عن الكنيسة

كاهن الكنيسة

جمعية الكنيسة

مواقع

C??????E سير قديسين

تابع سلسلة #الرد_على_البروتستانت

تابع سلسلة #الرد_على_البروتستانت

5- الافتراض الخامس: الإيمان بالكتاب المقدس بحد ذاته:

اعتراف Westminster الإيماني، وهو الوثيقة العقائدية الرئيسية لأتباع كالفن الناطقين بالإنكليزية، تبدأ بالتأكيد على السلطان المنفرد للأسفار المقدسة. أيضاً، اعترافات لندن، وكل اعترافات المعمدانيين الإيمانية اللاحقة تبدأ بالتأكيد على الإيمان بسلطان الكتاب المقدس. وحقاً، مع استثناءات بسيطة، فإن الاعترافات البروتستانتية ودساتير إيمانها المختلفة دائماً تقريباً تبدأ بمقولة تؤكّد سلطان الكتاب المقدس. لهذا ليس من المبالغة القول إنه بالنسبة للبروتستانت الكتاب المقدس هو موضوع إيمان. أي، أن البروتستانت لا يؤمنون فقط بما كُتب بالكتاب المقدس وبالوحي الذي به كُتب الكتاب المقدس، ولكنهم يؤمنون أيضاً بالكتاب المقدس بحد ذاته. هذه بديهية بالنسبة للبروتستانت.

الرد: سنناقش هذا الموضوع من خلال مناقشة عدة نقاط موضحة. نقول بشكل عام: الكنيسة هي جسد المسيح والكتاب كلامها. يجعلون كلامها سيّدها. في النهاية وضعوا العجلة أمام الحصان، فضلّوا سواء السبيل. يسوع أسّس كنيسة. الروح القدس أقامها يوم العنصرة وأقام فيها. هل يُقيم في الكتاب المقدس؟ هل يستطيع الكتاب المقدس أن يعمِّد بالروح القدس ويصنع الخبز والخمر جسد الرب ودمه؟ الكنيسة تصنع ذلك لا الكتاب.

على ما في الكتب":

إن الإيمان بالكتاب المقدس كموضوع إيمان، وكخاضع لدستور الإيمان العقائدي يمثّل انحرافاً جذرياً عن إيمان الكنيسة الأولى. فلا يوجد أي من دساتير الإيمان الأولى للكنيسة يبدأ بمقولة متعلقة بالكتاب المقدس؛ كل دساتير الإيمان هذه تبدأ بالتأكيد على الإيمان بالله الواحد. هذا أيضاً صحيح بالنسبة لدستور الإيمان النيقاوي (القرن الرابع) وسواه. على كل حال، تحتوي دساتير الإيمان القديمة على تأكيد إيماني لا يوجد في دساتير إيمان البروتستانت الحديثة: وهو الإيمان بالكنيسة. في دستور الإيمان النيقاوي تعترف الكنيسة بإيمانها بالله الواحد الآب الضابط الكل، وبالرب الواحد يسوع المسيح، وبالروح القدس، وبالكنيسة الواحدة الجامعة القدوسة الرسولية. بالنسبة للكنيسة القديمة، فإن الكنيسة نفسها كانت موضوع إيمان وبند إيمان من بنود دستور الإيمان. فالكنيسة الأولى اعترفت بالإيمان بالكنيسة نفسها كاعترافها بالله.

