عن الكنيسة

كاهن الكنيسة

جمعية الكنيسة

مواقع

C??????E التقويم الطقسي

2 شباط - عيد "دخول ربنا ومخلصنا يسوع المسيح إلى الهيكل"

2 شباط - عيد "دخول ربنا ومخلصنا يسوع المسيح إلى الهيكل"

في هذا اليوم، الثاني من شباط، تحتفل الكنائس الشرقيّة الأرثوذكسيّة التي تتبع التقويم الغريغوريّ في الأعياد الثابتة، كما الكنائس الشرقيّة الكاثوليكيّة، وكذلك الكنيسة الغربيّة (اللاتينيّة)، بتذكار "دخول السيد إلى الهيكل". وذلك بعد أربعين يوماً على الإحتفال بعيد "ميلاد ربنا يسوع المسيح بحسب الجسد". في حين تحتفل بهذا العيد الكنائس الأرثوذكسيّة التي تتبع التقويم اليوليانيّ، في الخامس عشر من شباط (لوجود فترة ثلاثة عشر يوماً تفصل بين التقويمَين).

يُعرَف عيد "الدخول" أيضاً بعيد "تقدمة السيد إلى الهيكل"، وبعيد "اللقاء"، وفي بعض الأوساط الشعبيّة بعيد "بركة الشموع". ولكل من هذه التسميات تفسيرها: فيُسمّى ب"الدخول" لأن الطفل هو الإله الأزليّ سيد الهيكل، الذي "يدخل" الهيكل بإرادته. ويُسمّى ب"التقدمة" لأنه إرتضى أن يُقدّم أو يُنذر للربّ، وأن يُفتدى بزوجَي يمام أو فرخَي حمام، وهو الذي سيُقدّم ذاته ويفتدي الجنس البشريّ. وهو أيضاً "لقاء" لأنه يتمّ بين العهد القديم المُمثل بسمعان، والعهد الجديد المُمثل بشخص الطفل يسوع. أما تسمية العيد ب"بركة الشموع"، فذلك يعود للتطواف بالشموع الذي يُقام في ليترجيا العيد.

في الطقس البيزنطيّ، هو عيد سيديّ (نسبة إلى السيد) من الدرجة الثانية، وهو غير مُبطل لخدمة القيامة إن وقع يوم أحد. يسبقه يوم واحد للتهيئة، يُعرَف ب"تقدمة العيد" (في الأول من شباط)، وتستمرّ أجواءه الإحتفاليّة على مدى أسبوع كامل، حتى وداع العيد في التاسع من شباط. يأتي هذا العيد كختام لسلسلة الأعياد المرتبطة مباشرةً بميلاد الربّ يسوع (أي الميلاد بحسب الجسد، والختان والتسمية في اليوم الثامن، والتقدمة للربّ في اليوم الأربعين).

أولاً – سنكسار العيد:

في اليوم الأربعين على ولادة الطفل يسوع في بيت لحم اليهوديّة، أخذه أبواه وتوجّها به إلى هيكل الربّ في أورشليم لتأدية ما تفرضه "شريعة موسى"، وهما تحديداً فريضتا التطهير للأم بعد الولادة، وتقدمة كل "ذكر فاتح رحم" إلى الربّ. وعند دخولهم الهيكل، إستقبلهم شيخ بارّ إسمه سمعان (وقد أتى بوحي من الروح القدس) وحمل الطفل مُسبّحاً الربّ ومُطلقاً إبتهاله الشهير "الآن تُطلق عبدك...". وتوجّه إلى مريم مُحدثاً إياها عن الطفل وعما ينتظرها من آلام مترافقة مع كرازته. وكانت حنة النبيّة (الطاعنة في السنّ) حاضرةً أيضاً، فأخذت تُمجّد الله وتُحدّث عن الطفل كل من كان ينتظر خلاصاً من الربّ. وبعد إتمام ما تفرضه شريعة الربّ، عاد يوسف ومريم والطفل إلى مدينتهم الناصرة الجليليّة.

ثانياً – "دخول السيد إلى الهيكل" في الأناجيل:

