عن الكنيسة

كاهن الكنيسة

جمعية الكنيسة

مواقع

C??????E التراث العربي المسيحي

مصير شعب بلا سيادة وكنيسة

هذا مصير شعب بلا سيادة وكنيسة بلا هرميّة في القيادة!

(بقلم الأب د. بيتر مدروس)

نشر سيادة المطران عطا الله حنّا في صحيفة "القدس" الغرّاء مقالاً بعنوان: "كنيستنا الأرثوذكسيّة، إلى أين؟"، أيّد فيه الحراك الشّعبيّ الأرثوذكسيّ، شريطة ألاّ يتدهور إلى مصالح شخصيّة. وكان قد عُقد في بيت لحم المؤتمر الأرثوذكسيّ العربيّ الوطنيّ بمشاركة كبيرة وخوض مواضيع خطيرة. وقرّر الحضور "عزل البطريرك" اليونانيّ الّذي "يفرّط بالمقدّسات والأراضي" ومقاطعة رجال الدّين الّذين يرسلهم في المناسبات، مع إجراءات أخرى حكيمة سديدة.

                                                                                                                

شعب أعزل، يريد أن "يعزل" بطريركًا أعجميًّا "مدعومًا"!

نردّد بداية قصيدة يونانيّة يغنّيها المطرب المشهور يورغوس دالاراس: "لك قُلتها، وأكرّر القول : لا تنزلنّ إلى اليمّ!"

«Σ’το’ πα και σ’το ξαναλέω» وقد كتب الدّاعي، من هذا المنبر المحترم، وها هو يكتب من جديد: لا مجال لعزل بطريرك يونانيّ تدعمه، مع دول أخرى، دولة اليونان، وتصرف راتبه ورواتب أساقفته إمّا اليونانيّين أو المتينّينين" نفسًا وروحًا.  ولا يقدر شعب أعزل، تحت الاحتلال، يتمتّع فقط بحكم ذاتيّ، لا باستقلال كامل مثل سورية ولبنان، أن يُخرج من دياره اليونانيّين الّذين استولوا على دفّة بطريركيّته منذ عهد العثمانيّين حيث كان لبطريركهم وافر النّفوذ لدى الباب العالي.

وكنسيًّا، وبحزن عميق، يستنتج المرء عواقب وضع "الكنائس مستقلّة الرأس" (في اليونانيّة "أفتوكيفاليس"αυτοκέφαλες). "وكنيسة اليونان الأرثوذكسيّة (البيزنطيّة) إحدى الكنائس الأربع عشرة مستقلّة الرّأس" (موسوعة ويكيبيديا). ولعلّ كنيسة القدس المسكينة، مع أنّها الأمّ، تابعة لكنيسة اليونان وفرع منها: يونانيّ في رأسه، عربيّ فلسطينيّ أردنيّ في شعبه! وفي النّظام البطريركيّ الّذي رفض "أولويّة السّلطة" لأسقف روما، وما تقبّلها – منطقيًّا- "للبطريرك المسكونيّ" في القسطنطينيّة، مكتفيًا ب"أولويّة شرف" (حسب الطّلب البيزنطيّ في المادّة الثّالثة من مجمع القسطنطينيّة الأوّل)، تمّ تدمير الهرميّة والمركزيّة. وما عاد بطريرك "اسطنبول" يحكم على أيّ من البطاركة الآخرين وسائر الأساقفة. ومع كلّ تجاوزات بطاركة القدس اليونان الأرثوذكس، ما سمع أحد أيّ استنكار ولا حرمان من بطريرك القسطنطينيّة اليونانيّ "المسكونيّ" الّذي ترى رعيّته في تركيا تراجعًا عدديًّا مؤسفًا قد يقود قريبًاإلى اضمحلالها.

وهكذا، نرى الكنيسة في الشّرق تحتفظ بألقاب من الماضي المجيد قد دفنه حاضر من الصَّغار والهوان، وتخشى مستقبلاً أكثر ظلمة، مثل "رئيس أساقفة سبسطية"، والمدينة الرّومانيّة نفسها أطلال تَبكي وتُبكي!

