عن الكنيسة

كاهن الكنيسة

جمعية الكنيسة

مواقع

C??????E

31/7/2009
القداسة في التقليد الاورثوذكسي

القداسة في التقليد الأرثوذكسي
الميتروبوليت إيروثيوس فلاخوس
نقلها إلى العربية الأب أنطوان ملكي

       وجود القديسين في حياة الكنيسة أمر مهمّ. هذا طبيعي لأن هدف الكنيسة ومهمتها هي تقديس البشر، ولهذا السبب بالذات سُميَّت الكنيسة ورشة القداسة. يريد الناس دائماً أمثلة حقيقية ليتبعوها في حياتهم، وبالتالي يسعون إلى اللقاء بأصحاب إمارات القداسة الذين يمثّلون الإنسان في حالته الحقيقية. في لحظات الناس الحاسمة عبر التاريخ، يعودون إلى الكلام عن القديسين والقداسة، لأن القداسة أيضاً حاجة بشرية. عرفت السنوات الأخيرة نقاشاً حاداً حول القديسين. كثيرون يسوون القديسين بالرجال والنساء الأخيار المسالمين، ويقترحون إعلان قداسة هؤلاء وعدّهم بين قديسي الكنيسة. إلى هذا، ينبغي أن يترافق ضمّ أحد المسيحيين إلى تقويم القديسين في الكنيسة مع علامات حية للقداسة. ينبغي توفّر دليل واضح يثبت أن الشخص المعني هو هيكل للروح القدس، إذ عندها فقط يتشفّع إلى الله. إذا اعتُبِر أحدهم قديساً، من غير أن تكون النعمة ساكنة فيه، لا يمكنه أن يتشفّع إلى الله. لا بل، فعليا،ً في تكريمه كقديس عبادة لكائن مخلوق. يأتي هذا الكلام من وجهة نظر أن المعبود الوحيد هو الله والإكرام هو لمَن يسكن الله في داخله. لكن في غياب هذه المستلزمات الأساسية، نخطئ في إكرامنا أي كان كقديس.  إن مسألة القداسة جدية. لهذا، ما يلي هو من تعليم القديس يوحنا الدمشقي، أحد أعظم معلمي الكنيسة، الذي لخّص تعاليم القديسين السابقين حول العقيدة والإيمان والحياة. عليه، مَن هم القديسون وما هي علامات القداسة بحسب القديس يوحنا الدمشقي جامع التقليد الأرثوذكسي؟

1. قديسون بالاشتراك بالله

 يذكر معلم الإيمان الأرثوذكسي الفذ، مستعملاً الكثير من المقاطع الكتابية لدعم نظرته التي يقدمها، أنّه ينبغي أن نكرّم القديسين "كأصدقاء للمسيح وأبناء وورثة له". يُسمّى الله ملكاً وسيداً لأنّه خلق العالم ويديره، ولهذا السبب بالتحديد، القديسون المتحدون بالله هم "آلهة وأرباب وملوك". كما يكتب في الوقت نفسه أنّه يمكن تسمية القديسين آلهة لأن العهد القديم يخبرنا بأنّ الله هو "إله الآلهة" (تثنية 17:10). بالطبع، القديسون ليسوا آلهة ولا ملوك ولا أرباب بالطبيعة، كما هي حال الإله المثلّث الأقانيم، لكنّهم كذلك بالنعمة وبالاشتراك بالله. يعبّر القديس يوحنا الدمشقي عن ذلك بقوله أن القديسين هم آلهة "لا بالطبيعة بل بالمشاركة فيه فيصيرون بالنعمة ما هو عليه بالطبيعة". من خلال إرادتهم وحريتهم الذاتية، تلقّى القديسون نعمة الله وقوته، وهكذا يسكن الله فيهم. بالتأكيد، تعمل نعمة الله، لكن القديسين يتعاونون بموافقتهم الحرّة ويشتركون بالنعمة الإلهية. لا يوصَف القديسون بأنهم ملوك وأسياد بمعنى أنهم أسياد العالم والجنس البشري، فهذا امتياز لله، ولا بمعنى الحُكم، بل لأنهم يتسلّطون على أهوائهم ويحفظون المثال الإلهي بأمانة. كما يقول القديس يوحنا: "الآن أعني آلهة وأرباب وملوك ليس بالطبيعة، بل كحكّام وأسياد لأهوائهم، وحافظين بلا لوم شبه الصورة الإلهية التي صُنعوا على شبهها، إذ إن صورة الملك تسمّى ملكاً أيضاً، ولكونهم متّحدين بالله بإرادتهم الحرّة ويستقبلونه ساكناً فيهم يصيرون بالنعمة بالمشاركة فيه ما هو ذاته بالطبيعة". يستحيل ألاّ نكرّم هؤلاء الرجال، الذين اتحدوا بالله ويشاركون في قواه غير المخلوقة: "كيف أذاً، لا يُكرَّم هؤلاء الذين حُسِبوا خدّاماً وأصدقاء وأبناء لله؟ لأن الإكرام المقدَّم لأكثر الخدّام إخلاصاً يعطي برهاناً لمحبة السيّد الواحد".

