عن الكنيسة

كاهن الكنيسة

جمعية الكنيسة

مواقع

C??????E اخبار مسيحية

أحد الفريسي والعشّار

أحد الفريسي والعشّار 

(16 ب ص (لو18: 10-14)

عن كتبنا :

-عظّات أناجيل الآحاد والأعيّاد، ج2

- احداث أسابيع الصوم الكبير 

للدكتور انطوان يعقوب

 مع بداية أحد الفريسيّ والعشّار تبدأ فترة تسابيح الأودية الثلاثة أو التريودي وتنتهي في مساء سبت النور. فترة التريودي - كلمة يونانية ، معناها الثلاثي الأودية" لأن الصلوات التي تُتلى في فترة الصيام ، أثناء صلاة السحر لا يتجاوز أغلبها الثلاث أوديات. وتـمتد فترة التريودي عشرة أسابيع  تُعد الكنيسة مُؤمنيها للإحتفال بعيد القيامة المجيد ، وهي مُقسمة إلى: ثلاثة أسابيع قبل الصيام ، وسبعة أسابيع تسبق القيامة .

  كان يسوع يّعظ في الجموع الـمُلتفة حوله، فلاحظ فيهم حُب الغرور والتفاخر، لذلك أراد أن يُعلّمهم درسًا في التواضع أثناء الصلاة، فألقى عليهم مثل الفريسي والعشّار، وهما مُختلفان تماماً عن بعضهما في اسلوب حياتهما وعملهما ، حتى يُوّضح لهم أن الخاطىء التائب الـمُتواضع أفضل بكثير من الصالح الـمُتفاخر الـمُتكبر عند الله.

 الكنيسة تُقدم لنا هذا الـمثل في هذا الوقت لتُهيىء الـمُؤمنين للدخول إلى الصيام الكبير بتواضع وإنكسار واعتراف بالضعف ، تُقدمه لنا لتُعلمنا أن التواضع أفضل الفضائل الـمسيحية ، لأنه أصل الخير وسائر الفضائل الأُخرى.

الصلاة : الصلاة هي ارتفاع العقل إلى الله ، وهي الرباط القوي التي تربط بين الخالق والـمخلوق ، لذلك ، فالذي يُصّلي وهو شارد العقل ، لا يـمكن أن تُقبل صلاته أمام العرش الإلـهي، بل تُعتبر إهانة للعزّة الإلـهية، من أجل هذا تستوجب الصلاة إستعداد وتهيئة النفس والعقل ، حتى تخترق الصلاة السماوات فتصل للعرش الإلهي. 

 كما أن من شروطها أيضًا الإبتعاد عن حُب الظهور ، فها هو يقول لنا"وإذا صليتم  ، فلا تكونوا كالـمُراءين  ، فإنهم يحبون القيام في الـمجامع  وفي زوايا الشوارع يُصّلون ليظهروا للناس. الحق أقول لكم إنهم قد أخذوا أجرهم. أما أنتَ ، إذا صليت، فادخل مخدعك واغلق بابك ، وصل إلى أبيك في الخفاء، وأبوك الذي يرى في الخفاء يُجازيك"(متى6: 5-6)، 

 

فالذي يُصّلي ليكسب مديح الناس فإنه بكل تأكيد يفقد أجر صلاته أمام الله. ويوصينا ربّ المجد قائلاً"صلوا كل حين ولا تـملوا"(لو18: 1)، 

والصلاة نوعان : صلاة فردية وهي تجوز في أي مكان وفي أي وقت ، لأن مُؤديها يـمكنه أن يقوم بها بـمفرده ، وصلاة جماعية ، وهي التي تتم في الكنائس مع كافة الـمُؤمنين في أوقاتٍ مُحددة، وفقاً لبرامج الكنائس. ومن شروط الصلاة أيضًا وفقاً لكلام الرب يسوع:" وإذا صليتم فلا تُكثروا الكلام مثل الوثنيين ، فإنهم يظنون أنه بكثرة كلامهم يُستجاب لهم  ، فلا تتّشبهوا بهم ، لأن أباكم عالم بـما تحتاجون إليه قبل أن تسألوه"(متى6: 7-8)، 

لذلك يقول لنا مُؤكداً "كل ما تسألونه في الصلاة بإيـمان تنالونه"(متى21: 22). 