ينفرد القديس لوقا الإنجيليّ برواية هذا الفصل من حياة يسوع المسيح (لو 2: 22-40). وهذا الأمر يتناغم مع التسلسل المنطقيّ للأحداث التي رواها لوقا في إنجيله. إن عدنا إلى ما ورد في فاتحة "الإنجيل اللوقاني"، فقد حرص الكاتب على أن يتحرّى كل شيء "منذ البدايات"، ليدحض الكثير من المُغالطات التي بدأت تظهر مع إنتشار البشارة الشفويّة أولاً، ثم المكتوبة. وقد كتب ما كتبه بأسلوبه العلميّ المنهجيّ (كونه طبيباً ومُلمّاً بعلوم زمنه). إلا أنه لم يكتب "تاريخاً محضاً"، فهو ليس مؤرّخاً، بل حاملاً بشارة شخص حيّ هو المسيح يسوع. أما في ما خصّ حدث "دخول" أو "تقدمة" الطفل "الأربعينيّ الأيام" إلى هيكل الربّ، فقد أورد الرواية، وفي ذهنه أولاً التأكيد مرّة جديدة على تجسد إبن الله (طفل يُحمل على الأكف)، ثانياً تبيان وجه آخر من أوجه تواضع إبن الله المُتجسد، هذه المرّة بخضوعه الطوعيّ للشريعة، وثالثاً تبيان إستمرار دور الروح القدس منذ الحبل البتولي وصولاً إلى إقتياده سمعان إلى الهيكل لمعاينة "الخلاص الذي أعدّه الله أمام وجوه الشعوب كلها...".

ثالثاً – نشأة العيد وتثبيته في الروزنامة:

بدايةً، نعلم من كتاب "يوميّات حجيج" لكاتبته "هيجيريا" (وهي راهبة إسبانيّة قامت بحجّ إلى الأراضي المقدسة في أواخر القرن الرابع)، أنه كان يتمّ الإحتفال بهذا العيد في أورشليم في ذلك الوقت. وتقول بعض المراجع إن هذا العيد حُدد للإحتفال به في عموم الإمبراطوريّة الرومانيّة على عهد الإمبراطور يوستينوس (518-527)، إذ لم يكن يُحتفل به كعيد قبلاً. لكن مراجع أخرى تؤكد أن الإحتفال الفعليّ به بدأ في السنة الخامسة عشرة من عهد الإمبراطور يوستينيانوس (527-565). في عهد هذا الأخير، ضرب وباء خطير مدينة القسطنطينية وضواحيها، وكان يحصد الآلاف يوميّاً. وفي الفترة نفسها، ضرب زلزال مدمّر مدينة أنطاكية. أمام هذه المصائب، وبعد تشاور مع البطريرك الأنطاكيّ، أمر يوستينيانوس بإحياء فترة صوم وصلاة على كافة أراضي الإمبراطوريّة. وفي يوم عيد "دخول السيد إلى الهيكل"، عمّت الصلوات كافة المدن والقرى. وإستجاب الربّ دعاء شعبه، فزال الوباء وتوقفت الزلازل. وحدث هذا في سنة 542. وإذ كان يُحتفل بالعيد في الرابع عشر من شباط على عهد يوستينوس، أي أربعين يوماً بعد عيد الظهور الإلهيّ (بصيغته المزدوجة الميلاد + العماد)، إلا أن يوستينيانوس عاد فثبته في الثاني من شباط، بعد أن تمّ سلخ عيد الميلاد عن عيد الظهور، وتثبيته في الخامس والعشرين من كانون الأول. واليوم، تحتفل بهذا العيد الكنائس كافةً في الشرق والغرب، إلا ان الكنائس الشرقيّة تعتبره عيداً سيّديّاً من الدرجة الثانية، أما الكنيسة الغربيّة ، فتعتبره عيداً مريميّاً. أما عادة تبريك الشموع، فلا يرد ذكرها في مذكرات "هيجيريا" (القرن الرابع)، ويبدو أنها أُدخلت في أواسط القرن الخامس، إذ يذكرها القديس كيرلس الإسكندريّ في عظاته. ونقرأ في "حوليّات" ثيوفانس أن إحتفال التطواف بالشموع كان يجري في القسطنطينية في القرن السادس.

رابعاً – المعاني الروحيّة للعيد:

كانت شريعة موسى تعتبر الولادة نجاسةً بفعل سقطة الإنسان قديماً، والمرأة التي ولدت، نجسةً وبحاجة للتطهير. وقد حددت الشريعة فترة النجاسة تلك، بأربعين يوماً إن كان المولود ذكراً، وبثمانين يوماً إن كان أنثى، لا يجوز للمرأة خلالها دخول هيكل الربّ. وفي ختام الفترة تلك، يتوجّب على المرأة التوجّه إلى الهيكل وأن تقدّم حملاً عمره سنةً، وفرخ حمام، كذبيحة للرب، ثمناً لتطهيرها (أح 12: 2-8). وإن كانت المرأة غير ميسورة ماديّاً، يُستعاض عن الحمل بفرخ ثانٍ من الحمام. وإن كان المولود ذكراً و"فاتح رحم" (أي البكر)، كان ينبغي أن يُنذر (أن يُدعى قدوساً) للربّ (خر 13: 2)، كتذكار دائم لعبور الشعب من عبوديّة مصر إلى حريّة أرض كنعان. تفاصيل كل تلك الشعائر نجدها في سفرَي الخروج والأحبار (أو اللاويّين)، ولن نستفيض فيها هنا.

