|
آراء ارثوذكسية في الكنيسة الشكر لقدس الاب الياس خوري
|
|
|
|
آراء أرثوذكسية في الكنيسة
مجموعة من المؤلفين { 5 }
الكنيسة
للأب سرج بولغاكوف
الكنيسة حاصلة في سر الشكر
عندما يتكوّن الطفل, فقد صار بالطبع رجلاً, نحن لا نراه رجلاً ولكنه بالقوة رجل. سوف يصبح رجلاً هذا الطفل في حالة النمو. الكنيسة في حالة النمو الدائم, انضمت إلى المسيح ولكنها تصبح أكثر فأكثر اتصالاً به عندما تتناول جسده وتشرب دمه. هذه الصورة يجب أن نأخذها بصورة فعلية, إنها ليست مجرد خيالات ولكنها صورة فعلية, حقائق راهنة. عندما تتحد المرأة بالرجل فهي تتقبل دم هذا الرجل, تصبح له أكثر فأكثر وتصبح أكثر اتصالاً به وأكثر اتحاداً به وتنمو محبتها بهذه العيشة الزوجية المشتركة ويتفاهمان أكثر فأكثر ويتبلوران. هكذا نحن كلما أخذنا من دم المسيح بالمناولة احتفلنا بعرس معه, أي صرنا كنيسة واحدة. صرنا عروساً فعلية له. فلذلك عندما تجتمع الطائفة في القداس دون أن تتناول, فهي لم تفعل شيئاً, وهي لم تتلق في نفسها دم المسيح, وإذاً هي ليست راغبة في أن تصبح متحدة معه, هي لا تزال في حالة الخطوبة. ولكن إن أرادت أن تكون في الحالة الزوجية فيجب أن تتقبل دمه فيها.
نحن نصبح جسداً واحداً لأننا نأكل من النواة الواحدة. نحن مبعثرون, نحن شرذمة ولسنا بكنيسة, نحن مبعثرون ما دمنا لا نجتمع في الذبيحة الإلهية, وما دمنا لا نأكل من الذبيحة الإلهية. كيف نكون متصلين بالمسيح الرأس ؟ كيف يكون المسيح معطياً حياته في هذا الجسد الذي هو رأسه إن كنا منقطعين عن هذا الرأس العظيم ؟
ثم نحن لا نتحد بعضنا ببعض ما لم نتحد بالرأس. لماذا الطائفة المسيحية مفككة ؟ لأن كل واحد يعيش وحده منصرفاً عن أخيه. يبقى كل واحد ببيته ولا يتصل بأخيه وكيف يرى أخاه إن لم يره حول الذبيحة الإلهية ؟ يمكن أن يراه في سهرة اجتماعية ولكن هذا ليس لقاء في جسد المسيح. يتم اللقاء في جسد المسيح في هيكل المسيح.
القضية أعمق مما يمكن أن نتصور أحياناً. قد نتصور بأننا مسيحيون لأننا تعمدنا. هذا لا يكفي. فسمعان اللاهوتي الحديث, وهو قديس بيزنطي من القرن العاشر والحادي عشر قال إن الإنسان يتبناه الله بالمعمودية ولكن يجب أن يقبل الله فيما بعد, يجب أن يتعمد بالدموع, يجب أن ينال معمودية أخرى هي معمودية الدموع. ويعني بها طبعاً التوبة. الاستمرار في التوبة هو الذي يجعل معموديتنا فاعلة وإلا تكون غير فاعلة: تكون كما يقول قديسنا سمعان مجرد معمودية ماء. التوبة هي التي تجعلها معمودية الروح القدس. وبعبارة أخرى نقول: هذا الانتماء للكنيسة لا يمكن أن يصبح فعالاً فينا ما لم نتقو في هذه العضوية, ما لم نكن مدركين لهذا الانتماء, ما لم نكن متقبلين في أجسادنا وأرواحنا جسد المسيح ودمه الكريمين. القضية إذاً هامة جداً. فالقداس الإلهي بكلمة أخرى هو الذي يجعل هؤلاء الناس كنيسة واحدة. هذا ما يتجلى لنا في بحث سر الذبيحة وما يتجلى لنا في العهد الجديد فيما كتبه الرسل عن الكنيسة.
الروح القدس عنصر فعّال في الكنيسة
العنصر الثاني في تكوين الكنيسة هو الروح القدس. المسيح هو العنصر الأول الباني, هو الأساس الذي عليه تنمو الكنيسة, المسيح نفسه حجر الزاوية الذي به تتماسك الأعضاء. ولكن حين نقول أن الكنيسة بالواقع ظهرت للعالم يوم العنصرة وأنها تنمو في سر الذبيحة الإلهية نقول إن العنصر الفعال الثاني هو الروح القدس, الذي يمدها بالأسرار ويجعل هذه الأسرار دعائم لها. هو الذي يمدها بتنوع المواهب: يجمع الروح القدس أصحاب المواهب في كتلة واحدة, في جسد واحد. الذي يجعل الكنيسة مستمرة, قوية, متشعبة المواهب, ولكن موحدة بآن واحد, هو الروح القدس.