 نعود الآن إلى مثل الفريسي والعشّار فنقول، أنه بُناءًا على ما تقدم في شروط الصلاة، فإن صلاة الفريسي لم تكن مقبولة لدى العرش الإلهي بأي حال من الأحوال، لأنه صلاة شخصية في مدح نفسه، وللظهور أمام الناس، فلم تكن عن إيمان بل كانت كلماته مُنمقة لتُظهر محاسن أعماله. أما صلاة العشّار فكانت صلاة بسيطة كلها إيمان وتواضع طلبًا للرحمة الإلهية.

الـمثل:   

"إنسانان صعدا إلى الهيكل ليُصليا واحد فريسي والآخر عشار". 

المقصود ببناء الهيكل على مُرتفع ، حتى عندما يدخل الـمُصّلي الهيكل ترتفع نفسه إلى العلاء  فيتعلّق بالروحيات السماوية ، ويتواضع أمام الله الخالق ، فينسى كل الأرضيات والـماديات الفانية ، لذلك أشار يسوع إلى أنهما صعدا . 

والله يُساوي بين البشر لافرق بين غني وفقير أو بين رئيس وعبد أثناء الصلاة، لأن واجب البشر جميعاً الصلاة لله الخالق.

كان الـمُتدينون اليهود يُقيمون الصلاة ثلاث مرات يوميًا ، في الساعة التاسعة صباحاً، وفي الثانية عشرة ظُهراً، وفي الثالثة عصراً، وكانت الصلاة تُقدم في الـهيكل لتكون أكثر فاعلية ، فكان الـمُصّلون يذهبون إلى الـهيكل في هذه الأوقات، فاختار يسوع إثنان منهم وتحدثَ عن صلاتهما.

الفريسي ينتمي إلى تلك الطائفة اليهودية التي تُمارس الطقوس الموسوية بكل دقة ، وتهتم بالظاهر بالأعمال الأدبية، وتبتعد عن الكبائر، وتُعّشر أموالها ، وتُواظب على الصلوات والأصوام ، لهذا كانوا يعتبرون أنفسهم أبراراً صدّيقون ويحتقرون غيرهم ، ومن ثمَّ لايشعرون بآثام قلوبهم وفكرهم أمام الله.

 لقد وصفَ السيّد الـمسيح أخلاق الفريسيين فقال عنهم:" جلسَ الكتبة والفرّيسيّون على كُرسي موسى ، فمهما قالوا لكم فاحفظوه واعملوا به وأما مِثل أعمالـهم فلا تفعلوا لأنهم يقولون 

ولايفعلون"(متى23: 2)إنهم كالقبور الـمُجصّصة ، خارجها أبيض جميل، ولكن في داخلها توجد عظام فاسدة وبقايا مُنتنة. يقول البشير:

 " أن الفريسي إنتصبَ يُصلي هكذا: اللهم أنا أشكركَ لإني لستُ مثل باقي الناس الخاطفين الظالمين الزُّناة، ولا مثل هذا العشّار. أصومُ مرتين في الاسبوع، وأُعّشر كل ما أقتنيه". 

قطعاًلم يذهب هذا الفريسي إلى الهيكل ليُصّلي بحق، لأن أولى شروط الصلاة التواضع ونكران الذات ، طلباً للمعونة والغفران من الله الخالق ، لكن هذا الرجل ذهبَ ليتباهى بأعماله وليمدح نفسه وبرّه الذاتي أمام الله . 