لا يعني ما سبق الاستسلام للواقع الأليم الجائر، كما كتب سيادة المطران حنّا. ولكنّ الواقعيّة مطلوبة والوحدة بين المسيحيّين من جهة والعرب من نفس الجهة مطلوبة لتذليل شيء من الصّعاب والقضاء على بعض السّلبيّات، من غير أوهام. أمّا الحلّ العمليّ فهو بصراحة الاستقلال المادّيّ للأساقفة والكهنة عن الرّئاسة اليونانيّة، وذلك من غير إقامة "كنيسة جديدة"، أي بلا انقسام ولا خصام. أمّا الحلّ الأمثل وطنيًّا فهو الدّولة المستقلّة ذات السّيادة، ويا ليتنا في الطّريق إليها، بعد أن زالت ذريعة "الانقسام" بين القطاع والضّفّة. ولولا المخافة أن يتّهم أحد الدّاعي "بجرّ النّار إلى قرصه"، لقال بملء الفم وبسعة القلم: الحلّ هو تخطّي الأحقاد القديمة والأحكام السّلبيّة التي أكل عليها الدّهر وشرب، والاتّحاد الوجدانيّ والإداريّ مع "كنيسة الرّومانيّين جزيلة القداسة الّتي هي بمثابة المنارة لجميع الكنائس تحت الشّمس"، كما كتب القدّيس البطريرك المحبوب صفرونيوس  في رسالته السّينوديّة (ج 3188 – د 3189).  نعم، لا مفرّ من الوحدة، مع بقاء الطّقس البيزنطيّ بجميل أناشيده وليترجيّته الشّجيّة المأثورة، والنّظام الإكليروسيّ العريق، تحت ظلّ قداسة البابا خليفة القدّيس بطرس أمير الرّسل، والكرسيّ الرّسوليّ الرّومانيّ الّذي هو معقل "العقائد القويمة"، كما قال البطريرك الكهل صفرونيوس للأسف اسطفانوس الدّرّ الّذي استحلفه البطريرك الفاضل، على جبل الجلجلة السّامي، أن "يذهب إلى أقاصي الأرض حيث الكرسيّ الرّسوليّ مقرّ العقائد القويمة، ويروي للرّجال القدّيسين الموجودين هناك، لا مرّة ولا مرّتين، بل مرارًا وتكرارًا، حسب الحقيقة الدّقيقة، ما حلّ بنا هنا!" (عن مانسي 10، فقرة ج 896). أليس التّاريخ يعيد نفسه؟ ألا نريد أن نتعلّم شيئًا من "التّاريخ معلّم الحياة"، وقد رأينا عاقبة رفض معظم الشّرق الأوسط"للتّاج البابويّ" وتقهقر اليونان نفسها وتدهور لاهوتها وفلسفتها بعد الانشقاق الكبير سنة 1054؟

ويأسف المرء أن يرى كنيسة القدس البيزنطيّة الأرثوذكسيّة لا تقتدي بتواضع صاحب القداسة البطريرك المسكونيّ القسطنطينيّ برثلماوس الأوّل وأسلافه المغبوطين، منذ الرّاحل الفاضل أثيناغوراس الأوّل، ومودّتهم الخالصة لبطريرك روما العظمى أي قداسة البابا ورغبتهم الشّديدة في الوحدة. وقد بيّن أحد كهنة البطريركيّة اللاّتينيّة الألمعيّين، في أطروحة دكتوراة، أنّ بطريركيّة القدس اليونانيّة البيزنطيّة تحتلّ المكانة الثّالثة في التّعصّب والتّزمّت والسّلبيّة نحو كرسي روما ونحو الحركة المسكونيّة، بعد رهبان "الجبل المقدّس آثوس" وكنيسة اليونان.

