عن الكنيسة

كاهن الكنيسة

جمعية الكنيسة

مواقع

C??????E

من يهدد الوجود المسيحي في العالم العربي؟

من يهدد الوجود المسيحي في العالم العربي؟

 


كان اهتمام الغرب بالمسيحيين العرب عبر التاريخ الحديث والمعاصر محدودا ووظيفيا. بعد 11 أيلول 2001 اتخذ هذا الاهتمام أبعادا جديدة بالتوازي مع تفاقم النزاعات الدولية في المنطقة واتساع نطاق نشاط الحركات الدينية المتطرفة في العالم العربي وبعد تمكن حركة حماس من السيطرة على قطاع غزة ومناوشاتها المستمرة لإسرائيل.. فتذكر الغرب مجددا المسيحيين في المنطقة وبدأت عدة أطراف في الغرب تتحدث عن مستقبل المسيحيين العرب والمخاطر التي ستواجههم بعد اتساع الحركات السياسية ذات الخلفية الدينية؛ أما المسيحيون العرب فكانت لهم وجهة نظر أخرى.

 وفي هذا الإطار صدرت مؤخرا وثيقتان هامتان، عن المسيحيين، على علاقة بأوضاع فلسطين والمسيحيين في الشرق. صدرت الوثيقة الأولى التي حملت عنوان "وقفة حقّ: كلمة إيمان ورجاء ومحبة من قلب معاناة الشعب الفلسطيني" * يوم 11-12-2009 من قِبَلِ مجموعة من الفلسطينيين المسيحيين وذلك في احتفال شعبي بمقر دار الندوة الدولية في بيت لحم وبحضور عدة شخصيات دينية مسيحية وإسلامية وممثلي الكنائس في العالم، منهم الأمين العام لمجلس الكنائس العالمي وممثلو مجالس كنائس أمريكا اللاتينية وأمريكا الشمالية وأفريقيا وأوروبا وآسيا واستراليا ووفد من جنوب أفريقيا وممثل عن رئيس أساقفة جنوب إفريقيا السابق دوزموند توتو وبعض الشخصيات اليهودية المحبة للسلام بالإضافة إلى سياسيين فلسطينيين رسميين وغير رسميين ورؤساء بلديات وممثلي مؤسسات وطنية.

كما كشف الفاتيكان يوم الثلاثاء الماضي "19-01-2010" عن وثيقة تمهيدية بعنوان "الكنيسة الكاثوليكية في الشرق الأوسط: مشاركة وشهادة" لاعتمادها في المؤتمر "سينودس" القادم الذي سينعقد بين 10و24 تشرين الأول حول الشرق الأوسط.

 ويشكل صدور الوثيقتان بما تضمّنتا من معنى تطورا لافتا في مواقف مؤسسة الفاتيكان من ناحية، ورجال الدين المسيحيين الفلسطينيين من ناحية أخرى، من القضية الفلسطينية والقضايا المرتبطة بها. ورغم صدور الوثيقتين عن جهتين دينيتين مسيحيتين "متناغمتين" نسبيا، فإن التباين بين مضمون الوثيقتين يبدو واسعا سواء من جهة الموقف من فلسطين أو من جهة النظر إلى وضعية المسيحيين في المنطقة العربية عامة وفلسطين خاصة بالإضافة إلى الاختلاف في تصور البدائل لحلّ المعضلات القائمة..

 تَعتبر الوثيقة الصادرة عن الفاتيكان أن "التيارات الإسلامية "المتطرفة" تشكل تهديدا للجميع، مسلمين ومسيحيين"، لذلك "تطالب من الجميع مواجهة الظاهرة"، بعد أن أدى تنامي هذه الظاهرة إلى "تزايد الحوادث ضد المسيحيين في كل مكان تقريبا". ورغم أن الوثيقة اعتبرت الصراع الفلسطيني الإسرائيلي سببا جوهريا للعديد من الصراعات في المنطقة غير أنها أضافت سببا أخر وهو ظاهرة "الإسلام السياسي"، وأكدت أن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي المستمر منذ عدة عقود قد تم "استغلاله" من جانب الإرهاب الأصولي خلال السنوات الأخيرة. وانتقدت الوثيقة الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، وقالت إنه جعل الحياة شاقة على صعيدي الحياة اليومية والممارسات الدينية لأن الوصول إلى الأماكن المقدسة أصبح مقيدا؛ وعبّرت عن قلق الفاتيكان من هجرة المسيحيين للمنطقة، مؤكدا أن "اختفاء المسيحية أو ضعفها في المكان الذي ولدت فيه سيشكل خسارة للكنيسة الكونية".

