عن الكنيسة

كاهن الكنيسة

جمعية الكنيسة

مواقع

C??????E

كلمة الراعي الاسبوعية سيادة المتروبوليت بولس يازجي

الرسالة الرعوية عدد /11-24 / لمطرانية الروم الأرثوذكس بحلب ]

 

كلمة الراعي

رجــاؤنا

"حيث دخل يسوع كسابقٍ لنا"

يكلّمنا بولس الرسول عن رجاء بشريّ فريد! وكم تعزّينا وتقوّينا كلماتُه في زمن يكثر فيه التشاؤم. لقد كانت الحياة، في زمن قريب سلف عرضةً أكثر للمخاطر، وكان يغلب على الناس العوز، لكنّهم كانوا دائماً متفائلين. العكس ما نراه اليوم، في زمن شبع الناسُ فيه وامتلؤوا من الخيرات وتطوّرت العلوم والطبيّة منها خاصّة، وازدادت الضمانات للحياة بشكل مذهل، لكنّ القلق والتشاؤم ازداد بدل أن ينقص، رغم انعكاس الظروف بين فترة مضت وبين الآونة الحاليّة. السبب هو أنّ الخوف قد ازداد، فبرغم تطوّر الضمانات في الحياة يخلق الخوف، على الخيرات الممتلكة والخوف على عدم تحصيل الخيرات المنشودة، حالةً من القلق حتّى اليأس. أمّا نحن فلا نحيا قلق العالم بل سلام الإنجيل. لم تُحط الاضطراباتُ بإنسانٍ كما أحاطتْ ببولس الرسول، أمّا قلبه فكان في سلام، لأنّ رجاءه لم يكنْ للعالم من سلطان عليه! يحقّ للناس أن يردّدوا تلك الكلمات القديمة، في زمن الاضطرابات: "قد هلكَ رجاؤنا"! لكنّنا نحن نتمسّك بالصوت النبويّ الكتابيّ وبكلمات بولس: "إنّ لنا رجاءً موضوعاً أمامنا، الذي هو كمرساةٍ للنفس أمينة راسخة".عندما نصحنا بولس الرسول أن نلبس كلّ أسلحة البرّ في الجهاد، سمّى الرجاء "خوذة الخلاص". لأنّ الضربة القاضية توجّه دائماً إلى الرأس، فإنّ أيّة إصابة في باقي الأعضاء تَعطُبُ المصارعَ في شيء من جهاده، أمّا الإصابة في الرأس فهي تقضي بالكليّة عليه. يقول القدّيس يوحنّا السلمّي، الذي نعيّد له في هذا الأحد الرابع من الصوم: "إنّ كلّ رذيلة تعطّل فضيلة، فالكبرياء مثلاً يمنع التواضع... لكنّ اليأس أو الضجر يقتل كلّ الإنسان"! إنّ الرجاء يحرّك بديناميكيّة كلّ حياة الإنسان. فما هو رجاؤنا، هذا الذي يفتخر به بولس الرسول؟ من وجهة نظر جماعيّة طائفيّة، وهي موجودة، الرجاء هو تحقيق الوجود والحقوق في عالم وظروف، للأسف، تصنّف الإنسان ليس بمواطنيّة دائماً ولا بمقدراته بقدر ما تصنّفه بمذهبه. وهكذا يلبس رجاؤنا صيغاً سياسيّة ولا يبقى أميناً بالكليّة لصورته الإنجيليّة. من وجهة نظر فرديّة "تُقَوِيّة" (مع التحفّظ هنا على استخدام كلمة تقوى بمعناها الشعبيّ المشوّه) يصير رجاؤنا محصوراً في تحقيق بعض النجاحات التقَويّة مثل بعض أعمال الإحسان والوداعة (التي تختلط هنا خطأً بالتردّد والخوف) والمسامحة والودّ والكلام العذب عن المحبّة والصداقة والألفة وما إلى ذلك... وهذه السابقة كلّها فضائل مسيحيّة مطلوبة، لكن حاشى لها أن تكون هي كلَّ رجائنا. هذه الصيغ السابقة كانت لدى اليهود وقبل المسيح، فلقد صاغت حاجات "الأمّة" رجاءً سياسيّاً بـ"مسيّا" يحكم العالم ويسحق الأعداء. وصاغت الصوفيّة الحكيمة رجاءً بسلام داخليّ ضمن العالم المضطرب. أمّا رجاؤنا، بحسب بولس والكتاب المقدّس، فهو أن ندخل مع رئيس الكهنة الأعظم، الذي "دخل إلى داخل الحجاب" وهو يسوع "كسابق لنا"! إنّ رجاءنا إذن هو أن نكون كما هو يسوع وأن ندخل حيث دخل يسوع. رجاؤنا إذن ليسَ أحلاماً قوميّة ولا حلولاً تقَويّة. رجاؤنا هو خلاص كونيّ، تحرّر ليس من سلطة زمنيّة ولا من اضطراب روحيّ وحسب، رجاؤنا هو أن تخلص الحياة ويتحرّر الإنسان من قيود وسلطة الفساد والبلى في عالمنا الماديّ والروحيّ.