2. تقديس النفس والجسد

إن لاتحاد القديسين بالله نتائج مدوية للجنس البشري. طبيعة هذا الاتحاد ليست أخلاقية ولا نفسية ولا اجتماعية بل لاهوتية صرفة، ما يعني أن معايير القداسة غير ملتبسة. لأن الإنسان مخلوق من نفس وجسد، تنتقل نعمة الله إلى الجسد أيضاً عبر النفس، لذا تظهر علامات القداسة وبراهينها الجلية. القديس يوحنا مستشهداً بمقاطع عديدة من الكتاب المقدس، مثل "إِنِّي سَأَسْكُنُ فِيهِمْ وَأَسِيرُ بَيْنَهُمْ، وَأَكُونُ لَهُمْ إِلهًا، وَهُمْ يَكُونُونَ لِي شَعْبًا" (2كورنثوس 16:6)، و"نفوس الصديقين في يد الله فلن يمسّها العذاب" (حكمة 1:3)، ويقول أن القديسين يصيرون "خزائن ومساكن طاهرة لله". القديسون هم بالمشاركة ما هو الله بالطبيعة. بقدر ما هو الله حياة ونور هذا يعني أن "الذين في الله هم في الحياة والنور". عندما يشير إلى النور يعني النور غير المخلوق الذي يشارك القديسون فيه والذي هو بالطبع مصوّر في الأيقونات الأرثوذكسية، حيث يوجد دوماً هالة منيرة حول رؤوس القديسين ما يدلّ على أنّهم عاينوا النور غير المخلوق، وعاشوا بثبات فيه وما يزالون. كما ذكرنا سابقاً، لأن الجسد والنفس متّحدان، تنتقل نعمة الله عبر النفس إلى الجسد. في الإشارة إلى مقطع من عند الرسول بولس عن كون أجساد المسيحيين هياكل للروح القدس، يكتب القديس يوحنا أن "الله اتّخذ مسكنه في الأجساد من خلال النوس"، ولهذا يُسَمّى القديسون هياكل ومساكن لله. يتساءل القديس: "كيف لا ينبغي أن نكرّم الهياكل الحيّة لله، مساكن الله النابضة". لهذا السبب بالتحديد، في حياتهم "يقفون بثقة أمام الله" وموتهم "هو رقاد أكثر منه موت". هذا طبيعي لأن نعمة الله تنتقل من خلال النوس إلى الجسد، ولهذا الأمر نتائج بيّنة: يتمّ تخطي الموت الموجود في جسد الإنسان. هذا يشرح سبب عدم انحلال الرفات.

3. علامات القداسة

 تظهر دلائل واضحة بأن نعمة الله تسكن في شخص محدد. لقد أشرنا سابقاً إلى تألّه النوس والجسد عند القديسين في تخطي الموت. إلى هذا، هناك تجليات متنوعة تثبِت أن نعمة الله وقوّته غير المخلوقتين موجودتان في شخص ما، كمثل العطر الذي يصدر من رفات القديسين. يكتب القديس يوحنا الدمشقي: "جعل السيد المسيح رفات القديسين ينابيع لخلاصنا، مفيضة بركات مضاعَفة وزاخرة بالزيت العطِر". على المسيحيين أن يمتلكوا إيماناً غير متزعزع بحدوث هذا الأمر، "ولا يشكّن أحد". في العهد القديم نرى أن الله أخرج الماء من الصخرة في الصحراء، وهو أيضاً جعل الماء يجري من عظم فكّ الحمار ليطفئ عطش شمشون، لذا "سيلان الشذا العطِر من رفات الشهداء" ليس أمراً فوق التصديق. بسبب سكنى نعمة الله، أجساد القديسين حيّة ولا يُنظَر إليها على أنها ميتة ولهذا هي تعمل العجائب. المسيح، الذي هو "الحياة ذاتها، وكاتب الحياة"، وهو الذي نزل إلى الجحيم من دون أن يحتجزه، يسكن في أجساد القديسين ولهذا السبب بالتحديد "نحن لا نسمّيهم أمواتاً أولئك الذين رقدوا على رجاء القيامة مؤمنين به". إذاً، القديسون أحياء ويجعلون حضورهم محسوساً في الكنيسة، كونهم اتّحدوا بمصدر الحياة: المسيح الذي هو الحياة نفسها.تقيم المعجزات التي تجري الدليل على الحضور الحيّ للقديسين. بالحقيقة، الله هو مَن يجري المعجزات من خلال أجساد القديسين، لأنّ الروح القدس يسكن في أجسادهم، كما ذكرنا. يكتب القديس يوحنا الدمشقي حول العجائب التي تجري من خلال القديسين: "كيف بهم تهرب الشياطين، المرضى يشفون، العميان يستعيدون البصر، البرص يطهرون، الأهواء والبلايا تُقهَر، وكيف تنزل كل العطايا الصالحة من لدن أبي الأنوار من خلالهم إلى الذين يسألون بإيمان ثابت". الكثير من المعجزات إذاً تجري بالرفات المقدسة: الأمراض تُشفى، حتى التجارب والاهتمامات تنجلي، والشياطين تُطرَد. لكي تتمّ هذه الأمور ينبغي توفّر أمرين: أولاً، ينبغي أن تسكن نعمة الله في الرفات، وثانياً علينا أن نقاربها بإيمان غير متردد.

