عن الكنيسة

كاهن الكنيسة

جمعية الكنيسة

مواقع

C??????E نجمه في المشرق

يوستنيانوس والقانون الجزء الاول

يوستنيانوس والقانون الكنسي

حق الأمان: وكان ثيودوسيوس الثاني قد وسع منطقة الحرم التي لا تهتك فجعلها تشمل الكنيسة وما حولها حتى مداخلها الخارجية. وجاء لاوون الأول فأباح للمفلسين في الثامن والعشرين من شباط سنة 446 حق الإحرام وبرَّأ الكنيسة من كل التزام تجاه الدائنين ولكن يوستنيانوس رأى في هذا كله توسعاً لا مبرر له فأباح لعماله الدخول إلى مناطق الحرم لإلقاء القبض على القتلة والزناة والخاطفين المغتصبين. كما سمح بجباية الأموال الأميرية في داخل الكنيسة وبتوقيف الممتنعين عن أدائها. وأوجب على الأسقف إن هو عارض في شيء من هذا أن يتحمل بنفسه المبالغ المطلوبة وأن يدفعها من جيبه الخاص.

الأوقاف: وشملت الأوقاف في هذا القرن الهبات على أنواعها (كالأراضي وبيوت السكن والمخازن والعائدات السنوية) والضرائب الشرعية على ممتلكات الهراطقة والوثنيين والتركات غير الموصى بها ولا سيما الإكليركية منها.

ووافق يوستنيانوس على هذا كله ووسع حق انتفاع الكنيسة من مرور الزمن ومنع نقل ملكية الأوقاف واحتباسها الدائم تحت مرتب معين. ونظّم حقوق الواقف فأوجب عليه القيام بتعهداته واعترف بحقه في إدارة أوقافه ولكنه لم يسمح له بفرض اكليريكي معين على الأسقف لخدمة هذه الأوقاف.

وكان المجمع الخلقيدوني قد أوجب في قانون السادس والعشرين تعيين مدبِّر أوقاف لكل كنيسة. فحدد يوستنيانوس صلاحيات هذا المدبّر وأوجب انتقاءه من بين رجال الإكليروس. ونظر الأمبراطور أيضاً في كيفية انفاق أموال الكنائس، فعيّن ما وجب دفعه إلى رجال الإكليروس وما جاز إنفاقه لممارسة الطقوس وصيانة الأملاك وإعاشة الفقراء.

الرهبان والأديرة: وتكاثر الرهبان في القرنين الخامس والسادس فأصبحوا ألوفاً وعشرات ألوف. ولم يؤثر القول بالطبيعة الواحدة في عددهم عند اليعاقبة. ولم تختلف نظم هؤلاء عن نظم الرهبان الأرثوذكسيين فظلَّ باسيليوس الكبير زعيم المعسكرين وبقيت مثله العليا مثل الطرفين. وغصت تلال أنطاكية وأبامية وآمد والرها بالأديرة. وانتثرت الصوامع في بعض أنحاء البادية. وأثر هذا كله في نفس يوحنا أفسس فصنف "سير النساك الشرقيين" ضمَّنه ثماني وخمسين ترجمة.

وتنوعت طرق الترهب واختلفت وسائل الإماتة. فقام إلى جانب الأديرة قلايات آوت كلٌّ منها ناسكاً واحداً اشتهر بورعه وزهده وقداسته فأطلقت له الحرية لقهر الجسم كيف شاء. واشتهر من هؤلاء في جهات أنطاكية الذين اختاروا رؤوس الأعمدة مقراً لهم فقضوا السنين الطوال عليها وبين هؤلاء السمعانان الأكبر والأصغر. ولم يكن عدد العموديين بقليل.

