عن الكنيسة

كاهن الكنيسة

جمعية الكنيسة

مواقع

C??????E

عظة الاحد 13 ك1

عظة

وليمة الرب رجل صنع عشاءً عظيماً وفاخراً، واهتم به كثيراً، وانتخب الأطعمة اللذيذة، وأعدَّ إعداداً مسؤولاً لهذه الدعوة. وقد دعا الكثيرين، ولا يريد أن يفوِّت عليهم هذه الفرصة ليتعرَّفوا على كرَمِهِ البالغ وشخصيته وبيته. نحن الشرقيين نعرف مثل هذه الولائم الفاخرة، وما يرافقها من استعداد وكرم وتهيئة وإلحاح. وكما يحدث في كل دعوة يُعطى علم مسبق، ويُنبَّه الكل إلى مكان وزمان الدعوة؛ وهذا الرجل زاد فتشدّد في الدعوة وألحَّ على تلبية المدعوين للدعوة. ولم يكتفِ بذلك. ففي ساعة العشاء عاد فأرسل عبيده ليدعو المدعوين. انه يلحّ ويصرّ على حضور هذه الوليمة. \"هوذا غذائي قد أعددته، عجولي ومسمناتي قد ذُبحت، وكل شيء مهيّأ فهلمُّوا إلى العرس\". (متى 22/9). هذا الإلحاح ربما للتنبيه، أو من حسن التدبير، وربما لأنه قد حصل تخلُّف عن الحضور. هذه الطريقة نفسها يستعملها الآب السماوي في الدعوة إلى الخلاص. فقد بسط على المائدة النِعَم والبركات، وأغدق العطايا وألحَّ كثيراً على أن يحضر الجميع. \"ان الله يريد أن جميع الناس يخلصون...\" \"ان ابن الإنسان إنما جاء ليخلِّص ما قد هلك...\" ودعوة الله موجَّهة إلى جميع الناس للاشتراك دون تمييز وتفرقة في سرّ الخلاص. والرب يلحّ ويتشدّد. فهو منذ سقوط آدم في الخطيئة يفتِّش عن الإنسان ويسعى إلى مصالحته. ويستمر في الدعوة. فلم يتركه بعد الخطيئة الأولى، ولا بعد قتل قايين لأخيه هابيل ولا بعد الطوفان، ولا بعد إحراق سدوم وعموره بالكبريت والنار... زاد على كل ذلك فسعى إليه بواسطة الابن الوحيد الذي في حضن الآب، فتجسَّدَ وفدى العالمين بدمه الخاص. لم يبخل الله بشيء على الإنسان. \"إنّ يسوع المسيح هو هو أمس واليوم وإلى مدى الدهر\". (عبر 13/8).   2- الأعذار المختلفة عزم جميع المدعوين على الاعتذار. فكيف وصلوا إلى هذا الإجماع والاعتذار واللامبالاة بالعشاء وبصاحب الدعوة. هذا يدلّ على أن الاعتذار سهل إذ بإمكان الجميع أن يقوموا بشيء للامتناع عن تلبية الواجب. وقد يكون هذا الإجماع بسبب مؤامرة خبيثة أو بسبب توفّر الأعذار للجميع. ونلاحظ جيداً أن المدعوين لم يظهروا العداء للعبيد الرسل؛ هم فقط لا مبالون. وفي نظر يسوع هذا يعني أن كثيرين لا يلبّون دعوة الخلاص، \"فواسع الباب ورحب الطريق الذي يؤدي إلى الهلاك والداخلون فيه كثيرون\". (متى 7/13). الأعذار الواردة في إنجيل اليوم تَرِد في كل عصر ومصر. أولها: هو الملك. أحد المدعوين اشترى ملكاً فراح يهتم به، ويسعى إلى بيعه وشرائه، والكشف على مساحته وحالته. وثانيها: هو المال لشراء فدادين بقر. فهذا الإنسان يريد أن يزيد أمواله ويستغلّها في شراء الفدادين. وهذا يسبِّب له دون شك ارتباكاً واهتماماً وسعياً حثيثاً. وثالثها: هو الزواج. ويعني الاهتمام به وبما يتبعه، إذ ليس الزواج عائقاً للمجيء إلى الوليمة. يظهر جلياً أن العِلَل الثلاث التي ذكرها الإنجيل هي عِلَل كل إنسان وكل جيل. وهذا هو الثالوث الذي يعيق كل إنسان إلى المجيء إلى الملكوت وإلى وليمة الرب وإلى قبول البشارة الصالحة. وقد عبّر عن ذلك الرسول يوحنا بقوله: \"ان كلّ ما في