عن الكنيسة

كاهن الكنيسة

جمعية الكنيسة

مواقع

C??????E

رسالة صاحب المتروبوليت بولس يازجي الموقر الاسبوعية

الرسالة الرعوية عدد /9 -24 / لمطرانية الروم الأرثوذكس بحلب ]

 

** كلمة الراعي **
المـخلـوق واللامـخلـوق
"هي تزول وأنتَ تبقى"

يجيب بولس الرسول هنا في الرسالة إلى العبرانيّين على حيرة هؤلاء حول شخص يسوع المسيح. لقد راح البعض يعلُون شأن يسوع فوق الملائكة، وهذه الأخيرة هي أسمى المخلوقات! لكن هذا العلوّ على سائر المخلوقات لم يُرضِ بولس الرسول، لأنّه بشكل من الأشكال يضع يسوع في هذا العالم المخلوق ولكن فوق الجميع. الفارق الأهمّ بين يسوع والكائنات هو أنّه الله المتجسّد وليس ملاكاً متجسّداً (مثلاً)! لذلك الفارق ليس مسافةً في العلوّ والسموّ بل أنّ هذا الله المتجسّد يأتي من عالم كليّاً غير عالمنا. وإليكم، يقول بولس الرسول، الفارقَ الأهمّ بين العالمَين، هذا الذي نحياه وذاك عالم الله: أن عالمنا يفنى ويبلى كالثوب بينما عالم الله هو عالم عدم الفساد وسنوه لن تفنى. الفارق الأساسيّ إذن هو أنّ اللهَ غيرُ مخلوقٍ، وبهذا يختلف عن العالم الذي أبرأه المخلوق. إنّه الفارق بين اللا-مخلوق وبين المخلوق. "أنتم من أسفل. أما أنا فمن فوق، أنتم من هذا العالم. أما أنا فلست من هذا العالم". "حيث أمضي أنا لا تستطيعون أنتم أن تأتوا" (يو 8، 21-23)، هذه الكلمات وجّهها يسوع لليهود قبل أن يحكموا عليه بالموت، فلم يفهموا ما يقول! لقد كان يسوع يكلّمهم عن هذا الفارق الشاسع بين عالمنا المخلوق والعالم غير المخلوق الذي جاء ونزل هو من سمائه. ولا أحد يصعد إلى هذه السماء إلاّ الذي نزل ابن الإنسان الذي هو في السماء (يو 3، 12-14). إذن، الاختلاف الأساسيّ بين العالم المخلوق وغير المخلوق هو البلى وعدم البلى. لذا يقول بولس الرسول مقارناً بين يسوع الإله والملائكة وكلّ الخلائق فيقول: "هي تزول وأنت تبقى".ليس الفارق الأهمّ بين الله هو "الدور"، أي أنّه هو "الخالق" ونحن المخلوقات. ليس هذا الفارق كما هو بين الجابل والجبلة أو النجّار والخشبة! لأنّ الجابل والجبلة والنجّار والخشبة هم من العالم ذاته. الفارق بين النجّار والخشبة أنّ الأوّل هو الفنان والثانية هي مادّته، من جهة؛ ومن جهة أخرى أنّ هذا الفنان يعمل مع مادّة موجودة أمامه. بينما اللهُ فهو ليس من عالم المادّة المخلوق، التي جاءت في لحظة من الزمن ولم تكن معه أزليّاً، لأنّه "جلبنا من العدم إلى الوجود". لم يتفنّن الله بمادّة عمياء فحوّلها إلى خليقة منظّمة! لقد "خلق" الله، بمعنى أنّه هو كان أزليّاً في الوجود ثم جلب إلى الوجود الخليقة.الفارق هو طبيعة العالمَين وليس في مراحل تطوّر المادّة. العالم المخلوق يأتي في لحظة (بداية) ويخضع لتوصيف المادّة كالطول والعرض والوزن والعمر والنوعيّة، أي لعناصر الزمان والمكان. أما الله فهو قبل هذه الأوصاف والتعاريف. يقول القدّيس مكسيموس: "الله هو فوق الفائق، وأبعد من اللامدرك". إنّ عالم الله لا يبلى، لا يشيخ، لا يبدأ ولا ينتهي. هذه الأخيرة هي صفات العالم المخلوق."ما هو الله"، أي ما هو عالمه وما هي طبيعته؟ هذا سؤال غير منطقيّ في معرفتنا المسيحيّة عن الله! ما دام الله يفوق الإدراك البشريّ ومن عالم غير عالمنا يغدو هذا السؤال عبثاً! إذا حدّدنا "ما هو" الله نكون قد اعتبرناه مادّة من مواد عالمنا. عندها يعدم أن يبقى إلهاً! يصير هكذا الله أيّ شيء غير الله!