وقضت مقررات المجمع الخلقيدوني بخضوع الرهبان السلطات الإكليريكية ولكن نصوصها بقيت حبراً على ورق. وكثر عدد الرهبان التائهين الذين عاشوا متنقلين متسولين غير خاضعين لأية سلطة من السلطات الروحية. فحاول يوستنيانوس أن ينظم الحياة الرهبانية من الناحية الإدارية القضائية. فأخضع أديرة كل ذيقوسية إلى سلطة المتروبوليت وأكره جميع الرهبان أن يعيشوا في أديرة معينة وأجاز الانحباس شرط أن يتم في داخل الدير. وتوجب على الطالبين الجدد أن يمروا في دور "المبتدئ" وأن يظلوا فيه ثلاث سنوات. ولا يقبلون نهائياً إلا بعد التثبت من أنهم ليسوا أرقاء هاربين. وحرم عليهم ترك الدير. وسنت قوانين خصوصية لتنظيم حياة الراهبات.
وكان على الرهبان في كل دير أن ينتخبوا رئيساً لهم "هيغومينوساً" أو أرشمندريتاً يدبر أمورهم ويمثل رهبنتهم ما دام حياً قادراً على العمل. وكان الهيغومينوس مطلق الصلاحية لا يستشير رهبانه إلا في بعض الأمور الهامة كنقل الملكية واحتباسها بطريقة الحكر. ولكنه كان مقيداً بالتيبيكون الذي حفظ قانون الرهبانية وأشياء أخرى. ورأي يوستنيانوس أن الرقابة مفيدة فأوجب تعميم نظام الاكسرخوس الذي كان سائداً في بعض الأبرشيات أي أن يعين كل متروبوليت اكسرخوساً لزيارة الأديرة في الأبرشية والتثبت من انتظامها. وكان في استطاعة هذا الاكسرخوس أن ينتدب زائرين لهذه الغاية نفسها. أما في
القسطنطينية فإن هذا المفتش الزائر كان يدعى سكيلاريوساً.

الأسكيم: كان الأسكيم الرهباني يتألف من ثوب فضفاض من الصوف الخشن وشعر الماعز. وكانوا يسمونه Kilibion وهو أصل اللفظ العربي"جلابية". وتردى الرهبان فوق الجلابية جبة دعوها المنذية Mandya أما غطاء الرأس فإنه كان قبعة عالية عرفت بالكملفكيون Kamelaukion. وتبع هذه لاطية دعيت كوكوليوناً Koukoulion. وشد وسط الراهب زنار جلد. وزين الأسكيم بكامله بطرشيل دعى أنالافوساً Analabos.

الصوم والصلاة: وامتنع الرهبان عن اللحوم وتناولوا الطعام مرة واحدة في اليوم. وصاموا الصوم الكبير وصوم الميلاد وصوم الرسل وصوم رقاد السيدة العذراء. وصلوا ست ساعات في كل يوم ولكنهم كرسوا ليالي البارامون كلها للصلاة.

يوستنيانوس والقانون الكنسي

الليتورجيا: وكانت لغة كنيسة أنطاكية لا تزال يونانية فجاءت ليتورجيتها باليونانية. ولم تكن سريانية أو عربية إلا في بعض القرى النائية في داخل البلاد. وصلى المؤمنون بموجب ليتورجية يعقوب أخي الرب. وكانت هذه في القرن السادس مسبوكة باللغتين اليونانية والسريانية. ولا بد أن تكون قد نقلت إلى العربية أيضاً لكثرة المؤمنين العرب في ريف سورية وفلسطين وعند حدود البادية. أما في كنائس آسية وتراقية والبونط واليونان فإن الليتورجية السائدة كانت إما الليتورجية التي تدعى باسم ليتورجيا الذهبي الفم أو باسيليوس الكبير.