أيُها الـمُصّلون اعلّموا أن الصلاة هي فعل محبة وشُكر ،  يُقّدم فيها المخلوق الشكر لخالقه على إحساناته ونعمه الكثيرة له ، لذلك يجب أن تكون لله وحده بتواضع. فإن كانت صلاتك ، ياحبيب المسيح، كصلاة هذا الفريسي ، فلا تُقدمونها ولا تخدعوا أنفسكم بها، لأنها لن تحظى قبول أمام عرشه. فالفريسي هنا يُشير إلى كل اليهود الذين حسبوا أنفسهم أبراراً بالناموس دون سواهم .

 يقول القديس يوحنا الذهبي الفم"عندما كان الفريسي يُصّلي ويشكر الله من أجل فضائله، لم يكذب بل نطق بالحق ، ولم يُدن من أجل هذا، لكنه عندما إلتفت نحو العشار وقال"إني لستُ مثل هذا العشار" إرتكب الإدانة..لم يكفه الإزدراء بكل جنس البشر لكنه هاجم أيضًا العشار، رُبما كان خطأه أقل لو لم يُهاجمه، لكن بكلمة هاجم الغائبين وجرحَ من هو حاضر".

 يقول القديس أثناسيوس الرسولي:"مع أن الفريسي كان يصوم يومين في الاسبوع، إلاّ أنه لم يستفد شيئاً ، لأنه إفتخرَ بذلك على العشار".

  يقول القديس اُغسطينوس" في كل كلماته لم يطلب الفريسي شيئاً من الله لذلك لم ينل شيئاً . صعدَ ليُصّلي لكنه لم يُفكر في الصلاة لله، وإنما في تمجيد ذاته، وأكثر من هذا أنه إستخفَ بذاك الذي كان يُصّلي..صار الفريسي ملوماً لكونه مُتكبراً وليس لأنه يشكر الله".

  يقول القديس باسيليوس الكبير:"صلى الفريسي مع نفسه وليس مع الله، لأن خطيئة الكبرياء ردته إلى ذاته".

 أما العشّار - رغم أن فئة العشارين، اشتهرت بظلمها للفقراء ، وقسوتها في جمع الضرائب ، إلاّ أن صلاة العشّار حظّت قبولاً لدى الله -

"وقفَ من بعيد لايشاءُ أن يرفعَ عينيّه نحوَ السماء، بل قرعَ على صدره قائلاً : اللهم ارحمني أنا الخاطىء" . 

 

نُلاحظ الفرق في التعبيرين : الفريسي انتصبَ ، - في العرف اليهودي كان حين ينتصب الشخص، أي يتقدم على الموجودين فيقف في الأمام أو يجلس في المقعد الأمامي - أي أنه وقفَ أمام الجميع يقرع صدره ويرفع يديّه ليُظهر للناس صلاته وبرّه الذاتي ، فالفريسي هنا مثال للتكبر.

 أما العشّار فوقف بكل خشوع وتواضع بعيداً عن أنظار الناس وبقية الساجدين في الهيكل ، وقفَ بعيداً عن مدحهم ورأسه إلى أسفل ، لفرط خجله من كثرة خطاياه وشعوره بعدم الإستحقاق وأخذَ يقرع صدره ، دلالة على حزنه وآسفه - الصدر مصدر الخير والشر ، 

فقرع الصدر دلالة على شكوى النفس وتأنيب الضمير والخوف من دينونة الله بسبب الخطيئة ، 

كما يظهر مما فعله صالبوا يسوع إذ لما رأوا العجائب التي حدثت عند صلبه "رجعوا وهم يقرعون صدورهم"(لو23: 48) 

فالعشار هنا مثال للتواضع.

لقد اعتبر العشار نفسه الخاطىء الوحيد في العالم الذي فاقت خطاياه الجميع ، ولذلك قال عنه يسوع ، إن صلاته التي حازت القبول لدى الله كانت بحق من قلبٍ مُنكسر وروح مُنسحق.

