عن الكنيسة

كاهن الكنيسة

جمعية الكنيسة

مواقع

C??????E

31/7/2009
الثوب الاكليريكي يعانق ابدان اكليريكيين

الثوب الإكليريكي يعانق أبدان ثلاثة إكليريكين

بقلم الإكليريكي: فارس سرياني

            ما يزال روح الرب يعمل في وسط هذا العالم، الذي تراه فاقداً معنى وجوده الحقيقي، متخبطاً غارقاً في دوامة من الجهل والضياع لا خلاص منها ولا مناص. هذا الواقع الأليم الذي يعيشه عالم اليوم، هو نتيجة منطقية لما نادت به الفلسفات على مرّ الأجيال والسنين، خاصين بالذكر الفلسفة الحديثة ووليدتها المعاصرة، من ضرورة حتمية لنبذ الله وإنكار وجوده، زاعمة أنّها تملك مفاتيح المعرفة والحقيقة التي بها تُفتح أبواب السعادة والخلود، بعيداً عن مفهوم اسمه الله. وفي وسط هذا كلّه، وفي بقعة صغيرة هي المعهد الإكليريكي في بيت جالا، اتجهت الأنظار محدِّقة نحو شبانٍ ثلاثة في ربيع العمر، وهم سامر هاني حداد، وسيمون ميخائيل حجازين، ورامز صبحي دعيبس، يتقدمون إلى مذبح الرب وكلّهم وقار وخشوع. كيف لا، وقد خرجوا لتّوهم من رياضتهم الروحية متأملين صنع الله وسرّه فيهم. يتقدمون إلى مذبح الرب واضعين عند أقدامه زهرة شبابهم حباً، مقدمين ذاتهم للرب طوعاً، مستسلمين بين يديه شكراً وعرفاناً، تحُفّ بهم أصوات المرتلين بحناجرهم القوية، ترافقها نغمات الملائكة العُلوية، زافةً إليهم البركة السماوية على خطوتهم الشجاعة هذه. فقد لبس ثلاثتهم الثوب الإكليريكي خالعين عنهم ثوب هذه الدنيا الزائف، متشحين بثوبٍ أسودَ به أعلنوا الحب نهجاً، والخدمة والتضحية وبذل الذات نمط حياة. وقد تمت هذه الرتبة المقدسة على يد غبطة البطريرك ميشيل صباح.