البناء: كانت معظم كنائس هذا القرن بسيليكات في طرزها. والبسيليكة بناء مستطيل الشكل شيّد في العصور اليونانية القديمة للاجتماعات العمومية. وتميز هذا البناء عن سواه في أنه حوى صفين من الأعمدة قسِّمت أرضع إلى ثلاثة أقسام مستطيلة متساوية وأنه أفسح في منتصف جداره الرئيسي محلاً خصوصياً في شكل حنية لتمثال الإله وإن النور كان يدخل إليه من نوافذ فوق رؤوس الأعمدة ودعي مجموعاً منوراً. واحتفظ الآباء في القرن نفسه بالأبنية المدورة والمثمنة والمصلبة للتعميد أو لدفن الشهداء. وكنت إذا قصدت الدخول إلى إحدى الكنائس تمر في صحن كبير مفتوح تحيط به أورقة معمدة. فإذا ما انتهيت منه وجدت نفسك النرثكس وهو غرفة خارجية لاصقة ببناء الكنيسة عند مدخلها الرئيسي.

وقامت المائدة عند رأس هذا البناء مقابل الحنية. وخصص ما يجاورها إلى الأسقف والكهنة. وأقيم للأسقف عرش في الحنية وراء المائدة. وقسم البهو كله إلى قسمين غير متساويين أصغر وأكبر. وفصل الأصغر القريب من المائدة عن الأكبر وراءه بحاجز مزين وخصص للخورس. وانتصب المؤمنون في القسم الأكبر الباقي من البهو. أما الموعوظون فإنهم وقفوا وراء المؤمنين عند مدخل البهو الرئيسي أو في الطبقة الثانية من البهو التي أقيمت في جانبي الكنيسة فوق الأعمدة وأطلت على البهو والخورس. وكان الأيقونوستاسيس لا يزال مجهولاً. ولا تزال كنيسة القديس أندراوس في القسطنطينية (خوجه مصطفى جامعي) تحفظ هذا الترتيب حتى يومنا هذا - تاريخ نشر كتاب كنيسة مدينة الله أنطاكية العظمى.

الأواني: ولنا في الرسوم التي تزين بعض الصواني الفضية الأنطاكية الباقية ما يحفظ لنا أشكال مذابح ذلك العصر وموائده وما استعمل من الأواني كالبوتيريو والمراوح وملاعق الأفخارستيا وحقاق الميرون والمباخر. ولا نزال نتبرك بأناجيل تعود إلى ذلك العهد وقد كتبت بماء الذهب على الرق. ومما تجدر الإشارة إليه أن بعض كتب الخدمة كان لا يزال بهيئة دروج ملفوفة.

وتتميز الملابس الحبرية في هذا القرن أكثر من قبل فيظهر الأسقف مكسيميانوس مثلاً في فسيفساء رابينة (547) مرتدياً القميص والصاكوس فوقها واضعاً الأموفوريون على كتفيه وحاملاً الصليب بيده. ويواكبه الكاهن والشماس وقد تردى كل منهما بقميص أبيض ذي أكمام واسعة.

الصلوات: وقضى قانون يوستنيانوس على اكليروس كل كنيسة بالصلاة اليومية. وكانت هذه الصلاة قد قسمت في مصر إلى ثلاثة أقسام. صلاة نصف الليل Mesonyktikou وصلاة السحر Orthos وصلاة الغروب Lykhnikon. أما في القسطنطينية وفي سائر الولايات فإنها أقيمت في الساعات السبع التي انتهت بالاسبيرينوس Hesperinos والابوذينون Apodeipnon صلاة النوم. وتليت مقتطفات من الأسفار المقدسة وأضيف إليها ترانيم منظومة ملحنة. وأتحفت كنيسة بيروت في هذا العصر الكنيسة الجامعة. رومانوس المرتل وكان يهودياً حمصياً فاهتدى ونبغ في النظم والتلحين وأمَّ العاصمة فأصبح مرتل الكنيسة اليونانية الأكبر. "ولم يحفظ لنا التاريخ عن سيرة هذا الشاعر القديس شيئاً يذكر سوى أنه ولد في حمص من والد يهودي متنصر وأم مسيحية تقية. وأنه انتقل في ريعان شبابه إلى مدينة بيروت، عاصمة الأدب والقانون إذ ذاك. حيث عيّن شماساً لكنيسة القيامة فيها. ومن هناك انتقل إلى القسطنطينية على عهد الأمبراطور انسطاسيوس الأول (518). فرقي إلى درجة الكهنوت. ونصب خادماً لإحدى كنائس العذراء في أحياء العاصمة. وتوفي في سنة 560. وقد ذكر المؤرخون أن القديس رومانوس وضع ما يربو على آلاف من هذه الأناشيد الطقسية. ولكن معظمها قد فقد، ولم يبقَ لنا منها سوى نحو مئتين (*)".

