عن الكنيسة

كاهن الكنيسة

جمعية الكنيسة

مواقع

C??????E اخبار مسيحية

آراء ارثوذكسية في الكنيسة_ الشكر لقدس الاب الياس خوري

آراء أرثوذكسية في الكنيسة

مجموعة من المؤلفين { 1 }

الكنيسة

للأب سرج بولغاكوف

هذا المقال الفصل الأول من كتاب (الأرثوذكسية) الذي كتبه الأب بولغاكوف سنة 1932. وهو من تعريب أ. ج. عن الترجمة الفرنسية الأولى للكتاب (باريس, ألكان, 1932), وقد نُشر أولاً في مجلة النور الأعداد 3, 4 و5, سنة 1956.

أما الأب سرج بولغاكوف (1871- 1944), فكان أستاذاً للاقتصاد السياسي في جامعات كييف وموسكو وكان ملحداً. ثم اهتدى إلى الإيمان وسيم كاهناً بعد الثورة الروسية, ثم أنفي على يد السلطات السوفياتية وأصبح عميداً لمعهد القديس سرجيوس اللاهوتي في باريس. وقد ألّف الأب سرج العديد من الكتب اللاهوتية باللغة الروسية أهمها كتاب (الأرثوذكسية) الذي ترجم إلى عدة لغات و (في الكلمة المتجسد), و (المعزي) (تُرجما إلى الفرنسية), و (عروس الحمل), و (النور الذي لا يعروه مساء) الخ...

كنيسة المسيح ليست مؤسسة, إنها حياة جديدة مع المسيح وبالمسيح, يرشدها الروح القدس. إن نور قيامة المسيح يشع على الكنيسة, ويملأها فرح هذه القيامة, فرح الظفر على الموت. السيد الناهض يحيا معنا, وحياتنا في الكنيسة هي حياة سرية بالمسيح. وإنما يحمل (المسيحيون) اسمهم هذا لأنهم للمسيح: هم يحيون في المسيح والمسيح يحيا فيهم. وما التجسد فكرة أو نظرية, إنه, قبل كل شيء, حدث وقع مرة في التاريخ, ولكنه يحوي كل ما في الأزلية من قدرة واستمرار. وهذا التجسد الدائم, وبصفته اتحاداً كاملاً لا يقبل الأغلال، رغم عدم اختلاط الطبيعتين – الطبيعة الإلهية والطبيعة البشرية – هذا التجسد، يشكل الكنيسة. فالكنيسة هي جسد المسيح لكونها وحدة حياة معه. ونعبر عن نفس الفكرة, عندما نطلق على الكنيسة اسم خطيبة المسيح أو عروس الكلمة: فالعلاقات بين الخطيبين أو بين العروسين، إن اعتبرناها في ملئها السابق الأزل، تقوم على وحدة حياة كاملة، لا تنفي حقيقة اختلافهما, إنها اتحاد اثنين في واحد، اتحاد لا تحله الثنائية ولا تستغرقه الوحدة. والكنيسة، لكونها جسد المسيح، ليست المسيح، الإله - الإنسان، لأنها ليست سوى ناسوته، إلا أنها الحياة مع المسيح وبالمسيح، وحياة المسيح فينا: (ليس من يحيا أنا, بل المسيح يحيا فيّ)(غلاطية 20:2). لكن المسيح, ليس شخصاً إلهياً وحسب، إنه (أحد الأقانيم) في الثالوث الأقدس، وحياته مشتركة في جوهر الآب والروح القدس. لذا، كانت الكنيسة كحياة بالمسيح، حياة بالثالوث الأقدس أيضاً. جسد المسيح يحيا بالمسيح، وهو، لهذا السبب، يحيا بالثالوث الأقدس. إن المسيح هو الابن وبه نتعلم معرفة الآب، ونصبح متبنين. تبنانا الله الذي نهتف نحوه: (أبانا).