 ويمثّل البعض مما جاء في هذه الوثيقة عين الحقيقة، من ذلك اعتبار وجود إسرائيل كسبب جوهري للتوترات التي عرفتها المنطقة، غير أن تحميل مسؤولية ما آلت إليه أوضاع المسيحيين في المشرق العربي عامة وفلسطين خاصة إلى "التطرّف الإسلامي" هو أمر غير دقيق.. فالمنطقة لم تعرف، في الواقع، ظاهرة المجموعات المتطرّفة المتديّنة في مرحلة التحرر الوطني كما لم تعرفها حتى في مرحلة ما بعد الاستقلال.

 ولم تبرز تلك المجموعات إلا أواسط عقد السبعينات؛ كما أن المسلمين لم يلاحقوا المسيحيين ولم يطردوهم من أوطانهم في أي مرحلة من مراحل التاريخ الحديث والمعاصر. غير أن مثل تلك الظاهرة قد وقعت فقط في العراق، وذلك بعد الاحتلال الأمريكي للبلاد، مما دفع بآلاف المسيحيين إلى مغادرة وطنهم إلى الخارج دون مبالاة العسكر الأمريكي المسيحي. كما أن هجرة المسيحيين اللبنانيين كان نتيجة للحرب الأهلية سنة 1975 التي كان من أحد أسبابها الوجود الفلسطيني الذي سببه وجود إسرائيل وليس بفعل الجماعات الإسلامية.

 أما في مصر فإن الأحداث بين المسلمين والمسيحيين أسبابها غير دينية في الغالب. وتشير مصادر موثوقة ومحايدة إلى أن السياسة الإسرائيلية العدوانية والعنصرية في فلسطين قد أدت إلى هجرة المسيحيين الفلسطينيين؛ فبينما كان المسيحيون الفلسطينيون يشكلون 20 في المائة من الشعب الفلسطيني إلى حدود سنة 1948 أصبحوا يشكلون الآن 2 في المائة فقط من سكان فلسطين التاريخية. كما عمدت العصابات الصهيونية والدولة التي أسستها فيما بعد، حسب تلك المعطيات، إلى تدمير مُمَنْهَجِ للمؤسسات الدينية المسيحية في فلسطين، إذ تم هدم عشرات الكنائس القائمة في القرى والمدن التي دمرت عام النكبة 1948 وذلك بعد خروج أهلها منها؛ كما قامت السلطات الإسرائيلية بمصادرة العديد من الكنائس والأراضي التابعة لها.

 أما في القدس فتمت مصادرة أرض تابعة للكنيسة الروسية شيدت عليها فيما بعد مستشفى "هداسا"، إلى جانب مصادرة عقارات وأملاك المجلس المحلي الأرثوذكسي في حيفا وتأجيرها إلى يهود غرباء. وقد ذكر الرئيس الروحي للروم الأرثوذكس قسطنطين قرمش أنه كان في فلسطين سنة 1922 نحو 196 ديرا وكنيسة لم يبق منها في منتصف التسعينات إلا 48 كنيسة و47 ديرا.

 كما تعرضت كنائس كثيرة للسرقة من جانب عصابات يهودية، ففي سنة 1961 قامت عصابة بسرقة الإنجيل المذهب وأيقونة العذراء وتاجها الذهبي من كنيسة القيامة في القدس، كما تمت سرقت بعض الصلبان النحاسية والأيقونات الثمينة والأواني المقدسة من الكاتدرائية الروسية في القدس سنة 1978، وفي سنة 1979 اقتحمت مجموعة يهودية الكنيسة الروسية في يافا واستولت على موجوداتها، وفي سنة 1984 تم تكسير أبواب ونوافذ الكنيسة الروسية في مدينة طبريا ونهبت محتوياتها.

 كما لحق التدمير المقابر المسيحية منذ سنة 1948 وقامت الجرافات بتحويلها إلى حقول زراعية في حين تعرضت كنائس أخرى للحرق المتعمد، إذ قامت عصابة يهودية بحرق الكنيسة المعمدانية في القدس بما فيها مكتبتها وذلك سنة 1982، كما اعتدت مجموعة من أنصار الحاخام العنصري مائير كاهانا سنة 1987 على الكنيسة الأسقفية الإنجيلية في عكا وأحرقت محتوياتها وأثاثها؛ وفي سنة 1995 أضرم متطرف يهودي النار داخل كنيسة "الجثمانية" في القدس، وفرضت سلطات الاحتلال منذ سنة 1967 إجراءات على الكنائس المسيحية أعطت بموجبها حق حراستها للشرطة الإسرائيلية، الأمر الذي أدى إلى حدوث عدة سرقات ومحاولات إحراق الكنائس؛ كما عرقلت سلطات الاحتلال دخول المسيحيين إلى مدينة القدس وإقامة شعائرهم الدينية والمشاركة في الاحتفالات الدينية.