الله هو "الكائن". نعم، هكذا عرَّف اللهُ نفسَه لموسى، عندما سأله الأخير من أنتَ: ما اسمك؟ و"الكائن" لا تعني أنّه من الكائنات أبداً، ويساعدنا على ذلك استخدام "الـ" التحديد والتمييز. من هذه الناحية تسمية الله "الـ كائن" هي التسمية الأنجح والممكنة للبشر، شرط ألاّ  نخلطه مع سائر الكائنات (المخلوقات). فهذه "الـ" تعلّمنا وتميّز لنا أن الله "الكائن" هو مختلف بالكليّة ومتمايز بالمطلق عما نسمّيه "كائنات": خلائق.إذن كيف نعرف الله ما دمنا لا نستطيع معرفة "ما هو الله"! هذا الأمر سهل، خاصّة عندما ننتبه إلى ما نقصده بـ "معرفة". إذا أردنا أن نعرِف مادّة علينا أن نحدّد طولها وعرضها ووزنها والخ...، ولكن إن أردنا أن نعرف شخصاً فتختلف عندها التحديدات. ومع الله يحدث ذلك بالأكثر. فمعرفة الله ممكنة ولكن كما أرشدنا إليها يسوع: "مَن رآني فقد رأى الآب"، قال الرب يسوع في إنجيل يوحنّا (9،14)، و"الله لم يرَه أحدٌ قط"، يقول الإنجيليّ ذاته (18،1). وهنا لا يوجد أيّ تناقض رغم الاختلاف الواضح! يقول القدّيس غريغوريوس، الذي نعيّد له اليوم "الله مجهول لنا بطبيعته لكنّه معروف لنا بأعماله وأفعاله".لهذا قال يسوع، رغم أنّ الله لا يراه أحدٌ بطبيعته، أنّه مَن رأى يسوع يرى الآب، لأنّ تجسّد يسوع هو أوضح حدث عن محبّة الله وأفعاله! لا يمكننا إذن إدراك جوهر الله وطبيعته، لكنّنا نستطيع أن نفهم وندرك إرادته ومحبّته الظاهرة من أفعاله، وأعظمها تجسّد الربّ يسوع. لا يُعرف الله بطبيعته، لكنّ الله يُعرف عن طريق عشرته والتأمّل في أعماله والشكر عليها وتسبيحه. معرفة الله تحصل إذن ليس بتحديده ولكن بمحبّته وحفظ وصاياه. هكذا إذن ليس يسوع خليقةً أرفعَ حتّى من الملائكة، ولا هو أيضاً خالق الملائكة وحسب، بل هو من فوق ونحن الخلائق، ملائكة وبشر، من تحت. هو غير مخلوق ونحن خلائق. هو لا يبلى ونحن نبلى (مائتون)، وشتّان بين العالمَين.لذلك علينا أن نصغي إلى ما سمعناه من وصايا الربّ إصغاءً أشدَّ... فإنّها "إن كانت الكلمة التي نُطق بها على ألسنة ملائكة (خلائق) قد ثبتتْ، وكلّ تعدٍّ ومعصيةٍ نال جزاءً عدلاً" فكيف نفلت نحن إن أهملنا خلاصاً عظيماً كهذا، قد ابتدأ النطق به على لسان الربّ غير المخلوق؟إذا كنّا نسمع للناموس وللنبوءات، وهذه أُعطيت لأنبياء عن طريق الملائكة، فإنّ سماعنا ليسوع اليوم لا يُقارن مع ما سبق، لأنّه لم يأتِ على لسان خلائقٍ، بل على لسان الربّ ذاته! لهذا يسمّي بولس "العهد الجديد": "خلاصاً عظيماً كهذا". إذا كنّا نحن المسيحيّين، نحترم محافظة العبرانيّين على تطبيق وصاياهم الدينيّة التي جاءت على لسان خلائق، فكم بالحريّ علينا أن نحافظ على وصايانا المسيحيّة التي جاءت على لسان مَن هو أعظم بكثير دون مقارنة، أي من الربّ نفسه!
كيف نتّصل نحن البشر الخلائق بالله غير المخلوق؟ نتصل به بواسطة الأسرار والصلاة والكلمة والوصايا... وعندما نتّصل به نحيا معه فنعرفه ولو جهلنا جوهره. بين الله والخليقة هناك عمل محبّة واحد هو "الخلاص العظيم هذا"، فمَن عاش فيه عرف الله ومن لم يمارسه جهله! لقد خلق الله عالمنا هذا بالأساس لأنّه محبّة. عيش هذه المحبّة مع الله هي الطريق إلى معرفته. "مَن أحبّني حفظ وصاياي وعنده نأتي ونصنع لنا مسكناً (يسوع والآب)"، آمين.
                                 المطران بولس يازجي

 

 Copyright © 2009-2024 Almohales.org All rights reserved..

Developed & Designed by Sigma-Space.com | Hosting by Sigma-Hosting.com