إن محبة الله, محبة الآب للابن, والابن للآب, ليست مجرد صفة أو صلة: إنها, نفسها, تتمتع بحياة شخصية, إنه أقنومية أي ذات عمل منفرد بذاتها مستقل. محبة الله هي الروح القدس, الذي ينبثق من الآب للابن وليحل عليه. فلا وجود للابن, بالنسبة للآب إلا في الروح القدس الحال عليه. وكذلك, يظهر الآب محبته للابن, بالروح القدس, وهو وحدة حياة الآب والابن. هذا هو مكان الروح القدس من الثالوث الأقدس.

والكنيسة, بصفتها جسد المسيح الذي يحيا بحياة المسيح, هي لهذه عينه, الميدان الذي يعمل فيه الروح القدس والمكان الذي يوجد فيه. ولنقل أكثر من هذا: الكنيسة هي الحياة بواسطة الروح القدس. ولذا نستطيع تعريف الكنيسة حياة مباركة في الروح القدس ونقول أيضاً, في بعض الأحيان, إنها الروح القدس حياً في الإنسان. وإن هذه العقيدة يظهرها التاريخ كذلك: فالكنيسة هي نتاج تجسد المسيح بل هي هذا التجسد: فالإله يتبنى الطبيعة البشرية, والطبيعة البشرية تتمثل الحياة الإلهية. الكنيسة هي تأليه (Théosis) الطبيعة البشري, تأليهاً حاصلاً كنتيجة لإتحاد الطبيعتين في المسيح. لكن عمل دخول روح الكنيسة إلى العالم, لم يتم بمجرد التجسد, ولا بالقيامة وحدها. (إنه من الأفضل لكم أن أنطلق (إلى أبي)) (يوحنا7:16). إن هذا الفعل يفرض إرسال الروح القدس, والعنصرة, التي كانت تحقيق الكنيسة. إن الروح القدس, نزل إلى العالم, بشكل ألسنة نارية, وحلّ على الرسل. ووحدة هؤلاء, وحدة الاثني عشر, ترأسهم مريم العذراء, تمثل مجموع الجنس البشري. وبقيت تلك الألسن النارية في العالم, وهي تشكل كنز مواهب الروح القدس الكائنة في الكنيسة. كان الرسل, في الكنيسة الأولى, ينقلون مواهب الروح بعد المعمودية, بصورة ظاهرة للجميع: وما يقابل هذا, الآن هو: (ختم موهبة الروح القدس) الممنوح في سر الميرون.

الكنيسة إذن هي جسد المسيح, وبالكنيسة نساهم بحياة الثالوث الأقدس الإلهية. هي الحياة في المسيح, تلك الحياة التي لا تنفك متحدة بالثالوث الأقدس اتحاداً لا يقبل انفصالاً, وهي الحياة في الروح القدس الذي به نصبح أبناء للآب, وهو الذي يهتف في نفوسنا: (يا أبتاه), وهو يظهر لنا ذاك المسيح الحي فينا. ومن أجل هذا, وجب علينا, قبل أن ندرس تعريف فكرة الكنيسة, وظهورها في التاريخ, أن نفهم الكنيسة كإحدى (المعطيات) الإلهية, تقوم بنفسها, مماثلة نفسها, وكتعبير عن إرادة الله تتحقق في العالم.

إن الكنيسة موجودة وهي (معطاة). إذا فهمنا هذا التعبير من وجهة نظر معينة, بصورة مستقلة عن تشكلها التاريخي, هي تتشكل, لأنها كانت غاية إلهية, فوق البشر. وهي موجودة فينا, لا كمؤسسة أو مجتمع, بل خاصة (كبديهية روحية) (évidence spirituelle) كاختيار خاص, كحياة.