الوحدة في الكنيسة
كي نفهم أن الكنيسة جسد واحد للمسيح يجب أن نفهم أننا انضممنا إليها عن طريق المعمودية ونحن ننمو فيها عن طريق الأسرار, لا سيما سر الميرون وسر الشكر. وصفت الكنيسة في دستور الإيمان أنها واحدة جامعة مقدسة رسولية. هي واحدة لأن المسيح واحد, ولأنه هو الذي يوحّدها. وهي واحدة عبر العصور, وهي واحدة مع مسيحيي القرن الرابع والخامس والعاشر ومع الذين سيأتون, وهي واحدة مع نفسها عندما ستكون ممجدة في السماء. ونلاحظ أن هذه الوحدة في الكنيسة تكون على أساس الأسقف, المطران.
المطران هو العنصر الذي يربط الجماعة مع الرسل. طبعاً هو الكائن الرسولي في الأساس, أي المتحد مع السلسلة الرسولية, الذي يكمل السلسلة الرسولية عن طريق وضع الأيدي. عندما يشرطَن الأسقف يكون خليفة لواحد آخر على كرسيه وهذا الكرسي نفسه يعود إلى رسول بصورة مباشرة أو غير مباشرة. الأسقف هو عنصر التوحيد. هذا شيء منسي في طائفتنا, ليس في التعليم ولكن عند الشعب. الأمر الذي صار مشهوراً اليوم هو أن كل واحد سيد في هذه الكنيسة. الإنسان اليوم سيد إذا استطاع أن يكون خادماً. الذي لا يخدم لا سيادة له. من أجل حفظ الوحدة الكنسية, من أجل حفظ التعليم واستقامته, من أجل إقامة الأسرار, من أجل إعطاء الروح القدس للناس, أقيمت أداة هي الأسقف. هذا أمر ذكَّرنا به اغناطيوس الأنطاكي المتشح بالله حين قال: (حيث يوجد الأسقف فهناك الكنيسة).
الأسقف هو الذي يوحّد الكنيسة وعندما نقول هذا نعني أنه يوحدها مع المسيح, لا يوحدها مع شخصه. هو يوحّدها بواسطته كجسر مع المسيح, أي يوحدها مع الكلمة التي يعظ بها. يوحدها مع تعليم يسهر على استقامته, مع تعليم يعرفه إذاً. هذا شيء أساسي وهو شرط من شروط الأسقفية, كما يقول ديونيسيوس الأريوباغي. يجب أن يكون الأسقف عارفاً بالكتب والمزامير لا معرفة بسيطة بل معرفة تفسيرية. وإذا كانت الكنيسة متصلة بالمسيح رأسها, فيجب أن يكون هناك رجل يعرف كيف يوصلها برأسها.
يوحّد الأسقف الكنيسة مع شخصه, وعندما نقول يوحدها فهذا يعني أنها عروسه وأنه يحبها أيضاً, لأنه يحب أن يوحّدها مع المسيح. هذا يعني أن وظيفة الأسقف بالدرجة الأولى أن يحب كنيسته, أن يحب شعبه وإذاً لا يفرق بين أبناء شعبه لأنهم كلهم أعضاء في جسد المسيح الواحد وكلهم مفديون بالدم الكريم الواحد. وإذاً لا يعلو أحدهم الآخر إلا بالفضل, ولكن جميعهم يستحقون الخدمة الواحدة. ومن أجل هذا يستشير الأسقف شعبه. ولكن مَن يستشير من شعبه ؟ إنه يستشير الأتقياء ويتعاون معهم وإلا لا يمكن أن تكون الكنيسة واحدة, وهذا نتيجة من نتائج وحدتها.
صحيح أن المطران هو رأس الكنيسة ولكنه بآن عضو فيها. في القداس الإلهي للأسقف أو الكاهن دوران: هو مندوب المسيح تجاه الشعب ولكنه أيضاً رسول الشعب تجاه المسيح. ليس صحيحاً في الأرثوذكسية أن نقول أنه فقط خليفة المسيح لإقامة القداس أو لإدارة الكنيسة. إنه أيضاً مندوب الشعب إلى الله. من أجل ذلك هو مضطر أن يستشير الشعب. لماذا ؟ لأن أفراد الشعب أيضاً أعضاء المسيح, ولا يثبت الأسقف في العضوية دون أن يتعرف على الأعضاء. إنه يصغي بالدرجة الأولى إلى مَن يتكلم الروح القدس فيهم, لأن صاحب سفر الرؤيا يقول للكنائس أن تسمع ما يقول لها الروح. الروح القدس لا يتكلم بالعلماء إلا إذا كانوا هم أيضاً ورعين. الروح القدس لا يتكلم بالضرورة بالكهنة ما لم يكونوا صالحين. وإذاً من شعبه هذا الذي يخدمه يكون الأسقف محاطاً بالدرجة الأولى بالأتقياء. وهكذا تتوحد الكنيسة وتكون مساهمة في وحدة المسيح.