رجاؤنا إذن هو، أن نقوم مع يسوع، بعد أن نموت معه! لقد حلمت البشريّة بالخلود وسطَرَت العديد من الأساطير، وكلّها تعبّر عن العطش الإنسانيّ العميق. لكن هذه كلّها بقيتْ للبشر أساطيرَ وجاء يسوع وانقلبت الأسطورة إلى حقيقة. لقد صار يسوع رئيس كهنة "إلى الأبد". وهذه الكلمة إلى "الأبد" لا تحقّ إلاّ مع الله، وصارت الآن تحقّ لمن يموت مع يسوع فيقوم به. رجاؤنا هو مسألة كونيّة وليس قوميّة أو تقَويّة. وبمقدار هذا الرجاء هو مقدار المسؤوليّة. إنّنا نرجو حياةً لا بلى فيها ولا حزنٌ ولا مرض ولا موت بل حياة للروح والجسد لا تفنى! ولنا من هذا الرجاء بداية وعربون في يسوع الذي دخل إلى ما بعد الحجاب، إلى ما لا يحقّ لإنسان؛ وذلك كسابق لنا.رجاؤنا هو القيامة والحياة الأبديّة و"افتداء جسدنا" من البلى إلى عدم البلى (رو 8، 23). هذا هو تعريف الحياة السعيدة في المفهوم المسيحيّ، إنّه تعريفٌ أنطولوجيّ وليس طوباويّاً (1 تيم 2، 4).الجسد، ليس سجناً للنفس ولا وصمةَ عار على عالم الروح. الأنثروبولوجيا المسيحيّة تعطي للجسد حقّه، فالإنسان يفرح بجسده ويتألّم به. ليس الجسدُ في العالم الساقط أو السعادة في عالم الروح. إنّ الجسد هو صانع الأسى وهو منبع الغبطة. نخلص بجسدنا ونهلك به. لما لم يكن للناس رجاءٌ في الجسد، الذي كانوا يرونه خاضعاً للفساد والموت والأمراض...، نقلوا الغبطة إلى عالم الروح. أمّا نحن فلا نتخلّى عن جسدنا فهو كياننا، ولا نتعلّق بأوهام خارجه عن الغبطة لكن نحقّقها به! يظنّ البعض أن أقرب العلوم إلى المسيحيّة هي العلوم النظريّة كالفلسفة واللغات والآداب وعلم الاجتماع، أو حتّى علم النفس كطبّ للنفس البشريّة. لا، إنّ أقرب العلوم للمسيحيّة هي العلوم التطبيقيّة وأهمّها الطب، لأنّ هذا الأخير يعالج كيان الإنسان، جسدَه، وليس ما له أو ما حوله. لكن الطبّ يتصدّى للأمراض ويستسلم لقدر الموت، أمّا المسيحيّة فتتصدّى للعدوّ الأخير للموت ذاته."فلنتمسكْ بالرجاء الموضوع أمامنا" يقول لنا بولس الرسول في الأحد الرابع من الصوم. في الأحد الماضي نصبتْ لنا الكنيسة في وسط الصوم شجرة الصليب عود الحياة لكي نتقوّى "بالصبر". وهذا الأحد، وقد أنهك الصومُ إرادتَنا ربما! تضع الكنيسة أمامنا "الرجاء" كمرساة أمينة راسخة سوف تثبّتنا في الميناء على مشارف الفصح المقدّس.كرامة الجسد ليست في اللباس والطعام، ولا بالأحرى في الرفاهيّة والكسل. مجدُ الجسد هو أن نضعه في خدمة الروح. كلّ تعب للجسد مبارك. كلّنا ننهك أجسادنا في أشغالنا من أجل خدمة لقمة العيش. لكن أتعاب الجسد في السجود والصلاة وخدمة الآخرين والسهر على حياة المحبّة، هي أتعاب مباركة وثمرها أوفر بكثير. إنّ أطيب وأكرم طعام للجسد هو الصوم بمعيار. قال داؤود النبي "كلّتْ ركبتيَّ من الصوم"، الصوم الحقيقيّ الكامل هو أن نضع الجسد في "أتعاب" من أجل الروح، عالمين أنّ رجاءنا عظيم.هنا، قبل أن نتردّد أو نيأس أو يصيبنا الملل، ننظر إلى رجائنا على مقربة من الفصح، فيقوّم هذا الرجاء الركب المخلّعة ويشدّد العزيمة لنجوز ما تبقى من زمان الصيام "بفرح وشوق لنصير شركاء الحياة الأبديّة" وندخل مع يسوع الذي سبقنا إلى داخل الحجاب، ومَن "تأنّى نال الموعد"، آمين.

المطران بولس يازجي

 

 Copyright © 2009-2024 Almohales.org All rights reserved..

Developed & Designed by Sigma-Space.com | Hosting by Sigma-Hosting.com