وتبشير المسيحية البدائية, زف أخبار سار وظافر بهذه الحياة الجديدة. والحياة, لا يُستطاع تعريفها, غير أننا نستطيع أن نصفها, وأن نحياها. فلا يمكن أن يوجد (تعريف) مُرض وتام للكنيسة. (تعال وأنظر): فلا يتصور المرء فكرة الكنيسة إلا بالاختبار, وبالنعمة, مساهماً في حياتها. ولهذا السبب ينبغي, قبل أن نعرّف الكنيسة تعريفاً خارجياً أن نتصورها في جوهرها الصوفي أساساً لكل هذه التعاريف: إن لم نعتبر الكنيسة إلا في صيرورتها التاريخية, وإن تصورناها كجماعة دنيوية وحسب, فلن ندرك طبيعتها الأصلية, ألا وهي تعبير الأزلي في الزمني, وتبدّي غير المخلوق في المخلوق.

وجوهر الكنيسة هو الحياة الإلهية, الظاهرة في حياة المخلوقات, إنها تأليه الخليقة بقوة التجسد والعنصرة. وهذه الحياة حقيقة عليا, إنها واضحة أكيدة لكل الذين يساهمون بها, لكنها حياة روحية مختفية في (الإنسان السري), في (مخدع) قلبه الداخلي: وهي, بهذا المعنى, سر مقدس. وهي فوق الطبيعة, أو بعبارة أخرى: وُجدت قبل أن يكون العالم غير أنها قابلة التلاؤم مع حياة هذا العالم. وتستوي هاتان الخاصتان بطبعها بطابعهما الخاص. فإن اعتبرنا خاصتها الأولى (كون هذه الحياة فوق الطبيعة) قلنا إن الكنيسة (خفيَّة), بخلاف كل ما هو (مرئي) في العالم وما يقع تحت الحواس بين أشياء هذا الكون. ويمكن القول إنها لا توجد في هذا العالم. ونحن, إذا ما سلكنا طريق الاختبار بالمعنى الذي يفهمه كانت (Kant) لن نقع على (حادثة) تقابل الكنيسة, مما يجعل فرضية الكنيسة زائدة عن علم الكون التجريبي بمقدار ما هي زائدة فرضية الله في نظام نشوء الكون (Cosmogonie) للعالم (لابلاس). فيكون من الصواب, إذن, على الأقل, كلامنا عن اللامرئي في الكنيسة, الَّم يكن غير صائب كلامنا عن كنيسة لا منظورة.

غير أن هذا (اللامنظور) ليس مجهولاً, فإن الإنسان يملك, غير حواسه (عيوناً روحية) بواسطتها يرى, ويتصور, ويعرف. هذا العضو هو الإيمان, وهو, حسب كلام الرسول (برهان لأشياء لا نراها) (عبر 1:2). والإيمان يرفعنا, على أجنحته, إلى العالم الروحي, ويجعلنا مواطنين في العالم السماوي. إن حياة الكنيسة هي حياة الإيمان الذي به تصبح أشياء هذا العالم شفّافة. وبطبيعة الحال تستطيع هذه الأعين الروحية أن ترى الكنيسة (غير المنظورة). ولو كانت الكنيسة غير منظورة حقيقة, أو غير مستطاع إدراكها البتة, لكان معنى هذا أن : لا وجود للكنيسة. فالكنيسة لا يمكن أن تكتفي بالوجود بذاتها منفصلة عن الناس. هي لا تدخل تماماً في نطاق التجربة الإنسانية. فحياة الكنيسة, حياة إلهية غير قابلة النضب. إلا أن شيئاً من كيفية هذه الحياة, ونوعاً من اختبار الحياة في الكنيسة تعطى لمن يقترب منها, وبهذا المعنى كل ما في الكنيسة هو غير منظور وسري, كل شيء بها يخرج عن حدود العالم المرئي لكن كل ما لا نراه قد يصير قابل الرؤية, وقضية رؤية غير المنظور هي الشرط الضروري لوجود الكنيسة.

+ ادارة الموقع والجمعية تشكر قدس الاب الموقر الياس خوري لارساله هذه المادة لمنفعة المؤمن، فليباركه الرب بشفاعة والدة الاله.

 

 Copyright © 2009-2024 Almohales.org All rights reserved..

Developed & Designed by Sigma-Space.com | Hosting by Sigma-Hosting.com