العالم هو شهوة الجسد، وشهوة العين وفخر الحياة. وليس ذلك من الآب بل من العالم\". (1 يو 2/16). علاوة على ذلك يظهر للسامع أو القارئ وَهَن تلك الحجج. فهل يا ترى الزواج وشراء الحقل واقتناء البقر يعيق الإنسان عن المجيء إلى الوليمة. إنما هي أسبابٌ للهروب، وللتغطية وللتضليل والخداع. في مراجعة سريعة لحياتنا نكتشف وهن الأسباب التي حالت دون الالتصاق بالله واتباعه في الدعوة التي دعانا إليها. يمكننا جمع الأعذار كلها في الأنانية والخوف. فالأنانية تحبسنا في ذاتنا، وتجعل المنفعة الذاتية مقياساً وحيداً لكل عرض يعرض علينا، أو طلب يُطلَب منا. لذلك نفضل الاعتصام بأنانيتنا على الخروج من ذواتنا. الخوف يمنعنا من اللقاء بالآخرين، لأن كل لقاء هو خروج من الأنا، وفيه مخاطرة ومغامرة. نخاف من الحياة، من النمو، من الإبداع.   3- غضب السيد غضب السيّد غضباً شديداً. ومن حقّه أن يغضب، فالعشاء كان فاخراً، وقد هُيّىء بعناية ودقّة، ونُبّهَ قبلاً المدعوون إلى ميعاده ومكانه، وأُرسل العبيد في ساعة العشاء قصد تنبيه وجلب المدعوين. وكانت الدعوة الأخيرة لطيفة وجميلة الكلمات: \"هيّأت وليمتي وذبحت السِمَان من ماشيتي، وأعددت كل شيء...\" رغم كل ذلك رُفضت الدعوة. غضب السيد لأن الأعذار ملفّقة وواهية وغير ثابتة. وغضب أيضاً للإجماع على الاعتذار. فتحوّل غضبه إلى دعوة أخرى. فهو لا يريد أن يغلق باب بيته، ويوصد النوافذ بل ترك باب الدعوة مفتوحاً لمدعوين آخرين. أحياناً كثيرة نصدُّ الله، ونرفض محبته، وأحياناً أخرى نهملها ونحتقرها أو لا نهتم بها فنخلق أعذاراً واهية. هذا ما يجعل الله يتجه إلى الآخرين. فمحبته لا تحدّ، ولا تحصى عطاياها. فهو يحب دعوة الشعوب التي عرفته وعرفت محبته، ويحبّ أن يجعل نعيمه مع بني البشر، الذين أحبّهم وفداهم بدم ابنه. ولكن في حال الاعراض، والاعتذار والرفض فهو يدعو الآخرين. يدعو أولئك الذين لم يسمعوا البشارة الصالحة، ولا عرفوا طُرق الله العجيبة، أولئك الذين يعتبرهم الناس متوحشين، بدائيين، متخلِّفين. وتكون النتيجة \"أن المدعوين كثيرون أما المختارين فقليلون\".   4- الدعوة العامة قال السيّد لعبده سِرْ عاجلاً. فالعشاء قد أُعِدّ. سِرْ إلى شوارع المدينة وأزقّتها حيث يتجمّع عامة الشعب، ولا تذهب إلى القصور والبيوت حيث يسكن المدعوون الأولون. وأْتِ بالفقراء والمساكين والجدع والعميان والعرج إلى هنا. أدخل كل هؤلاء الذين لا يُدعون عادة إلى عشاء سيدي فاخر، وإلى مأدبة كبرى.. ورغم هذا الجمع الغفير، الذي وفد، بقيَ محل. فأمر السيد العبد من جديد بالخروج إلى الطُرق والأسيجة، أي إلى الأماكن التي لا يدخلها أحد بسبب السياج لجلب الناس عنوة. فنرى أن الدعوة تحوّلت إلى إكراه وإلزام بحضورها حتى لا يبقى فراغ. وتعني كلمة \"اضطررهم\" أي الضغط عليهم لكي لا يخافوا من حالهم ولا يخجلوا من ثيابهم ولا يستحوا من فقرهم. في وليمة الخلاص يحصل الشيء نفسه. كم هو عدد الذين دعاهم الرب للدخول إلى الملكوت: بالدعوة القريبة والبعيدة، بالصداقة مع الله، بالمجيء إلى البيت، بالدعوة الملحّة. ورغم ذلك يرفض كثيرون الدعوة. أحياناً لا يرفضون الدعوة رفضاً كاملاً، بل يبقون في موقف غامض، متردّد. يعتذرون بأعذار مختلفة منها المال، والزواج والملك. فالاهتمام الدنيوي يسيطر عليهم. فيضطر الآب السماوي إلى جلب أولئك البعيدين إلى الملكوت. أي أولئك الذين لم ينعموا بدفء محبة الكنيسة، ولم يتنعّموا بالحضارة والثقافة، ولم يعرفوا أبعاد الإنجيل ومتطلباته.   