عن الكنيسة

كاهن الكنيسة

جمعية الكنيسة

مواقع

C??????E

كلمة الراعي الاسبوعية المتروبوليت بولس يازجي الموقر

كلمة الراعي

الأرثوذكسيّة والأرثوذكسيّون

"ولم يقبلوا بالنجاة ليحصلوا على قيامة أفضل"

المطران بولس يازجي

 

تعيّد الكنيسة في الأحد الأول من الصوم لـ "الأرثوذكسيّة"؛ أي الإيمان القويم. لم يفتأ الإنسان منذ وجد أن يبحث عن إلهه ويقدّم له العبادة الضروريّة، وتعدّدت النظرات الدينيّة الوثنيّة والفلسفيّة حول الله. وإنّ أهمّ ما جاءت به النظرة الكتابـيّة عن الله هو أنّه شخص يبحث عنّا ويكشف لنا ذاته قبل أن نبحث عنه. معرفة الله في الكتاب ليست اختراعاً بشريّاً، بل كشفٌ إلهي ورؤية إنسانيّة.

وكانت نقلةُ العهد الجديد كبيرة لدرجة أنّها جاءت على مسامع الكثيرين ثقيلة؛ كما حدث أكثر من مرّة في حياة التلاميذ مع المسيح، فعدّة مرّات قالوا "من يستطيع أن يسمع هذا؟"، ومرّات عديدة ارتدّوا! لقد قضوا سنوات مع الربّ وهم لا يدركون تماماً الحدث، أي حدث تجسّد الله!

ليس من السهل، وقبل ألفي عام من تعليم ونشاط الكنيسة، أن يؤمن اليهوديّ أو الوثنيّ آنذاك أن الله المنـزّه، الله الذي عنده كلّ ما لا نملكه من قوّة ومنـزّه عن كلّ ما لدينا من ضعفات، أن يأخذ هذا الله جسدَنا الوضيع الذي ولربما يحمل شيئاً من النجاسة لدى البعض، هذا أمر ليس بالسهل.

لهذا سنوات وقرون، عذّبت الكنيسةَ شيعٌ مسيحيّة حاولتْ أن تفسّر هذا الحدثَ بالقدرات الفلسفيّة البشريّة، فخرجت هذه عن الإيمان القويم. وشِيَع أخرى خارجية جاءت إلى المسيحيّة ولكنّها أرادت ان تدخلها بوهن فكرها البشريّ محافظة على طريقتها في التفكير، فدخلت المسيحيّة وحملت اسم يسوع الناصريّ شعاراً والكتاب المقدّس كتاباً، ولكنّهم عبدوا بيسوع ما ليس هو ولا فيه.

الأسئلة الأساسيّة في الثالوث الأقدس انفجرت بعد التجسّد! هل يسوع مساوٍ للآب أم أنه مجرّد إنسان، وهذا الإنسان نالَ نعمةً خاصّة من بعد معموديّته فصار بالتبنّي ابناً لله؟ وهل العذراء ولدتْ مجرّدَ إنسانٍ نما فيما بعد بالنعمة؟ هذه الأسئلة تنطلق بالأساس من نظرتنا لله كمنـزّه وللمادّة كمنجّسة وللتجسّد كإهانة لسموّ الله، وما التجسّد إلاّ كرامة للإنسان وبرهاناً على عظمة محبّة الله وليس عن ضعفها. وبعد ثلاثة قرون من التمزيق الداخليّ حدّدتْ الكنيسة في المجامع المقدّسة مساواة الابن للآب والروح، وحدّدت عقيدة الثالوث ودستور الإيمان كما نقرأه اليوم.

وبعد أن توضحت ألوهيّة الابن والروح، انطلقت الأسئلة في القرون الثلاثة التالية حول طبيعة المسيح الإله –الإنسان! هل هو بطبيعة إلهيّة أم إنسانيّة؟ وكيف تتواجد الطبيعتان معاً؟ هل هو بإرادة واحدة أم اثنتين؟ وهل وجود طبيعتين وإرادتين يعني حتماً انفصاماً أو ثنائيّة؟

لقد كلّف الكنيسة الأرثوذكسيّة فترة قرونٍ ثلاثة أخرى لتجيب على كلّ هذه الأسئلة، بالكتابات والنسك والقداسة، وببذل الدم أيضاً. وذلك ليؤمن الناس أن يسوع هو إله تام وإنسان تام وبإرادتين كاملتين إلهيّة وإنسانيّة وأنه بإرادته الحرة جعل طبيعته الإنسانيّة وإرادته الإنسانيّة خاضعتان للطبيعة الإلهيّة والإرادة الإلهيّة.