إذاً، لا يذكر دستور الإيمان الأسفار المقدسة، وهذه الإشارة هي المفتاح لفهم كيف رأت الكنيسة الأولى الكتاب المقدس وكيف استعملته. فعند الحديث عن تجسد المسيح وعمله على الأرض، يؤكّد دستور الإيمان النيقاوي "تألم وقُبر وقام في اليوم الثالث على ما في الكتب". "على ما في الكتب" تفترض سلطان الأسفار المقدسة. هذا يعني أن المسيح قد تجسّد وعاش وتألم وصُلب ومات وقام في اليوم الثالث كما تشهد الكتب بذلك. أي إن الأسفار المقدسة هي شهادة على ما فعله الله للإنسان بيسوع المسيح. إن تعبير "على ما في الكتب" هو اقتباس مباشر من 1كور15: 3-4 "فإنني سلّمت إليكم من الأول ما قبلته أنا أيضاً، أن المسيح مات من أجل خطايانا على ما في الكتب، وأنه دُفن وأنه قام في اليوم الثالث على ما في الكتب". كان القديس بولس هنا يشير إلى نبوات العهد القديم المتعلّقة بالمسيّا. ففي كل مكان كان يحادّ اليهود "من الكتب، موضحاً ومبيّناً أنه كان ينبغي أن المسيح يتألّم ويقوم من الأموات" (أع17: 2-3). بالطبع لم توجد كتب العهد الجديد آنئذ بعد. قصص شهود العيان، وهم الرسل، عن حياة المسيح كانت متداولة ومنتشرة شفوياً. هذه القصص الشاهدة قد تم اختبار صدقها بالشهادة التي أعطاها الأنبياء أنفسهم عن المسيّا. إن المفهوم الرئيسي هنا هو الشهادة. فأنبياء العهد القديم ورسل العهد الجديد كانوا شهوداً للمسيح: "هذا هو التلميذ الذي يشهد بهذا وكتب هذا. ونعلم أن شهادته حق" (يو21: 24). إن شهادة الأسفار المقدسة هي صحيحة والكنيسة لم تشك بذلك أبداً. لكن الموضوع الذي يُبنى عليه الإيمان كان، وهو أبداً، موضوع الشهادة وليس الشهادة نفسها. هكذا تؤمن الكنيسة بدون شك بشهادة الأسفار المقدسة ولكن الكنيسة لا تؤمن بالكتاب المقدس لأن الكتاب المقدس ليس هو الله. إنها تؤمن بالوحي الذي كتبه وتؤمن بمحتواه وبشهادته ولكنها لا تؤمن بالكتاب بحد ذاته كبند إيمان.

كسر الخبز"

 بعد قيامة يسوع ظهر للوقا ورفيقه في الطريق إلى عماوّص، فلم يعرفاه: "ثم ابتدأ من موسى ومن جميع الأنبياء يفسّر لهما الأمور المختصة به في جميع الكتب" (لوقا24: 23-27). حتى عندما كان الرب يقرأ ويشرح أسفار العهد القديم لهما لم يعرفاه أنه الرب الناهض من الأموات. ولم يعرفاه إلا بعد كسر الخبز معهما: "فلما اتكأ معهما اخذ خبزاً وبارك وكسر وناولهما. فانفتحت أعينهما وعرفاه" (لو 24: 30-31). إذاً، كان قلبهما ملتهباً عندما كان المسيح يشرح الأسفار ولكنهما لم يعرفاه رغم ذلك، إلا عند كسر الخبز. أيضاً، يستعمل القديس لوقا تعبير "كسر الخبز" مرة ثانية في أعمال الرسل (أع2: 42). إذاً الأسفار المقدسة تشهد للمسيح. قلوبنا تلتهب فينا عندما تُقرأ الأسفار المقدسة، أي عندما يُبشَّر بالمسيح. على كل حال، ليست الأسفار المقدسة هي المسيح. الافخارستيا (سر الشكر الإلهي) هو الحدث الذي به تعبّر الكنيسة عن جوهر حياتها بصورة خاصة. في الافخارستيا فقط نحن نعرف يسوع المسيح بعد أن تنفتح أعيننا، وتكون لنا شركة حيّة معه. إذ يقول له المجد: "من يأكل جسدي ويشرب دمي فله حياة أبدية وأنا أُقيمه في اليوم الأخير. لأن جسدي مأكل حق ودمي مشرب حق. من يأكل من جسدي ويشرب دمي يثبت فيَّ وأنا فيه" (يو6: 54-56).

ها أنا معكم كل الأيام":

المرة الوحيدة التي كتب فيها الرب يسوع في الأناجيل هي في يوحنا 8: 6، ولم نرَه أبداً يكتب كتاباً أو يترك تعليماً مكتوباً أو مدرسة أو أكاديمية (مثل أفلاطون)، بل على العكس: الشيء الوحيد الذي خلّفه يسوع المسيح وراءه هو الكنيسة. فقبل صعوده بعد تلاميذه بوجوده الدائم معهم: "ها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر" (متى28: 20).ويعدهم بإرسال الروح القدس على التلاميذ: "وأما المعزّي الروح القدس، الذي سيرسله الآب باسمي فهو يعلّمكم كل شيء" (يو14: 26). إذاً وعدهم بالروح القدس، روح الحق الذي يرشدهم إلى جميع الحق (يو16: 13). الله خلق العالم بالكلمة والروح القدس (مز33: 6). في بشارة العذراء، حلّ الروح القدس عليها فحبلت بالكلمة الإلهي (لو1: 35). وفي معمودية المسيح في نهر الأردن حلّ الروح القدس عليه بشكل حمامة بعد صعوده من المياه، متمَّماً نبؤة أشعيا (61: 1؛ لو3: 21-22؛ 4: 17). أيضاً، عندما نزل الروح القدس يوم العنصرة على التلاميذ والرسل مسحهم ليكونوا الكنيسة، جسد المسيح نفسه (أع2).