 وتُواصل الدولة الصهيونية منذ وجودها العمل على إضعاف الوجود المسيحي في فلسطين، ومحاولة تطويع المسيحيين بكل الوسائل والطرق لإضعاف المؤسسات المسيحية المختلفة وصولا إلى تهميش عناصر المجتمع المسيحي ودفع أفراده إلى مغادرة الوطن. وفي الوقت الذي يُستهدف فيه الوجود المسيحي في فلسطين من قبل الدولة الصهيونية نجد العديد من الدول العربية، النفطية منها بالخصوص، تستقبل عددا هاما جدا من المهاجرين المسيحيين، عربا وفيليبين وهنودا وغيرهم.

ورغم التشخيص الجزئي لحالة الفلسطينيين تحت الاحتلال، غير أن الوثيقة لم تساند حتى الفلسطينيين المسيحيين في سعيهم للنضال ضد الظلم والحيف، بل إن الفاتيكان، على ما يظهر، لم يكن على علم بالوثيقة التي أصدرها المسيحيون الفلسطينيون، أو إنه لم يبال بمضمونها. فما الذي تضمنته وثيقة المسيحيين الفلسطينيين؟

 شخّصت هذه الوثيقة بدقة الواقع الفلسطيني بكل أبعاده، من ذلك عواقب إقامة جدار الفصل "العنصري" وحصار غزة والمستوطنات والمذلة اليومية التي يعيشها الفلسطيني عند الحواجز العسكرية، والفصل بين أفراد العائلة الواحدة وتحديد الحرية الدينية وحرية الوصول إلى الأماكن المقدسة، وقضية اللاجئين وآلاف الأسرى في السجون الإسرائيلية، وعمليات تفريغ القدس من سكانها الفلسطينيين والتمييز ضد الفلسطينيين داخل إسرائيل، وهجرة الشباب المسلم والمسيحي وتراجع عدد المسيحيين واستخفاف إسرائيل بالشرعية الدولية وقراراتها.

 كما أدانت الوثيقة مواقف الغرب مما يحدث في فلسطين وخاصة "بعض اللاهوتيين "الذين" يحاولون أن يُضفوا، على الظلم الذي لحق بنا، شرعية لاهوتية". لذلك تتوجه الوثيقة إلى كافة المسيحيين في جميع أنحاء العالم "لإعادة النظر في تفسيرات الكتاب المقدس، وعدم إعطاء الشرعية التوراتية واللاهوتية للتعدي على حقوق الإنسان".

 أما بالنسبة إلى الفلسطينيين فقد حثّت الوثيقة المسيحيين منهم على "الصمود والثبات والرجاء والعمل" والمقاومة، مؤكدا أن "خيارنا المسيحي في وجه الاحتلال هو المقاومة؛ والمقاومة حق وواجب على المسيحي، وإن رؤية صورة الله في وجه العدو نفسه واتخاذ مواقف المقاومة في خط هذه الرؤية، هي الطريقة الفعالة لوقف الظلم وإجبار الظالم على وضع حد لاعتدائه، وللوصول إلى الهدف المنشود، أي استرداد الأرض والحرية والكرامة والاستقلال".

 فـ"خيارنا في وجه الاحتلال الإسرائيلي هو المقاومة؛ فالمقاومة حق وواجب على المسيحي"، ولكن، أي مقاومة؟ إنها المقاومة بواسطة "منطق المحبة "..." التي تخاطب إنسانية العدو نفسه". ولكن هل بمقدور هذا النوع من المقاومة لوحده أن يمكّن الفلسطينيين من التحرر واسترداد الأرض والكرامة والحصول على الاستقلال!؟ تلك مسالة أخرى للبحث والنقاش.

 * "وثيقة الكايروس الفلسطيني"

كلمة كايروس مأخوذة من اليونانية القديمة، وتعني هذه اللحظة من الوقت، ويقصد بها في سياق الوثيقة أنه حان الوقت للعمل من أجل السلام العادل وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي المسبب الأساس لمعاناة شعوب المنطقة، وهي تحاكي وثيقة الكايروس الجنوب إفريقية الشهيرة التي تم الإعلان عنها سنة 1985 وشكلت انعطافة هامة في النضال ضد نظام الفصل العنصري.

 

 Copyright © 2009-2024 Almohales.org All rights reserved..

Developed & Designed by Sigma-Space.com | Hosting by Sigma-Hosting.com