عن الكنيسة

كاهن الكنيسة

جمعية الكنيسة

مواقع

C??????E

البشارة بالتجسد

شرح الكتاب المقدس - العهد الجديد

لوقا 1 - تفسير إنجيل لوقا

البشارة بالتجسّد

 

 ويلاحظ في عرضه للقصّة الآتي:

ا. إذ كان القدّيس لوقا رجلاً علميًا كطبيبٍ، حدَّد بدقة تاريخ الحدَّث، أنه في أيام هيرودس الكبير ملك اليهوديّة، الابن الثاني لأنتيباس، الأدومي الأصل. تزوَّج عشر نساء، قتلإثنتين منهنَّ، وكان له أبناء كثيرون، أعدم أحدهم. وقتل أطفال بيت لحم، وفي فراش الموت طالب بقتل شرفاء القدس حتى لا يجد أحد مجالاً للبهجة بعد موته، لكنه مات قبل تحقيق أمنيَّته.

على أن الأحوال وسط هذا الجو القاتم سياسيًا ودينيًا، إذ توقَّفت النبوَّة أكثر من ثلاثة قرون، وعاش الكل في جوٍ من الفساد، ظهر إنسانان بارَّان أمام الله، هما "زكريَّا" ويعني "الله يذكر"، و"اليصابات" وهي الصيغة اليُّونانيّة للكلمة العبريّة "اليشبع" وتعني "الله يُقْسِم" أو "يمين الله". أنجب الاثنان "يوحنا" أي "الله حنَّان" أو "الله يُنعم". وكأنه وسط فساد هذا العالم، إذ نذكر الله ونلتحم بقسمه ومواعيده الصادقة ننعم بحنانه ونعمته الإلهيّة عاملة فينا.

يعلِّق القدّيس أمبروسيوس على التعبير: "كانا كلاهما بارَّيْن أمام الله، سالكين في جميع وصايا الرب وأحكامه بلا لوم" بقوله: [عبارة "بارّيْن أمام الله" لها مغزاها، فالأبرار أمام الناس ليسوا بالضرورة أبرارًا أمام الله. نظرة الإنسان تختلف عن نظرة الله، "لأن الإنسان ينظر إلى العينين، وأما الرب فينظر إلى القلب" (1 صم16: 7). فقد يبدو لي أن إنسانًا ما يستحق أن يُدعى بارًا، لكنه عند الرب ليس هكذا، لأن الدافع لقداسته هو التملُّق لا القلب البسيط. إذن فالإنسان لا يقدر أن يميِّز الخفيَّات، والمكافأة الكاملة هي أن نُحسب أبرارًا أمام الله، وكما يقول الرسول: "الذي مدحه ليس من الناس بل من الله" (رو2: 29). مطوّب بحق ذاك الذي يتبرَّر أمام الله! مطوّب بحق ذاك الذي يتأهَّل أن يسمع الرب يقول عنه: "هوذا إسرائيلي حقًا لا غشَّ فيه" (يو 1: 47). فالإسرائيلي الحقيقي هو الذي يرى الله ويُدرك أن الله يراه، كاشفًا خبايا قلبه.]

يوضَّح العلامة أوريجينوس معنى تعبير "بارّيْن أمام الله" بقوله: [قد لا يجد إنسان ما يشتكي به عليَّ بعد فحصه إيّاي، فإني بار أمام الناس... ولكن حكم الناس غير صحيح، فهم يجهلون إني يومًا ما أخطأت في الخفاء في داخل قلبي، ويجهلون إن كنت قد نظرت إلى امرأة واشتهيَّتها وعشت في زنا القلب. قد يراني الناس أتصدّق بحسب إمكانيَّاتي لكنهم يجهلون إن كنت أفعل ذلك لأجل وصيّة الله أم لطلب مديح الناس... طوبى للإنسان البار أمام الله، والذي مدْحه من الله، فالإنسان عاجز لا يقدر أن يحكم بعدل ووضوح. قد يمجِّد الناس من لا يستحق التمجيد، ويدينون من لا يستحق الإدانة. الله وحده عادل في المدح والإدانة[29].]

ويعلِّق العلامة أوريجينوس أيضًا على تعبير "بلا لوم" قائلاً: [قيل عن الكنيسة بأنها "مجيدة لا دنس فيها ولا غضَن" (أف7: 25). ليس معنى هذا أن ابن الكنيسة لم يُخطئ قط، إنما يعيش في حياة التوبة. تعبير "بلا غضَن" يعني بغضه للإنسان العتيق وكفِّه عن الخطيّة، لذلك يكمِّل العبارة "لتكون مقدَّسة بلا عيب"، فقد ورثت النفس الخطيّة، لكنها تصير طاهرة بلا لوم إن زال عنها وسخ الخطيّة[30].]

هذا ويُعلن الإنجيل برِِّهما أمام الله وأنهما بلا لوم بالسلوك العملي في جميع وصايا الرب وأحكامه، وكأن البرّ الخفي يرتبط بطاعة الوصيّة وقبول أحكام الله؛ هذا هو طريق برّنا بالروح القدس الذي يهبنا في استحقاقات الدم أن ندخل إلى الوصيّة ونعيشها بالطاعة في فرح، ونتفهّم أحكام الله وتدابيره فنحمل روح التمييز فينا.

إذ عالج القدّيس أغسطينوس موضوع "البرّ في المسيح" حدَّثنا عن برّ زكريَّا واليصابات معلنًا أن رجال العهد القديم حُسبوا أبرارًا أيضًا في المسيح، خلال رجائهم في المسيَّا المنتظر الذي يقدَّم حياته مبذولة ثمنًا لبرّنا. ففي حديثه عن "الطبيعة والنعمة" يورد كلمات القدّيس أمبروسيوس، قائلاً: [بلا شك عاش رجال العهد القديم بمثل هذا الإيمان في المسيح حتى قبل موته (على الصليب). فالمسيح وحده يرسل الروح القدس المعطَى لنا، خلاله تنسكب المحبَّة في قلوبنا، وبها وحدها يُحسب الأبرار أبرارًا[31].] وفي موضع آخر يؤكِّد القدّيس أغسطينوس أن برّ زكريَّا قائم على عمل السيِّد المسيح الذبيحي خلال ممَّارسته الكهنوتيّة وتقديمه الذبائح الحيوانيّة كرمز لذبيحة المسيح، قائلاً: [اِعتاد زكريَّا بلا شك أن يقدَّم ذبائح عن خطاياه[32].]

إن كان زكريَّا يُحسب بارًا، لكن هذا لا يعني أنه لم يصنع خطيّة، فقد كرّر القدّيس أغسطينوس في مواضع كثيرة قول القدّيس أمبروسيوس: [ليس أحد في العالم بلا خطيّة[33].]

ب. كان "زكريَّا من فرقة أبيَّا" [5]، كلمة "أبيَّا" تعني "أبي هو يهو". هذه الفرقة من نسل أليعازر الكاهن، تعتبر الثامنة من الأربعة والعشرين فرقة التي قُسِّمت إليها طائفة الكهنة منذ وقت داود، كل فرقة تقوم بالعمل أسبوعًا كل ستة أشهر حسب قرعتها. وكانوا يلقون قرعة أيضًا ليعرفوا من يقع عليه اختيار الله للقيام بخدمة البخور من وسط الفرقة، وكان اليهود عادة يقدَّمون البخور صباحًا ومساءً فقط.

 Copyright © 2009-2024 Almohales.org All rights reserved..

Developed & Designed by Sigma-Space.com | Hosting by Sigma-Hosting.com