الكنيسة جماعة تائبين يتقدسون
الكنيسة مقدسة لأنها تتقدس بالرأس. تدخل الخطيئة إلى الكنيسة وبآن واحد هي مقدسة. هذه هي الغرابة أو المفارقة في الكنيسة. إنها جماعة الخطأة الذين يتوبون (أفرام السرياني). إن أعضاء الكنيسة دائماً يخطئون ولكنهم في حالة التوبة لأنهم يتقدسون بجسد الرب ودمه الكريمين. ويعني هذا التقديس أنهم مفرزون لخدمة الرب. إنهم يطلبون المسيح ولا يطلبون إلا المسيح وإلا فهم غير مقدسين. المقدس في الكنيسة لا يعني الإنسان الطاهر لأن ليس من إنسان طاهر في الكنيسة. كل إنسان كاذب هذا ما يقوله داود. ولكن ماذا يقرر داود فيما بعد ؟ إنه يقول: (بماذا أُكافئ الرب عن كل ما أعطاني. كأس الخلاص أقبل وباسم الرب أدعو). فكل أعضاء الكنيسة واقعون في الكذب بواسطة المواقف الخاطئة التي يقفون, ولكنهم دائماً يستطيعون أن يفرزوا أنفسهم للمسيح. فهم ليسوا إذاً لهذا العالم ولكنهم للمسيح. ولذا كانت غاية الكنيسة فقط أن تتقدس. لا يمكن أن تكون حاضرة في هذا العالم وفاعلة وخيرة فيه, ما لم تعرف أنها ليست من هذا العالم وأنها تطلب المجيء الثاني. هي كالمخطوبة التي تنتظر خطيبها. تنتظر الكنيسة مجيء الرب في الأسرار كل أحد, تنتظر مجيئه في الكلمة, ثم تنتظره في اليوم الأخير. ولذلك الكنيسة غريبة عن هذا العالم, كما كان المسيح غريباً وغرّبه بنو جنسه. إذاً ليس للكنيسة تعلق بهذا العالم وليس لها مصالح في هذا العالم, هي تخدم هذا العالم.
الكنيسة جامعة
الكنيسة جامعة أولاً بالمعنى السطحي الجغرافي. إنها تجمع بين كل الأقوام, ليس عبد ولا حر, ليس يوناني ولا يهودي, كلكم حر بالمسيح يسوع. وعندنا هذه الظاهرة العجيبة أن لا شيء يجمع كالمسيح. ولا تجمع الكنيسة الأقوام فقط بل العصور أيضاً بحيث يكون كل عصر وفياً للعصور السابقة. وهنا ينبغي أن أذكِّر بشيء. ليس همي أن أكون واحداً مع أبناء عصري من المسيحيين الآخرين فقط بل همي أن أكون واحداً مع باسيليوس الكبير ويوحنا الذهبي الفم وغريغوريوس بالاماس. همي إذاً أن أكون وفياً لهذا الخط العامودي الذي جاء من الرسل إلينا. هذا الهاجس الأفقي السطحي, أن نكون واحداً في الدنيا, همّ صحيح ويجب أن أتبعه ولكن ليس على حساب الخط العامودي الأساسي, أي أن نكون واحداً مع كل القديسين والشهداء الذين شهدوا لله في العصور الغابرة.
الكنيسة رسولية
المعنى واضح وهو أنها واحدة مع الرسل بالتسلسل الكهنوتي, واحدة معهم بالتعليم الواحد. إنها رسولية أيضاً بمعنى أنها رسالية تؤدي الرسالة. والرسالة يمكن أن ننظر إليها إذا نظرنا إلى الماضي ونقول إنها رسولية. ولكن يمكننا أن نقول إننا رسوليين إذا تطلعنا إلى المستقبل, وهذا شيء أساسي أيضاً. كثيراً ما نتطلع إلى الماضي ولا نتطلع إلى الحاضر الذي نحن فيه وإلى المستقبل. الكنيسة لا تحيا بالترداد والتفاخر برسوليتها. هذه نعمة الله علينا. ولكن الكنيسة تحيا لأنها تريد أن تكون كالرسل. وهذا يعني أن ليس للرسول شيء وليس عليه إلا أن يبلِّغ الرسالة التي أوتي. إذاً نحن كنيسة رسولية اليوم وهنا بقدر ما نهتم أن نؤدي رسالة المسيح. ورسالة المسيح لا تؤدى فقط عن طريق التعليم, وليس عندنا من تعليم إلا القليل, ولا تؤدى فقط بإدارة الطقوس, وهذا جميل وضروري وبناء, ولكن التعليم يؤدى بكل الوجوه, وتؤدى الرسالة عندما نفتقد المساكين المحرومين افتقاداً كلياً, عندما نحمل هذا العالم كله على أكتافنا. ويمكن أن نحمله على قدر ما نحن مستقلون عنه. الذي استُبعد لهذا العالم, الذي يشتهيه ويريده, لا يستطيع أن يخدمه. من جعله رباً له لا يستطيع أن يؤدي أمامه رسالة.
+ ادارة الموقع والجمعية تشكر قدس الاب الموقر الياس خوري لارساله هذه المادة لمنفعة المؤمن، فليباركه الرب بشفاعة والدة الاله.
|