4. إكرام القديسين

كلّ ما ذكرناه إلى الآن يشير إلى الإكرام الذي ينبغي أن نقدمه إلى القديسين المُعلَنين. إنهم حُماتنا. كل واحد، يقول القديس يوحنا الدمشقي، يقوم بجهد ليجد شفيعاً يقوده إلى الملك الأرضي ويتوسط له عنده. للسبب عينه، ولأسباب كثيرة أخرى، علينا أن نكرّم "شفعاء الجنس البشري بأكمله الذين يتشفعون بنا أمام الله". يُعَبََّر عن توقير القديس في بناء الكنائس وإعطائها أسمائهم، تقديم القرابين، والاحتفال بأعيادهم السنوية. شكل إكرامهم في الاحتفالات يوم عيدهم، يجب أن يكون مناسباً وإلا لا نستفيد. عندما يكون الله معبوداً كما يليق يبتهج خدامه أيضاً، بينما إذا احتفلنا بأعياد الله بشكل غير لائق، حتّى حاملو دروعه يغضبون. علينا أن نبتهج روحياً في تذكارات القديسين. كما يكتب القديس يوحنا بشكل مميز: "بمزامير وتسابيح وترانيم روحية، في الحنو والشفقة على المحتاجين، فلنكرّم القديسين نحن المؤمنين، ومن خلالهم يُقَدَّم الإكرام إلى الله". بتعبير آخر، الله معبود قبل الكلّ من القديسين، لذا على المؤمن أن يكرّم القديسين الذين هم بالفعل هياكل حية لله، بمزامير وأغانٍ روحي، بندامة ورحمة نحوالمحتاجين".بالإضافة إلى بناء الكنائس، والاحتفالات والخدم الخاصة بأعيادهم، علينا أن نعبّر عن إكرامنا واحترامنا للقديسين بتهيئة الأيقونات المنظورة. بالحقيقة، نحن أنفسنا علينا أن نصير تذكارات وأيقونات هؤلاء القديسين عن طريق محاكاة فضائلهم: "لنرفع تذكاراتهم وأيقوناتهم ولنصِر نحن ذواتنا تذكارات وأيقونات حيّة لهم بمحاكاتنا لهم بالفضائل. إعداد الأيقونات المقدسة وإكرامها يلمّحان إلى حقيقة أن القديسين صاروا هياكل حيّة لله وهو يسكن فيهم. لقد فعّلوا صورته فيهم واختبروا شبههه. إن إكرام الأيقونات المقدسة يساعدنا من غير شك لأن نصير أنفسنا صوراً للقديسين.