إذاً، تتميماً لتلك الفرائض، صعد بيسوع أبواه إلى الهيكل في أورشليم. لم تكن مريم بحاجة إلى تطهير، فهي "الممتلئة نعمةً" كما وصفها الملاك حين بشرها بالحبل الإلهيّ. زد على ذلك أن حبلها كان بتوليّاً بفعل الروح القدس. وبدوره، لم يكن يسوع بحاجة لأن يُنذر "قدوساً للرب"، فهو "القدوس المولود من مريم، ويُدعى إبن الله"، كما سمّاه الملاك. هو القدوس بذاته، القدوس بإمتياز. كذلك الأمر، لم يكن يسوع بحاجة إلى تقديم أية ذبائح، إذ إنه "حمل الله الذي يحمل خطيئة العالم"، وسوف يكون طوعاً ذبيحة فداء للبشريّة جمعاء، والكاهن الأعظم في الوقت عينه. لذا، كانت زيارة الهيكل وتتميم المُقتضى، من باب الخضوع لشريعة الربّ، وعلامةً فارقةً في التواضع. فربّ الشريعة لم يأنف من الخضوع للشريعة التي وضعها بنفسه، ومريم قالت عن نفسها "أنا أمة الرب". لذلك العبرة الأولى التي نأخذها من هذا العيد هي التواضع، وبالإمكان تسمية هذا العيد ب"عيد التواضع". وسوف تكون حياة يسوع حافلةً بأفعال التواضع على إختلافها (دفع الجزية لقيصر، غسل أرجل التلاميذ، قبوله الآلام والصلب...)، وهي مثال لنا نحتذي به "تعلموا مني، إني وديع متواضع القلب" (متى 11: 29). أساساً، إن تجسد إبن الله هو أكبر عمل تواضع، تفرّعت منه كل الأعمال الباقية.

وعند دخولهم، إستقبلهم شيخ بارّ إسمه سمعان أمضى معظم أعوامه بإنتظار ما أوحى إليه الروح القدس، ألا وهو "أنه لن يرى الموت قبل معاينة مسيح الربّ". حمل الطفل وهو يرقص بالروح من الفرح، ومجّد الله مُطلقاً إبتهاله الشهير "الآن تُطلق عبدك أيها السيد...". بالنسبة إليه، تتوّجت حياته الأرضيّة بلقاء "من تكلم عنه موسى والأنبياء". لهذا، يحمل هذا العيد أيضاً إسم "عيد اللقاء"، فقد إلتقى العهد القديم (الممثل بسمعان وحنة) بالعهد الجديد (الممثل بيسوع)، إلتقى الرمز والأصيل، إلتقى العبد والسيد، إلتقت الشريعة المكتوبة والشريعة الحيّة، إلتقى الشيخ وال"قديم الأيام"... وإن كان موسى قد عاين الله في عامود الغمام قديماً "وهو الربّ العزيز الجبّار"، فها هو الآن يُعاينه وجهاً لوجه، طفلاً وديعاً. إنه يُعاين من "إشتهى كل الأنبياء والأجداد رؤيته، ولم يرَوا". إنه يحمل بين يديه من هو "وعد الأجيال". فأصبح بإمكانه الإنتقال من هذا العالم الأرضيّ إلى العالم العلويّ، إذ شاهد وحمل بين يديه من جاء من العالم العلويّ وحل في العالم الأرضيّ طفلاً صغيراً. ويستطيع سمعان الشيخ أن يسبق فيقول ما سوف يقوله فيلبس فيما بعد لنثنائيل "لقد وجدنا الذي كتب عنه موسى..." (يو 1: 45). أما بالنسبة لصلاته للربّ بأن "يُطلق عبده..."، فهو كأنه يسبق بولس الرسول في قوله "حياتي هي المسيح والموت ربح لي. فما أحلاك يا موت، حين أكون مع المسيح" (في 1: 21). العبرة الثانية التي نستخلصها من هذا الحدث، هي على ثلاثة أصعدة: أولاً، الإنقياد للروح القدس وإلهاماته، فهو لا يُخيّب رجاءنا. وإن حيينا بحسب الروح، يكون فرحنا كاملاً على مثال فرح سمعان، ونصبح بالفعل لا بالقول، "هياكل حيّة للروح القدس". ثانياً، إن كان سمعان قد حمل الربّ بين يديه (وهذه نعمة خاصة جداً لم تُتح إلا لقلة)، فنحن نستطيع حمله يوميّاً لأننا "إذ قد إعتمدنا في المسيح، فقد لبسنا المسيح" (غل 3: 27). نحمله في عيشنا كلمته المُحيية، نحمله في عيشنا المحبّة لبعضنا البعض "كما هو أحبنا"، ونحمله على الأخص في الإفخارستيّا المقدسة، لأنه "الخبز النازل من السماء"، غذاء الحياة الأبديّة مع الله. ثالثاً، عاش سمعان بشوق كبير على رجاء "لقاء حياته"، فهل نحيا نحن بهذا الشوق في حياتنا الجديدة بالله؟

