شرح الكتاب المقدس - العهد الجديد
لوقا 1 - تفسير إنجيل لوقا
البشارة بالتجسّد
غرق جنود إبليس وحكماء الإغريق وكتبة اليهود وفرِّيسوهم في بحر العظمة الفارغة والخيلاء الكاذبة، فأذلَّهم الله ورفع عليهم قومًااِتَّضعت قلوبهم وخلُصت ضمائرهم، فقد أُعطوا"سلطانًا ليدوسوا الحيَّات والعقارب وكل قوّة العدو ولا يضرُّهم شيء" (لو 10: 19)، ولا تؤثِّر فينا المؤامرات الدنيئة التي يحرِّك أطرافها أولئك المتكبِّرون الغادرون.
ألم تكن لليهود يومًا ما دولة واسعة الأطراف، ونظرًا لعدم إيمانهم انكمشوا حيث هم الآن، أما الأمم فقد ساعدهم إيمانهم على تبوُّء منزلة عالية ومكانة سامية.
"أشبع الجياع خيرات، وصرف الأغنياء فارغين" [53].
يقصد بالجياع الجُبْلة البشريّة، فإنَّ جميع الناس ماعدا اليهود أعوزهم مجد الله، وذاقوا مرارة الجوع. لم يكن هناك من بين الناس سوى اليهود الذيناستمتعوا بلذَّة الناموس، وتثقَّفت عقولهم بتعاليم الرسل والأنبياء، إذ "لهم التبنِّي والمجد والعهود والمواعيد" (رو 9: 4). ولكن قادهم غرورهم إلى هاوية الشموخ والكبرياء، فرفضوا السجود للإله المتجسِّد، فلا عجب أن عادوا بلا إيمان ولا علم ولا رجاء ولا نعمة، فقد نُبذوا من أورشليم الأرضيّة، وطُردوا من حياة المجد والنعمة التي ظهرت، لأنهم لم يقبلوا سلطان الحياة وصلبوا رب المجد، وهجروا ينبوع الماء الحّي، ولم يقدِّروا قيمة الخبز الحّي النازل من السماء. فلا غرابة بعد ذلك إن ذاقوا مرارة جوع لا يضارعه جوع آخر، ويحرق لسانهم عطش دونه أي عطش آخر، لأن جوعهم وعطشهم لم يكونا بماديِّين ملموسين، ولكنهما معنويَّان روحيَّان، أو كما يقول عاموس: "هوذا أيام تأتي يقول السيِّد الرب أُرسل جوعًا في الأرض لا جوعًا للخبز ولا عطشًا للماء بل لاِستماع كلمات الرب" (عا 8: 11).
أما الوثنيُّون الذين آمنوا فكثيرًا ما آلمهم الظمأ الروحي وتملَّك أفئدتهم سلطان البؤس والشقاء، فقد أُشبِعت نفوسهم من دسم الكلمة الإلهيّة وارتوت قلوبهم بالماء الحيّ الشافي، لأنهمقبلوا الرب يسوع المسيح، فحظوا بالمواعيد التي كانت لليهود قبلاً.
"عضَّد إسرائيل فتاة ليذكر رحمة"[54].
لم يُعضَّد إسرائيل حسب الجسد وهو الذي امتاز بالكبرياء والخيلاء، وشمَخ بأنفه معتمدًا على حسَبه ونسبِه، بل عضَّد إسرائيل حسب الروح، ذلك الذي يُقدِّر قيمة هذا الاسم فيعمل على رِفعته وإِكرامه، وذلك بالثقة بالله وبالإيمان بابنه والحصول على نعمهالتبني من الرب يسوع، طبقًا لمواعيد الله مع أنبياء العهد القديم وبطاركته.
|