الأسرار: وأصرّ آباء هذا القرن السادس على ممارسة سر المعمودية في الكنائس دون سواها. ولام الآباء المجتمعون في القسطنطينية سنة 536 من قال بالطبيعة الواحدة على التعميد في المنازل الخصوصية. وعمد الآباء بالتغطيس ثلاث مرات وآثروا إجراءه لمناسبة الأعياد الكبيرة كعيد الميلاد وعيد الغطاس وعيد الفصح وعيد الصعود. وألحقوا التثبيت بالتعميد. وعمدوا الأطفال في اليوم الأربعين بعد الولادة وتساهلوا حتى السنتين.

تناول المؤمنين: ويستدل من رسوم صينية الكأس التي وجدت في ريحة أن المؤمنين في كنيسة أنطاكية في هذا العهد تقدموا من جسد الرب ودمه معطين اليدين وأنهم تناول الخبز أولاً ثم الخمر من الكأس نفسه. وجرت المناولة بعد الأصوام الأربعة ولمناسبة أعياد الميلاد والرسل والفصح والعذراء. وهنالك ما يدل على أن البعض تناولوا يومياًَ وأن آخرين استأذنوا للمناولة في بيوتهم.

يوستنيانوس والقانون الكنسي

خدمة القداس: ويرى رجال الاختصاص أن آباء القرن السادس لم يبدأوا الخدمة بتقديم المقدمة إلى المائدة كما نفعل اليوم. وهم يؤكدون أن قداس الموعوظين بدأ بالايصوذن الصغير وبالتريصاغون والبخور وأنه بعد تبادل المحبة بين الكاهن المصلي والشعب كانت تقرأ مقتطفات من النبوات والرسائل والإنجيل. وبعد هذا كله كان على أحد الشمامسة أن ينادي: "أيها الموعوظون اخرجوا" لأنهم كانوا لا يزالون غير معمدين. ولدى خروجهم كان أحد الشمامسة يقدم الطلبات السلامية. ثم يتلى دستور الإيمان (لأول مرة في السنة 511 ) ويجيء الايصوذن الكبير فيحمل الشمامسة المقدمة إلى المائدة ويرتل الشعب التسبحة الكروبية. وبعد البركة وقبلة السلام تقرأ ذبيتيخة الأحياء والأموات. والذبيتيخة دفتان مرتبطتان تصفحان وبغلقان، كتب عليه أسماء الذين عمروا الكنيسة وغيرهم من الأحياء والأموات. ثم يتبع الأنافور والتسبيح الأفخاريستي وذكر أسرار الفداء فالابيكليسيس Epiclesis (الابتهال إلى الروح القدس). ويعود الشماس إلى الطلبات السلامية ثم يتبادل المحبة ويكسر الخبز وتجري المناولة ويرفع الشكر ويُصار إلى الحل Apolysis.