"وأجعلكَ كخاتم فأني قد اخترتك، يقول ربّ القوات" (حجّاي 23:2). بهذه الآية الكريمة من سفر حجّاي النبي، اتخذ نهج سيرهم منحىً آخر نحو الكهنوت. فأصبح يتسم بمزيدٍ من الجدية والوعي، وتحملٍ أكبر وإدراكٍ أنضج للمسؤولية التي أُلقيت على كاهل ثلاثتهم. فما هي يا ترى هذه المسؤولية العظيمة التي يحملها مرتدو الثوب الإكليريكي؟ لقد اقتربوا من سرّ الكهنوت المقدس. وبعبارة أخرى أصبحوا يقرعون أبواب الكهنوت بقوةٍ، أملاً بأن تفتح لهم بعد أربع سنين من الزمان. من لَبِسَ الثوب الإكليريكي، لَبِسَ قناعةً داخلية واتخذ خطوةً جبارة في سيره نحو سرّ الكهنوت. ارتداء الثوب الإكليريكي لا يعني فقط ارتداء قطعة سوداء من القماش، بل إنّ من يرتدي الثوب الإكليريكي إنّما يرتدي المسيح عينه مكرساً له ذاته. المسيح الذي تنازل ولبس طبيعتنا البشرية الفانية، يرفعنا لنرتدي طبيعته الإلهية الباقية. فيا له من سرّ عجيب. وفي الرتبة الطقسية للبس الثوب، يصلّي الأسقف قائلاً: " إياكَ نسأل، أيها الربُّ يسوعُ المسيح، يا من لبِستَ طبيعتَنا الفانية، أن تَعطِفَ علينا ، وتُبارك هذه الثياب. اجعلْ المُقبلين على ارتدائها أهلاً لأن يَلبسوك أنتَ بنفسِك، فيعرِفَ العالمُ أنهم لجلالِك الإلهي مُكرَّسون." ومن لبِسَ المسيح، لبِسَ الإنسان: "أي أن تُقلِعوا عن سيرتكم الأولى فتخلعوا الإنسان القديم الذي تُفسِده الشهوات الخادعة، وأن تتجدّدوا بتجدّد أذهانكم الروحي فتلبسوا الإنسان الجديد الذي خُلق على صورة الله في البر وقداسة الحق" (الرسالة إلى أهل أفسس 22:4-24). من لبس الثوب الإكليريكي فقد لبس روح التخلي والزهد، روح التجرد والفقر. أصبح فقيراً من هذه العالم، ليصير غنياً عند الله. فصورة هذا العالم هي في زوال كما يقول لنا القديس بولس. لقد زهد أولاً في نفسه مُقصياً عن ذاته كلّ ما يشدّه من متاع هذه الدنيا الفانية، مُسكتاً صياح غرائز ورغبات لا تهدأ. ثمّ أنّه زهد في أهله وبيته، فلم يعد الأهل أهلاً ولا البيت بيتاً. فأهله هم أنفسٌ تتوق إلى الخلاص، وبيته هو مَخدَعٌ يقيل إليه في نهاية درب جهاده الطويل، أي السماء حيث السعادة للأبد. "من أحبّ أباه أو أمه أكثر ممّا يحبني، فليس أهلاّ لي. ومن أحبّ ابنه أو ابنته أكثر ممّا يحبني، فليس أهلاً لي. ومن لم يحمل صليبه ويتبعني، فليس أهلاً لي. من حفِظَ حياته يفقدها، ومن فَقَدَ حياته في سبيلي يحفظها" (متى 37:10-39). إنّ الثوب الإكليريكي ذو اللون الأسود، علامة الموت عن العالم. أمّا القطعة البيضاء اللون التي يرتديها المكرّس، فهي دلالة على العفة المقدسة في سبيل الملكوت، ورمزٌ لنقاوة السيرة وطهارة السريرة. وعليه فالذي ارتدى الثوب الإكليريكي، وجب عليه أن يحافظ على هذا الثوب نقياً، لائقاً بمن قدم ذاته لخدمة العلي. فتكون سيرة حياته خير شاهد للسيد المسيح، وسِراجاً يستضيء به المؤمنون.

لقد أشاح الله تعالى بقدرته نظر إخوتنا هؤلاء عن هذه الدنيا الزائلة، وصرف همّهم إلى ما هو أسمى وأعلى من المادة الفانية. فأصبح لهم المسيح مثالاً يحتذون به ودرباً يسلكونه. كيف لا وهو معلمهم الأول والأوحد. "  Magister vester unus est Christusمعلّمكم واحد وهو المسيح ". وهذه الجملة تُزيّن واجهة مكتبة الإكليريكية الكُبرى، ويقرءوها المرشحون لسر الكهنوت يومياً عند ذهابهم وإيابهم. وأصبحوا أشدّ أمانة وأكثر مواظبة على الصلاة، وسماع كلمة الله والتأمل بها، والتعبد للمسيح القرباني. لقد اتخذ إخوتنا هؤلاء خياراً جذرياً في حياتهم، فأدّوا الطاعة يميناً، ورفعوا الراية ولاءً ليسوع المسيح الكاهن، متجردين عن ذاتهم، عاقدين العزم والنية على خدمة يسوع المسيح، وبذل أرواحهم رخيصة في سبيل الأنفس والرسالة. لذلك نصلي من أجلهم، من اجل سامر وسيمون ورامز، كي يمنحهم الله نعمة الثبات، ويظلّوا أمناء لرسالتهم ودعوتهم حتى آخِرِ رمقٍ من حياتهم.  

 Copyright © 2009-2024 Almohales.org All rights reserved..

Developed & Designed by Sigma-Space.com | Hosting by Sigma-Hosting.com