الروم الاورثوذكس الدير القبطي، وبقايا كنيسة نبطية قديمة. والكنيسة الروسية وكنيسة روسيا البيضاء ودير الاحباش والنزل الروسي لاستقبال الحجاج { يستغل اليوم كمكاتب لوكالة الاونرا _ التابعة لهيئة الامم المتحدة المختصة في بالشؤون الاجنبية} كما انه بنيت في ضواحيها كنائس واديرة اخرى.