ولم تستقرّ حياة الكنيسة بعد كلّ هذه الصراعات، التي أخذت حتّى ألواناً وتاريخاً دمويّاً مرّات عديدة، حتّى انطلقت الحرب ضد الأيقونات لمدة حوالي مئة عام، لم ينجُ فيها دير أو راهب ولم تترك أيقونة معلّقة إلا وحرقت. حتّى جاء المجمع السابع، وسنة /872م/ أُعلنتْ عقيدةُ إكرام الأيقونات؛ حيث الأيقونة ليست مادّةً نعبدها بل أداة للعبادة نكرّمها.

الأيقونة للسيّد ليست السيّدَ الذي نعبدُه لكنّها كالنصّ الإنجيليّ في الكتاب المقدّس تصلنا به. فكما نعتبر الكتاب، الإنجيل، مقدّساً هكذا الأيقونة نراها مقدّسة. الأيقونة هي نافذة وليست صنماً. نحن ننظر إلى الأيقونة لنذهب منها إلى من تصوّره، ونكرمها لأنّها أداة تعلن حضرته. ولقد كتب القدّيس يوحنا الدمشقيّ أهمّ النصوص في إكرام الأيقونات.

ومنذ سنة 872 م. استخدمت كلمة "أرثوذكسيّة"، حيث تمّ تحديد الإيمان والإجابة على كلّ الأسئلة المشكّك بها. و"الأرثوذكسيّون" هم الذين سَلُمَتْ على يدهم وبجهادهم وعطائهم، حتّى الحياة كاملةً، هذه التعاليم. والأرثوذكسيّون هم أيضاً من يتابع هذه الشهادة وهذا التعليم وهذه العبادة؛ والمقصود بالعبادة هنا، الحياة، والحياة كلها.

لذلك، بينما يتكلّم الإنجيل عن لاهوت وإمكانيّة رؤية الله بعد التجسّد، حين يقول فيليبس لأندراوس لقد وجدنا المسيح، تعال وانظر؛ تتكلّم رسالة بولس الرسول عن جميع الأشخاص الذين حفظوا لنا بشهادتهم واستشهادهم هذا الإيمان. فإنهم لم يقبلوا النجاة من اضطهادات الناس ولا من بطش سلاطين هذا الدهر، لأنهم قبلوا الموت من أجل الحقّ ليحصلوا على قيامة أفضل.

وتختار الكنيسة مقطعاً من رسالة بولس الرسول، الذي يتذكر فيه تضحيات وحياة وإيمان كلّ "الأرثوذكس" الذين حفظوا وديعة الإيمان بثمن الدم مرّات عديدة، وبنكران الأمجاد مرّات أخرى، أو "بالتعذيب وتوتير الأعضاء والضرب، وذاقوا الهزء والجلد والقيود ...".

فاعتبر موسى عارَ المسيح (الشهادة للحقّ مع شعبه) أعظمَ من كنوز فرعون التي كان قد بلغ السنّ ليرثها. "ويضيق الوقت" كما يقول بولس الرسول إن أردنا أن نخبر عن جميع الذين شهدوا للحقّ في عالم لم يحب الحقّ ولم يقبله، الذين دفعوا ثمن شهادتهم هذه الحياة والعذاب...

تستحقّ الأرثوذكسيّة من الأرثوذكسيّين الشهادة. وعلينا أن ننتظر، ما هو بديهيّ وطبيعيّ، أن يدفع من يحمل الحقيقة للناس ثمناً باهظاً في دهر الأباطيل. المسيحيّ، وهو يحمل الحقّ وديعة، لا يتحدّى العالم ولا يستشيط غضباً، فالعالم ليس عدوّاً، ولكن المسيحيّ الشاهد للحقّ لا يتخلّى عن وديعة "الإيمان القويم" طمعاً بكنوز أو خوفاً من تعذيب! يقبل المسيحيّ منذ اللحظة التي يقرّر فيها أن يحمل شهادة الإيمان أن يكون هو ثمناً لوصولها، أن يصير هو فدية للآخرين. يموت المسيحيّ الشهيد ليس عداوة مع غير المؤمن وإنّما فديةً من أجله، ليوصل إليه وديعةَ الإيمان التي يجهلها وكانت بعيدة عنه.

لن نتأخّر كمسيحيّين من المحافظة على وديعة الإيمان مهما بلغت التضحيات، ولن نقبل بالمساومات على رسالتنا تجاه كنوز للعالم. وملح الأرض يذوب ليعطي طعماً للدنيا في مذاق الحبّ الإلهيّ. ليس للمسيحيّ كنـز سوى "الكلمة" ولا مسكن إلا "المنبر" للوعظ والبشارة ويمكنه أن "يتوه في البراري والجبال والمغاور وكهوف الأرض" ليبقى منارة وملحاً وشهادة، آميـن

 Copyright © 2009-2024 Almohales.org All rights reserved..

Developed & Designed by Sigma-Space.com | Hosting by Sigma-Hosting.com