ليس المقصود هنا الحطّ من قيمة الكتاب المقدس، لا سمح الله. "كل الكتاب هو موحى به من الله، ونافعٌ للتعليم والتوبيخ" (2تيمو3: 16). لكن النقطة الرئيسية هنا هي أن الكنيسة، لا الكتاب المقدس، هي جسد المسيح. فالأسفار الإلهية كُتبت في الكنيسة وبإلهام الروح القدس له المجد. وهكذا، من شهادة الأسفار المقدسة يأتي الناس إلى معرفة الحقيقة وقبولها (1تيمو2: 4)، ويتحدون بالمسيح في الكنيسة. فالكنيسة، وليس الكتاب المقدس، هي "عمود الحق وقاعدته" (1تيمو3: 15). والكنيسة القدوسة، وليس الكتاب المقدس، هي "ملء الذي يملأ الكل في الكل" (أفسس1: 23).

لهذا نجد أن البروتستانتية قد استبدلت بالكنيسة القدوسة الكتاب المقدس واستبدلت بجسد المسيح الحي، وهو الكنيسة، نصاً حرفياً، ولو أنه موحى به بالروح القدس. هكذا نجد أن الفروق بين إيمان البروتستانت وإيمان الكنيسة الأولى هي فروق كبيرة جداً.

الكنيسة موضوع الإيمان":

تؤمن الكنيسة الأرثوذكسية بأن الأسفار المقدس ليست المسيح ويجب ألا تكون موضوع إيمان بحد ذاتها. من جهة أخرى، تؤمن الكنيسة الأرثوذكسية (والكاثوليكية) بأن الكنيسة (كجسد المسيح بالتعريف الكتابي) هي موضوع إيمان وبند من بنود دساتير الإيمان. هذا ما تؤمن به الكنيسة الأرثوذكسية وتردّده في دستور إيمانها. إنه أمر شائع بالنسبة للمفسِّرين البروتستانت المعاصرين أنه يجب ألا نأخذ حرفياً القول بالإيمان بالكنيسة. إنهم يقولون إن الكنيسة ليست الله، وبالتالي موضوع الإيمان يجب ألا يكون الكنيسة بل الله، لهذا الإيمان بالكنيسة لديهم يجب ألا يؤخذ بصورة حرفية حقيقية بل مجازية في أفضل الأحوال. يقول الكثيرون إنه يجب أن نؤمن بالروح القدس العامل بالكنيسة لا بالكنيسة نفسها .

فالقول إنه يجب ألا نؤمن بالكنيسة لأن الكنيسة ليس الله يبدو قولاً منطقياً ظاهرياً، وهو يبدو وكأننا نقي أنفسنا من خطر التشويش الوثني بين الخالق والخليقة. لكن هذا الهوس بحماية الكرامة اللائقة بالله (أو الغيرة التي ليست بحسب المعرفة) هو بالضبط كان الدافع وراء هرطقة آريوس وهرطقة نسطوريوس. كان لدى آريوس مفهوم عقلاني عن الله لا يفسح المجال لفكرة ثلاثة أشخاص (أقانيم) لهم الجوهر الواحد الإلهي عينه. وبالتالي لا يمكن لله أن يصير إنساناً، لهذا استنتج أن كلمة الله لا بد أن يكون مخلوقاً. نسطوريوس من جهة أخرى استنتج لسبب عقلاني أنه لا بد من وجود شخصين في المسيح. شخص إلهي وشخص بشري، وبالتالي فيسوع البشري هو الذي ولد من العذراء وصُلب ومات وقام. لأنه بالنسبة لنسطوريوس لا يمكن لله أن يولد من عذراء وأن يتألم ويُصلب. فوقع كلاهما في الهرطقة. لكن يجب أن نعرف أن ناسوت المسيح لا يمكن أن يوجد بدون لاهوته ولم يوجد بدونه. فالكلمة الإلهي (الأقنوم الإلهي الثاني) اتخذ طبيعة بشرية من العذراء مريم يوم البشارة وصار شخصه الإلهي شخصاً لهذه الطبيعة التي لم يمكن لها أن توجد بدون هذا الشخص. إذاً الطبيعة البشرية للمسيح لم توجد ولا يمكن لها أن توجد بدون أن تكون متحدة، منذ وجودها، بالطبيعة الإلهية في شخص الابن الإلهي. لهذا لا يوجد يسوع البشري بدون أن يكون إلهاً متجسداً. لهذا فرض مجمع أفسس  الإيمان بأن العذراء هي "أم الله" لأن المولود منها لم يكن سوى الله المتجسد نفسه وليس إنساناً قد اتحد بالله.