 يقول القديس أُغسطينوس "وقف العشار من بعيد لكنه بالحقيقة كان قريبًا من الله، بإحساس ضميره كان بعيداً ، لكن بتقواه إقترب. ..كما ترون من يطلب الإفتخار لايدخل بل يسقط ، أما من يتضع فيدخل من الباب بواسطة الراعي ولايسقط".

العشّار يرمز هنا إلى الشعوب الوثنية الأُممية التي إشتاقت غلى الخلاص رغم فقرها في المعرفة وحرمانها من العطايا التي وهبها الله لليهود من وعود وعهود.

 ونستنتج من هذا المثل الدروس التالية:

- لا يستطيع الـمُتكبر أن يُصّلي ، لأن صلاته لن تصل إلى العرش الإلهي . فإذا أراد الـمُصّلي أن تكون صلاته مقبولة ، فلابد من خشوعه وشعوره بالتواضع والإنكسار أثناء الصلاة.

- لا تُقبّل صلاة من يحتقر الآخرين، فلا يجوز للمُصّلي أن يُقارن نفسه بالآخرين أو يعتبر نفسه أعلى من غيره ، لأننا جميعا خُطاة أمام الله.

 لقد ظنَ الفريسي أنه بإحصائه لعيوب الآخرين يكون كفيلاً بتبريره، مع أن الإنسان لايُدان عن غيره، بل يحمل كل إنسان وزر وخطايا نفسه .فالرجل الصالح لايمدح نفسه ، وإذا مدحه الغير أطرق رأسه إلى الأرض "لأنك تقول إني أنا غني وقد استغنيت ولاحاجة لي إلى شيء، ولست تعلم أنك أنت الشقي والبائس وفقير وأعمى وعريان"

 يختم البشير الـمثل قائلاً :

"أقول لكم إن هذا - العشار - نزلَ إلى بيته مُبرراً دون ذاك - الفريسي - ، لأن كل من رفعَ نفسه وُضِعَ ، ومن وضعَ نفسه رُفِعَ" 

 نتعلّم هنا أن التواضع سبب التبرير وسبب القبول والإرتفاع عند الله ، التكبر هو سبب الإدانة ، وعدم القبول عند الله. لذلك خرجَ العشار وقد نال الغفران عن خطاياه ورضى الرب عنه، أما الفريسي فقد أضافَ إلى خطاياه خطايا كثيرة ، أهمها الكبرياء ، ومدح الذات  واحتقار الآخرين ، وحُب الظهور أمام الناس بأعماله.

- قراءات هذا أحد الفريسي والعشار

- القنداق ( اللحن الرابع) 

" لنهربنَّ من صلفِ الفرّيسيّ ، ونتعلَّمنَّ تواضعَ العشَّار من زفراتهِ ، هاتفين إلى الـمُخلٍّص: إغفر لنا ،أنتَ الحليمَ وحدّك".

- كاثسما (سحر الأحد)

"ان التواضع رفع العشّار الـمُكتئب من الشرور لـما تنهّد هاتفاً إلى الخالق : اغفر لي . وأما التشامخ فحطَّ الفرّيسيّ الشقي من العدل لـمّا نـمدَّحَ ونُعظِّم ، فلنُغاير إذاً الصالحات مُبتعدين عن الشرور".

- البيت :"لنتضع كلّنا أيُها الـمُؤمنون وبتنهدات وزفرات نقرع ضميرنا لكي نظهر ثُمَّ في الدينونة الأبدية غير مسؤولين عما اجترحتا محرزين الصفح، لأن هناك الراحة التي نتوسل الآن أن نراها ، هناك يبطل الوجع والحزن والتنهد في عدن العجيبة التي أبدعها المسيح ، لأنه الإله الـمُساوي للآب في الأزلية".

 Copyright © 2009-2024 Almohales.org All rights reserved..

Developed & Designed by Sigma-Space.com | Hosting by Sigma-Hosting.com