بريق من الأمل بفضل قدّيس يجمع الكثلكة والأرثوذكسيّة : مار نقولا الأسقف

بالضّبط في هذه الأيّام العصيبة، اكتشف علماء آثار أتراك رفات القدّيس الكبير نقولاوس الأسقف تحت كنيسة قديمة، من القرن الحادي عشر، في مسقط رأسه أي بلدة "ديرميه"، بقرب أنطاليا. هذا ما أكّده عالم الآثار كميل كارابايرام معلنًا أنّ الاكتشاف رفيع الشّأن تمّ بفضل الرّادار الجيولوجيّ. ويسعى المنقّبون إلى بلوغ المعبد حيث الرّفات، من غير أن يلحقوا الضّرر بالكنيسة الأثريّة القائمة عليه. وهكذا يتّضح أنّ الرّفات والبقايا التي هُرّبت إلى "باري" في إيطاليا لم تكن للقدّيس نقولا.

مار نقولا، مع كلّ ما يمثّله من قداسة ووقار ومحبة للفقراء ولا سيّما للأطفال، يتألّق اليوم أيضًا بأنّه رمز أثيل من رموز الوحدة بين الكنيستَين الشّقيقتَين الأرثوذكسيّة والكاثوليكيّة. وكأنّنا به يدعونا إلى تخطّي نحو تسعمئة وثلاث وستّين سنة من الجفاء والانقسام والعداوة، بين روما القديمة وروما الجديدة القسطنطينيّة، لنعود معنويًّا إلى زمن القدّيسين نقلاوس وسابا وأفتيموس وثيوذوسيوس وإيلاريون وبرفيريوس وصفرونيوس حيث كانت الوحدة كاملة مع كرسي روما.

وإن قال قائل: "ما نضج الوقت بعد ولا النّفوس!"، فعلينا أن نتحمّل العواقب ونتخلّص من سوء الفهم الّذي يكتنف الكثير من المواقف التّاريخيّة والعقائد. والحقّ أنّ هنالك الكثير من سوء الفهم وسوء التّأويل للعقيدة والتّاريخ الكاثوليكيّين ليس فقط في المناهج الدّراسيّة بل أيضًا في كتابات أرثوذكسيّة تردّد، من غير تدقيق، ما ورد في بعض المصادر غير المطّلعة وغير المنصفة.

وإن كانت العقيدة لا تجمعنا حتّى الآن ولا الإدارة الكنسيّة، في رحاب دولة وطنيّة مستقلّة ذات سيادة، فإنّ الألم والذّلّ والمعاناة والقهر تربطنا بأعمق رباط، فيا ليتنا "نتعلّم ممّا نتألّم" منه! ويا ليتنا- كعرب وكمسيحيّين- نستخلص من عَبَراتنا العِبَر ومن دموعنا الدّروس، ونحن شعب يعاني من الاحتلال ومن الاستعمار المتستّر بالدّين. وقبل كلّ شيء وبعد كلّ جهد واجتهاد وحراك، "تأتي صلاتنا وسط ظُلمهم"، كما قال صاحب المزامير. ولكن، إذ "نعقل ونتوكّل"، نسعى إلى وقف ما صدر عنّا من تقصير وخيانة وعمالة، فنستغني، نحن المنتفعين، عن مصالحنا الفرديّة. ونكفّ عن التّملّق والتّزلّف، "ونسعى بكدّ أيدينا وبعرق جبيننا" لرزقنا ولبعثات دراسيّة لأولادنا، غير متّكلين على سخاء يونانيّ ومحسوبيّات تزيدنا صغارًا وتغرقنا في بحر الهوان.

وبعد أن عملنا كلّ ما علينا، نقدر أن نرجو من العليّ أن يفرّج كربنا وينقذنا من مظالم دامت طويلا وما أجدى معها بكاؤنا فتيلا!

 

 Copyright © 2009-2024 Almohales.org All rights reserved..

Developed & Designed by Sigma-Space.com | Hosting by Sigma-Hosting.com