توجّه سمعان إلى مريم بكلام نبويّ عن الصبيّ، وعن الشقاق الذي سيُحدثه من جرّاء مهمّته الخلاصيّة، فيقبله البعض ويرفضه البعض الآخر، ومُعلناً لها عما ينتظرها من آلام وعذابات من جرّاء ذلك. فكان بذلك يبشّر بالصليب والمجد معاً. ويكاد سمعان يقول مع بولس الرسول "إننا نكرز بالمسيح مصلوباً، عثرةً لليهود وجهالةً للأمم، أما للمؤمنين، فبالمسيح قوة الله وحكمة الله" (1كور 1: 23-24). إن الخلاص الموعود سوف يمرّ حتماً بالآلام، كما تمرّ المرأة الحامل بمخاض الولادة. إن الطريق إلى القيامة (وبالتالي ملكوت الله) سوف يكون عبر حمل الصليب على مثال المسيح "الذي أخلى ذاته آخذاً صورة عبد..." (في 2: 7). وكانت مريم (وكذلك يوسف) تحفظ كل هذه الأشياء في قلبها، وتتأمل بها. وهذه هي العبرة الثالثة التي نستخلصها، إذ علينا أن نتعلم من مريم الطاعة الكليّة للربّ ولأحكامه، ونحتمل مشقّات طريق الربّ برجاء كبير، لأنه هو ذاته "الطريق والحق والحياة".

وبعد، يُعلّمنا عيد "الدخول" (أو "التقدمة" أو "اللقاء")، أن المسيح هو حياة ونور الناس، وأنه على الإنسان أن يستنير به لبلوغ الحياة الحقيقيّة. لقد إستنار به سمعان بعينيه الروحيّتين قبل الجسديّتين، وعاش على رجاء رؤية "من وعد به الله منذ القديم". رؤية تحقيق الوعد بالخلاص من خلال رؤية الشخص، فشخص المسيح هو مُرادف للخلاص "خلاصك الذي أعددته..."، كما يقول سمعان نفسه. ولما تمّ له ذلك، صار فرحه كاملاً وأصبح بإستطاعته إغماض عينيه البشريّتين (فهو لم يعد بحاجة لهما)، وأخذ يبتهل للربّ للإنتقال من هذه الحياة الدنيا إلى الحياة الأبديّة. لقد رأى وحمل المسيح لبعض الوقت في حياته الأرضيّة، أما بعد إنطلاقه إلى الرحاب السماويّة، فسوف يراه ويكون معه إلى الأبد. وكذلك نحن، نستطيع أن نرى المسيح ونحمل المسيح في حياتنا اليوميّة، من خلال "حفظنا لكل ما أوصانا به" (متى 28: 20)، وأيضاً نلتقي المسيح من خلال صلاتنا الشخصيّة والجماعيّة "كلما إجتمع إثنان أو ثلاثة بإسمي..."، وبشكل خاص جداً من خلال الإفخارستيّا "فنعرفه بكسر الخبز كما عرفه تلميذا عماوس". وفي عيد "دخوله إلى الهيكل"، فلندعه يدخل إلى هيكلنا الداخليّ، إذ "إن ملكوت الله في داخلنا". وفي عيد "اللقاء"، نجدّد إيماننا أن حياتنا المسيحيّة هي لقاء دائم بالمسيح، تحت مظلة الروح القدس الذي خُتمنا به في المعموديّة، والذي قاد سمعان الشيخ للقاء "وعد الأجيال".

فللطفل-الإله ذي الأربعين يوماً، المجد والعزة الآن وكل أوان وإلى دهر الداهرين. آمين.

طروبارية العيد:

إفرحي يا والدة الإله العذراء الممتلئة نعمةً، لأنه منكِ أشرق شمس العدل المسيح إلهنا، مُنيراً الذين هم في الظلام. وإفرح أنتَ أيها الشيخ الصدّيق، قابلاً على ذراعيكَ مُعتقَ نفوسنا، والمنعمَ علينا بالقيامة.

قنداق العيد:

أيها المسيح الإله، يا من بمولده قدّس المستودع البتوليّ، وبارك يدَي سمعان كما يليق. لقد بادرتَ الآن أيضاً وخلّصتنا. فإحفظ رعيتكَ بسلام في الحروب، وأيّد المؤمنين الذين أحببتَهم، أيها المحبّ البشر وحدكَ.

توفيق ناصر (خريستوفيلوس)

 Copyright © 2009-2024 Almohales.org All rights reserved..

Developed & Designed by Sigma-Space.com | Hosting by Sigma-Hosting.com