الأيقونات: شاع في هذا القرن تكريم الأيقونات. ففاخرت الرها بتلك التي قالت أن السيد المخلص نفسه أرسلها إلى أبجر ملك الرها. وبالمنديل الذي انطبع عليه شكل وجهه. واعتبرت هذين الرسمين من يد غير بشرية فدعيا Acheiropoieles. واشتهرت صورة العذراء التي نسبت إلى لوقا الإنجيلي نفسه فنقلتها الأمبراطورة بلشيرية إلى القسطنطينية. وأقدم ما لدينا من أيقونات القرن السادس ما وجده في سيناء العلامة الروسي بورفيريوس اوسبنسكي وهي تمثل القديسين سرجيوس وباخوس وبين هالتيهما صورة مصغرة للسيد المسيح. وهي من محفوظات متحف كيف Kiev عاصمة أوكرانيا. ومن أيقونات هذا القرن صورة السيدة حاملة الطفل في متحف الأمبراطور في برلين وصورة يوحنا المعمدان في متحف كيف أيضاً. وجميع هذه مصورة بالألوان الممزوجة بشمع العسل لحمايتها من الرطوبة وقد ظهرت فيها العينان جاحظتين كأنهم تنظران من دار البقاء.

الذخائر: واشتدت العناية بما تبقى من آثار القديسين فلم تخلُ منها كنيسة من الكنائس. وقضى العرف في هذا القرن بأن ينقل إلى كل كنيسة مستجدة أثر من آثار القديسين الأبرار تبركاً واستشفاعاً. ومما يروى من هذا القبيل أنه عند تجديد بناء كنيسة الحكمة الإلهية في القسطنطينية بعد ثورة سنة 532 نقلت إليها قطعة من الصليب المقدس وحجارة بئر السامرية وأبواق أريخا وأن البطريرك ميناس نقل في السنة 547 إلى كنيسة الرسل الأطهار بقايا القديس أندراوس. وقد سبقت الإشارة إلى ما جرى من هذا القبيل في بعض كنائس الكرسي الأنطاكي.

وعني الأباطرة عناية كبيرة بجمع الذخائر وحفظها. فوضعت بلشيرية يد الشهيد الأول اليمنى في الكنيسة التي شيدت على اسمه في قصر القديس اسطفانوس في دفنة. وفي سنة 574 نقلت قطعة من عود الصليب من أبامية إلى القصر في القسطنطينية. ويروى عن يوستينوس الثاني أنه اعتبر الذخائر من أفضل ما يهدى إلى أصدقائه ولا سيما عود الصليب فأرسل شيئاً منه إلى البابا وإلى الملكة راديغوند لدى دخولها الدير في بواتية في سنة 569.

الحج: وبدأ الأتقياء بزيارة الأماكن المقدسة في أورشليم وبيت لحم والناصرة وغيرها في فلسطين منذ أوائل القرن الرابع. وتقاطروا زرافات من جميع أنحاء العالم المسيحي للوصول إليها والتضرع فيها وذلك لمناسبة عيد القيامة أو عيد رفع الصليب. ولم يقتصر الحجاج في حجهم على زيارة هذه الأماكن بل قصدوا غيرها في سورية ومصر. وأشهر أماكن الكرسي الأنطاكي في هذا القرن، مقام سمعان العمودي حيث قامت كنائس أربع حول صحن مخمس حوى وسطه عمود سمعان.

يوستنيانوس والقانون الكنسي

الأعمال الخيرية: كانت الكنيسة قد عنيت منذ نشأتها بالفقير والمريض واليتيم وابن السبيل. فلما انتصرت على الوثنية وأصبحت كنيسة الدولة كثر دخلها واشتد ساعدها فتنوعت أعمالها وظهرت الملاجئ والمياتم والفنادق والمستشفيات. وقام بهذه الأعمال جميعها رهبان أتقياء وراهبات صالحات وأرامل متعبدات.

وجاء يوستنيانوس فأحيى قانون سنة 382 ومنع التسول. ثم اعتبر جميع المؤسسات الخيرية شخصيات معنوية قضائية فضمن أموالها وراقب أعمالها. وسمح للواقف أو الأسقف أن يعين مدراءها ولكنه أوجب خضوعها للأسقف ومنح هذا الحق التدخل في أمورها وملاحقة مدرائها أمام محكمته. وسمح لهؤلاء بحق الاستئناف أمام مجلس المتروبوليت. وأنشأ الأمبراطور دائرة أوقاف رسمية إكليريكية وأصبح رئيسها الاورفانوتروفوس الأعظم مدير الإسعاف العام.

