عن الكنيسة

كاهن الكنيسة

جمعية الكنيسة

مواقع

C??????E

الكنسيات بين الشرق والغرب

الكنسيات بين الشرق والغرب

خبرة كنيسة الروم الملكيين الكاثوليك

المطران لطفي لحّام (البطريرك غريغوريوس الثالث حاليًا)

 

القسم الثاني خبرة كنيسة الروم الملكيين الكاثوليك

  إن لكنيسة الروم الملكيين الكاثوليك خبرة خاصة بها في مجال الكنسيات. فهي من جهة في شركة رسمية وكاملة مع كنيسة متشبّثة بغيرة كبيرة بتراثها الشرقي المشترك مع الكنيسة الأرثوذكسيّة لمدة 1700 سنة. وتعيش الكنيسة الملكيّة منذ ثلاثة قرون فقط خبرة الأرثوذكسية من منظار كاثوليكي، بل بالأحرى من منظار لاتيني. إنها بمجملها كنيسة أورثوذكسيّة، وهي تعيش بالإضافة إلى ذلك في محيط عربي إسلامي، فهي كما يسميها الأب جان كوربون "كنيسة العرب". فنحن كنيسة العرب وكنيسة من أجل الإسلام، وفي بلاد الإسلام، نحن كنيسة الإسلام. هذا كلّه ضروري جدًا لنفهم قيمة الخبرة الكنسيّة الكاملة لهذه الكنيسة.
خبرة هذه الكنيسة الأرثوذكسيّة الشرقيّة والمتحدة مع روما موسومة بـ" الإبهام" والضبابيّة. ففي أوساط القرن السابع عشر، كان الوضع معقّدًا، إذ كانت الكنيسة الأرثوذكسيّة مرتبطة بالقسطنطينيّة، وكانت المرجعيّة الكنسيّة القسطنطينيّة تتمتّع بأهميّة بالغة، بينما كانت الكنيسة الأنطاكيّة دومًا منفتحة على روما من خلال حوار واتصالات مستمرّة، ما جعلها تعيش شيئًا فشئًا حالة انجذاب مزدوج بين روما والقسطنطينيّة، وقد تطور هذا الوضع في خلال قرن (من منتصف القرن السابع عشر حتى منتصف القرن الثامن عشر)، فمن جهة أرادت أن تحفظ الشركة مع الكنيسة الأرثوذكسيّة، ومن جهة أخرى كانت رغبتها بالاتحاد مع روما تنمو وتزداد بسبب المرسلين اللاتين والقنصليّات، وإرادتها بأن يكون لها دعم قوي. وهكذا ارتسم شيئًا فشيئًا تيار كاثوليكي رسمي وتوضّحت الحدود الفاصلة بين الكاثوليك والأورثوذكس إذ لم ينجح مبدأ الازدواجيّة. ولما أردنا أن نكمل المشوار في شركتنا مع روما، حدث اتحاد وانشقاق في آن معًا، فقد انتخب كيرلّس السادس طاناس بطريركًا على أنطاكية وكان ميّالاً جدًا للاتحاد بروما دون أن ينكر أصله الأرثوذكسي الشرقي، وكانت ردة الفعل في حلب سلبيّة، فبدلاً من الشركة الكاملة مع روما حدث انشقاق في كنيسة أنطاكيا هذه، إذ انقاد قسمًا منها إلى الشركة النهائيّة مع روما، واختار القسم الآخر مقاطعة روما واتباع الأرثوذكسيّة القسطنطينيّة. وقد أرادت هذه الكنيسة الأرثوذكسيّة الأصل والمتحدة مع روما أن تبقى مخلصة تمامًا لهويّتها الشرقيّة وقوانينها الصادرة عن المجامع الشرقيّة والتي أكّدها بوضوح مجمع فلورنسا بعبارته الشهيرة: "مع حفظ حقوق البطاركة الشرقيين".
 
لا تعتبر الكنيسة الملكيّة الكاثوليكيّة الأرثوذكسيّة حقوقها وامتيازاتها إنعامًا من روما، بل قرارات صادرة عن المجامع المسكونيّة. وقد أولتها روما مبدئيًّا، من خلال الوثائق البابويّة الرسميّة، جلّ قدرها وحفظتها. نشير هنا بنوع خاص إلى رسالة البابا لاون الثالث عشر "كرامة الشرقيين" (1894)، التي حررها لصالح الشرقيين وحقوقهم وامتيازاتهم. ونشير أيضًا إلى أن الدوائر الرومانيّة، أو بعضًا منها، تتصرّف بخلاف روح هذه الرسالة وروح قرارات المجامع وعموم الوثائق البابويّة. زد على ذلك أن روما قد اتبعت، في جميع وسائلها، سياسة اللتننة (Latinisation) من خلال مرسليها، بدءًا من تأسيس البطريركيّة اللاتينيّة في القدس في السنة 1848، ووجود الأساقفة اللاتين في جميع بلدان الشرق الأوسط، وما انفكّ المرسلون اللاتين يجتذبون الأرثوذكسيّين والملكيين الكاثوليك فرادى وجماعات إلى كنيستهم اللاتينيّة. وما وجود اللاتين في الشرق الأوسط، وكلهم من أصل مسيحيّ شرقيّ، إلا حصيلة سياسة اللتننة هذه. إن الكنيسة الملكيّة تشعر بمرارة هذه اللتننة أكثر من أي كنيسة كاثوليكيّة أخرى لأنها متعلّقة كثيرًا بحقوقها وامتيازاتها، وتغار على حفظ هذه الحقوق واحترامها، وهذا ما اتسم به تاريخ كنيسة الملكيين منذ اتحادها بروما في السنة 1724.
 