5. فئات القديسين

يعدّد القديس يوحنا الدمشقي فئات القديسين المختلفة التي ينبغي بنا أن نكرمهم. أولاً هناك والدة الإله التي ينبغي إجلالها "كوالدة حقيقية للإله من غير شك". من ثمّ يأتي النبي يوحنا المعمدان المستحق الإكرام "كسابق ومعمّد ورسول وشهيد". من ثمّ نكرّم الرسل "كإخوة للرب، رأوه وجهاً لوجه وشهدوا على آلامه". من بعدهم، نكرّم الشهداء الذين شربوا كأسه كجنود وقبلوا معمودية موته المحيي وصاروا مشاركين في آلام المسيح ومجده. يأخذ القديس استفانوس أول الشهداء أول مكان بينهم. من ثمّ نحن نكرّم الآباء القديسين والنساك المتوشحين بالله. في الختام نحن نقدّم الإكرام إلى القديسين الذين عاشوا قَبْل تجسّد المسيح "الأنبياء قبل النعمة، البطاركة والأبرار الذين أعلنوا مسبقاً مجيء السيد". علينا أن نتأمّل عن كثب في حياتهم ونحاكي فضائلهم وسيرتهم لكي نشاركهم أكاليل المجد. يكتب القديس يوحنا الدمشقي: "لنتفحّص بتمعّن حياة كلّ هؤلاء، ولنحاكي إيمانهم، محبتهم، رجاءهم، غيرتهم، سيرتهم ومثابرتهم على الموت، حتى نستحق مشاركتهم أكاليل المجد".

6. عطية التمييز

 يظهر جلياً ممّا كتبه القديس يوحنا الدمشقي أن معايير القداسة ليست إثنية ولا أخلاقية ولا اجتماعية ولا نفسية بل لاهوتية بكل معنى الكلمة. القديسون مقدّسون لأنهم متّحدون بالله القدّوس ولأنهم يشتركون بنعمته غير المخلوقة. هذا الاشتراك في نعمة الله يظهِر نفسه من خلال تنوع المواهب كاجتراح العجائب وبث العطر وبشكل عام من خلال عدم انحلال الرفات الذي هو إثبات بأن هذا القديس يصنع المعجزات، ينضح الطيب، يشارك في قيامة المسيح ويشترك في مجده. القديسون ليسوا مجرّد أناس طيبين ومواطنين صالحين، بل هم مشاركون في نعمة الله، ولهذا هم طيبون وصالحون. العامل المقرّر جلياً هو اتحادهم بالله في كلا النفس والجسد. بالطبع هناك أمر أساسي آخر. كيف نميّز الرسل الحقيقيين عن الرسل المخادعين والأنبياء الفعليين عن الأنبياء الكذبة الشهداء عمّن ليسوا شهداء والنساك عن الناس الدجّالين والقديسين عن الزائفين؟ ينطبق القانون نفسه هنا كما في كل الشؤون البشرية. العلماء الأصيلون يميّزهم مَن يملك المعرفة نفسها. بتعبير آخر، القديسون الحقيقيون يُميِّزهم المشاركون في نعمة الله. القديسون يتعرّفون إلى القديسين. متى امتلك أحد ما عطية تمييز الأرواح التي تشكّل اللاهوت الأرثوذكسي الصحيح، يمكنه أن يميّز ما إذا كانت الأرواح تأتي من الله، ويميّز المخلوق عن غير المخلوق. هذا أمر مواهبي وليس مؤسساتياً. التغيير الذي يلخّص الدهرنة، هو فقدان معايير الروحانية الأرثوذكسية وقداستها. بالنتيجة، لا يوجد أيّ تمييز بين خدام الله الحقيقيين والناس الصالحين، كما يمكن أن يوجد في كل التقاليد الدينية. هذا بالفعل هو تحوير للإيمان الأرثوذكسي واختبار للروحانية الشيطانية، له نتائج رهيبة بالنسبة للفرد الذي يكرّم شخصاً أخراً كقديس، فيما هذا المدعو قديساً هو نفسه بحاجة لرحمة الله. نحن نقدّم الكوليفا في كنائسنا لكلّ الراقدين، من خطأة وقديسين. هذا الابتهال الذي نقدمه إلى الله هو في أي حال، مختلف لكل واحد. في حال القديسين نحن نطلب دعواتهم ولا نصلّي من أجل خلاصهم كما نفعل للذين لسنا متأكدين من أنهم أرضوا لله كقديسين. إذا أكرمنا كقديس مَن لم يكشفه الله كقديس، نحرمه من الصلوات التي كنّا على وشك تقديمها لخلاصه. إن أمر إدراج بعض المسيحيين في تقويم الكنيسة برمّته متعلّق بمعايير الروحانية والقداسة. أحد أهم هذه المعايير هي الخبرة الحيّة لتعليم الكنيسة الهدوئية النبطي، في كامل المعنى الأرثوذكسي للكلمات، الذي هو المتطلب الأساسي الثابت للاهوت الأرثوذكسي.

 

 Copyright © 2009-2024 Almohales.org All rights reserved..

Developed & Designed by Sigma-Space.com | Hosting by Sigma-Hosting.com