عن الكنيسة

كاهن الكنيسة

جمعية الكنيسة

مواقع

C??????E

التوبة

التوبة

                         العظة الثامنة

                   للقديس يوحنا ذهبي الفم

إذا كنت قد تغيبت عنكم, فهذا شيء ما كنت أريده, ولكني كنت مجبراً على ذلك ـ إلا أن غيابي كان بالجسد فقط وليس بالروح. بالجسد كنت بالتأكيد بعيداً عنكم, ولكن روحي لم تنفصل عنكم قط, فالروابط التي توثقت بيننا كانت تعتمل فيّ بكل قوتها, وصورتكم ظلت محفورة في قلبي.

لقد كنت متلهفاً يا إخوتي أن أجوز هذه الوعكة المؤقتة لكي أراكم ثانية بأكثر سرعة, مع أنه لا يزال يتبقى فيّ بعض الآثار من مرضي فإنني أسرعت إليكم حتى ألتقي ثانية بمحبتكم ومودتكم.

إن كان كثيراً ما يستعين المرضى في فترة النقاهة بعلاج الحمامات, فأنا من جهتي فضّلت أن أغطس ثانية وبسرعة في حمّام المحبة الذي تقدّمونه إليّ, وألبّي رغبتكم المقدسة لسماع الكتب الإلهية ـ هذا المحيط الواسع الذي لا تعرف أمواجه العواصف أو الحزن.

لقد أتيت لأرى أرضكم من الآن فصاعداً نقية. هل يوجد ميناء سلام مشابه للكنيسة, وهل هناك فردوس (مملوء بثمر البر) مثل اجتماعكم. نحن هنا نجد الملجأ الأمين من كل خبث الشيطان, هنا المسيح يثبتنا في أسراره.

لن تُرى عنا حواء الساقطة في التعدي, ولكن ستُرى الكنيسة باذلة جهدها لترفعنا إلى فوق.

لا توجد هنا أوراق شجر, ولكن فقط ثمار الروح الشهية لا يوجد هنا شوك وحسك, ولكن كرمة خصبة وعصارة حياة. وإن وُجد فيها شوكة, سأحولها في الحال إلى زيتونة. ماذا يهمنا من ضعف الطبيعة هنا حيث تسود الحواس السائبة, فإن قابلت ذئباً حوّلته إلى خروف ليس بتغير طبيعته لكن بتهذيب حواسه.

الكنيسة شبيهة بفلك نوح:

من الممكن أيضاً أن نؤكد دون مبالغة أن الكنيسة ميناء أعظم حتى من فلك نوح. لأن فلك نوح استضاف الحيوانات العجماوات وحفظ حياتها سالمة, بينما الكنيسة وهي تقدّم لهم الملجأ تحوّلهم إلى جدة الحياة. سأوضّح لكم هذا:

تخيلوا مثلاً صقراً دخل إلى الفلك فإنه سيخرج صقراً كما هو, وكذلك الذئب إن دخل فسيخرج ذئباً كما هو, ولكن إن دخل الكنيسة صقر فعلى العكس سوف يخرج حمامة وديعة, وأيضاً الذئب إن دخل الكنيسة سيخرج خروفاً هادئاً, والحية ستخرج حملاً وديعاً. إذن فالكنيسة لا تعمل على تحويل طبيعة الكائنات ولكن تنتزع منهم الشر.

منفعة التوبة:

هذا هو السبب الذي لأجله أحدّثكم باستمرار عن التوبة. حقاً أنها تسبب خوفاً وضيقاً للخاطئ, ولكنها ترياق صالح تعالج فيه علل الخطايا,  وهي تفتديه من آثامه. ومقابل الدموع الغزيرة تجعل لـه دالة عند الله, فهي سلاح مخيف ضد الشيطان, نصل بتّار قادر على الاستئصال, فالتوبة تمنحنا الرجاء في الخلاص, وهي عدوّة لليأس, هي التي تمنحنا مفاتيح السماء, وهي التي تسمح لنا بأن نصل للفردوس وهي إلى النهاية تنتصر على الشرير وتقوي رجاءنا في الأفلات منه (وهذا هو الدافع الأساسي والسبب الحقيقي الذي من أجله أحدثكم الآن عن التوبة).

أأنتم خطاة. لا تيأسوا فأنا أصر على أن أقدم لكم الرجاء كدواء وكأفضل علاج لضعفكم, لأني أعرف إلى أي مدى يمكن للثقة المستمرة والرجاء في الله أن تكون سلاحاً فعالاً مقابل الشيطان. لن أكف من أن أكرر لكم أنه إذا أخطأتم لا تستمروا في اليأس. إن أخطأتم كل يوم فتوبوا كل يوم.

أسألكم سؤالاً فقولوا لي ماذا نفعل عندما تتهدّم مبانينا القديمة. إلا نضع جانباً الأشياء المتهدمة لنقيم بدلاً منها الجديد. ولا ندّخر الجهد في بذل كل اهتمامنا لهذا التعمير. فليكن لنا مثل هذا بالنسبة لأنفسنا, فإن خضعتم للخطية فجددوا أنفسكم بالتوبة.

ستقول لي: كل حياتي وأنا واقع تحت سطوة الخطية وأنت تقول لي الآن إذا أنت قدّمت توبة فستجد الخلاص والعتق.

- نعم بكل تأكيد.

وإذا سألتني: من أين لك هذه الثقة

أقول لكم: من مراحم الله تجاه البشر. لا تفتكروا أنني أبني ثقتي هذه فقط على توبتكم, لأني أعرف أنها لا تقوى على طرد كل الشرور من القلب. إذا كانت لا توجد غير التوبة فقط لكان يحق لكم أن تكونوا قلقين. أما إذا كان صلاح الله هو أساس اعتمادنا, فيجب أن تثقوا. فمراحم الله نحونا لا نهائية، بل أقول أيضاً إنها تفوق كل تعبير.

إن ضعفاتكم محدودة أما علاجها فليس لـه حدود. حتى وإن كانت أخطاؤكم لا تُحصى فهي لا تزيد كونها أخطاء بشرية. وهي لا تُقاس إزاء صلاح الله اللا نهائي. فلتكن لكم ثقة في الله, لأن التوبة ستنتصر على رذائلكم.

تخيلوا شعلة سقطت في البحر ـ هل يمكنها بعد ذلك أن تظل مشتعلة. إن خطاياكم ستتلاشى عندما تتلامس مع صلاح الله مثل انطفاء الشعلة إذا لامست الماء, بل إن المحيط رغم اتساعه فهو لـه حدود, أما المراحم الإلهية فهي غير محدودة.

 Copyright © 2009-2024 Almohales.org All rights reserved..

Developed & Designed by Sigma-Space.com | Hosting by Sigma-Hosting.com