هذه بعض الأمثلة حول هذه الخبرة المرّة:

• إن أول بطريرك للكنيسة الملكيّة، وهو كيرلس السادس طاناس، وقد انتخب بطريركًا على كرسي أنطاكية في السنة 1724، لم تعترف به روما إلا بعد خمس سنوات من انتخابه، أي في 15 من آذار 1729، وهذا أول المطاف في مسيرة الاحتقار.

• أراد المطران جرمانس آدم، متروبوليت حلب (1806)، أن يحمي استقلاليّة الكنيسة الشرقيّة دون أن يضر بالاتحاد الكامل مع روما، خصوصًا في المرحلة الثانية من حياته، فحرمته روما.

• من المعروف أن البطريرك مكسيموس الثالث مظلوم (1855) عانى المتاعب الكثيرة وكان في نزاع مستمر مع روما بسبب إرادته الصلبة في صون هوية الكنيسة الملكية واستقلاليّتها مع الحفاظ على الشركة مع روما.

• حرمت روما مجمع قرقفة الملكي الذي عقد برئاسة البطريرك مظلوم في السنة 1809 لأنه أراد أن يظهر بوضوح طابعها الشرقي.

• مثّل البطريرك غريغوريوس الثاني يوسف سيور (1897) الكنسيّات الشرقيّة في المجمع الفاتيكاني الأول في خطابيه، الأول في 19 من أيار والثاني في 14 من حزيران 1870، حيث شدد على أهميّة الاعتراف بقرارات مجمع فلورنسا القصوى، وعلى ألا يستحدث أي جديد على الاتفاق الذي تمّ بين اليونان واللاتين في ذلك المجمع، خصوصًا بالنسبة للأوليّة البابويّة وحقوق البطاركة الشرقيين وامتيازاتهم كما نجدها في القوانين العريقة وكما قررتها المجامع المسكونيّة التي ضمّت الشرق والغرب. لقد أكّد البطريرك غريغوريوس الثاني وأساقفته مع وجهاء الكنيسة الملكيّة على أن الكنسيّات الشرقيّة والحقوق والامتيازات البطريركيّة لا تناقض قطعًا الكنسيّات الكاثوليكيّة الصحيحة بما فيها أوليّة بابا روما، وقد عاد إلى بلاده رافضًا توقيع قرار المجمع بهذا الشأن لأنه لم يراع نظرته الكنسيّة، ولكنه أُجبر في ما بعد على توقيعه فوقّعه مضيفًا عليه عبارة مجمع فلورنسا الشهيرة: "مع حفظ حقوق البطاركة الشرقيين".

• البطريرك مكسيموس الرابع الصايغ (1967)، بطل المجمع الفاتيكاني الثاني، كان هو وأساقفته خير من قدم الكنسيات بطريقة فريدة "شرقية وأورثوذكسيّة وكاثوليكيّة" في آن معًا. كان هاجس هذا البطريرك العظيم الغائب الكبير، أي إخوته الأرثوذكسيّون، وهذا ما قاله للبطريرك أثيناغوراس الأول: "أردنا دومًا أن نكون صوت الغائب الكبير في المجمع الفاتيكاني الثاني.. ففي كل مرة أتكلم، كنت أفكّر بغبطتكم". وقد أردف البطريرك أثيناغوراس حينئذ قائلاً: "لقد كنتم صوتنا في المجمع الفاتيكاني الثاني". كان وجود الكنيسة الملكيّة في المجمع علامة ومرجعًا مستمرين لهذا الغائب. ولا يخفى على أحد تأثير البطريرك مكسيموس الرابع والأساقفة الملكيين على هذا المجمع خصوصًا في موضوع الكنسيات، إذ بفضله استُحدث "مجلس الأساقفة" و "مجمع الأساقفة مع البابا"، وبفضله سمعنا من روما وسواها عبارات "الكنيسة المحليّة"، و"الكنيسة الأخت" و"التنوّع" حتى في اللاهوت و"لا مركزية الدوائر الرومانية" و"صيغة التراتبية (الإييرارخية) والمجمعية"... هذا التأثير الذي نشتمّه في كثير من الوثائق المجمعيّة، خصوصًا وثيقتي الكنائس الشرقية والحركة المسكونيّة. لقد استطاعت الكنيسة الملكية أن ترسي قواعد الكنسيات التي ستحدد في المستقبل مسار الحركة المسكونيّة.

 Copyright © 2009-2024 Almohales.org All rights reserved..

Developed & Designed by Sigma-Space.com | Hosting by Sigma-Hosting.com