بحسب القديس بولس إن الكنيسة هي جسد المسيح "ملء الذي يملأ الكل في الكل" (أفسس1: 21). وأيضاً يقول: "لأننا أعضاء جسمه، من لحمه وعظامه" (أفسس5: 30). والمسيح نفسه يقول: "من يأكل جسدي ويشرب دمي يثبت فيّ وأنا فيه" (يو6: 56). لم يستطع نسطوريوس أن يقبل اتحاداً حقيقياً بين الله والإنسان لهذا نكر أنه يمكن لابن الله أن يولد من امرأة. رفض نسطوريوس القول بأن مريم هي "أم الله" إلا بمعنى مجازي غير حقيقي. على غرار هذا، إن الذين ينكرون بأن تكون الكنيسة الموضوع الحق للإيمان، فإنهم مجبرون على تفسير كلمات بولس الرسول بصورة مجازية غير واقعية. فإن جسد المسيح، أي الكنيسة، مستحقٌ المجد نفسه اللائق بالابن كلمة الله. لهذا، كل من ينكر أن تكون الكنيسة موضوع إيمان -بحجة أن "الكنيسة ليست الله"- يقول بأن الكنيسة ليست جسد المسيح بأي معنى حقيقي للكلمة، وبالتالي يضع نفسه مخالفاً بولس الرسول.

لقد رأينا أنه في القرنين الأولين للمسيحية كانت توجد، بالنسبة للكنيسة، علاقة وثيقة لا تنفصم بين عقيدة التجسد والحضور الحقيقي للمسيح في الافخارستيا. فنكران أحدهما يعني نكران الآخر. لهذه الحقيقة تطبيقات كنسية بالغة الأهمية، لأن الافخارستيا تُظهر بصورة واضحة وبالغة طبيعة الكنيسة. لهذا لهذا، فالتجسد والافخارستيا وعقيدة الكنيسة مرتبطة كلها ببعضها بعضاً. أو بالحري هي ثلاثة أوجه لعقيدة واحدة: الاتحاد الحقيقي لله والإنسان في يسوع المسيح. لهذا بالنسبة للكنيسة الأرثوذكسية، إن الخريستولوجيا (علم المسيح) وعلم الكنيسة ecclesiology لا ينفصلان. لهذا فالقول بأننا نؤمن لا بالكنيسة بل بالروح القدس الفاعل في الكنيسة لهو مفارقة عقائدية. مع ملاحظة مهمة هنا: إنه عندما نقول "الكنيسة" فلا نعني البطريرك أو المطران أو الكاهن أو القسيس أو الواعظ أو البناء أو مجالس الرعية وما إلى ذلك. إننا نتكلم عن الكنيسة، جسد المسيح القدوس. الفرق واسع جداً بين المفهومين. فالكنيسة بالمعنى اللاهوتي هي جسد المسيح المقدس والمؤلّه. أما العناصر البشرية في الكنيسة فمنها الصالح ومنها الطالح. لهذا نتفق مع البروتستانت في النفور من كل شيء طالح في الكنيسة ولا نتفق معهم في رفض الكنيسة كجسد المسيح الحي أبداً

د.عدنان طرابلسي

 

 Copyright © 2009-2024 Almohales.org All rights reserved..

Developed & Designed by Sigma-Space.com | Hosting by Sigma-Hosting.com