5- المدعوون كثيرون والمختارون قليلون هذا كلام خطير يصدر عن المسيح. \"لا يذوق عشائي أحد من أولئك المدعوين\". عدد الكاثوليك في العالم 900 مليون؛ وعدد المسيحيين هو أكثر من مليار ونصف. هل يا ترى هؤلاء كلهم سيحصلون على حظ الدخول إلى الملكوت؟ كثيرون هم بالأسف مسيحيون بالإسم. أخذوا الدعوة، ولبسوا المسيح، ونعموا بمحبة الله؛ كثرت خيرات الله لهم؛ لكنهم ابتعدوا قليلاً فقليلاً عن محبة الله. ذلك ان طريق الملكوت صعب: \"ما أضيق الباب وأحرج الطريق الذي يؤدي إلى الحياة، وقليلون الذين يجدونه\". (متى 7/18). المختارون قليلون لأن يسوع يتطلب كثيراً. فملكوته يُغصب، \"مَن أراد أن يتبعني فليحمل صليبه.. وكثيرون لأجل هذا الكلام رجعوا إلى الوراء...\" المختارون قليلون لأن العذاب والجهاد والضيقات الكثيرة هي نصيب أتباع المسيح. \"وجميع الذين يريدون أن يحيوا بالتقوى في المسيح يسوع يضطهدون\" (2 تيمو 3/12). المختارون هم قليلون لأن فئة الأبطال والشهداء هي نادرة وقليلة العدد. ان المسيحية هي دعوة إلى البطولة.   6- عِبَر من الإنجيل أ) جميعنا مدعوون ان دعوة الله لا تقتصر على شعب دون سواه، ولا ترتبط بقطر من الأرض دون الآخر. هي دعوة عامة. هي تشمل جميع الشعوب لأن المسيح الذي هو \"خلاص الله\" (أعمال 28/28) قد مات عن الجميع (2 كو 5/14) كما قال له الآب \"الذي يريد ان جميع الناس يخلصون\". (1 تي 2/4). ووفقاً لهذا قال السيد للرسل: \"اكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها\". (مر 16/14) وأيضاً \"اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم\". (متى 28/19). وتشمل من جهة ثانية جميع الأقطار \"اذهبوا إلى العالم أجمع\" (مر 16/15) \"ستنالون قوة بحلول الروح القدس عليكم فتكونون لي شهوداً في أورشليم وفي جميع اليهودية والسامرة وإلى أقاصي الأرض\". (أعمال 1/8). وما كان من الرسل إلاّ أن أطاعوا الأمر السيدي \"فخرجوا وكرزوا في كل مكان\". (مر 16/20). وهذا ما عناه السيّد بقوله \"دعا كثيرين.. ومَن هم في شوارع المدينة وأزقّتها.. أي المساكين والعرج والعميان.. ومَن هم في الطُرق والأسيجة...\" ب) ولكننا نبقى أحراراً ان اتباع المسيح يفترض الحرية: \"مَن أراد..\" كما ان الحصول على الخلاص الأبدي يفترض الحرية كذلك. \"مَن أراد أن يخلّص نفسه يهلكها..\" (مت 16/25) \"إن شئت أن تدخل الحياة فاحفظ الوصايا\" (مت 19/17). ولذلك لا نعجب لرفض الدعوة. هي الحرية في أقبح وجه: رفض الدعوة. وهي الحرية في أبشع سبيل: اختلاق الأعذار. في مدرسة واحدة تتلمذ بطرس الرسول ويهوذا الخائن، وفي جامعة واحدة تربّى القديس باسيليوس الكبير ويوليانوس الجاحد؛ هي الحرية في سرّ الضمير وعلى أعين الملأ. \"إن كل شيء مُعَدٌّ فهلمُّوا...\"

 

 Copyright © 2009-2024 Almohales.org All rights reserved..

Developed & Designed by Sigma-Space.com | Hosting by Sigma-Hosting.com