العلم والتعليم: واحتفظت الكنيسة الجامعة بحقها في تعليم المؤمنين قواعد الإيمان فخلت جامعة القسطنطينية وغيرها من مؤسسات الدولة من أي كرسي لهذه الغاية. وظل تدريس اللاهوت وتوابعه منوطاً بالأساقفة ومن يستعينون به لهذا الغرض. وتابعت مدرسة أنطاكية سيرها في هذا السبيل. أما مدرسة الرها فإنها أقفلت بأمر من الأمبراطور زينون سنة 489 وانتقل أساتذتها إلى داخل الحدود الفارسية واستقروا في نصيبين. ويرجح العلماء وجود المدارس في الأديرة ذلك أن يوستنيانوس أوجب على الرهبان مطالعة الأسفار المقدسة وتعاليق يوحنا الأفسسي.

وأشهر علماء هذا القرن لاونديوس البيزنطي. ولد في القسطنطينية سنة 485 وتلقى علومه فيها. وبعد أن زار رومة في سنة 519 أمَّ فلسطيي ليقضي الباقي من حياته في دير القديس سابا. وأهمية مصنفاته في تاريخ الفكر الكنسي تعود إلى المحاولة التي قام بها للتوفيق بين العقيدة الأرثوذكسية وفلسفة أرسطو. وكان من الطبيعي أن يبحث لاونديوس في النسطرة والطبيعة الواحدة وأن يرد على الاثنتين. وهو أول من استعان باللفظ اليوناني Enhypostasis لتبيان العلاقة بين الطبعتين في الابن.

وعاصر لاونديوس عالم سرياني جنح إلى القول بوحدانية الوجود هو اسطفانوس بارصوديلي ولد في الرها في منتصف القرن الخامس ورحل إلى مصر فقال أن كل طبيعة مساوية في الجوهر للذات الإلهية والجوهر الإلهي ومات في سنة 510.

وديونيسيوس الكاذب ذاك الذي انتحل اسم ديونيسيوس تلميذ الرسول بولس وأول أساقفة أثينة. هو من كتّاب هذا العصر أيضاً. ولد وثنياً في سورية الشمالية وقال بالأفلاطونية الجديدة ثم تنصر وصنف ليربط التصوف باللاهوت فضل وأضل في الشرق والغرب معاً طوال ألف سنة.

وأنجبت كنيسة أنطاكية في القرن السادس محامياً ورعاً ووالياً مؤرخاً هو ايفاغريوس الأنطاكي. ولد في أنطاكية سنة 536 وتلقى علومه فيها. واستوظف فعين في المالية في عهد طيباريوس وأصبح والياً في زمن موريقيوس. وعني بالتاريخ الكنسي فصنف كتباً ستة عالج فيها تاريخ الكنيسة منذ مجمع أفسس في سنة 531 حتى سنة 593 فأكمل أعمال سلفائه المؤرخين سقراط وسوزومينس وثيودوريطس. وتوفاه الله بعد سنة 593 وقبل سنة 600.

وأخيراً لا بد من الإشارة إلى المؤرخ يوحنا ملالا. فإنه أبصر النور في أنطاكية ونشأ فيها. وكتب في تاريخ العالم منذ أقدم العصور حتى عهد يوستنيانوس. وذلك باللهجة اليونانية الدارجة "ليكون كتابه في متناول العامة من مدنيين واكليريكيين". وكتابه هذا محشو بالترهات والمغالطات. ولكنه على ضعفه لا يخلو من الفائدة لكثرة أخباره وتنوعها ولشدة تأثيره على بعض المؤرخين المتأخرين. ويستدل من تضاعيف هذا الكتاب أن معظمه دُوّن في أنطاكية وأن القسم الأخير منه فقط صنف في القسطنطينية.

 Copyright © 2009-2024 Almohales.org All rights reserved..

Developed & Designed by Sigma-Space.com | Hosting by Sigma-Hosting.com